في حكاياتنا ثورة(٢٧)

 

بقلم : محمود الشين

     بمثلما سطح نجم(الصغير) ونستون تشرشل ، فإن ثورة ديسمبر الظافرة أفرزت عدد هائل من النجوم وقادة المستقبل - وعندئذ تجدد السؤال القديم : (هل القائد يُولد أم يُصنع)؟ لست بصدد البحث عن إجابة ، فتلك مهمة آخرين من أهل التخصص ، لكن جرت العادة أن الشئ بالشئ يذكر.

   إن الفارق بين جيلنا وشباب المستعمرين -
هو إختلاف تنشئة إجتماعية في بيئة محفزة - وأخرى قاتلة للإبداع والإبتكار والتأمل. لا يمكن في هذه الحالة نسيان أو إغفال نوع وجودة التعليم. بل وطبيعة الإدارة في دولة الفرص والمؤسسات وأخرى مازالت تتحسس خطاها وتطرح السؤال العقيم (كيف يُحكم السودان)؟

  كم هو مؤسف أن تظل بلادنا كحقل تجارب
ولم تبلغ بعد أفق الإجابة على السؤال الحائر حتى بعد مرور أكثر من ستة عقود على نيلها الإستقلال من أجداد ونستون تشرشل - إن  قادتنا لم يعرفوا فضيلة تسجيل الإعتراف بالخطا على طريقة تشرشل ، ماكمايل ، كرومر ، ثيوبولد وغيرهم. ولو أن الإعتراف هو أساس التسوية.

      لقد فوجأ مجتمعنا بقادة وُلدوا في صخب الهتاف والأناشيد ، هم في الواقع بعض أيقونات الثورة في الداخل والخارج. قادة على صغرهم  وتواضعهم - هزموا دُعاة العنصرية ، الجهوية والمناطقية ولا يتعدى حلمهم إرساء دعائم دولة المواطنة والقانون - كان خطابهم من الوضوح والتصالح بمكان.

    لم تدع الأحزاب بعض المتسلقة أن يفوتها قطار الثورة مع أنها مثقلة بأوزار وأخطاء الماضي ، فأدركته سريعاً في آخر اللحظات وحصدت جهد وتضحيات الثوار.. صحيح أنها لم تسقط بعد لطالما لا تزال الوجوه الحزبية القديمة في المشهد وتمارس خبثها السياسي القديم.

  أذهلتني براءة الثوار وهم في أحضان الأفاعي السامة ، يأملون في العبور إلى الضفة الأخرى من نهر الحياة وما بخلوا بتقديم المزيد من الشهداء ، بينما ألمكونات السياسية (الأحزاب والعسكر) تتصارع على بقايا وليمة الإنقاذ.

  ربما تساءل الثوار كثيراً - أما لهذا الليل من آخر؟. تزداد قناعتي بأن تضحيات الشباب لم ولن تتوقف ، ولكن طال الزمن أو قصر - فمن يؤسس للإنتقال الديمقراطي المفضي إلى تحقيق شعارات الثورة (حرية ، سلام وعدالة)؟ .ولكوني من فئة اللا منتمي ، فلن أدعوهم للتحزب - غير أن سؤالي هو ما الحل مادامت الأحزاب هي من تتفاوض ، تسن القوانين والتشريعات وتختار الكوادر لتولي الشأن العام؟

   أقول ذلك وفي بالي أن معظم الشارع الثائر غير متحزب إن صدقت توقعاتي. إن مسائل فنية حيوية مثل التعداد السكاني ، مفوضية وقانون الإنتخابات ، السجل الإنتخابي ، القوانين التي تكفل حرية الرأي والتعبير ، المؤسسات العدلية ، التشريعية.. كلها عوامل حاسمة في عملية مخاض الإنتقال - أين الثوار من هذا التخلق؟

  كلما يكثر الحديث عن إنتخابات مبكرة - أقول كان الله في عون ثوار ديسمبر لسبب بسيط هي أن الشوارع التي لا تخون ، لن تذهب للتصويت في صناديق الإقتراع. ففي بلد الموازنات المناطقية ، الجهوية ، الطائفية وسطوة المال قد تصطدم شعارات الثورة بحائط الردة وإن كانت مستحلية بمنطق الثوار.

   لن أرسم صورة قاتمة لكنها حقائق التاريخ التي لا يسجلها الساسة في مذكراتهم ، لأنهم لا يملكون شجاعة ونستون تشرشل ، ولا جرأة الشيخ بابكر بدري في (حياتي).. كيف سقطت حكومة الزعيم إسماعيل الأزهري وبأية طريقة ازيح المحجوب ، كم نسخة من الوثيقة الدستورية كثيرة الجدل؟ وبأي دهاء أُسقط الدكتور حسن الترابي في دائرة الصحافة - جبرة ، ولما كانت دارفور دون غيرها حقلاً للنواب المصدرين ، ومن خان السلطان على دينار في الساعات الأخيرة ، ولماذا حدثت مجزرة بيت الضيافة؟

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

578 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع