ابحث عن

رسالة في بريد الحلو وعبدالواحد

عبدالرحمن العاجب

تروى رواية "الحرب والسلام" لمؤلفها الرائع "تلستوي" قصة المجتمع الروسي في عهد نابليون، وتعتبر من أعظم الروايات العالمية وكانت تدور فصولها وأحداثها في بداية القرن التاسع عشر، مع إجتياح القائد الفرنسي الشهير "نابليون بونابورت" الذي لمع نجمه إثر إنتصاره على الجيوش النمساوية، والذي إجتاح الاراضي الروسية ودخل موسكو وإنسحب منها بعد الخيبة والفشل في مواجهة الشتاء الروسي القارص، بعد أن رفض القيصر الروسي "ألكسندر" الأول الاستسلام.

وتدور فصول الرواية حول مساوئ الحرب وتعتبر مهمة لكل المهتمين بقضايا الحرب والسلام وعلينا أن نستفيد منها كما إستفاد منها الشعب الروسي وبالتأكيد نحن بحوجة حقيقية ل"تلستوي" سوداني تنجبه "حواء" السودانية يرسم لنا بقلمه رواية واقعية تحكي عن الحروب التي عاشتها بلادنا منذ تاريخها القديم والحديث والوطني.

الحالة الروسية في رواية الحرب والسلام لاتختلف كثيرا عن الحالة السودانية لجهة أن السودان شهد حروبا إمتدت لأكثر من نصف قرن من الزمان ولن تهدأ له بندقية منذ إستقلاله في منتصف القرن المنصرم.

وفيما يبدو أن الصفوة والمثقفين والنخب السياسية لم يستفيدوا من أخطاء الماضي ولم يصلوا لقناعة أن الحرب بكل تأكيد لاتعرف المنطق الذي يعصم العقل من الوقوع في الخطأ وأنها دائما تجلب الدمار والخراب أينما وقعت أو إندلعت حيث قال عنها "تشارلز" قولته المشهورة  " أعطوني المال الذي تم إنفاقه في كل الحروب وسوف أكسو كل طفل في العالم بملابس الملوك التي يفتخرون بها" وعليه، علينا أن نستفيد من هذه العبر والحكم من خلال النظر لواقعنا السوداني وهنا يبرز سؤال منطقي كم أنفقنا في الحرب منذ إستقلال السودان وحتى الان؟ بالتأكيد الأموال التي أنفقت في الحرب خلال تلك السنوات الماضية في حال توظيفها في التنمية ستجعل من سوداننا "جنة الله في الأرض " بكل تأكيد. 

وفي المقابل السلام من القيم السامية التي دعا لها الحكماء والفلاسفة القدماء وقالوا عنه مقولات كثيرة منها "الانتصار الحقيقي والدائم هو الانتصار بالسلام وليس بالحرب"  فيما قال عنه أخرون وبينهم مارتن لوثر كينغ  أن "السلام الحقيقي ليس مجرد انعدام التوتر بل هو وجود العدالة" بينما قال عنه  فريدرك نيشته "لا نوم هنئ بلا سلام".

حسنا، يحتم الواقع الذي فرضته ثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها وقيمها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة على فرقاء السياسية السودانية ممثلين في أحزابه السياسية وحركات الكفاح المسلح الموقعة على إتفاق جوبا للسلام بجانب حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد والحركة الشعبية بقيادة الحلو ضرورة الجلوس في طاولة حوار واحدة بغرض التوصل الي إتفاق حد أدنى يفضي الي إستقرار سياسي وإجتماعي وإقتصادي على الأقل يجعل أطفالنا القادمون يحلمون بعالم سعيد.

ومن الأقوال العسكرية في الحرب أن "الحقيقة هي الضحية الأولى" وهذا يتضح جليا من خلال الاتهامات التي يتبادلها الخصوم السياسيين أثناء الحرب وعادتا ماتغيب الحقائق أثناء الحروب ومن ثم أن "النيران القادمة لها الحق في المرور" وهذا يتضح من خلال الضحايا الذين يسقطون في الحروب، ويبدو هذا واضحا خلال الواقع الذي عاشته مناطق عديدة في السودان منذ قبل الاستقلال وحتى الان حيث شهدت مناطق عديدة حروبا خلفت ألالاف القتلى منذ حرب الجنوب ومرورا بحرب شرق السودان ومرورا بدارفور، والحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.

 

 وعليه أدعو الشعب السوداني بمختلف مكوناته الاجتماعية والثقافية والدينية الي ضرورة الاهتمام بقضايا البعض وأن يكون لديه إحساس مشترك ووجدان مشترك حتى يكون الوطن مشترك بيننا.

 وأبعث بهذه الرسالة في بريد القائد عبدالعزيز أدم الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ورفاقه في الحركة والقائد عبدالواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان ورفاقه في الحركة (أرضاً سلاح .. ليس بالحرب وحده ينتصر الإنسان) تعالوا لننتصر لشعبنا العظيم بتحقيق شعارات ثورة ديسمبر المجيدة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة والتي ستضع الأساس المتين والقوي لرفاهية الشعب والعبور إلى الضفة الأخرى حيث الدولة المدنية الديمقراطية دولة المواطنة والحقوق المتساوية والعدالة الاجتماعية والرفاهية للشعب.

Pin It

أساتذة وتلاميذ: أين تفترق الطرق ؟ (3) الاستاذ الشيخ حسن الترابي وتلميذه المحبوب

بقلم: محمد فتحي أورفلي

الخرطوم سلاميديا

النموذج الثالث لدي هو من اصعب النماذج والاكثر تعقيدا نسبة لتاريخهم الحديث جدا والمعاصر وايضا لبعض الاختلافات الجوهريه عن النماذج الاخري المذكورة ولذلك سأحاول ان اكون اكثر حذرا في تناول قصتهم،  رغما عن انني اكتب عنهم دون تعمق ولكن اتناول مافي قصتهم من اوجه ارى انها قريبة جدا لقصص الشخصيات واحداثهم التي ذكرت من قبل .

" الشيخ حسن الترابي وتلميذه المحبوب عبدالسلام " :

هو الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي ولد في مدينة كسلا السودانيه في وسط اسرة ذات صيت ديني كبير يعود نسبها الي الشيخ حمد النحلان احد اشهر دعاة الاصلاح الديني الرايدكاليين والمتصوفه في عصر الدولة السناريه كما وثقت لذلك باسهاب طبقات ودضيف الله .

عرف حسن الترابي اليتم مبكرا حيث توفت والدته وهو في سن الخامسه من العمر تقريبا ونشأ في حضن والده الشيخ عبدالله دفع الله الترابي اول من عينته الادارة البريطانيه في سلك القضاء الشرعي، كان والده عالما تقليديا رصين يهتم جدا بعلوم الفقه واللغة العربية، لذلك كان يحرص اشد الحرص علي تعليمه تلك العلوم منذ نعومة اظافره هو واخوته الثلاثة.

كان الترابي طفلا نابغة، متقد الذهن، حاد الذكاء، مميزا في وسط اقرانه طيلة مراحله الدراسية حتي بلغ كلية الخرطوم الجامعية في العام 1951 .

واصل تحصيله العلمي بنفس تميزه ونبوغه وحصل علي الماجستير من جامعة لندن وحصل علي الدكتوراة من جامعة باريس في الفقه الدستوري المقارن.

عاد الي الخرطوم وتم تعينه استاذا بجامعة الخرطوم واصبح اول عميد سوداني لكلية القانون وهو في سن الثانيه والثلاثين .

كان الترابي يعتقد ان هناك انحرافا في الدين وانه بحاجة الي الاصلاح والاجتهاد من اجل تنزيه الدين من الكثير من الخرافات ولذلك انضم الي جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تمثل في ذلك الوقت الجهة التي تحمل لواء الاصلاح والتجديد في العالم الاسلامي حسب شعارات اصحابها .

انطلق الترابي بسرعة جدا وترقى الي قيادة جماعة الاخوان المسلمين حتي اصبح قائدا لها وهو في سن صغيره رغما عن وجود الكثير من الشيوخ المبرزين فيها في ذلك الوقت، عمل الترابي علي اعادة ترتيب فكر الجماعة وعلي تجديدها وسودنتها بما يناسب البيئة السودانية وهذا هو سراختلافه عن بقية القيادات التي سبقته في جماعة الاخوان.

كان الشيخ الترابي ذو كاريزما طاغية وصاحب خطاب بليغ مؤثر وشخصية قادرة علي سحر كل من يقترب منها، اصبح ايضا في فترة وجيزة رقما مؤثرا في الساحة السياسية السودانية ، بل اصبح فيما بعد عرابا لاقوى الانظمة التي مرت على حكم السودان .

الحديث عن الترابي وفكره بالتفصيل يحتاج الي الكثير والكثير من المقالات ومقالاتي هذه تركز اكتر علي ايضاح العموم منه بايجاز مع التركيز علي النتائج المتمثله في التطور الفكري الممتد الي تلاميذه وموقفهم المفارق لفكر الاستاذ الذي وصل الي درجة الاختلاف فكريا بينهم وهو ما اسلط عليه الضوء ممثلا في نموذج المحبوب عبدالسلام.

كان الترابي يهتم جدا باستقطاب اصحاب العقول المميزة ذو الملكات الفكريه البارزة ولذلك كانت الاجيال التي تم استيعابها في فترة قيادة الترابي لتنظيم الاخوان المسلمين في معظمها من اصحاب التفوق الاكاديمي والفكري ايضا، كان التنظيم حاشدا بالكثير من الاسماء الشابة ذات الوهج الفكري المتقد ولكني سأكتفي بذكر واحدا منها وهو محور مقالتي والنموذج الثالث لها وهو الدكتور المحبوب عبدالسلام.

نشأ المحبوب عبدالسلام في مدينة ام درمان وترعرع فيها وكانت لتلك النشاة تأثيرها الهام والمباشر في شخصية المحبوب، ولكي افسر للقارئ اهمية تلك النشاة ساتحدث باختصار موجز عن ام درمان ومجتمعها، برزت ام درمان في فترة الدولة المهديه واضحت المصب لكل القبائل السودانيه بمختلف ثقافاتها المتنوعة، يمثل مجتمع امدرمان اقصى درجات التماذج والتعايش والانصهار بين المجتمعات السودانية في العصر الحديث،  حيث اختلاط الثقافات السودانية المختلفة والمتنوعة التي اهدت السودانيين خلاصة المنتوج السوداني الحديث من حيث الثقافة العامة التي صارت الوجه العام لكل ماهو سوداني، في ام درمان وحيثما كنت ستجد تاريخ التطور والتبلور لكل ماله علاقة بالثقافة، هنا ستجد الغناء يتدرج من الرق الي الاوركسترا، وهناك ستجد تاريخ نشأة المسرح والتلفزيون والاذاعة، ستجد تاريخ الشعراء والادباء والرسامين والنحاتين، ستجد تاريخ نشأة الرياضة وخاصة كرة القدم منذ كورة الحواري الي اندية القمة السودانية ، ستجد هل ما هو معتق وطيب وجميل، ستلمس في كل درب فيها لمحة من كل قبائل السودان، ستصادف هناك كل السحنات السودانية المميزة من اقصى الشمال الي اقصى الجنوب ، ومن اقصى الغرب الى اقصى الشرق، تلك هي ام درمان بإيجاز وفي هكذا بيئة كانت نشاة المحبوب عبدالسلام وبالتأكيد ستكون شخصيته معجونة بكل ما سبق ذكره.

 نشأته ..

ولد المحبوب من اب تاجر جاب وهاد كردفان وأسس فيها تجارةً كبيرةً ورغم أنه لم ينل تعليماً نظامياً توفر على ثقافه عالية وكانت له مكتبة خاصة من الادب الاسلامي وخاصة التصوف أضاف اليها أبنائه وبناته كتباً من مختلف ضروب الثقافة والادب كما كانت للأب ميوله السياسيه اضافة الي انتمائه الي احدي اكبر الطوائف الدينيه في السودان وهي الختميه.

كان المحبوب هو اصغر اخوته وسط ثمانية من الاولاد والبنات ، كان طفلا طبيعيا هادئ الملامح تلاحظ في عينيه نظرة ذكاءة لا تخفي على احد، تمتع بذهن متقد وشخصية لها تأثيرها في وسط اقرانها وجيلها، عرف اليتم مبكرا وهو في عمر العاشرة من عمره حيث توفي والده وهو في تلك السن تاركا له ارث ثقافي ظل مؤثرا في نشاة المحبوب ، ترك له مكتبة ثرة وغنية بكل ماهو متنوع في عالم الكتب نهل منها المحبوب كل اصناف العلوم ، بالاضافة الي تأثير اخته الكبري في تمتعه بثقافه عاليه وهي التي كانت من اوائل من كتب في الادب النسوي السوداني، بل هي أول سودانية تكتب قصة قصيرة وفقاً لكتاب فؤاد مرسي القصة القصيرة في السودان.

درس المحبوب جميع مراحله الدراسيه بام درمان ثم جامعة القاهرة حيث تخرج في  قسم  الفلسفه التي احبها، كان أول  رئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة ممثل للاتجاه الاسلامي بعد ربع قرن من تأسيسها إذ كانت حكراً علي اليسار، عرف عنه اسلوبه الراقي في الحوار وثقافته العالية وادبه الجم واستطاع ان يضفي علي اركان النقاش الطلابيه نكهة فكرية بعيدا عن الهتر والنقاشات السفسطائيه التي اشتهرت وعرفت بها اركان النقاش الطلابية .

نال دبلوم عالي جامعة الخرطوم بمعهد الدراسات الافريقية والاسيوية في العلوم السياسية ، ثم حصل علي الماجستير من جامعة باريس في علم اجتماع سياسي، ثم بدا في الدكتوراة في الدراسات القرآنية ولم تكتمل بسبب عدم وجود اساتذة متخصصين في هذا المجال ..

بداية انضمامه للحركة الاسلامية كانت منذ صباه الباكر عندما كان في السنة الثالثة المتوسطة، قصة تجنيده تستحق ان تورد لانها ستبين ملامح عن ما تتمتع به شخصيته من ذكاء فطري واهتمام فكري عميق وكاريزما مؤثره ..

كان الاستاذ ابوبكر محمد احمد وهو شخص عرف عنه انه انسان منهجي ملتزم وفيلسوف ذو فكر ثاقب وعميق، كان ياتي الي مقابلة شقيق المحبوب الاكبر لتجنيده وضمه  الي صفوف الحركة الاسلامية لما له من تاثير واضح علي الشباب وشخصيته القياديه البارزة ولكن شاءت  الاقدار ان يلتقي الاستاذ ابوبكر بالمحبوب في تلك الزيارات ويدور نقاش معه رغم صغر سنه مما حول تركيز ابوبكر من اخيه اليه بعد ان رأى ولمس فيه الثقافة العالية والذكاء الفطري الثاقب والتفكير الفلسفي، تم تجنيد المحبوب وصار عضو في الحركة الاسلامية ومنذ ذلك الوقت تدرج المحبوب في صفوف الحركه بسرعة كبيرة حتي صار من المقربين وهو في المرحلة الجامعية من عرابها ومفكرها وقائدها الشيخ الترابي.

هنالك الكثير من المحطات الهامة في حياة المحبوب والتي لها تأثيرها الكبير علي مجرى حياته ولكني سأعتبر ان لقائه بالاستاذ ابوبكر محمد احمد هي اولى المحطات ثم محطة الانفصال والانشقاق الشهيره بينهم وبين اخوانهم المسيطيرين علي مقاليد الحكم في العام ١٩٩٩ والتي تم علي اثرها تأسيس حزب المؤتمر الشعبي الذي قام على رؤي واضحة المعالم يأتي في مقدمتها الاعتراف باخطاء الماضي والنضال من اجل الحرية والتعددية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والاهم اتاحة الفرص للاحلال والابدال في الوظائف القياديه وتلك كانت منصة تأسيسيه انطلق منها المحبوب ورفاقه في مشوار جديد في عالم السياسه السودانيه او هكذا تمنى، ثم ايضا هنالك المحطة الاكثر بروزا في مشواره السياسي وهي مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الحركة الشعبيه بقيادة د.جون قرنق وبين المؤتمرالشعبي والتي كان هو عرابها ومهندسها مع اصحاب الفكرة من الجانب الاخر ياسر عرمان وباقان اموم الذين لولا جهودهم المضنيه لما رات المذكرة النور، تلك محطات بارزة في مشوار المحبوب كان لها اثرها البارز في حياته الفكرية والسياسية.

بداية الخلاف والتمرد ..

عرف عن المحبوب حبه للفكر والحقيقة وتلك مبادئ ظل وفيا لها دائما عبر مشوار حياته ، اثبت مرارا عبر الكثير من المواقف انه يملك الارادة اللازمة والشجاعة المطلوبة للوصول الي اقصى مدى في البحث والتقصي والتحري عن الحقيقية والتمسك بها مهما كان الثمن غاليا فلا شئ اغلي عنده من الوفاء لفكره.

لكل ذلك كان امر الاصطدام والاختلاف امرا حتميا ومسألة وقت لا اكثر، اضف الي ذلك انه كان محسودا في وسطه بسبب تميزه الملموس في كل شئ وهو امر جلب له المشاكل واللعنات طيلة مسيرته في الحركة الاسلامية.

بدا الاختلاف يطفو الي السطح عندما اصبح يطالب دائما من قيادته الالتزام بكل ماهو متفق عليه ومنصوص من ادبيات جديده في الحزب، كثرت مطالبته ولم يجد اذانا صاغية، اصبح اكثر استهدافا من زملائه واصبح الاستاذ محاطاً بمجموعات يكثر الي الاصغاء  الى الوشاة منهم الساعين بالفتنة والايقاع بينهم ، اما الضربة القاضيه فكانت بعد انتخابات 2010 عندما كتب خطابا من اكثر من اربعين صفحة عرف ب ( المقدمات ) طالب فيها من قائده وشيخه واستاذه ان يلتزم باعراف السياسة المعاصرة لمن ارتكباً خطأ جسيماً في السياسة أي الاعتذار والاعتزال، وان يتنحى مفسحا المجال لقيادات جديدة ، هو وكل قيادات الصف الاول التي طال امد تواجدها في كبينة القيادة وتلك كانت القاصمة ونقطة التحول الكبيره والمباشرة في الصدام واشهار تمرده علي استاذه.

تحرر المحبوب بعد ذلك من كل القيودات الفكرية واستطاع ان يقدم نقد ذاتي لكل تجربته وتجربة الحركة الاسلامية واخرج للناس خلاصة ما يجب ان تكون عليه بنية وعي الحركة الاسلامية الجديدة بعد ان تتخلص من كل اعباء الماضي الفكرية وتحطم كل اصنام مسلماتها وتتحول الي ما يجب ان تكون عليه حركة تهتم بأصلاح وبناء المجتمع ذات بعد فكري حداثوي يؤمن بالتجديد والتغيير ويعترف ويحترم ويقدر كل ماهو مختلف والاهم ان تعترف بكل ما اقترفته من ذنب في عالم السياسة السودانية لتطهر منه وتصبح لديها فرصة الانطلاق بثوب جديد مرن قادر علي استيعاب كل المتغيرات الفكرية والاجتماعية والثقافية من حوله وتلك خطوات بالرغم منها اكسبته سمعة طيبة ولكنها اكثرت من الاعداء حوله واغضبت منه الكثيرين وخاصة في وسط من نشأ معهم.

لم يكن المحبوب ليتفوق علي استاذه لولا تمسكه بالوفاء لفكره والايمان بحريته المطلقه دون قيود، لم يتفوق عليه بسبب ذكأئه المفرط وشخصيته المؤثره ولكن تفوق عليه لانه غلب الحقيقة علي مصلحته وعلى الانا في نفسه وتخلص من اوهام الذات وحب السيطرة و شهوة السلطه والمال.

تلك امور تقرا بسهولة ولكنها تحتاج الي شجاعة منقطعة النظير والى ارادة يلين امامها المستحيل والى عقل قادرا علي نقد كل ماهو امامه من فكر بكل صفاء ذهن وصدق نية ونقاء ضمير.

لم يكن الاساتذة الثلاثه تنقصهم الشجاعة ولا الذكاء او الكاريزما بل كانوا هم الاكثر استحقاقا واكثر تفوقا فيها من تلاميذهم، لكن هؤلاء التلاميذ الثلاثة ايضا اثبتوا ان كل تلك الصفات دون ارداة قادرة علي ضبط النفس على الثبات على المبدأ والتحرر من القيود الفكرية البالية التي تقيد العقل وتمنعه من الانطلاق نحو افاق ارحب وعلى المقدرة علي التوقف والمراجعة والاعتذار والبدء من جديد ، لهي صفات لا تساوي شيئا ولا تفضي الي اي شئ سوى فشل يصاحب كل من تنقصه مثل هذه الارادة كائن من كان.

ان الافغاني والاليجاه محمد والترابي  لهم الكثير من الصفات المشتركه التي تجمع  بينهم مثل الكاريزما ذات التأثير القوي والشخصيه الساحرة المسيطرة القادرة على الاقناع وتملك العقول والقلوب عند الجميع وهي التي اهلتهم لتسيد المنابر وجعلتهم قادة يشار اليهم بالبنان لا يختلف في ذلك عدو وصديق.

كان يجمع بينهم ايضا استخدامهم لذكائهم وتسخيرهم لعلمهم للولوج والاقتراب من السلطه واصحابها ليس حبا في اصحابها ولكن طمعا في السلطة نفسها، التي هي بالنسبة لهم رغبة شخصية تقتضيها ايمانهم بأنهم اصحاب رسالات تنقصها قوة الدولة لكي تطبق علي ارض الواقع ، وهي تستند علي فكرة متأصله فيهم تنبع من رغبتهم في اصلاح وتغيير المجتمع وهي نقطة انطلاقتهم في العمل العام وصولا الي اقتناعهم بأن افضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية هي السلطة، مع تثبيت الفرق في مفاهيم الالية لدى  الاليجاه محمد الذي لم يكن يطمح في سلطة سياسية او يدعو الى التغيير والاصلاح عبرها، فقد كان مكتفيا بسلطته المجتمعية التي كرسها وعمل على احكام قبضته عبرها على مجتمع السود الذي كان يتحرك في وسطه وتلك كانت حدوده فقط .

يجمع بينهم ايضا تدثرهم بالغطاء الديني واحساسهم القوي بإرتباط افكارهم مباشرة بالسماء لانها الاكثر صحة وقربا من الحقيقية السماويه وهو ما شكل لديهم دافعا قويا وثقة مطلقة في كل ما ينتجه فكرهم الذي سيتحول الي منهج له اتباع ومريدين يؤمنون به ايمانا لا يداخله شك او ريبة البتة.

يجمع بينهم ايضا فشلهم في الاعتراف بفشل مشروعهم حتي بعد معرفتهم بذلك ولولا تلاميذهم الثلاثه لما عرف احدا الحقيقه وظلت مخفية الي الابد.

والذي يجمع بين محمد عبده ومالكولم اكس والمحبوب ايضا الكثير من الصفات مثل الصدق العالي مع النفس والارادة الجبارة والوفاء للمبادئ والايمان بالحقيقة مهما كان موضعها واينما كانت تقف، يجمع بينهم وضوح رؤيتهم لما يريدونه من انفسهم وما يودن فعله بفكرهم وما سيقدمونهم لمجتمعهم ، جمعتهم رغبتهم الصادقه في اصلاح مجتمعاتهم وفي اصلاح حال دينهم وتنقيته من الشوائب وتقديمه للناس بشكل يخدمهم وينفعهم  اكثر مما يخدم السلطة وينفع الاشخاص من حولها..

سنظل مدينين  لهؤلاء التلاميذ الثلاثه الذين اعطونا درسا بليغا حول ما معني ان تكون ذو علم وارادة وشجاعة وصدق معا، سنظل مدينين لهم بكشف غطاء الكثير مما كان سيخفي من اعيننا لولاهم من عيوبا وثغرات في بنية فكر الاسلام السياسي، ستظل حركة التطور التاريخي للفكر الاسلامي مدينة لهم علي تضحياتهم الغاليه في سبيل تطوير ورفعة الفكر الاسلامي في تاريخنا الحديث.

لقد اثبتوا انهم الاكثر شجاعة وصدقا في تاريخ المفكرين الاسلاميين الحديث وتلك جذوة نار علوم ستضئ لكل الاجيال القادمات ..

فليرقدوا بسلام الشيخ محمد عبده ومالكولم اكس وكامل التمني للمحبوب عبدالسلام بدوام الصحة والعافية.

Pin It

الحاصل شنو!

 

بقلم : محمد بدوي

 

المراقب للمشهد السوداني  يلحظ تراجع في حالة الأمن خلال الأسبوعين المنصرمين    شمل السجل    ( ٨ ) أحداث يمكن إستعراضها علي النحو التالي ،   ولاية وسط دارفور حادثة طلاب جامعة زالنجي  التي راح ضحيتها طالب أثر الإصابة بعيار ناري له الرحمة و للمصابين  عاجل الشفاء ، الإعتداء و تخريب و حرق لمبني أمانة حكومة الولاية نتجت عنها  خسائر كبيرة  شملت عشرات السيارات التى  سلمتها بعثة اليونامد للحكومة المحلية ، العنف الطلابي و ممارسة حرية التعبير  بجامعة بحري بين تنظيم الجبهة الديمقراطية و طلاب حركة العدل والمساواة ، التعسف في إستخدام السلطة في حالة إقالة عميد طلاب جامعة النيلين الدكتور مجدي عزالدين حسن أثناء إدارته لمناظرة حول الفكر الجمهوري بين الأستاذة أسماء محمود محمد طه و الدكتور حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية ، ظاهرة العنف العرقي بولاية البحر الأحمر  و الإعتداء على حي سكني بمدينة بورتسودان و سلب و سرقة لملحقات بعض المساكن ، الترويع و إستخدام السلاح الناري الناتج عن تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية فى  إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ حمل علي مواجهة مسلحة بين  قوة حكومية مدمجة و بعض أفراد الحركات بضاحية سوبا بالخرطوم ، قتل فيها احد منسوبي احد الحركات والقبض علي  سبعة ٱخرين كما  جرح شرطي  من  القوة المدمجة  ، العنف و التهديد بالسلاح  لاحد وكلاء النيابة من قبل احد قادة حركة تمازج حمل رتبة اللواء  بمقر عمله  بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور ، القبض علي اثنين من منسوبي التحالف السوداني الموقع علي اتفاق جوبا  علي خلفية حادث قتل خارج نطاق القضاء مصحوب بعملية سلب  راح ضحيته مدنيين بمدينة الجنينة ، العثور علي سيارة بمحلية كلمندو بشمال دارفور بعد تعرضها لعملية سرقة تحت تهديد السلاح بمدينة الفاشر بشمال دارفور،  القتل خارج نطاق القضاء في حالة  المدير التنفيذي لمحليه أبو زبد بولاية غرب كردفان صلاح هارون له الرحمة الذي عثرت علي جثته  بالقرب من مطار الأبيض  بولاية شمال كردفان وهو مصاب برصاصة في الرأس العثور له الرحمة.

بالنظر إلي الأحداث و  ما يربط بينها،  اشتركت في كونها جرائم و إنتهاكات  وفقا للقوانيين السودانية او مواثيق حقوق الإنسان، راح ضحيتها (5) اشخاص بينهم  (٤) مدنيين ،  نطاقها الجغرافي  شملت  سبع ولايات سودانية (٣) ولايات بدارفور ، (٢) بكردفان ثم ولايتي بورتسودان شرقا و الخرطوم  ، (٣) منها  شكلت الحركات المسلحة الموقعة علي اتفاق سلام السودان طرفا فيها ،  ارتبطت (٣) منها بشكل و ٱخر  بجامعات سودانية  .

بالنظر اليها في واجب الدولة و الحماية و سيادة القانون ، عبرت عن تراجع تدخل السلطة الوقائي او بعد الحدث مباشرة او بعبارة أخري تراجع  دور الشرطة  المقترن بالغياب النسبي  للمعلومات التفصيلية بشكل رسمي في غالبها و انعكاسها علي المشهد  .

سياسيا تمثل  عرض  لمسار التغيير المرتبط بثورة ديسمبر ٢٠١٨ نتاج  لإنحراف مسار القوة الدافعة  إلي حالة  الإرتداد الداخلي ، و تأثير العاملين  موضوعي و ذاتية يمكن قراتها علي النحو التالي

الموضوعي مرتبط  بشكل السلطة الانتقالية من الشراكة بين المدنيين والعسكريين ، طبيعة المكون العسكري الذي ارتبط بالمؤسسة العسكرية و المليشيات و ارتباطهما  التاريخي معا بالعلاقة مع النظام السابق ، و الصراع غير المعلن  داخل المكون العسكري و اثره في الصراعات التي شهدتها الفترة الانتقالية من ( بورتسودان ، كسلا ، الجنينة ، أبيي ، نيرتتي ، قريضه ، و غيرها )  ، إقتران ذلك مع  غياب ترسيم شكل الدولة، كل ذلك  مع  تغييب  المحكمة الدستورية، أجهزة تنفيذ العدالة، تأهيل القوات النظامية ، وتشكيل  البرلمان، وتأخر اجازة القوانيين المنظمة لحرية التعبير، وتشكيل  الحكومات الولائية في مستواها التاني المرتبط بالوزراء او  التنفيذيين  المحترفين،  ذلك اثر في اكتمال   السلطات الثلاث التشريعية، القضائية و التنفيذية بما جعل الامر يرتكز في زاوية السلطة و ممارستها دون ضمانات مما قد يقود  نحو تراكم الاخطاء و انسداد افق الحلول او بعبارة اخري ما تحقق ضلع واحد لا يمكن ان ينهض مستقيما .

أما ذاتيا  عدم  تناسب ترتيب  اجندة التغيير جعلت الجهد التنفيذي يهمل مسالة الامن الداخلي في كونه  يعزز حالة  رفع اسم السودان من قائمة الارهابشش، ومناخ افضل   لتطبيق اتفاق السلام،  لانعكاس الاصلاح الاقتصادي ،  هو ما جعل التراكم السالب تتجه بوصلته  نحو الداخل المستهدف بمراكز مقاومة النظام السابق بكافة الاشكال الاقتصادية و الامنية و الاعلامية التي لا تفتر في ارهاق المشهد بالشائعات و التشكيك بهدف فصم عري العلاقة بين الثورة و غاياتها  .

الادوات التي اعتمد عليها الشارع في الثورة شكلت حزم خلاقة استطاعت كسر اطواق  الايدلوجيا السياسية والعسكرية التي تحصن خلفها النظام السابق ، في ذات الوقت اعاد تقديم حزم ادوات التغيير السلمية في ماهيتها هزمت سياسات المفاضلة او فلسفة الهبوط الناعم فوجدت اهتمام و احترام اقليمي وعالمي  ، هذا التميز والوعي اعاد الثقة و التتويج لإرادة الشعوب و الشارع السوداني بشكل خاص ، لكن تأثير  الذاتي و الموضوعي   قاد الي ما يمكن وصفه بحالة الياس او الاحباط و عدم القدرة علي استجلاء المشهد

اخيرا: في تقديري ان الحالة تدعو للنظر ابعد من مبادرة رئيس الوزراء ناهيك عن  التركيز علي الاسماء التي حملتها لأنه قبل اكتمال السلطات التشريعية و القضائية يمثل الامر إنشغال بفروع في غياب الاصل ، و يتأتى ذلك باستخدام الجهاز التنفيذي لصلاحياته و هو مسنود الظهر بالشارع وقوي الثورة و من ثم فلتاتي المبادرات لتحل المعضلات لكن بعد ان يكتمل الشكل ، و لدفع الاحباط والياس و الحاصل شنو ؟ لابد من النظر الي  الثورة و التغيير كحالة مستمرة حتي نهاية  الفترة الانتقالية

و الحاصل شنو !

Pin It

يا مناوي " كج" العين

 

بقلم : محمد بدوي

المراقب لتصريحات القائد مني أركو مناوي " سليمان " عقب التوقيع علي إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ يقف علي الحماسة التي ظلت تتسم بها  بعض تصريحاته بدءٱ من احتجاجاته السابقة  المتكررة علي  تأخر تنفيذ بند تعيينه حاكم لإقليم دارفور الى أن تم ذلك في توقيت سبق التشريعات الحاكمة للعلاقة  و كإطار يستند عليه تنفذ بنود الإتفاق .

الإستقبال الكبير  لمناوي بشمال  دارفور ، كان مؤشر أولي ومدعاة  للنظر إلي العلاقة الطردية بينها و الرغبة الواسعة للشارع في ترجمة السلام الي واقع معاش، الانتباه لذلك كان جديرٱ بأن يجعله يبادل تلك الحفاوة والتطلع إلي سلام يعزز من إحترام  الكرامة والعيش الآمن والكريم  بخطاب  يحجب  السالب الذي دفع به مهاجما جهات حكومية ومجتمعية بحرمانه  قصدا من بعض  الأموال للصرف علي مراسم توليه لمهامه  بالإقليم،  دون الخوض في الجدل والأطراف والإجراءات التي أرتبطت بالحالة  وهنا لابد من التذكير  بأن الوعي الذي يمثل سمة للشارع لا يشتري مثل ذلك الخطاب ، لأنها معركة من غير معترك ، كما  محمولها ينتمي إلي ما قبل ديسمبر ٢٠١٨ ، من ناحية أخري الثورة و الثوار ليست ألقابا مجانية بل تضع طوقا من الإلتزام بمحمولات تفرض على  الثائر مقابلة الضفة الأخرى بإيجابية عبر مسارات لا تمعن في تحفيز القنابل الموقوتة .

الأمر المهم هو التحول الذي حدث بموجب توليه منصب الحاكم لأنه  يجعل كل ما يصدر عنه يشكل خطاب رسمي  يعبر عن  الحكومة الانتقالية، يرتبط   بوضعه تحت إشراف رئيس الوزراء، لكن يبدو أن مناوي لم يتهيأ لهذه النقلة التي تتطلب أدوات مختلفة، تعزز  التطوير الإيجابي المرتبط بحالة الإنتقال  من وجود فرق استشارية  سياسي و إعلامي  و غيرها تسهل له  ممارسة مهامه بروح وجهد الفريق ، علي سبيل المثال جاءت زيارته إلي محطة الكهرباء التي تشرف عليها شركة تركية بالفاشر عقب انقطاع التيار نتيجة لتراكم المطالبة علي الحكومة الإتحادية   المتعاقد الرسمي مع الشركة، في وقت كان يمكنه إستجلاء الموقف قبل زيارته التي توقفت عجلاتها تمام حقيقة مطالبات المالية المستحقة، الحلول تبدأ  وتنتهي من الجانب الحكومي الاتحادي و ليس من اسفل الى اعلى ، رغم ذلك كنت اتوقع ان يستجلي حقائق حول التعاقد هل تدفع الشركة اجرة علي استغلالها المباني الحكومية ؟ ما هو وضع إستغلال الشبكة في العقد ؟ ومن هو الطرف الذي يقع عليه عاتق توفير الوقود ؟ هذا الأسئلة كانت ستقود الي حالة متقدمة في رؤية الصورة الكلية لشروط  العقد مع الشركة التركية وقد  تدفع للتفكير حول جدية الحلول  .

كما جاء الاستقبال الثاني بجنوب دارفور معبرا عن تقديمه " سبت العشم " و في إنتظار " أحد يرتقي لكتف طموحها "، و هو ما لا يتأتى الا بالتزام الحكمة والإحتراف ، فبين الحرب والسلام تغيرات واسعة، في قمة مشهدها الراهن ،  ثقافة و إقتصاد السلام .

أخيرا : إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠حدد ٢٨ صلاحية ولائية  لمسار دارفور ،   فيجدر  الرجوع إليها قبل التصريحات بفتح الحدود التجارية مع دول الجوار أو القيام بالترتيبات الأمنية من جانب واحد ،  لأن التداخل و الإرادة المنفردة قد تنتج انتهاك للإتفاق و تعيقه ، و لا ينتهي بها المطاف إلي تحقيق أي بند بشكل سليم ، السلام يتطلب الجهود الجماعية ، التعاون ،  الحكمة و الشوف فيا مناوي " كج " العين .

* جاء العنوان بتصريف من مقطع من قصيدة ( مسدار ابو السرة لليانكي ) للراحل محمد طه القدال .

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

470 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع