ابحث عن

حاكم مع وقف التنفيذ.. أو " ثلاثية وقدها رباعي "

بقلم : محمد بدوي

حملت تغريده على توتير لحاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي " نصها " ورش تحت عنوان الاصلاح الامني في الخرطوم وفي نفس الوقت ارجاع واستيعاب كل المليشيات السابقة، تجنيد مليشي بمستوي غير عادي في دارفور عبر العمد والشيوخ والادارات الاهلية بإغراءات مالية، هل يا تري اتفاق سلام جوبا سيسلم في ظل هذه الخروقات الخطيرة"، في تقديري صدور هذه التغريده من يحمل لقب حاكم اقليم دارفور امر يثير القلق، لعل التغريدة جاءت متأخرة فقد سبقتها بيانات عدة من عدد من الادارات الاهلية حول الظاهرة ورغم ان البيانات شجبت التجنيد من احد الاطراف دون التعرض صراحة في ظل انخراط بعضها في التجنيد دون الكشف عن الطرف الذي تتعاون معه، إذن القلق حول مستقبل العيش الامن في اقليم دارفور وليس اتفاق السلام وحده، لأنه ظل يتعثر في ان يحظى بقبول مرضي في الواقع أو تأثير يمكن قياسه على الأرض، التغريدة لا تحتاج الي جهد للتعرف على سياق صدورها المرتبط بالاتفاق الاطاري بين العسكر والحرية والتغيير في ظل انخراط الحركة التي يقودها " مناوي" في الكتلة الديمقراطية، وهنا يبرز السؤال بين مناوي الحاكم ومناوي بالكتلة الديمقراطية، فهنالك فرق شاسع بين الصفتين، فالكتلة الديمقراطية ان لم تكن كلها فقد ظلت الي صف انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١، بالرغم من ان حكومة قبل ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ هي التي اجاز مجلس الوزراء فيها قانون حكومة دارفور لتحال الى طاولة المجلس السيادي حيث لا تزال ، وهو ما ترتب عليه ان حاكم اقليم دارفور بلا صلاحيات حتى الراهن، بالرغم من الخطوة التي تمت من تعيين بعض الوزراء والمستشارين من قبله.

وكذلك اصدار قانون للإدارة الاهلية، فمجمل المشهد يقبع بين قوسي " مع وقف التنفيذ "، وهو حال مختلف من بقية الحركات الموقعة سواء داخل الكتلة الديمقراطية او خارجها فهي قد حازت على مناصب سيادية ووزارية وولائية بسلطات كاملة، كما اشرت ان التفريق بين مناوي الحاكم ومناوي بالكتلة الديمقراطية، فالسعي لمكاسب عن طريق الكتلة الديمقراطية لا يمكن تبريرها بإفلات ما هو بالإمكان، الحكمة تشير إلي تقديم الأولويات مع إمكانية تقسيم الجهد بشرط المفاضلة في ترتيب الأولويات، من جانب آخر المثابرة فعل سياسي بامتياز فقد لخصت الحكمة الشعبية الأمر بما يمكن صياغته ب " الحردان يضيع فرصه ويخرب مدينته".

فقد كشفت وسائل الاعلام في يونيو ٢٠٢٢ عن مؤتمر بعاصمة النيجر نيامي نظمته منظمة فرنسية مقرها الرئيسي بانجمينا التشادية، شهد حضور من الاستخبارات العسكرية السودانية، لعدد من الحركات الدارفورية غير الموقعة على اتفاق السلام الرابط بين تلك الحركات خروج بعضها من شمول التفاوض بجوبا نتيجة للمواقف التي أحاطت بمناخ الحالة آنذاك، بالإضافة التواجد العسكري في ليبيا، مثل هذه المهام يفترض فيها نظريا دور فاعل لحاكم الاقليم، ناهيك عن تطور الأمر الى المرحلة الثانية بلقاءات خطط لها بالعاصمة القطرية الدوحة، تغريده مناوي حملت أقل من 30٪ من المشهد على الأرض وكان بإمكانها أن تأتي بمحمول على صيغة " اتخذ حاكم اقليم دارفور اجراءات صارمة لوقف حالة التجنيد التي برزت بالإقليم مؤخرا، لأنها تدفع لمزيد من العسكرة للمجتمعات المحلية، مقابل استمتاعها بالاستقرار، التعليم والخدمات" . التمعن في مسار اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ الإتفاق الاطاري يمكن الوقوف على القاسم المشترك بينها هي استنادها على فلسفة " التسوية"، بالإضافة إلي الاشتراك الكامل لذات الفاعلين في كل العمليتين، إذن هنالك أطراف ثابتة في المعادلتين وآخري متحركة وهو مربط الفرس ومثار السؤال لماذا؟

أخيرا: لا تثريب أن الخرطوم مطبخ صناعة القرار في الراهن لكن بالمقابل فإن بعض بنود تنفيذ اتفاق السلام لا تتحقق من الخرطوم ولا سيما عند قراءة بند التحول الي احزاب مقروءة مع الفترة الزمنية للاتفاق الإطاري، أعلم أن بعض الأصوات بالحركة ومعظمهم من جيل الشباب يدلون بآرائهم التي تتلخص في ربط الموقف السياسي بما يتسق وتعزيز مكاسب اتفاق السلام، فهي حكمة من جيل امتلك الجراءة والنظرة الثاقبة والوعي، فخذ الحكمة أو بعضها فلكل زمان وحال بصيرة .

 

 

 

 

Pin It

بيوت من نور المسجد العتيق بالفاشر و تاية ستي مريم


بقلم : محمد بدوي


تمهيد
يبدأ المقال وينتهي ملتزم بإعلاء كل جهد، وتعزيز اعمال الخير بالتقدير، هذا المنطلق يجعله لا يقترب من التقليل او القدح، بقدر ما هو تناول تقديري مع الدفع بمقترحات قد تعبد المسار نحو بهاء في سيرة بيوت يرفع فيها الاذان وتقام فيها الصلاة، وللنوايا من ينظر اليها برفق الرحمة والقصد.

(١)
حملت وسائل التواصل الاجتماعي خبرا عن اختيار الجمعة الاخيرة في شهر شعبان والتي تصادف السابع عشر من مارس٢٠٢٣ موعدا لافتتاح مسجد الفاشر الكبير بعد إكتمال المبني الذي شيد على أنقاض المبنى القدير، الصور التي حملتها وسائل الاخبار البديلة للمبني الجديد كشف عن اتساعه لأضعاف المصليين مقارنة بالسابق، وتصميم حديث على نسق معاصر، جاء الافتتاح بعد حوالي ست سنوات استغرقها انجاز الاحلال، وهو جهد يشكر عليه من تبرعوا بجهد الاشراف، ودعاء بالخير لكل من مد يد الخير سرا او علانية فالقبول والثواب من لدن القدير.
(٢)
ترجح الروايات تشيد المبني القديم في ١٩٣٣، بعد أن رحل من الموقع من كانوا يقطنونه منهم أسرة الخواجة أكلم والسيدة/ مريم بت السلطان ابراهيم قرض صاحبة التاية التي لم تكن تنطفي، حمل المبني طراز معماري انحاز للفترة الاستعمارية، فجعله ينتمي الي مجموعة مبان كثيرة داخل المدينة وفي بقاع اخري من العالم على ذات النسق دخل بعضها حيز التقييم التقييمي ، بينما فصل بين المبني القديم وذاك التصنيف خمسة أعوام كتقدير أقصي، تقدر مساحة المسجد لحوالي ١٠٠٠٠ متر مربع ليثور سؤال هل كان يمكن مع جهد التحديث الحفاظ على القيمة التاريخية والاثرية !
(٣)
بالنظر الي حال المسجد قبل خلال ال ٣٣ عاما الماضية يمكن ملاحظة التغييرات التي طرأت وتمثلت في ظاهرة المحال التجارية المشيدة على اسوار المساحة الكلية للمسجد، فلو استصحبت وزارة الشئون الدينية والاوقاف خصوصية دور العبادة لما أذنت بذلك، لن تصمد دفوع تسخير عوائد ايجار المحال لخدمة المسجد، فهو فعل لم يكن في غابر الايام ولم يشهد التاريخ تراجع أكف الخير عن خدمة دور العبادة .
(٤)
جاء افتتاح المبني الجديد وفصل بينه وبين رحيل مولانا عبداللطيف بشير الامام الراتب السابق ردحا من زمن له المغفرة والرحمة حوالي ٢٥ يوما ، العزاء لأسرته ابنه محمد وشقيقه مولانا بشير وبقية افراد اسرته واصدقائه وعارفي فضله ، فقد كان مدرسة في الخطابة والامامة حيث داب على ترديد سور وآيات على وجه الاختيار ولا سيما في صلاة الجمعة تركزت حول بر الوالدين، وجزاء التقوي، فتواترت اجيال على حفظها من اصطفافهم خلفه، اما خطبه كانت تحفيزا للالتزام بالتعاضد بين الناس، كما لم يغب عن اكف الدعاء تضرع لسقيا الغمام، تحببك اليه مراعاته لأداء الصلوات بما يجمع بين الخشوع والبعد عن الاطالة فكان يراعي للجميع حال ولأصحاب الحال يسر، يتسرب صوته بلكنه محببه كست ترتيله طلاوة وحضور لطيف كاسمه، بالرغم من أننا من جيل " ترهفت" اذاننا في السياق الزمني لمولانا عبداللطيف، لكن ذاكرة العطاء تشمل بالرحمة الائمة السابقين من مولانا كاكوم، ابراهيم عبد الماجد، الشريف كرار وحسب النبي يوسف ولفترة قصيرة مولانا مالك، المؤذنون عبدالله يوسف " يوسفوا" يذكر أسمه بالخير ايضا في سجل جيل المناضلين الذين حرقوا العلم الانجليزي بالفاشر في ١٩٥٢، حسن كوكس والطاهر فضل مركز لهم جميعا ولمن فاتني ذكره الرحمة وحسن المآب .
(٥)
هاهو المبني الجديد يشهد على بداية حال كشف عن جهد كبير وعطاء حتى اكتمل الحال واذن للمصليين بالصلاة في باحته في جمعة شعبان الاخيرة، سيكتمل الحسن اذ صوبنا البصيرة صوب ما شيد على اسوار المسجد وتآملنا غياب تلك المحال عن الارتباط بالمكان، سنجد أن تسوير دور العبادة بالخصوصية اليق واكرم بها ، الحاق المحال المستأجرة بمباني المرافق العامة تحت ذريعة أو توصيف الاستثمار حالة يشوبها الكثير لا مجال لذكرها في هذا السجل، بما يجعل سريان تلك الحالة الي دور العبادة بشكل لم يترك الا المداخل أمر يتطلب التفكير الجاد للفصل بين قدسية دور العبادة والانشطة التي تقترب من لافته االاستثما،والله جميل يحب الجمال.

Pin It

العدالة الانتقالية من أجل الاطاري

بقلم : محمد بدوي

حرضني مقال توضيحي من الصديق المحامي عمرو كمال، حمل اعتذاره عن المشاركة في الجلسة الرئيسية لورشة العدالة الانتقالية بالخرطوم، والتي يشرف عليها التحالف المدني للعدالة الانتقالية، وجاء اعتذار الاستاذ/ عمرو مسنودا بالاعتراض الفلسفي على عنوان الورشة التي تأتي في نطاق الورش التي خطط لها لإكمال الاتفاق الاطاري " العدالة – العدالة الانتقالية " باعتبار أن هذا الفصل يرسخ لخلل منهجي في مفهوم العدالة الانتقالية.

قبل الخوض لابد من الاشارة إلي أن مسالة العدالة الانتقالية بذلت فيها جهود واسعة قبل انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١، وساد النقاشات مرتكزة على عدة زوايا منها العدالة الاجتماعية و العدالة الانتقالية بين المجموعات المنخرطة آنذاك بهدف  بلورة رؤي تفضي او تعبد الطريق إلي نسخة قانون العدالة الانتقالية استمرار التباينات انتهي بتدخل رئيس الوزراء السابق الدكتور عبدالله حمدوك لكن لم يفض الاشتباك في الحالة ثم باغت المشهد الانقلاب ليكمل حالة الجمود.

هنالك تصورات لدى البعض " قد تجد التبرير " تضع  العدالة الانتقالية في صورة العدالة العرفية التي تنتهي بالصلح او المقاصة المالية للخسائر او تلك التي تغيب عنها العدالة الجنائية، وهذه التصورات لم تأتي من فراغ فغياب العدالة وحالات تحول الضحايا والمجني عليهم إلي جانب السجل الواسع للانتهاكات خلال فترتي الحركة الإسلامية السودانية، وعقب سقوطها حتى انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ جديرة بنسف اي تصورات وثقة لمفهوم العدالة الجنائية ناهيك الحديث عن العدالة الانتقالية كحزم تتطلب مناخا وشروطا منها الاصلاح المؤسسي ، اضف إلي ذلك تدخل المحكمة الجنائية الدولية ورفع سقف التوقعات بأن المهمة آلت للعدالة التكميلية، وهنا مربط الفرس الذي اشار اليه الاستاذ/ عمرو أنه يجب التعامل مع الحالة وفق نطاقها الفلسفي وهو التزيد الذي  جنح إلي محاولة تحفيز قبول المشاركة لتصب في عجلة الاتفاق الاطاري لتلحق بسقفها الزمني المضروب للتوقيع النهائي او تشكيل حكومة تنفيذية.

 

هذه الاختلالات قد تفرز نتائج سالبة، لأنها  تعيد طرح واثارة اسئلة ذات اثر  على مستقبل مفهوم وتطبيق العدالة الانتقالية كحزم مهمة لتعزيز الانتقال الي الدولة المدنية على سبيل المثال في حالة اقليم النيل الازرق السؤال الذي لن تجيب عليه الورشة بعنوانها المضاف إليه العدالة  او بدونه، هو غياب تحالف الحرية والتغيير عن زيارة الاقليم إبان احداث يونيو وأكتوبر ٢٠٢٢ التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، اضافة إلي غياب جهود التحقيق في أحداث اكتوبر ٢٠٢٢ فقد كشف التحقيق في أحداث بليل ٢٠٢٢ بجنوب دارفور بأن التحقيق كحق ممكن، وهذا يقود سؤال جوهري اخر  ماهي رؤية الورش هل هي لبلورة رؤية لنسخة العدالة الانتقالية ام للتثقيف حولها ؟ من زاوية ثانية حملت وسائل الاعلام تصريحا برفض مشاركة النازحيين واللاجئين اقليم دارفور وفقا للتصريح الصادر في ١٢ مارس ٢٠٢٣، المفارقة انه  ذات اليوم الذي ظهر فيه الرئيس السابق المخلوع  المطلوب من المحكمة الجنائية في إذن خارج محبسه العلاجي لتلقي واجب العزاء في أحد اشقائه، رغم اتفاقي مع حقوق السجين في الإذن، وعدم الركون للتشفي لكن مقابل ممارسة تلك الحقوق يجب تقصي الحصافة التي تجعل السماح له بالتمتع بذلك  تأثير نفسي على ضحاياه وعلى زعزعة الثقة في العدالة على خلفيات عدم تسليمه الي الجنائية، في تقديري أنه سبب جوهري للمنسقية لتحمل رفض المشاركة .

بالنظر الي سياق تجربة ما قبل انقلاب اكتوبر٢٠٢١  يشير الحال  الي بداية عملية لتبلور أولية  لنسخة العدالة الانتقالية، بدايتها التواريخ التي  شكل فيها النائب العام السابق مولانا تاج السر على الحبر عده  لجان عده للتحقيق في احداث مختلفة خلاف فترة حكم الحركة الاسلامية، الخطوة الثانية جاءت ممثلة في  اجازة فانون لجنة محاربة الفساد وتفكيك نظام ال٣٠ من يونيو ١٩٨٩، لان اللجان واللجنة كلاهما ضمن نطاق مفهوم العدالة الانتقالية وعناصره.

تعثرت الحالة بعد الاتفاق حول مسودة قانون الانتقالية، وغابت اللحظة التاريخية التي كانت يمكن ان تمثل اللحظة المناسبة لانطلاق التثقيف بمفهوم العدالة الانتقالية وهي خطوة عملية تجاه العدالة الدولية، كما أن   تراجع التحقيقات ولاسيما بشكل كبير عقب استقالة مولانا الحبر فصار المشهد قاتما وانسداد في افق وسبل الوصول لمسار العدالة  الوطنية والتكميلية " الدولية " معا

 

أخيرا: الرؤية والتخطيط الاستراتيجي مهمتان لأنه مسالة العدالة الانتقالية مرتبطة بخصوصه مرتبطة بأهمية بلورة نسخة وطنية وفقا للحالة والواقع والسجل، ولارتباطه بهدف الاصلاح المؤسسي كضامن للتحول المدني، لكن توهان الحالة بين التثقيف المدني الذي هو مطلوب لكن لا يمكن انجاز ذلك في اسبوع واحد في كل البلاد وبين المطلوبات الرئيسية من المسودة ثم القانون والواجب الفني لصياغة المسودة عبر هيئة منتخبة وأن لم يكن بالإمكان عبر لجنة شخصيات تمثل كافة القضايا التخصصية هي مسار النظر الراجح، اما ربط الحالة بالسياق السياسي لإكمال مطلوبات الاطاري لن ينتج منها ما يوازي قامة الحالة

Pin It

"السُودانُ الجديد" لن يُوجدَ مُنفردا في الطبيعة (1 - 2)

الجميل الفاضل 

السُودانُ الجديد، هو السُودانُ العَميقْ، بل هو بالضبط الأبعدُ والأكثرُ عمقا في التاريخ.

هو سودانٌ لا يَشبهُ إلا نَفسهُ، ليس كمثلهِ شيء، وبالتالي فإنه نَموذجٌ يَصعبُ الحصولُ علي مادته مُنفردةً أو مَبذولةً في الطبيعة دون حَفرٍ عَميقْ.

فقد ظل السودان على مر تاريخه وعلى علاته الراهنة، وطنٌا حمّالُ أوجهٍ، يُجيدُ الاختباءِ، وراءَ ظلال الأسماءِ، وجوقةِ الأصداءِ.

تختبيء الصدفة فيه في مُنعطفِ الطريق، علي قول شاعره محمد المكي ابراهيم. 

والعسل البريئ فى الرحيق، 

وطائر الفينيق فى الحريق.

وبمثلما "يختبىء هذا الحريق عند "ود المكي" فى الشرر.

يختبىء كذلك البستان فى الوردة، والغابة في الشجر.

المهم بين اكمام "وردة السودان" هذا الوطن البائس الفقير، المستضعف الي يومنا هذا من الغير، هذا الوطن الذي لا زالت تَزدريهِ أعينُ بعضٍ من الناسِ، وتَلعنهُ السِّنةُ بعضٍ من بَنيهِ، لا زال هذا الوطنُ يُخبيءُ، بين طياتِ وتضاعيفِ سِيرته الغريبة "بستان العالم" الفسيح، وطائفةً من اسرارِ الكونِ الأُخري، بل وشيئا من أسرارِ الوجودِ البشريِ بِرُمته علي ظهرِ هذا الكوكب، هذا الوجود الذي إعترفت مؤخرا اثنتان من أكبر الجامعات في عصرنا "اكسفورد وهارفارد" بأن السودانَ هو أصلُ وجودهِ.

وعطفا علي ما سبق فإني أجدُ أن قصة السودان في هذا الكون والوجود، ربما تطابق عندي الي حد بعيد في غموضها وغرابتها، قصة نبي الله "موسى"، والعبد الصالح "الخضر"، الواردة في سورة الكهف.  

إذ منذ أن أوحي سبحانه وتعالى لموسي عليه السلام بأن ثمة عبدا أعلم يقيم ب"مجمع البحرين'، الذي أُرجحُ بالطبع أنه "مقرن النيلين" الحالي.

أتصور أن "السودان" قد صار الي ما يشبه المجال الحيوي لممارسة أنماط من السلوك والتصرف، تبدو في ظاهرها وكأنها تجافي العقل والمنطق. 

بل وبدا لي كأن هذا السودان قد أضحي هو نفسه أسيرا لهذا "النموذج الخضري" المدهش، الذي تتساوق فيه المنن بطي المحن، والمزايا في طي البلايا. 

نموذج أباح لعرابه، خرق سفينة "مساكين البحر" بحسبان ان خرق هذه السفينة خير لهؤلاء المساكين من سلامتها، وأن قتل فلذة كبد "ابوين مؤمنين" يأتي في سياق الرحمة بهما، وأن بناء جدار بقرية البخلاء قد أصبح بحكم الوقت والعلم اللدني المؤتي، واجبا علي هذا الرجل الصالح، لسترِ وحفظ كنز أيتام لم يبلغا أشدهما عن أعين سابلةٍ عُرفوا بِلّؤمِ الطِباعْ.

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

231 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع