محاربة خطاب الكراهية لبناء مجتمع مسالم

الخرطوم سلاميديا 

بقلم: مصطفى حسين 

تعاني المجتمعات الإنسانية في كثير من مناطق اليوم من العنف الحاد وذلك بسبب تزايد معدلات التمييز والذي ياتي كنتيجة مباشرة لتفشي ظاهرة خطاب الكراهية.

وتقول الأمم المتحدة بان خطاب الكراهية تشير إلى الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردًا بناءً على خصائص متأصلة (مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي) والتي قد تهدد السلم الاجتماعي.

وفي ذات السياق يعرف مجلس اوروبا خطاب الكراهية بأنه "جميع أشكال التعبير التي تنشر او تحرض او تروج أو تبرر الكراهية العنصرية أو كراهية الأجانب أو معاداة السامية أو غير ذلك من أشكال الكراهية القائمة على التعصب".

يتضح من ذلك ان خطاب الكراهية تمثل إحدى المخاطر التي تهدد استقرار المجتمعات الإنسانية وعاملا من العوامل التي تلعب دورا مهما في تاجيج النزاعات بصورة عامة.

وغالبا ما يستخدم خطاب الكراهية لارتكاب جرائم فظيعة بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية او جرائم الابادة الجماعية مثل ما حدث في رواندا والسودان في وقت لاحق.

ولما لخطاب الكراهية من خطورة فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حظر خطاب الكراهية إذ ان المادة السابعة للاعلان تنص على أن الجميع لديه الحق في حماية متساوية ضد اي تمييز.

ان عملية محاربة خطاب الكراهية تتطلب جهدا متكاملا بين الحكومات والمجتمعات ممثلة في منظمات المجتمع المدني والاعلام والقوى فاعلة للجمعيات والمنظمات والاحزاب والنقابات، وذلك من أجل الوصول إلى مجتمع مسالم ومتساو.

تعاني منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا من نزاعات متعددة لذلك ينبغي أن تقوم كل الجهات الفاعلة بلعب دورها من أجل بناء مجتمع يقوم على اساس العدالة والمساواة دون أدنى تمييز لأي سبب مرتبط بالأصل العرقي او الديني او الجغرافي.

 

Pin It

معامل الاستثمار في العرق..من الذي يصدر خطاب الكراهية لمواقع التواصل السودانية ؟

 

سلاميديا_ وفاق التجاني. 

 

تضج وسائل التواصل الاجتماعي في السودان بمحتوى ضخم يكرس لهتك النسيج المجتمعي، قد يؤدي إلى دائرة صراع وحرب أهلية لا تنتهي. لكن السؤال هنا، من المسؤول عن تصدير خطاب الكراهية لوسائل الإعلام، والغرف الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي؟ 

 

 تهتم عدد من الصفحات على منصات الفيس بوك والتيك توك وتويتر والكلاب هاوس وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، ببث خطاب التمييز والعنصرية، في محتوى يوهم بفتح مجال لمناقشة أسباب أزمات السودان وادعاءات بفتح المجال للتعبير عن الآلام التاريخية، واحترام حريات التعبير، إلا أنها أصبحت قنوات لتكريس خطاب الكراهية بامتياز. 

 

ولا تعتبر هذه الظاهرة الأولى من نوعها في آليات شق الصفوف والتحشيد في السودان، والذي قد تأخذ طابعا قبليا وثقافيا وحزبيا أو حتى إقليميا. فقد اعتادت الحكومات والأحزاب السياسية وغيرها من الكيانات ببث ذات الخطاب مع اختلاف الوسائل، وهذا ما أشار إليه الأستاذ محمد بدوي، الباحث في المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام. 

 

وقال بدوي أنه وحتى قبل سقوط النظام البائد 11 أبريل 2019، كان السودان يزخ تحت وطأة الدولة الدينية منذ العام 1983 وإعلان الجهورية الإسلامية قوانين سبتمبر، التي أصدرها الرئيس الأسبق جعفر نميري بمساعدة المفكر وعراب الحركة الإسلامية في السودان حسن الترابي. 

 

وسقط النظام الإسلامي في السودان بقيادة الرئيس عمر البشير، في 11 أبريل 2019 بموجب انتفاضة وثورة شعبية، نادت بالحرية والسلام والعدالة، وتكونت بمجوبها وثيقة دستورية تشارك فيها العسكر والمدنيين الحكم لمدة 39 شهرا، إلا أن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان قرر تعليق العمل بها في 25 أكتوبر 2021؛ مما اعتبره المدنيون انقلابا عسكريا. 

 

 ويقول بدوي، على سبيل المثال، أن العديد من الأحداث التي تمت مثل أحداث الضعين أو "مجزرة الضعين" في 1987، وقبلها التجمع العربي في دارفور في 1986 تعتبر نتاجاً وسياقاً لخطاب تمييزي مرتبط باختلال السياسات المركزية الاقتصادية والسياسية من وقت مبكر. مضيفا أنه جاء نتيجة لانحياز الدولة للقطاع الرعوي في غرب السودان والقطاع الزراعي في شرق السودان، وهذا من أُسس محركات خطاب التمييز لارتباطه بتوجه الدولة الاقتصادي. 

 واتبع بدوي أن في نوفمبر 1989 تكون الدفاع الشعبي بعد خمسة أشهر من انقلاب 1989، وهذا جاء كتهيئة لتحويل الحرب السياسية بين الخرطوم والحركة الشعبية، إلى حرب جهادية وهذا بالضرورة ألحق بها قاموس كامل من التمييز. وكذلك الحركة الإسلامية لم تسلم من الحالة، فانقسام 1999 إلى حزبي المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني اتخذ طابعا شبه جغرافي من حيث العضوية. 

 

وأضاف أنه جاءت حرب دارفور في 2003 كعقاب جماعي للمدنيين المنحدرين من أصول مشتركة مع قادة حركات دارفور. كما جاءت حرب دارفور بقاموسها لتحدث تحولاً في قاموس 1986 عقب تشكل التجمع العربي من عرب وزرقة إلى جنجويد وتوربورا. 

 

وأشار بدوي أن سياق العام والأرضية المشتركة لكل هذه الحقب المتسمة بخطاب الكراهية أدى إلى بروز الرقابة على الإعلام من قبل السلطة لتشمل الكتاب والصحف المعارضة، لكن بالمقابل كانت إذاعة أمدرمان تبث حديث الصباح للرائد آنذاك يونس محمود والتلفاز القومي يبث برامج ساحات الفداء. واشتهر البرنامجان بنشر خطاب الكراهية. كما برز خطاب الكراهية في عريض مانشيت لإحدى الصحف الموالية للسلطة التي وصفت النساء اللائي خرجن في مظاهرة سلمية ضد قمع حقوقهن بالعاهرات، وهو مثال لاستخدام خطاب الكراهية لمواجهة حرية التعبير. 

 

 ولفت أن الحال استمر حتى بعد سقوط نظام البشير حيث قام مؤيدوه في نشر خطاب الكراهية عبر كافة الوسائط وحتى في منابر دور العبادة، وهو ما ينطبق ما يحدث حاليا حيث يخرج بعض قادة العمل التنفيذي من أعضاء النظام السابق علنا تحت مظلة التعبئة أو الاستنفار لبث خطاب الكراهية. وأضاف أن كل هذا المحتوى يعتبر صنفا من أصناف خطاب الكراهية؛ لأنه يروج لانتهاك الحق في الحياة والمواطنة، واستمراره مرتبط بصورة مباشرة مع استمرار الحرب وغياب الإعلام المستقل المؤثر، والتضييق على قوى الثورة التي تعمل على مناهضة خطاب الكراهية. 

 

من ناحية أخرى، يقول الصحفي والمحلل السياسي أحمد داوود أنه لا يمكن فهم تنامي خطابات الكراهية في الفترة ما بعد حرب 15 أبريل 2023 دون فهم نوعية هذه الحرب. وأضاف من الصحيح أنه كان هنالك خطاب يؤسس للكراهية قبل الحرب، لكن هذه الحرب هي بمثابة اللحظة المنتجة عمليا ومؤسساتيا لهذا النمط من الخطاب. 

 

وأضاف أن طرفي الصراع العسكريين غير مؤهلين لإنتاج تنظير سياسي ومعرفي يمكن أن يستميلا السودانيين، لذلك لجأوا إلى خيار الأسهل وهو الاستثمار في خطاب الكراهية المبني على العرق.

 وأتبع قائلا "أستطيع أن أؤكد الآن وجود غرف لتصدير هذا النمط من الخطاب، بحيث يصطنع ورثة الدولة القديمة صورة مشوهة للدارفوريين بوصفهم برابرة وقتلة ومغتصبين كذريعة للقضاء على خصومهم، ينما يوظف الدعم السريع المواصفات السالبة التي اصطنعها عن مجتمعات الوسط والشمال للتبرير لانتهاكاته وتشكيل وعي عام متسق مع مشروعه". 

 

 ويتفق الصحفي والمحلل السياسي محمد عبد العزيز مع هذا السياق، حيث يرى أن خطاب الكراهية الشائع على منصات التواصل الاجتماعي الآن، هو الحلقة الأساسية من أجندة إجهاض الثورة الشعبية التي أسقطت النظام الاستبدادي في العام 2019. 

وأضاف أنه من هذا الخطاب يظهر جليا من هم الأعداء الحقيقيون للثورة السودانية، َوأشار أن الجهات التي بدأت الحرب هي نفسها التي تعتمد على خطاب الكراهية كسلاح لدق مسمار آخر في عرش ثورة ديسمبر. 

 

ولفت أن طرفي النزاع يستخدمون هذا الخطاب في انسجام وكأنهم يعزفون ذات النوتة الموسيقية، وأشار كذلك لتبادل أدوار واضحة من طرفي الحرب عن طريق أذرعهم وممثلي غرفهم الإلكترونية على المنصات. 

 

وقال عبد العزيز أن المحتوى الآن في وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر تضليلا إعلاميا واضحا يهدف لتحويل الصراع بين الطرفيين العسكريين إلى حرب أهلية، وأشار إلى أن هناك أيضا مسؤولين مدنيين وصحفيين وشخصيات بارزة تقود هذا الخطاب في محاكاة لما حدث في دولة رواندا، رغم أن هناك قوانين رادعة، والتي تعتبرها جريمة حرب بامتياز، حيث يوجد في المادة 64 بنداً يجرم خطاب الكراهية وإثارة الفتن العرقية والدينية. ومع ذلك، يرى الباحث الحقوقي عبد الباسط الحاج أن هذه القوانين غير رادعة بشكل كاف. 

 

ويقول عبد الباسط إن هذه القوانين فضفاضة وغير دقيقة، ولم تنص بشكل واضح أي نوع من الفتن أو ما مداها مضيفا أن العقوبة في هذه المادة هي السجن لمدة عامين أو الغرامة أو العقوبتين معا. 

ويتضمن قانون جرائم المعلوماتية في السودان للعام 2022 البنود نفسها فيما يخص تجريم خطاب الكراهية تحت مادة تأجيج الفتن، وذلك بحسب مولانا عبد المنعم عبد الحافظ رئيس نيابة جرائم المعلوماتية. وأضاف عبد المنعم أن القانون ينص على أن إثارة الكراهية ونشر العبارات التي تؤدي إلى الكراهية لها عقوبة قد تصل إلى السجن المؤبد.

Pin It

احتجاز صحفي تحت ظروف إنسانية سيئة بواسطة استخبارات الجيش

 

الخرطوم سلاميديا 

 

قامت استخبارات الفرقة الرابعة مشاة بالاعتداء على الصحفي ياسر جبارة واحتجازه داخل حاوية شحن لمدة أربعة أيام قبل إطلاق سراحه اليوم.

 

وتحدثت سلاميديا إلى الاستاذ ياسر جبارة الذي أبان ان مكان الاحتجاز سيئا، وتحت ظروف غير صحية فضلا عن ازدحامه. 

 

وادان التحالف المهني للصحفيين السودانيين امر الاعتقال دون مسوغ قانوني فضلا عن تكرار عملية استهداف الصحفيين وازدياد وتيرته منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل.

 

وحذر التحالف من التمادي في استهداف الصحفيين السودانيين وانتهاك حقوق الإنسان، مؤكدا ان الاعتقال لن يثني الصحفيين من القيام بواجباتهم المتمثلة في تمليك الحقائق للرأي العام.

 

Pin It

كيف يضاعف التغير المناخي معاناة النساء السودانيات

الخرطوم سلاميديا

أعد التقرير الاستقصائي :

 

       تاية بدر الدين

 

      تهاني سعدان

 

      مآب الميرغني

 

خبيرة في مجال الصحة الإنجابية: خروجهن قسريًا من منازلهن دون أخذ الاحتياطات اللازمة يتسبب في زيادة الضغط النفسي.

صندوق الأمم المتحدة: معسكرات النزوح في دارفور مهددة بالاعتداء الجنسي والجسدي على النساء النازحات.

استاذ بالمرحلة الثانوية: هناك تدني في الوعي بأهمية التعليم، فضلًا عن غياب قانون رادع يلزم الأسرة بتعليم أبناءها وهذا بسبب عدم التزام السلطات المعنية بمجانية التعليم.

مختصة في مجال المحافظة على الطبيعة: تدمير المدارس بشكل مباشر أثر على المسيرة التعليمية للذكور والإناث.

مزارعة: المزارعات تضاعفت معاناتهن بآلام في الظهر والسلسلة الفقرية وضربات الشمس بسبب عملهن لساعات إضافية.

تكررت عبارة “التغير المناخي” كثيرا في نشرات الأخبار، المواد الصحفية، وغيرها من محتوى مواقع التواصل الاجتماعي. المناخ هو حالة الطقس عبر فترة زمنية طويلة، وهو القيمة المتوقعة لكل من الرطوبة والرياح والأمطار والحرارة والضغط الجوي، لمنطقة جغرافية واسعة.

 

يعرف التغيير المناخي على أنه التغير الذي يحدث في مناخ الإقليم أو مناخ العالم عبر فترة زمنية طويلة، يمكن أن تتجاوز القرون، ويكمن السبب وراء حدوث هذا التغيير هو العمليات الداخلية للأرض أو بعض الأنشطة البشرية، ومن أهم هذه التغيرات هي تغير درجة الحرارة الموجودة على سطح الأرض.

 

وبالتوازي مع حدث مهم كقمة المناخ الأفريقية التي أقيمت في سبتمبر ٢٠٢٣ قبيل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المعرف اختصارا بـ (كوب ٢٨) المقامة في الإمارات العربية المتحدة، شهدت الكثير من الدول أحداثا مناخية متطرفة، كما حدثت كوارث طبيعية، ومن أبرزها إعصار دانيال في ليبيا، الذي أثر على البنية التحتية لمدينة درنة الساحلية. بالإضافة لذلك، حدث زلزال المغرب الذي خلف أكثر من ٢٩٠٠ من الضحايا، بالاضافة إلى اصابة ما يتجاوز ٥٠٠٠ شخص.

 

هذه الأحداث، فتحت الباب أمام نقاشات جادة لنتائج التغير المناخي وكيفية التعامل مع التحديات الماثلة، خصوصا أن الأمين العام للأمم المتحدة، انتونيو غوتيرش، قد صرح قائلا بأن “الكوكب يغلي“. و أعلن موقع المركز الأمريكي للملاحة الجوية وإدارة الفضاء، المعروف بـ (ناسا)، أن شهر يوليو ٢٠٢٣ هو الأكثر سخونة على الإطلاق منذ العام ١٨٨٠.

 

التغير المناخي يؤثر سلبا على الغطاء النباتي، ماقد يؤدي إلى آثار أخرى نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية. وفي هذا التقرير، نلقي الضوء على تلك الظلال التي يخلفها تغير المناخ على فرص النساء في الصحة والتعليم في السودان. يركز التقرير على إقليم دارفور وإقليم النيل، كونهما إقليمان يعانيان شح في المياه، والفيضانات، والجفاف، بالاضافة إلى معسكرات النزوح. يعمل التقرير على إثبات فرضية أن النساء هن أكثر من يعانين بسبب التغييرات المناخية، مستعينين بأدوات المصدر المفتوح، وافادات من الخبراء والخبيرات، بالاضافة لاستبيان شمل عينة من مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي من الذكور والإناث، يستهدف تقييم الوعي بالتغييرات المناخية.

 

النساء والتغير المناخي:

 

تقول سيدة ذات ٤٥ عاماً من (القرية 1) بريفي الدمازين -فضلت حجب اسمها- تعمل في الزراعة بمنطقة قنيص، شرق محلية الروصيرص بأقليم النيل الأزرق، أنهن يعانين من عدم وصول إمدادات المياه للقرية، فيعتمدن كليا على حفير المياه الذي يمتلئ في الخريف ويجف في الصيف. وفي حال تأخر الأمطار، ذكرت أنهن يذهبن إلى النهر لإيراد المياه، ولكنها رحلة شاقة تستمر لأكثر من ساعتين مشيا ذهابا، ومثلها إيابا، وفي بعض الأحيان نستعين بمياه الآبار، ولكنها بعيدة، بالاضافة إلى أن طعمها غيرر مستساغ. ذكرت أيضا أن النساء يتأذين من حمل المياه بسبب ثقل وزنها، فقد تسبب هذا الروتين في تقوس ظهور بعضهن، بالاضافة لتورم الأرجل بعد هذه الرحلة الشاقة.

 

للتحقق من المسافة التي يقطعنها النساء إلي النهر من القرية 1، استخدمنا “خرائط قوقل” لقياس المسافة. وجدنا أن المسافة بين القرية والنهر تبلع ٥.٨٨ كيلومتر تقريبا. هذه هي المسافة كخط مستقيم، ولكن تعرجات الطريق والعوائق الأخرى من زراعة وتضاريس قد تطيل المسافة.

 

 

        لقطة شاشة توضح المسافة بين القرية 1 والنهر (المصدر: خرائط قوقل)

 

مضاعفات أخرى:

 

وتلخص قصتها المزارعة، وعضو الجمعية الخيرية الخاصة بشبكة نساء النيل الأزرق عواطف عيسى، تقول: “أقطن و امتهن الزراعة في قنيص شرق، حيث تبلغ المسافة من منزلي إلى مكان عملي حوالي نصف ساعة. على غير العادة، أتت أمطار هذا العام “خفيفة” ليس كسابق الأعوام مما اضطر بعض زميلاتي لإعادة زراعة ما زرعنه من الفول واللوبيا والذرة، وذلك بسبب جفاف الأرض، مما زاد معاناتهن من آلام الظهر، والسلسلة الفقرية، وضربات الشمس. أصبحن يعملن من الساعة السادسة صباحًا حتى العاشرة صباحا دون توقف أو راحة، ويجلسن لأخذ قسط من الراحة ثم يعاودن وضع البذور حتى منتصف النهار، ومن ثم يعدن إلى منازلهن. وبحسب موقع (ويذر سبارك) المختص ببيانات الطقس، فإن معدل هطول الامطار في أغسطس ٢٠٢٣ بلغ ٥.٩ بوصة.

       رسم بياني يوضح معدل هطول الأمطار في العام ٢٠٢٣ (المصدر: موقع ويذر سبارك)

 

إحتياطات وإحتياجات:

 

أشارت د. مروة تاج الدين وهي خبيرة وإخصائية في الصحة الإنجابية، إلى النساء يواجهن تحديات صحية إنجابية في مخيمات النزوح، حيث قد يضطررن إلى الفرار من منازلهن أثناء الحمل بسبب الفيضانات أو الجفاف، مما يجعل من الصعب عليهن متابعة الطبيب. كما أن وصول حقائب الكرامة التي تحتوي على مستلزمات صحية للنساء قد يتأخر، وقد لا تكون كافية لتلبية احتياجات جميع النساء. ايضآ يتعرض النساء في مراكز النزوح لتحرش او عنف جنسي قد يصل في بعض الأحيان إلى الاغتصاب. بسبب الازدحام وقلة دورات المياه، قد لا تتمكن بعض النساء من الذهاب إلى دورات المياه ليلاً. هذا يعني أنهن قد يضطررن إلى ارتداء الفوط الصحية لفترة أطول من اللازم، مما قد يؤدي إلى التهابات حادة ومشاكل صحية خطيرة في الصحة الإنجابية.

 

توضح د. مروة أن صعوبة الحياة في المعسكرات تقيد حركة النساء، حيث أنها مختلطة ومزدحمة، كما أن دورات المياه بعيدة عن المخيمات، مما يجعل من الصعب تغيير الفوط الصحية بطريقة مريحة. بالإضافة إلى ذلك، فإن شح المياه.

 

هنالك تأثيرات مباشرة للتغييرات المناخية على صحة النساء الإنجابية منها ان هنالك دراسات رجحت على أن التغييرات المناخية تؤثر مباشرة على نسبة ذكاء الطفل المولود في حالة تعرض الأم الحامل لإنبعاثات ضارة. كما أن لتغيرات المناخية تؤثر على النساء والرجال بطرق عديدة، بما في ذلك زيادة خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، وانخفاض فرص الإنجاب، وزيادة خطر العقم وتأخر الإنجاب.

 

وأفادت دراسة نشرت على المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، أن النتائج التي توصلت إليها تشير إلى أن التعرض للانبعاثات والتلوث، يضعف النمو العصبي للجنين.

 

ضحايا الكوارث الطبيعية:

 

ذكر د. القرشي موسى علي مدير مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بولاية القضارف ومحلل برامج الصحة الإنجابية وقضايا الجندر أن المناخ يؤثرعلى ازدياد حالة الجفاف لمصادر المياه، وقد يؤدي ذلك إلى النزوح أو اللجوء أو تغيير نمط حياة السكان الزراعي والإنتاجي والصناعي، ويقع ذلك أيضا على ربات البيوت.

 

واستطرد حديثه قائلا، ان مهددات الاعتداء الجنسي والجسدي على النساء في معسكرات النزوح في دارفور كانت تقع على النساء في أثناء الذهاب إلى الاحتطاب، حيث أن التغير المناخي قد أثر على مصادر المياه وتسبب في انحسار الغطاء النباتي، مما جعل رحلة الاحتطاب بعيدة عن مناطق السكن.

 

أكد الدكتور قرشي أن النساء والفتيات يتحملن بشكل غير متناسب عبء الأحداث المتعلقة بالمناخ والضغوط البيئية. حيث تشكل النساء ٢٠ مليونً من أصل ٢٦ مليون شخص نزحوا بالفعل بسبب تغير المناخ.

 

في ولاية القضارف بالسودان، تتعرض بعض المحليات (المفازة والرهد والفاو) سنويًا إلى أعاصير وأمطار غزيرة وفيضانات بسبب المناخ المتقلب. هذه الفيضانات تؤدي إلى قطع الطرق وإيقاف الحركة بين المدن. كما أنها تؤثر على استقرار التعليم والصحة، إما بسبب انهيار البنية التحتية الأساسية، أو بسبب حركة النزوح السنوية التي تصاحب الفيضانات، والتي تؤدي إلى استخدام المدارس كمراكز إيواء.

 

وجدنا أن دراسة صدرت في العام ٢٠١٦ من برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، قد ذكرت أن النساء يمثلن ما نسبته ٨٠ بالمئة من النازحين بسبب التغيرات المناخية.

 

خطر الموت يهدد الطفلات:

 

تعمل د. عائشة عبد العزيز من المبادرة النسوية للتوعية (وعي) مع النساء في محليات النيل الأزرق لرفع قدراتهن وتزويدهن بالأدوات والمعرفة الصحية. وتعاني النساء والفتيات في هذه المحليات من الإجهاد المستمر بسبب نقل المياه من مسافات بعيدة. وكثيرًا ما تسقط الطفلات في الآبار أثناء محاولتهن جلب المياه، مما قد يؤدي إلى موتهن. حدثت عدة حوادث سقوط في الآبار، تحديدا في منطقتي الكيلي، والشهيد أفندي.

 

 قامت وزارة التربية والتعليم في عدد من المحليات بتنفيذ دروس مسائية للمتغيبات عن الدراسة بسبب جلب المياه، ولكن لم تنجح هذه التجربة بسبب تعب الطفلات اليومي.

 

يشكل بعد القرى عن مصادر المياه مشكلة صحية خطيرة للنساء والفتيات. كما أن تغير المناخ يفاقم هذه المشكلة، حيث يؤدي إلى تغير أنماط هطول الأمطار وانحسار مصادر المياه.

 

                خريطة توضح بعض مناطق حدوث السقوط في الآبار

 

الأطفال وفقر القوانيين:

 

يقول وكيل مدرسة الفاشر والأستاذ المساعد بجامعة الفاشر سليمان عيسى محمد أحمد أن الأطفال ينخرطون في العمل الزراعي منذ الصغر مع أسرهم الصغيرة،،ويكون العمل في البدء لملء وقت الفراغ، يكون عملا غير مأجور. وأرجع ذلك إلى تدني مستوى دخل الأسرة، وبالتالي تصبح غير قادرة على الوفاء بمستلزمات أبناءها في المدارس. وأكد عيسى أن أطفال المدارس من الجنسين في المناطق الريفية يمارسون مهنة الاحتطاب وانتاج الفحم، ويعملون أيضا في المصانع، خاصة مصانع الزيوت، بأجور زهيدة.

 

تأثير الثقافة المحلية والتغير المناخي على فرص النساء:

 

أكدت المتخصصة في مجال المحافظة على الطبيعة رزان بشير أن تغير المناخ يؤثر على التعليم والصحة للنساء والفتيات في السودان. وأرجعت ذلك لأسباب ثقافية، حيث أن النساء مسؤولات من إيراد المياه للزراعة وغيرها من الأغراض، وهو ما يستهلك وقتهن ويجعلهن غير قادرات على التعلم. وقالت إن الأحداث الجوية المتطرفة، مثل الجفاف والفيضانات، تؤدي إلى تدمير المدارس والبنية التحتية الصحية. كما تؤدي إلى تعطيل الدراسة والعمل، مما يجعل من الصعب على النساء والفتيات الحصول على التعليم والرعاية الصحية.

 

وأضافت أن النساء والفتيات يتحملن أعباء أكبر من الرجال في الزراعة والرعي، مما يجعلهن أكثر عرضة للآثار الاقتصادية لتغير المناخ. كما أنهن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المرتبطة بتغير المناخ، مثل الكوليرا والبلهارسيا، بسبب نقص الوصول إلى المياه النظيفة، واحتكاكهن بشكل مباشر بمصادر المياه.

 

تقارير ودراسات سابقة:

 

كثيرا ما نقرأ عن تقارير أصدرتها الأمم المتحدة، تحدثت فيها عن النساء وأثر عوامل تغير المناخ، وأكدت أن النساء في جميع أنحاء العالم عامل مهم من عوامل التغيير.

 

ذكرت بلقيس عثمان العشا، وهي كاتبة مشاركة في تقرير التقييم الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، أن “الجندر” وعدم المساواة بين الجنسين هو الظلم الساحق في عصرنا وأكبر تحدٍ نواجهة بشأن حقوق الإنسان. المساواة بين الجنسين والعمل على تحقيقه يرجع لأُلوف السنين، فانتقاص حق النساء فعل متجذر، هو ما يخلق فجوة بين الجنسين سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي، أو السياسي، أو الاجتماعي، أو المهني. وترى العشا، أن العمل لتحقيق المساواة بين الجنسين هو المفتاح لمعالجة المخاطر المتزايدة التي يشكلها تغير المناخ.

 

ترى منظمة الصحة العالمية، أن تغير المناخ يؤدي إلى تفشي الأمراض مثل الكوليرا، وحمى الضنك، وسوء التغذية، وغيرها من المشكلات الصحية، فضلًا عن الجفاف والفيضانات، التي تتسب في مواجهة المواطنيين بتأثر كبير بالجوع الحاد. وتقول المنظمة: “إنّ تغيّر المناخ يشكل أكبر تهديد للصحة البشرية”، ويتوقع أن يتسبّب في نحو ٢٥٠ ألف وفاة سنوياً بين عامي ٢٠٣٠ و٢٠٥٠ بسبب سوء التغذية، والملاريا، والإسهال، والإجهاد الحراري. وتقدر أن تتراوح التكاليف المباشرة للأضرار الصحية بين ٢ و٤ مليارات دولار سنوياً بحلول عام ٢٠٣٠.

 

وعلى هذا النحو، ذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمرأة، أن المرأة تتحمل ٧٥ بالمئة من الأعمال غير مدفوعة الأجر حول العالم، لافتة إلى أنه في حالة وقوع كارثة “لا تملك المرأة الموارد المالية للتعامل مع الوضع الناتج”.

 

إستفتاء مفتوح:

 

وفقًا لإستبيان أجريناه، حاولنا قياس الرأي العام على مواقع التواصل الإجتماعي،حرصًا منا على معرفة رأي الجميع ومدى درجة إستيعابهم.

 

بلغ عدد العينة المستفتاة ٤١ شخصا من الذكور والإناث من مختلف فئات المجتمع السوداني، حيث بلغت استجابةالإناث٥١.٢ بالمئة، بينما الذكور ٤٨.٨ بالمئة.

 

أشارت نسبة ٩٠.٢ بالمئة من العينة المستفتاة، أن السودان يتعرض لتغير المناخ، وذلك بسبب تغيرات درجات الحرارة بشكل كبير مقارنةً بالأعوام السابقة، بالإضافة إلى تداخل الفصول. تسبب تغير المناخ في زيادة الرطوبة، مما أدى إلى تغير مناسيب النيل، خاصة في ولاية سنار. وقد أدى ذلك إلى تهديد النشاط البستاني، وهو أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في الولاية. كما شكل خطرًا على السكان الذين يعيشون بالقرب من النيل، وأدى إلى تدمير الحدائق البستانية على ضفتي النهر.

 

ولفتت مجمل الإفادات إلى أن التغير المناخي له أثر إقتصادي في ولاية البحر الأحمر، خصوصا مدينة بورتسودان، بإعتبار أن هناك زيادة غير مسبوقة لدرجات الحرارة، أدت إلى زيادة الطلب في المياه، التي تعتبر في الأساس مشكلة أزلية في المنطقة، إضافة لزيادة الإستهلاك في الكهرباء مما سبب مشاكل في إستقرار التيار نفسه، فضلًا عن إنخفاض مصادر دخل الأسر في المنطقة، مما استدعى عددًا من النساء البحث عن فرص عمل لمساعدة أسرهم والتخلي عن التعليم.

 

وأكدت إحدى المستجيبات للاستطلاع، تعرض نساء منطقتها بإقليم النيل الأزرق إلى النزوح القسري بسبب أحداث متعلقة بتغير المناخ، مما تسبب في حدوث حالات إجهاض.

 

وبلجهة حادة انتقد أحدهم “الحكومة”، قائلا بأنها لم تنتهج سياسة واضحة تساعد على الإستقرار ومعالجة الآثار البيئية للسدود، مما شجع على زيادة معدلات الهجرة والنزوح الداخلي بسبب الأوضاع الإقتصادية ما أدى إلى إهمال وتدهور القطاع التقليدي، وقلص فرص النساء في العمل جنبًا إلى جنب مع الرجال، فقد تحولت الزراعة التقليدية إلى زراعة آلية بمساحات أكبر.

 

وفي سؤال الإستبيان، هل يهدد تغير المناخ حياة النساء والفتيات، أجاب ١٧.١ بالمئة بـ لا، بينما ٨٢.٩ بـ نعم.

 

حوى الاستبيان سؤالا حول كيف يضاعف التغير المناخي معاناة النساء والفتيات. ذكرت النتائج، أن تغير المناخ يجعلهن أكثر عرضه للعنف، بينما إرتفاع درجة الحرارة العالية تغير مزاج النساء والفتيات لعدم تحملهن درجات الحرارة العالية، كما يتسبب أيضا في النزوح من منطقة إلى منطقة. ولفتت النتائج، إلى أن السيول والأمطار والفيضانات عادة ما تهدم المنازل وتشرد الأسر في الشوارع والأزقة، وغالب الأسر تحتوي بنسبة ٧٥ بالمئة من النساء والفتيات، مما يؤدي إلى تعرضهن للاغتصاب والتحرش الجنسي واللفظي والعنف الأسري والاجتماعي. وأشارت أراء المستجيبين، أنه نظرًا للضائقة الاقتصادية التي تمر بها الأسر بسبب فقدها لمنازلها وأماكن العمل وممتلكاتها، يعرض فتياتها للزواج وهن في سن مبكر، وذلك لخفض عدد أفراد الأسرة، أو لجلب المال مقابل الزواج.

 

وحول تكيف النساء مع تغيرات المناخ، تبين أن النساء يقاومن التغيرات بتوقع الكواراث التي إعتادوا عليها في حياتهن، بإعتبار إنهن يقع عليهن العبء الأكبر في معظم المتطلبات الحياتية، سواء كانت داخل المنزل أو في الحقول، بجانب أن بعضهن اعتزمن على تكوين جمعيات تعاونية تساعدهن على توفير الإحتياجات الصغيرة من الفوط الصحية ومعدات الرعاية الصحية الأولية، بجانب إقامة فصول دراسية للفتيات في مناطق النزوح، في ظل غياب شبه تام لمؤسسات الدولة.

 

تشير إحدى الإجابات إلى أن النساء في محلية قلي بولاية النيل الأبيض، وهي منطقة ريفية، يعتمدن في معيشتهن على الزراعة والرعي وحلب الأغنام. وقد أدى تغير المناخ إلى تغير أنماط الحياة في المنطقة، مما أجبر النساء على زيادة المساحات المزروعة وساعات العمل للحصول على دخل أكبر.

 

وهذا التغير في أنماط الحياة هو مثال على تكيف النساء مع تغير المناخ. حيث يبذلن قصارى جهدهن للتغلب على التحديات التي يفرضها تغير المناخ على سبل عيشهن.

 

بحسب ما ذكر، فإن معاناة النساء اليومية، تزيد بزيادة التأثيرات المناخية على السودان، وخاصة المرأة السودانية في الريف، بسبب ما تواجهه من تعقيدات لها علاقة بالثقافة المحلية، وعدم المساواة، وسيطرة الذكور على المجتمعات السودانية.كما أن فرصهن في التعليم والصحة قد تنعدم في بعض المناطق. لأسباب ثقافية وأخرى صحية، وأسباب تتعلق بهشاشة البنية التحتية، وعدم وعي صانعي القرار بالتغيرات المناخية، وآثارها وبالتالي عدم ضمان رؤى واضحة لحلها.

 

وبعد استعراض العديد من المشكلات سواء كانت تتعلق بالمجال الصحي عامة، وصحة النساء خاصة، والتغييرات المناخية أو تعليم النساء، نرى أن الحلول لا تنفصل عن معرفة المشاكل، ورفع الوعي المرأة نفسها، وضمان تعليمها، ووعي المجتمع ككل بالتغييرات المناخية وتأثيراتها على الجميع وتأثيراتها على النساء بشكل خاص. بالإضافة لتسليط المزيد من الضوء على معاناة النساء اليومية، بسبب العقلية الذكورية المسيطرة، وضرورة تواجدهن في مراكز صنع القرار، وعدم انفصال السودان من الرؤية الدولية لمواجهة تلك التغييرات، حيث تعول الكثير من الدول على النساء الأكثر فاعلية وتثيرا في المجتمعات المحلية، وذلك لرفع الوعي ومواجهة أسباب التغيرات المناخية وبالتالي تقليل آثارها

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع