في حكاياتنا ثورة (٢٨)

 

بقلم : محمود الشين
  
    مهما يكن من أمر فإن الحراك الثوري الذي كان ومازال مستمراً - صنع قيادات شبابية على أرض الواقع أياًَ كان رأي الناس فيها - على الأقل هم محل تقدير وقدوة لمن معهم من جيل ثائر. جيل يرى أن ثورته قد أُختطفت ، بل حادت عن إنجاز أهم مطلوباتها وشعاراتها المعلنة (الحرية ، السلام والعدالة).

    هؤلاء القادة الجدد علي المشهد السياسي أصبحوا الآن بمثابة أيقونات لثورة ديسمبر المجيدة ، وهي أكثر ثورة وطنية في تاريخ السودان الحديث شهدت سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء ، الجرحي وغيرهم من المفقودين وحالات الإعاقة. فالعنف والقمع الذي مارسته السلطات الحكومية لكسر إرادة وعزيمة الثوار
لا يوصف.

  لقد تسبب هذا الحراك ليس في إسقاط نظام الإنقاذ بتلك السرعة فحسب ، وإنما في إرباك الممارسة السياسية في أوساط الأحزاب - يمينها ويسارها - سوأ كانت معارضة للنظام البائد أو تلك (المتوالية) معه كما يقول دستور ١٩٩٨م. وحدثت هزة عنيفة في البنية التنظيمية للقوي التقليدية.

    لم يعد القرار بيد عواجيز السياسية بعد أن أصبح الجيل الجديد صانعاً للإصلاح والتغيير
وإرتفعت سقوف مطالب الثوار المتحزبين إلى المطالبة بإجراء إعادة هيكلة للأحزاب يكون فيها للشباب نصيب الأسد ، وأن تتحول القيادات التاريخية والقديمة إلى مرجعيات داعمة للعمل الإداري والتنظيمي.

  هذه الصحوة الشبابية - إنتقل كذلك تأثيرها حتى إلي حزب الرئيس المعزول عمر البشير (المؤتمر الوطني) - فالشباب هم الشباب وتلك بلدهم وهذا مستقبلهم. ستعاني الأحزاب كثيراً في كيفية إعادة البناء التنظيمي على نحو يرضى طموح وغرور الشباب الثائر.

   هذا الشباب يمتلك في الحقيقة كل أدوات التغيير والتأثير على القواعد الشعبية في جميع أنحاء البلاد. ولا أستبعد هذه المرة التوافق بين فرقاء السياسة من الشباب - كل في حزبه أو منظمته لإحداث التحول الذي سينقل الجيل الجديد كلياً إلى مواقع صنع القرار السياسي.

   ستزداد معاناة الأحزاب بنهاية الفترة الإنتقالية الحالية والتي لا ندري إن هي (بدأت فالفعل أم
إستبدلوا جداولها).. تأتي المعاناة من جهة كيفية تخطيط وتصميم برامج إنتخابية مسؤولة وجادة لتخاطب مطلوبات وقضايا المواطنين ولا تغفل دور ومستقبل الشباب.

  هذا الجيل واضح انه عنيد جداً.. يقول عن ذاته أنه (راكب رأس) وهو بالفعل كذلك. ليس هذا فقط بقدر ما يمثل غالبية الناخبين في أية إنتخابات قادمة تشهدها البلاد. يبدو أن خارطة الولاءات القديمة قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه في السابق.

  هذا التحول السريع ، لعبت فيه السوشيال ميديا دوراً كبيراً ويمكن ملاحظته بوضوح في المناطق التي شهدت النزاعات والحروب ، فكان التغيير الديمغرافي.وفي مخيمات النزوح واللجوء ، تبدو الكارثة أكبر ليس في تنظيم العملية الإنتخابية ولكن حتى في إسترداد ولاء جيل الحرب للوطن نفسه ، وهم من وُلدوا وعاشوا على عون وحماية المجتمع الدولي لهم حين تخلت الدولة واجبها إتجاههم.

   هذا الجيل الديسمبري يحلم بدولة إفتراضية هي جمهورية أعالي النفق ويعاوده الحنين مجدداً إلى أيام ساحة إعتصام القيادة العامة وسط الخرطوم. فتلك كانت فترة زاهية ، قفز فيها الثوار فوق حاجز المناطقية ، القبلية والجهوية وتحرروا من قيود الأحزاب وكان حزبهم هو الوطن الكبير.

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

268 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع