ابحث عن

العدالة و ترسانات الرغبة و القدرة أو " محاكمة شهداء الأبيض"



بقلم : محمد بدوي
 

في البدء لابد من شكر مستحق لأساتذتي وزملائي الأجلاء أعضاء هيئة الإتهام  أمام المحكمة  الجنائية العامة  بمدينة الأبيض ، ولاية شمال كردفان على  الجهد و  التضامن الخلاق  حيث إنتظم بالهيئة حوالي   "35" عضواً  في تمثيل  لمختلف الجغرافيا السودانية ، شكّل  تلاحماً إرتقى لقامة ثورة ديسمبر المجيدة،  تأتي الإشارة هنا على سبيل المثال لا الحصر حيث  تولى رئاسة الهيئة الأستاذين عثمان صالح و محمد الحبيب من مدينة الأبيض التجاني حسن و محجوب داؤد من الخرطوم ، عصام محمد فرح " شوربجي "  من مدينة  كريمة ، إسلام عمر  من  مدينة سنار ، محي الدين. من مدينة  الدلنج  و أخريات و آخرين لهم ترفع القبعات إجلالاً وإحتراماً ، بالإضافة إلى ممثلي مكتب النائب العام   مولانا تاج السر الحبر النائب العام السابق في الجلسات الأولى ثم مولانا مبارك محمود النائب العام المكلف  في جلسة القرار، إلى جانب ممثلي  اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين  ،   تكاملت  الجهود  في دأب منذ الحدث في التاسع من يوليو 2019  إلى جلسة القرار  في الخامس من أغسطس 2021
خلفية المحاكمة حملتها وقائع البلاغ بالرقم 2637 /2019 عقب مقتل  7 من السودانيين اغلبهم من الطلاب دون المرحلة الجامعية لهم الرحمة جميعاً ، نتيجة للإصابة بأعيرة نارية  أثناء ممارستهم الحق في التعبير والتظاهر  في مسيرة سلمية   بوسط مدينة الأبيض من قبل قوة عسكرية مكونة من " 9 " أفراد تتبع لقوات الدعم السريع التي أخضعتها الوثيقة الدستورية 2019 لإشراف القائد العام للقوات المسلحة السودانية ،
في الخامس من أغسطس  2021 أصدرت المحكمة  برئاسة القاضي أحمد الحسن الرحمة قرارها  الذي خلص الي إدانة  "6 " من المتهمين لمخالفة المادة 130 من القانون الجنائي السوداني  1991 بالإشتراك قبل أن توقع عليهم عقوبة الإعدام ، و تبرئة "2"  من المتهمين  مع إحالة واحد  " 1"  إلى محكمة الطفل .
التقدير أيضاً للأستاذ علي عجب  المحامي الذي كفاني جهد الخوض في الكثير من التفاصيل بمساهمته الثرة  بصحيفة سودانايل  و التي نشرت في السابع من  أغسطس 2021 ، حيث تناول نهج المحكمة التي حملتها حيثيات القرار و تلخصت في إستنادها على ما خالف تعريف البينة قانوناً ، قصور شمول التهم للأفعال و انعكاسه في قصور توجيه  الجرائم ضد الإنسانية المعرفة في المادة 186 من القانون الجنائي  1991 بالإضافة إلى الإحالة المتأخرة لاحد المتهمين  إلى إختصاص محكمة الطفل ،   كما دفع بإشارات أخرى في سياق التزيد اللغوي الذي حمله المحضر من الإشادة غير المبررة بقوات الدعم السريع  بما قارب بين حيثيات القرار و الخطب السياسية لتمارس المحكمة  حرية تعبير  غير آبهة بإرتباط المحاكمة بوقائع إرتبطت فيها الأفعال بإنتهاك لحرية التعبير .
ما أود الإشارة إليه أن القرار كشف أن  إجراءات التحري  و المحاكمة منذ مراحلها الأولى  قد كيفتا  إلى الحالة  كجريمة قتل عمد بالاشتراك ،  دون  النظر إليها في سياق مجموعة أفعال إرتبطت بإنتهاك لحالة حقوق الانسان شكّل القتل أحد أفعالها فقط  لينعكس ذلك في القرار النهائي   ، بالبحث عن الأسباب في تقديري أن الطبيعة المرتبطة بطبيعة العديد من  الجرائم / الأفعال في الفترة السياسية السابقة و خلال الفترة الإنتقالية  الراهنة تواجه تعقيدات/ تحديات مرتبطة ببنية أجهزة تنفيذ القانون و يمكن تلخيصها في  نطاق (الرغبة / القدرة) وهما  سؤالي الكفاءة  المهنية و المؤسسية  ؟ إمكانية الوصول للعدالة  ؟ يتفرع من ذلك خلال الفترة الإنتقالية  ماهي محصلات المحاسبة هل تحقيق العدالة أم  المحاسبة  المنقوصة ؟
إن  العبور من هذا النفق يتطلب ان تبدأ عمليات الإصلاح القانوني بشكل مؤسسي و عاجل  مع ضرروة أن   تتوفر الإرادة السياسية ، لكن حتى يتحقق ذلك أو للمساهمة النسبية في سبيل ذلك ،   لابد من الإنتباه أن هنالك تطورات عقب 2018 أفرزت تغيرات عديدة منها ، التحول من تمثيل الدفاع إلى تمثيل الإتهام في الحالات المرتبطة بالإنتهاكات الواسعة أو الجرائم ذات الطابع المنظم ،  مما يتطلب في تقديري أدوات فاعلة مثل الإستناد  لمناهج التقاضي الإستراتيجي ،  دون إسهاب  من متطلبات ذلك التخطيط للحالة بما يمكنها من عبور حواجز تغييب القدرة والرغبة أو الترسانات  في النظام القانوني ، لأنها ستقود عمليات المحاسبة " ميس "  وتحقيق العدالة و في ذات الوقت تدفع بالإصلاح القانوني من سياق الممارسة العملية .
 
أخيراً: المحاكمة التي شهدتها المحكمة الخاصة بالأبيض تمثل دراسة حالة يجدر الإنتباه   إليها لتشابه الأفعال التي إرتبطت بسجل الإنتهاكات و لكونها كشفت و بجلاء أن أحد الحلقات المفقودة تتمثل في النظر إلى السجل بين تكييف الجرائم و الإنتهاكات المرتبطة بحالة حقوق الإنسان ، ليكتمل عقد تحقيق العدالة بما  يحقق المحاسبة وينصف الضحايا.

Pin It

على أسر شهداء "فض الاعتصام" رفع الأمر للمحكمة الجنائية الدولية

 

صلاح شعيب

يبدو أن المؤسسات المنوط بها تحقيق العدالة بعد الثورة عاجزة تماما عن إقامة فسطاط العدل. وترافق مع هذا العجز خيبتنا في المسؤولين المعينيين بعد الثورة في سرعة إنجاز حتى التقارير عن جرائم اغتيالات جماعية حدثت بعد فض الاعتصام في نيرتتي، والجنينة، وبورتسودان، والخرطوم، وكادقلي، هذا فضلا عن جريمة محاولة اغتيال رئيس الوزراء نفسه.

من خلال تصريح الأستاذ نبيل أديب الأخير يبدو أن أهل ضحايا فض الاعتصام سينتظرون إلى ما لا نهاية، فبعد عامين يخرج لنا القانوني الضليع بين الفينة والأخرى بتصريحات جوهرها تمطيط الزمن أمامه قبل إنجاز المهمة، وإذا كان التحقيق في هذه الجريمة الواضحة المعالم ربما يأخذ ثلاث أعوام، وجريمة محاولة اغتيال حمدوك عامين، فكم تحتاج النيابة للتحقيق في جرائم دارفور، وبقية مناطق النزاع؟

لقد كونت لجان عديد للتحقيق في جرائم قتل، وآخرها لجنة للتحقيق حول إطلاق عسكر من الجيش النار ضد متظاهرين سلميا ما أدى إلى مقتل شابين، ولكن بعض هذه الجرائم التي مضى عليها عامان لا يعرف الرأي العام شيئا عنها، فالذي يحدث هو أنه بعد كل جريمة قتل عامة يتم تخدير الناس بسرعة تكوين لجنة تحقيق لتقصي الحقائق بالتزامن مع بيانات تنديد لشركاء الانتقال المدنيين، والعسكرين. وما يلبث أن ينسى الناس حتى ندخل في جريمة جديدة نتعامل معها بذات الجدية الخادعة. وهكذا يكون ضعف التحقيق، وغياب التقاضي، ويكون الإفلات من العقاب جوهر أوضاع جرائم واضحة في فترة ما بعد الثورة، وقد توفر لها العديد من الأدلة، والشهود، وقرائن الأحوال.

لا يختلف ثلاثة أشخاص أن هناك تعمدا في عدم تشكيل المحكمة الدستورية، كما أن خيارات الحرية والتغيير للمواقع العدلية جلبت أضعف الناس، فضلا عن ذلك فالمحاكمات التي نشاهدها لقادة النظام تبدو وكأنها مشاهد درامية أكثر من كونها للتقاضي. وأخيرا انسحب منها قضاتها.

قتلة الشهيد الإسلاموي أحمد خير ما يزالون في القفص بعد إدانتهم الواضحة. ولكن يبدو أن هناك رهانا على الزمن، والنسيان، والضغط على الأسرة للقبول بالدية المليونية الدولارية. وهذان المساران يتواصلان ليؤكدان أن عدالة ما بعد الثورة شعار فقط، رغم أنه كلف مئات الآلاف من أرواح الشيب، والشباب.

كما قلنا مراراً وتكراراً فإن تغييب المجلس التشريعي مقصود لمواصلة هذا التخبط المقنن في ملف العدالة فضلا عن مسائل أخرى. وفي هذه الأثناء نشهد احتيالا لبعض المسؤولين لتحوير مفهوم العدالة الانتقالية ليكون في النهاية مصالحة مفروضة على أهل الضحايا في دارفور ومناطق أخرى. وهذا يعني سرقة لسان أهل الدم حتى يشيع جو من الضرورة للعفو، والتمهيد له، أكثر من تحقيق العدالة، وليست العدالة الانتقالية التي تم تحريف معانيها انطلاقا مما حدث في بعض جرائم جنوب افريقيا، ورواندا، ودول أخرى.

المؤسف أنه قبل أن يجف دم الشهداء ينادي بعض السياسيين بالمصالحة مع الإسلاميين. ما الذي تبعثه هذه الدعوات لضحايا الإبادة الجماعية، وفض الاعتصام؟. هل إذا تعرضت أخوات وأمهات هؤلاء المعذبين، والمغتصبين، والمغتالين، سيكون موقف الداعين للمصالحة هو ذات الموقف الآن؟. يبدو أن حساسيتنا الإنسانية تجاه الجرائم المهولة التي ارتكبها نظام الحركة الإسلامية ضعيفة بما يعني أننا لا نتصور الغبن الدفين لأهالي الضحايا. ثم لماذا لا نحترم حق أهل الدم ليقرروا هم وحدهم مصالحة الإسلاميين ما دام كثيرون منا لم يشق فؤادهم لهذا الفقد العزيز لفلذات الكبد الذي ساهم فيه قادة النظام، ورعيته؟

وحتى إذا حاولنا إبداء التسامح الإنساني الراقي لماذا لا نركز أولاً على الدعوة الراقية لتحقيق العدالة بكل ما أوتينا من قوة لوجستية حتى يهجع قلب الأمهات الثكالى، وتنزل دمعات فرح من الآباء، والإخوان، وهم يرون إدانة لقاتل، وحسرة ومذلة في وجه مغتصب، ورد لأرض من ظالم مستوطن، وندم ترصده الكاميرات لشخص عذب معتقلي بيوت الأشباح بالحر في صيف يوليو؟. 

ما الذي يعنيه هذا التواطؤ في ملف العدالة في علاج عللنا الوطنية، وعدم البدء بصفحة جديدة لسيادة القانون، والتخلص من عهود من الظلم السياسي، والعدلي، حتى لا تتكرر الجرائم، ما كبر منها، أو صغر؟

إن الحديث عن العدالة الانتقالية ينبغي ألا يكون مركزا على طلب العفو من أهل ضحايا نظام الثلاثين من يونيو قبل الدعوة لوجود مؤسسات نيابية، وعدلية، تباشر في التحقيق الشفاف حول الجرائم المعرفة، وإنزال أقصى العقوبات المستحقة على المدانين، وتبرئة المتهمين.

أما الحديث عن العدالة الانتقالية بمفهوم أن اعتراف المجرمين يفرض بالضرورة مسامحة أهل الضحايا يعزز في جوهره إفلات الضحايا من العقاب، وهناك نماذج محاكمات للعدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا ورواندا ظلمت أهل الدم، وأعفت المجرمين بدعوى التعافي الوطني، وجعلتهم يمدوا ألسنتهم ساخرين، وشامتين.

بكل أمل، وضرورة أخلاقية، ووطنية، لنصرة ضحايا نظام الإخوان المسلمين أدعو أسر شهداء، ومفقودي، فض الاعتصام، وضحايا الإبادة الجماعية في دارفور، والتطهير العرقي في جبال النوبة، وضحايا مجزرة بورتسودان، وكجبار، وقتلى مظاهرات ٢٠١٣، إلى رفع شكاوى لمجلس الأمن، والمنظمات الدولية، لمقاضاة مجرمي النظام، وبقاياه دولياً. ورفع الأمر كله في هذا الشأن للمحكمة الجنائية الدولية لمباشرة التحقيقات في جرائم ما بعد الثورة، وتقديم الجناة للعدالة هو الذي يواسي أهل الضحايا، ويمنع من تكرار هذه الجرائم المستفظعة.

فالنظام العدلي السوداني عاجز، إن لم يكن متواطئا، وكل هذا يحدث بالتزامن مع عدم جدية المسؤولين في قوى الحرية والتغيير، والسيادي، ومجلس الوزراء، في الإسراع إزاء إنجاز العدالة، وهي مثنى الشعار الذي يلي تحقيق الحرية، ويسبق إنجاز السلام.

Pin It

الخارجية السودانية و زيارة موسكو

الخرطوم سلاميديا
بقلم : محمد بدوي
 
المراقب للمشهد المرتبط بأداء المجلسين السيادي والتنفيذي بحكومة الفترة الإنتقالية السودانية يقف على غياب الخطط العامة المرتبطة بالإستراتيجيات و الأجندة مما أثر بشكل سالب على الحالة العامة، تتعدد الأسباب لكن تجاهل  الإحتكام للوثيقة الدستورية 2019 كمرجع للسلطات بالإضافة إلى مظاهر فقدان الثقة بين المكونات المختلفة  غيب الروح المفترضة في العمل الجماعي المتسق  و المصلحة العامة.
مظاهر ممارسة المجلس السيادي لتفويض بعض الوزارات  كالخارجية شكل السجل الأوسع، حيث غابت الخارجية عن  ملف إتفاق سلام السودان  2020، من ناحية أخرى  يمكن القول بتوزع إدارة العلاقات الخارجية بين المجلس السيادي الإنتقالي في الإشراف على العلاقات مع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا ، و تولى رئيس الوزراء  الإشراف على ملفات العلاقات مع دول الإتحاد الأوربي و الإدارة الأمريكية .
لكن في تطور مفاجئ  جاءت زيارة وزيرة الخارجية السودانية الدكتورة مريم الصادق  لموسكو ، التي ظلت العلاقة  موضع  تنافس بين بعض شركاء السلطة، في تقديري أن الزيارة إستمدت قوتها من الزخم الذي خلفته مبادرة  رئيس الوزراء لرأب الصدع  بين المكون العسكري، محاولة  إعادة ترتيب الأدوار  من قبل  رئيس الوزراء بعد حالة الجذر التي شهدها المكون المدني في السلطة.
بالرغم من مضي بعض الوقت  كشف   المكون العسكري عن دعمه  للمبادرة  محمولاً على تصريحات صحفية لعضوي السيادي الفريق أول  محمد حمدان دقلو نائب الرئيس و الفريق الكباشي على التوالي .
في تقديري أن إلتقاط المكون المدني التنفيذي القفاز برز في عدة ملفات لكن بالنسبة لموسكو يبدو أن الزيارة هدفت لإعادة الخارجية لممارسة تفويضها بدءاً بوضع العلاقة مع روسيا من خلال  القنوات الرسمية للدولة ممثلة في وزارة الخارجية  ،بدلاً عن السباق والتنافس الذي كشفته زيارات لبعض أعضاء مكونات الحكومة الإنتقالية.
تصريحات وزيرة الخارجية أثناء زيارتها لموسكو كشفت عن بعض المهام التي تتطلب جهداً تنفيذياً  مثل السعي لإعفاء الديون على السودان  ، التقاط الخارجية لزمام العلاقة مع روسيا له إنعكاساته في مؤسسية  صفقات  السلاح تحت تفويض الدولة  وأهمية ذلك تأتي في دعم الجهود لخلق قوات نظامية قومية ،  ضبط سجل التواجد الروسي الرسمي وغير الرسمي  بالبلاد قد يشكل احد القضايا في السياق الايجابي . ايضا قد تكسب الجدل الذي ظل يصاحب مسألة القاعدة البحرية الروسية في البحر الأحمر  الشفافية و يحيلها للادارة بشكل رسمي  تحت نفوذ الحكومة الإنتقالية الرسمي وليس القرار المنفرد لبعض المكونات  دون الأخرى.
اخيرا : يبدو الأمر من الناحية النظرية يبعث على التفاؤل لكن تشابكات العلاقة مع موسكو  قبل 2018 و إنعكاسها على الحالة المرتبطة بملف العلاقات الدولية للسودان بما يشمل الموقف المرتبط بالإدارة الامريكية أمر يتطلب الكثير من الجهد و الحصافة في إدارته عبر القنوات الرسمية .  

Pin It

أزمة الطب الشرعي و ما بعدها

بقلم : محمد بدوي

من نافلة القول أن التطورات السياسية في السودان عقب ابريل 2019 ظلت تؤكد حرص الشارع السوداني على مبدأ المحاسبة في ترجمة لشعار السلمية الذي شكل روح وفلسفة التغيير، لكن رغم ذلك تعددت الأسباب التي ظلت تعيق السير الطبيعي في ذلك منها سياسية مرتبطة بطبيعة العلاقة في الشراكة بين طرفي السلطة المدنيين والعسكريين التي ظلت تخضع لصراعات معلنة وغير معلنة أثرت على مجمل الأداء، بالإضافة إلى الفساد الذي طال أجهزة تنفيذ القانون و بنيتها خلال الفترة السياسية السابقة، الصراع الذي سبق التوقيع على الوثيقة الدستورية إنعكس سلباً في محتوى الوثيقة وقصورها في أحكام شمولها بما يتسق و طبيعة المرحلة الإنتقالية المرتبطة بسجل واسع من التراجع لفترة ٣٠ عاماً.

بالمقابل ظلت المؤسسات التي تخضع للإشراف السيادي ترزح في بيئة عملها وهيكلتها المرتبطة السابقة دون جهود جدية للإصلاح، الأمر الذي إنعكس ايضا في تراجع دور بعض هذه المؤسسات  التي أخضعت للنفوذ السياسي للسلطة السابقة وإستغلالها بما يدعم السلطة السابقة في البقاء والقهر وتنفيذ السياسات الحزبية ، فتشكلت بنيتها مرتبطة بممارسة مناهضة للمهنية و سيادة حكم القانون و الحرمان من الوصول للعدالة، بالنظر إلى النيابة العامة تعتبر حديثة التكوين في العام 2017 وصاحب تعيين أول نائب لها عقب الثورة تطورات كثيرة بين رفض لبعض المرشحين من قبل بعض مكونات السلطة  إلى أن إستقر الحال على النائب العام السابق مولانا تاج السر الحبر الذي إعتذر قبل قبوله الأمر، والذي إنتهى به الحال بالإستقالة بعد أن شهدت فترة توليه صراعات يمكن وصفها من حيث الطبيعة تنفيذي نقابي دون الخوض في تفاصيله الآن لكنها كشفت عن التعقيدات التي شابت بيئة العمل والأثر المرتبط بذلك في فترة النيابة العامة أحوج فيها إلى مناخ معافى وبيئة عمل مساعدة ومعينات تقنية ومادية لأداء دورها المرتبط  بالتأسيس لسجل المحاسبة و المساندة لتحقيق العدالة.

بالرغم من إستقالة مولانا تاج السر الحبر من منصب النائب العام وتكليف مولانا مبارك محمود تراجع الصراع التنفيذي النقابي لكن ظل الواقع يشير إلى بقاء الأزمات في مسار بيئة الأداء على سبيل المثال لا الحصر مسألة الطب العدلي أو بتعبير آخر الدعم التقني الذي تتطلبه بعض القضايا.

التطورات  التي إرتبطت بزيارة الفريق الطبي الأرجنتيني والجدل الذي صاحب زيارة الفريق لمشرحة مستشفي الامتياز بالخرطوم دون الخوض في تفاصيلها كشفت ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة  وغياب أدوات إدارة الأزمات بقوة دفع إيجابية ليستمر المشهد ليحرم الدولة من الإستفادة من فرص جوهرية تقدمها بعض المؤسسات الدولية  بشكل مستقل و أحيانآ تعاقدي و تارة تحت إشراف بعثة اليونتامس حيناً في إطار التعاون الدولي ولعل الخطوة التي كشف عنها النائب العام المكلف في لقائه باحدى القنوات الفضائية  والتي كشف خلالها عن نقل رفاة أحد المقابر الجماعية إلى دولة الإمارات لإجراء فحص عن DN نسبة لتوفر المعامل وتطورها  يثير الأسف و الأسى و يكشف العبث الذي طال الدولة السودانية خلال العقد المنصرم و تراجعها في القيام بعمليات تقنية بسيطة وغير معقدة فنياً.

حسنا فإن الأمر يأتي في سياق ممارسة النيابة لسلطاتها وفقا للمادة 55 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991  والذي أعطى صلاحيات واسعة للنيابة و لعل الإستعانة ببيوت الخبرة أو المؤسسات الخارجية تتطلب النظر الي عدة أوجه للأمر بين إمكانية توطين التقنية داخليا و صعوبة ذلك، وبين الحوجة للتقنية لعدد محدود من الحالات أو حالات كثيرة، لإرتباط الأمر بعلاقات مستقبلية في سياق المحاسبة من استدعاء الخبراء للإدلاء بشهاداتهم أمام القضاء إن استدعي الأمر،  في  وقت كانت التقنية ليست قيد الإمكان بما هو عليه اليوم شهد السجل السوداني إستعانة القضاء السوداني في حالات فردية بخبرة خارجية من جمهورية ألمانيا تعلقت ايضا بفحص الحمض النووي في قضايا لإثبات نسب لطفلي حديثي الولادة .

كما أشرت إلى سلطات النيابة في الإستعانة بالخبرة الخارجية في راهننا الإنتقالي مرتبط بالسجل الواسع للحالات التي تتطلب الجهد التقني فإن الأمر يتطلب التأسيس القانوني للعلاقة سواء عبر بروتكول للتعاون أو مذكرة تفاهم أو تعاقد بين النيابة والمؤسسة التي تقوم بذلك و كل هذه المتطلبات قد تتطلب إجراءات إشرافية وتعاقدية ومالية مرتبطة بالمجلس السيادي بإعتبار أن النيابة تحت إشرافها بالإضافة إلى وزارتي العدل والخارجية في تفويضهما المرتبط بالتعاقدات الخارجية والإتصال بين مؤسسات الدولة والأخرى الأجنبية.

هذا فضلاً عن أن حالات التعاقد تتطلب توضيح أسباب إختيار المؤسسة المحددة و سجلها العلمي في ذات المجال لأن مجمل المسائل يجدر التعامل معها بما يدفع بالثقة من كل الأطراف في مجمل الجهود والنتائج النهائية سواء من النيابة أو القضاء في مراحل لاحقة ، لعله قد يكون من المفيد الكشف إن كانت هنالك تجارب سابقة بين النيابة العامة والمؤسسة الإماراتية لأنه قد يعزز الإجابة على بعض التساؤلات ويفتح الضوء اكثر لعلاقة تبعث الاطمئنان في التاسيس  القانوني للتعاون ولا سيما  أن حالة أحداث 3 يونيو 2019 شهدت جدلاً حول تفويضها في جزئية حسمت بطلب الدعم التقني من الإتحاد الإفريقي بما قد يشكل مؤشر للإستهداء به في حالات مشابه.

في سبيل ذلك و على ذات النهج الإيجابي الذي جسر به النائب العام المكلف العلاقة مع الإعلام عبر لقاءه  الأخير قد يكون من المفيد تعزيزه بآخر تفصيلي يظل كمقترح دون التدخل في النطاق المرتبط بممارسة سلطاته التي منحها القانون، لإجلاء المرتبط بتلك الخطوة فكما أشرت قد يكون لها إنعكاسها الإيجابي في الراهن والمستقبل، فبالإضافة إلى ما أشرت إليه أعلاه هنالك مسائل أخرى لوجستية  مرتبطة بالتدابير التي اتخذت لضمان سلامة نقل الرفاة  وأخرى مرتبطة بالقيد الزمني للنتائج النهائية، ليظل السؤال الجوهري للمجلس السيادي السوداني و مجلس الوزراء في التفكير الإستراتيجي لتوطين التقنيات التي يتطلبها الحال والتي هنالك سجل أولى  لها في سياق الممارسة العملية في السودان، فان الحال لا ينعكس فقط  إيجاباً في توفرها لكن في تقليل تكلفتها فالأمر لا يتعلق بقضايا محددة تم الكشف عنها بل قد يمتد الأمر إلى مناطق النزاعات  بدارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق مما يصعب معه الإستمرار في إرسال الرفاه الي الخارج .

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع