ابحث عن

شخصيات الطيب صالح السردية وفاعلية التغيير

 

منصور الصويم

 

«لا لست أنا الحجر الذي يُلقى في الماء ولكني البذرة التي تبذر في الحقل»

الطيب صالح

تشتغل هذه القراءة على «التغيير»، وتتخذ منه مفهومًا يحيل إلى «الفعل الثوري» المكتمل، ومحورًا ينبثق منه ما يوحي بالحركة والتبدل والاستمرارية، الذي يعني بدوره القطع التام مع «القديم – الماضي – المتصور – الفاسد والساكن»، كما يشير إلى الاستمرار في الفعل التغييري وامتداده في الزمان والمكان من دون توقف، وبتعبير أدق التغيير هنا يعني الاقتلاع النهائي وإحلال الجديد المغاير.

والمحاولة هنا، للربط بين الفعل الثوري والفعل الأدبي، وما ينتج عنهما من مفاهيم آفاق –متغيرة– في كل من النطاقين الثوري والأدبي، تأخذ حيويتها من حيوية الثورة السودانية الأخيرة، التي اجتثت بفاعليتها «التغييرية – الثورية» نظامًا مهيمنًا وسكونيًّا يأبى على التغيير أو الاستعداد لتقبله، وأبدلته بنظام متغير ومتجدد تفترض فيه الحركية «التحسينية» المستمرة. أي أنها –الثورة السودانية– فعل ثوري تغييري مستمر إلى أن تتحقق جميع أهدافها في التغيير المنشود. وبهذا المعنى يصبح الاشتغال على أعمال الطيب صالح السردية من زاوية التغيير هي محاولة لرصد اللحظات الثورية الدقيقة الفاصلة في بعديها الفردي والمجتمعي حسبما اقتضت شروط النص الروائي- القصصي، وهو الشيء الذي أحاول تطبيقه على هذه الأعمال بالتركيز على دور التغيير في تطور ونمو الشخصيات السردية في أعمال الطيب صالح الروائية والقصصية.

تغيير أم تحول؟
بإجراء عملية مسح سريعة لشخصيات الطيب صالح السردية، في رواياته وقصصه القصيرة ومروياته السردية الأخرى؛ سنكتشف أن السمة الغالبة على أكثر هذه الشخصيات هي سمة التحولات – النفسية الاجتماعية، أكثر من سمة التغيير – الثورية التي ارتبطت بشخصيات محددة، سنتناول بعضها في هذه الورقة. وسنلحظ من خلال تناولنا لشخصيات الفعل التغييري أو الفعل الثوري، أنها لا تنفصل في فعلها هذا عن شخصيات التحولات، بل إن أكثرها ذو ارتباط إلهامي – إيحائي بهذه الشخصيات، فموقف الشخصية المتحولة في هذه الأعمال أسهم بقدر ما في حفز الشخصية الثورية للتحرك جهة التغيير وممارسته كفعل ثوري أحدث هزة عنيفة داخل المجتمع، أو ضرب بقوة هزت التكوين النفسي – الفردي لهذه الشخصية أو تلك.

مصطفى سعيد.. ملهم التغيير
كان بإمكان مصطفى سعيد «الشخصية المركزية في رواية موسم الهجرة إلى الشمال»، أن يحدث تغييرًا ثوريًّا فارقًا في البيئات التي تحرك في مجالها، سواء أكانت داخل السودان أو في أوربا – إنجلترا، كما كان بإمكانه أن يحقن الوعي والتثوير في شرايين كل من عرفهم بدلًا من أن يحقنهم بـ«جرثومة» الموت والهلاك. وبالرغم من أن مصطفى سعيد شخصية إشكالية معقدة وفصامية، فإنه مرّ بثلاث محطات مهمة على الأقل، كان جديرًا أن يتوقف عند إحداها ويحدث تغييرًا جذريًّا في صيرورة حياته، إلا أنه بدلًا من ذلك اختار «تحولات» صغيرة ومؤقتة لم تمكنه من حرق الماضي بكل مآزقه ومآسيه وبناء مستقبل جديد مختلف ومغاير.

المحطة الأولى التي أرى أنها كانت جديرة بقلب كيان مصطفى سعيد وتثوير حياته الكئيبة هي تلك اللحظة التي اكتشف فيها أنه مجرد «أكذوبة»، وذلك داخل قفص المحكمة أثناء وقائع محاكمته بجريمة قتل زوجته الأولى الإنجليزية «جين موريس»؛ ففي اللحظة التي كان محاموه يحاولون فيها الدفاع عنه وإظهاره بمظهر «الإفريقي» المتحضر لا «المتوحش» انتصارًا لرؤيتهم الاستشراقية، اكتشف مصطفى سعيد زيف وعيه وضآلة موقفه، وأنه لا يعدو أن يكون مجرد صورة مشوهة للآخر –المستعمر الذي كان يظن أنه ينازله ويحاربه في عقر داره حين صرخ «جئتكم غازيًا». فهو القائل: «هذا المصطفى سعيد لا وجود له، إنه وهم، أكذوبة. وإنني أطلب منكم أن تحكموا بقتل الأكذوبة» هذه لحظة تعرٍّ نادرة، إلا أن مصطفى سعيد أضاعها باستغراقه أكثر في تعقيدات شخصيته المغرورة والمأزومة، ولم يتحرك قط تجاه محو «الأكذوبة» وإحلال «الصدق- الحقيقة» مكانها، وتلك عملية تغيير ثورية إن فعلها لأحدثت انقلابًا كاملًا لمجرى حياته وحياة الذين ينجذبون إلى بؤرته المغناطيسية المدمرة، لكنه لم يفعل.

اللحظة الثانية التي أتيحت لمصطفى سعيد وأضاعها، هي لحظة خروجه من السجن ومواجهته نفسه في صقيع –جليد تلك البلاد التي «تموت من البرد حيتانها». وهي في رأيي لحظة وجودية فارقة، تكشف عن أنه لا معنى لحياة مصطفى سعيد الماضية: «يتشرد في أصقاع الأرض من باريس إلى كوبنهاغن إلى دلهي إلى بانكوك وهو يحاول التسويف»، المدهش أن هذه اللحظة الوجودية النادرة– الضياع والتشرد- تأتي في الرواية عابرة وسريعة ومختصرة ومضاعة؛ كأنها تعبر تمامًا عن فشل مصطفى سعيد في الإمساك بأهميتها وتطويعها لإحداث التغيير المطلوب وتحقيق الأفضل له وللآخرين، بيد أنه كان منقادًا للمأساة!

اللحظة الثالثة والمفصلية التي عبرت مستر مصطفى سعيد تحققت بعد عودته إلى السودان واختياره قرية نائية للسكن وقضاء بقية حياته. هنا أحدث الرجل تحولًا محدودًا ومؤقتًا، وغامضًا! إذ اكتفى بحبس ماضيه «التنويري» بين جدران غرفة غريبة على المكان – القرية في محاولة منه للتحايل على هذا الماضي فيما يشبه الحنين الموارى بستائر ثقيلة تحجب عن الآخرين المعرفة، وذلك من دون أن يقدم على نقد هذا الماضي أو مراجعته ومن ثم القطع أو التصالح معه حتى يتسنى له التحرك بحرية صوب نقطة التغيير الحقيقية وليس دائرة التحول المتوهمة التي ظل يدور داخلها إلى أن أخذته دوامتها المتلاطمة إلى الأبد. نعم، أحدث مصطفى سعيد تحولًا في القرية وضخ بعض المعرفة والوعي بين أفراد مجتمعها الصغير، نظم الأشياء، وأدارها بشكل علمي «هو الذي أشار علينا باستغلال أرباح المشروع في إقامة طاحونة للدقيق. (…) وهو الذي أشار علينا أيضًا بفتح دكان تعاوني. الأسعار عندنا الآن لا تزيد عن الأسعار في الخرطوم» موسم الهجرة إلى الشمال. لكنه –على الرغم من الأفكار الاشتراكية- فإنه لم يسعَ قط إلى إبدال الوعي القديم– الساكن لدى هذا المجتمع وتغييره إلى وعي متقدم يسهم في نقل القرية– المجتمع إلى مربع آخر، وإن حدث ذلك لتفادت القرية المأساة التي سيكون لمصطفى سعيد نصيب منها، سواء بتخاذله وجبنه عن «المنح» أو من خلال تلك الشحنة الهائلة من الوعي التي وهبها شخصًا واحدًا، وأدت إلى تغييره وتدميره معًا. تلك الشخصية هي حُسنة بت محمود، التي غالبًا تلقت تلك الجرعة من الوعي الهائل – المدمر دون «وعي» أو قصدية مباشرة من المتحول السلبي مصطفى سعيد!

 الزين.. طاقة متحولة
إنْ كانت هناك شخصية مضادة لشخصية مصطفى سعيد، وتمثل معكوسها في كل شيء فبلا شك ستكون هذه الشخصية هي شخصية الزين المبروك بطل رواية «عرس الزين». فبينما نجد أن مصطفى سعيد يحرق بنيران مأساته كل من يقترب منه، يفعل الزين العكس تمامًا لمن يقتربون منه؛ إذ يهبهم «المبروك» الحيوية والسعادة وينعش آمالهم في الحياة بعد يأس «أصبح الزين رسولًا للحب ينقل عطره من مكان إلى مكان، كان الحب يصيب قلبه أول ما يصيب ثم ما يلبث أن ينتقل منه إلى قلب غيره» عرس الزين.

تموقع نظرية «التحليل الفاعلي» للبروفيسور الشيخ محمد الشيخ، شخصية الزين في موقع مثالي بين شخصيات الطيب صالح الأخرى؛ إذ يمثل الزين وفقًا لـ«التحليل الفاعلي»، بنية الوعي الخلاق في مقابل بنيتي الوعي البرجوازي والتناسلي. واحتلال الزين لهذا الموقع المثالي يتحقق -وفقًا للنظرية- استنادًا إلى شخصيته المعطاءة بلا حدود، الشخصية التي تقدم الآخرين على رغائبها الذاتية وتسعى جاهدة لمساعدة وإسعاد الجميع. هذه الصفات الخلاقة تجعل من الزين شخصية محورية في عملية التحولات التي تحدث في قريته ود حامد، بيد أن أثره الإيجابي هذا لا يتجاوز مرحلة التحول لينتقل إلى مربع التغيير الثوري الشامل، وربما يعود هذا إلى الطبيعة التركيبية لهذه الشخصية؛ كائن بسيط وطيب وأقرب إلى الدرويش. أسهم الزين في تغيير رؤية أهل القرية نحو جيرانهم الأغراب والمستضعفين «العتقاء والأعراب»، كما أسهمت تحولاته الشخصية في تحويل شخصية سيف الدين من رجل ماجن وداعر إلى رجل ملتزم ومسؤول، وأخيرًا تحول الزين نفسه إلى شخصية «منتمية» لا تنفصل عن المجتمع، ولا تنفصل في الوقت ذاته عن مكوناتها الخلاقة. بذرت شخصية الزين الفاعلة، في أرض الثبات التي تتحرك فيها شخصيات رواية «عرس الزين» –والروايات الأخرى– بذرة تغيير كبرى، ظلت فقط بانتظار من يرعاها جيدًا لتنمو وتزهر وتحدث التثوير المرتجى.

شخصيات أخرى متحولة
قبل الانتقال إلى مربع الشخصيات المتغيرة، والثائرة بين شخصيات الطيب صالح السردية، يجدر بي الإشارة إلى شخصيات أخرى، حملت جيناتها السردية مؤشرات التغيير لكنها اكتفت فقط إما بلعب دور محايد، أو إحداث تحول طفيف في بنيتيها الذاتية والمجتمعية. من هذه الشخصيات، الشخصية المحورية في كل أعمال الطيب صالح، وأعني الراوي محيميد، ابن القرية الذي تلقى تعليمًا حداثيًّا مختلفًا، وامتهن مهنة تنشئية وتربوية تمكنه من التأثير في الآخرين، وبالتالي حقنهم بدرجات الوعي المفترضة من رجل مستنير مثله، إلا أنه آثر السلامة واتخذ موقف المراقب والراصد المحايد، الذي يتابع – ينقل الوقائع كما هي دون أدنى محاولة للتأثير، وقد واتته فرصة التغيير الكبرى حين احتك بمصطفى سعيد، وخبر قصته الغريبة؛ وحين تورط في رعاية ابنيه، وأحب في تخاذل وجبن زوجه – أرملته -حُسنة بت محمود– التي ترجته لينقذها من مصيرها المأساوي بالزواج منها، لكنه آثر الهرب: «لكنني الآن أسمع صوتًا واحدًا فقط، صوت بكائها الممض. ولم أفعل شيئًا. جلست حيث أنا بلا حراك وتركتها تبكي وحدها لليل حتى سكتت». موسم الهجرة إلى الشمال. الشخصية الأخرى التي يمكن الإشارة إليها وإلى حالة التحول الكبير التي طرأت عليها دون أن تحدث تغييرًا ثوريًّا معتبرًا، هي شخصية سعيد عشا البايتات، أو سعيد البوم؛ فالرجل بمثابرته وصبره ودهائه تمكن من قلب موقعه في المجتمع تمامًا، فبدلًا من احتلاله قاع المجتمع موسومًا بلقب «البوم»، الذي يعني «الطيب، العبيط، السلبي.. إلخ»؛ ارتقى الرجل ليحتل – عبر المال والدهاء – موقعًا متقدمًا في صدارة المجتمع مصاهرًا في ذلك ابنة ناظر المدرسة شخصيًّا، في اقتران غريب بين التخلف والحداثة «ناظر شنو؟ أنا فاضي في الناظر ولا حتى في العمدة. أنا عندي القروش، علي الحرام في اليوم العلينا دا إن درت بت العمدة آخدها». بندرشاه – ضو البيت. وعلى الرغم من أن سعيدًا انتزع انتزاعًا لقبه الجديد «عشا البايتات» الذي يعني الفارس حامي النساء، فإنه في حقيقته وعمقه التكويني ظل كما هو «سعيد البوم»، فلم يترك أثرًا كبيرًا!

شخصيات التغيير
سأتناول في المساحة التالية، ثلاث شخصيات أساسية من شخصيات الطيب صالح السردية، في رأيي أنها مثلت نقلة تغيير ثورية كبرى بين شخصياته الأخرى، وقدمت نموذجًا مثاليًّا لما يحدثه التغيير من قطع مع الواقع القديم، والواقع الجديد الذي تحدثه بثورتها أو ثوراتها المفاجئة، التي تحدث انحرافًا غير متوقع في المسار البنائي للعمل السردي بأكمله.

ثورة أولاد بكري.. التغيير المنظم
من المفارقات التي تستحق التوقف، أن أكبر عملية تغيير أحدثتها شخصيات الطيب صالح السردية، هي ثورة أبناء أخت محجوب «أولاد بكري» ضد خالهم محجوب! والمفارقة تكمن في شيئين، الأول أن من ثاروا عليه «محجوب» مثّل في زمن من أزمنة قرية ود حامد صوت الاحتجاج والتغيير والثورة ضد الظلم. أما الشيء الثاني فيأتي من وصف أولاد بكري لخالهم محجوب بالدكتاتور الذي كتم أنفاس العباد لمدة ثلاثين عامًا، تحكم خلالها هو وشلته في كل شأن، أقصوا الآخرين وأفسدوا ما أفسدوا. وهو توصيف يكاد ينطبق على الثورة السودانية التي أطاحت بدكتاتور جثم على صدر الشعب لمدة ثلاثين عامًا، تحكم خلالها هو وعصابته في شؤون السودان وأهدروا موارده وأفسدوا فسادًا عظيمًا، إلا أن حال محجوب «الدكتاتور المصلح» يختلف كثيرًا بالطبع عن حال الفاسد عمر البشير.

ثورة أولاد بكري ضد خالهم محجوب، في رواية «بندرشاه –ضو البيت»، تعطي نموذجًا مثاليًّا لفاعلية وسائل التغيير الجماعية الحديثة، التي يمكن إجمالها في التنظيم، والحشد المبني على الحوار والإقناع، والاجتماع الديمقراطي– التصويت «… كلام أولاد بكري بدأ يؤثر في قلوب الناس وتكون لهم حزب معارض أخذ يقوى ويشتد وقاموا بجمع التواقيع لعقد اجتماع عام للجمعية التعاونية وهو أمر لم يحدث منذ تكوين الجمعية». بندرشاه – ضو البيت. وعلى الرغم من أن جذور الصدام بين محجوب وأبناء أخته تعود إلى نزاع عائلي بحت حول «قطعة أرض»، فإن هذا الصراع تطور مع الوقت وخرج من حيزه الضيق ليتحول إلى ثورة ناجحة أطاحت بمحجوب ومجموعته وغيرت موازين العلاقات تمامًا في القرية الصغيرة ود حامد «محجوب بعد ما يربو على ربع قرن من السلطان المطلق، وجد نفسه وجهًا لوجه أمام شعب ود حامد يقاضونه الحساب». بندرشاه – ضو البيت. وأكثر ما يؤكد ثوريةَ أولاد بكري، ويدلل على التغيير التام الذي أحدثوه بذواتهم ثم بمن حولهم، هو موقفهم من «صلة القرابة»؛ إذ لم تؤثر هذه الصلة الأبوية القبيلية أدنى تأثير في مساعيهم نحو التغيير والإطاحة بـ«خالهم»، وتجاهل موقف والدتهم العاطفي الذي ترجمته في شكل سيل من الشتائم قذفتها بهم أمام الجميع بقصد تعريتهم والتبرؤ منهم حتى يرعووا ويوقفوا فعلهم الثوري. إلا أنهم مضوا بثورتهم إلى النهاية وكأنهم يهتفون بإصرار مرعب: «تسقط بس».

ضو البيت – بندر شاه
النموذج الثاني للشخصيات المتغيرة، التي أتناولها في هذه الورقة، وأرى أنها أحدثت فرقًا ثوريًّا في مسارها البنائي بين شخصيات الطيب صالح السردية؛ هي شخصية الغريب في رواية «بندرشاه – ضو البيت». فبعكس الغرباء، السائحين، الزائرين، الغزاة، الأسرى، والباحثين عن المجد؛ انسلخ غريب الطيب صالح «بندرشاه – ضو البيت»، من ثقافته القديمة وترك انتماءه القديم خلفه لينتمي إلى هذه البلاد ويصبح واحدًا من أهلها في أخطر عملية تغيير يمكن أن تحدث لشخص ينتمي ثقافيًّا إلى حضارة أكثر تقدمًا بحسب الرؤية الاستشراقية التي ينتمي إليها. و«الاستشراق»، كما طرحه «إدوارد سعيد»؛ هو الموقف المتوقع من شخصية مثل بندرشاه – ضو البيت، وبناء على هذا الموقف تنبني مواقفه الأخرى تجاه الآخرين الذين استضافوه أو أنقذوه «السودانيين – الأفارقة – العرب – العالمثالثيين – المتخلفين»، لكن الذي حدث عكس ذلك تمامًا، إذ أحدث الصدام الحضاري المفترض بين الوافد الغريب والمجتمع الجديد نتيجة مختلفة تمامًا، بتبنيه للثقافة الجديدة وتصالحه مع المجتمع والتضحية بثقافته القديمة وحضارته المتفوقة مثلما تظهرها كتابات الرحالة – المستشرقين – الغرباء الآخرين.

ربما، أراد الطيب صالح في هذه الرواية بخلق هذه الشخصية أن يكمل مشروعه العظيم في خلخلة المفاهيم الاستشراقية وتفكيك الأوهام الكولونيالية؛ مشروع أسس له في روايته الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال» ورسخ دعائمه بالدفع بشخصية بندرشاه من ظلام البحر إلى نور الحياة، وإن استعرنا مصطلح إدوارد سعيد عن «الكتابة المضادة»، وحورناه قليلًا لمثل ضو البيت «الشخصية المضادة» لشخصيات «المستشرقين» التقليدية بتقبله الآخر واندماجه الفاعل في المجتمع دون إسقاط استكشافي واستيلائي على هذا الآخر. «..عاش بيننا مثل الطيف ومضى مثل الحلم، عشرة مواسم لا غير، خمسة أعوام بحساب السنين، عمل فيها ما لم يعمله الناس في العمر كله، خير الدنيا انهمر عليه كأنه يقول للشيء كن فيكون». بندر شاه – ضو البيت. وربما أراد الطيب صالح أيضًا بتقديمه لـ«ضو البيت» بذاكرة كأنما هي صفحة بيضاء، إثر فقدانه ذاكرته؛ أن يشير إلى أن الإنسان بعيدًا من التصورات المسبقة عن الآخر، هو الإنسان سواء أكان هنا في خط الاستواء، أم هناك وراء البحار من حيث أتى الغريب «بندرشاه – ضو البيت».

حُسنة بت محمود.. عنف التغيير
يمكنني القول بكل ثقة: إن حُسنة بت محمود – زوجة مصطفى سعيد، هي أكثر شخصيات الطيب صالح ثورية، وإنها أكثر الشخصيات التي حققت متطلبات التغيير، وأقدمت على ذلك بكل شجاعة وتضحية ونكران ذات. ما الذي فعلته حُسنة بت محمود؟ ومن أين استمدت هذه القوة الهائلة على التحدي والقتال إلى آخر رمق؟

أقدمت حُسنة بت محمود على فعل زلزل أركان القرية الوادعة على ضفاف النيل، فعل لم يتوقع أحد أن تأتي به امرأة من نساء «ود حامد» المسالمات المطبوعات على الخنوع والانقياد الأعمى لرغبات مجتمعهن الأبوي الصغير، فكل شيء هادئ هنا منذ مئات السنين، ولم يجرؤ أحد من قبل على خرق المألوف ورفض الأعراف والتقاليد والتصريح بـ«لا» أمام الجميع. تأثرت حُسنة بت محمود بزوجها الغريب وتغيرت واختلفت تمامًا عن نساء القرية، وكأنما وهبها مصطفى سعيد النصف المخفي من «وعيه» و«ثقافته» و«تمرده» و«ثوريته»؛ النصف الذي أراد له أن يكون مطمورًا يتحكم في إخفائه نصفه الآخر – المرتبك والفصامي المعقد.

حين مات مصطفى سعيد أو اختفى أراد الأب في مجتمع ود حامد الصغير – الأب البيولوجي والأب الجمعي – أن يعيد سيطرته وتحكمه في «المرأة – الأرملة» حُسنة بت محمود، وذلك بتزويجها كيفما اتفق وإن كان هذا الزوج يفوق والدها سنًّا ويقل عنها وعيًا وثقافة وإدراكًا للأشياء. المأساة التي نتجت عن هذه المحاولة القسرية في تزويج حُسنة من المسن ود الريس، كشفت عن شخصية جديدة حلت محل الشخصية القديمة، شخصية ثائرة وعنيفة ومصادمة، حُسنة أخرى غير التي يعرفونها. هذا العنف الدموي الذي لخصت به هذه المرأة حياتها كان بالإمكان تلافيه لو أن شخصًا موازيًا لـمصطفى سعيد ترك التردد قليلًا وجارى حُسنة في محاولتها الحفاظ على خصوصيتها المختلفة عن السائد، وأعني هنا الراوي محيميد، الذي تجابن وتخاذل عن نصرتها وهي التي ترجته أن يتزوجها وإن صوريا تفاديا للمأساة. وصف أهالي ود حامد حسنة بت محمود بالجنون: «(…) جنون بنت محمود ليس في الأولين ولا الآخرين». موسم الهجرة إلى الشمال، وذلك بعد أن أكملت فصول ثورتها – مأساتها بقتل ود الريس والتمثيل بجثته في عملية قتل أخرى رمزية للذهنية الذكورية التي حاولت إخضاعها وإيقاف «حالة التغيير» التي حدثت لها «كانا قد ماتا لساعتهما. كان الدم حارًّا يبقبق من قلب بت محمود وبين فخذي ود الريس. الدم ملأ البرش والسرير وجرى جداول في أرض الغرفة».

عجز أهالي القرية نساء ورجالًا بعقليتهم الذكورية المصمتة عن فهم هذه الحالة «التغيير – الثورة»، لذا وصفوا ما أحدثته حُسنة بـ «الجنون»، والجنون مرادف للثورة، مثلما الموت رديف للتغيير: يقول الثائر البوركيني القائد توماس سنكارا: «لا يمكنك إجراء تغيير أساسي دون قدر معين من الجنون. في هذه الحالة، يأتي الجنون من رفض التوافق مع الأوضاع، والشجاعة لترك الصيغ القديمة، والتقدم لاختراع المستقبل. لقد احتجنا لمجانين الأمس؛ كي نكون قادرين على التصرف بوضوح شديد اليوم. أريد أن أكون واحدًا من هؤلاء المجانين. يجب أن نجرؤ على اختراع المستقبل». وحُسنة بت محمود، بجنونها القاتل، اخترعت المستقبل.

 

Pin It

نجوم في سماء عروس الرمال: العميري

 

بقلم - نيازي ابو علي
زيارة خاصة جداً، في بيت فنان ليهو قيمة ،العميري:عندك وقفت من المشي وغرقت في ضوء النهار

يعد الفنان الراحل عبد العزيز العميري، نموذجاً متفرداً لمعنى الفنان الشامل، في رقته وسماحته وطيبة معشره، كان نسيجاً وحده، وزهرة يانعة في بستان الفن، وطائراً غرّيداً يشجي المسامع، سحراً من الكلمات، والموسيقى، والألحان الموقعة كالهمس، والأمنيات العذبة.

ولد العميري بعروس الرمال مدينة الأبيض، التي تفتخر به كثيراً كواحد من مبدعيها الأفذاذ، الخالدين بعطائهم الثر وتجربته المميزة في مسيرة الإبداع السوداني، شعراً ومسرحاً وتمثيلاً وغناءً تغنى بكلماته الفنانون "مصطفى سيد أحمد، حمد الريح، وسيف الجامعة" كما تغنى العميري وأطرب.
عمل الراحل عبد العزيز العميري ، مخرجاً بارعاً بالتلفزيون والإذاعة وتحفظ له مكتبتي التلفزيون والإذاعة، كثيراً من برامج المنوعات والسهرات والمسرحيات الجميلة.
ـــــــــــ
في منزل العميري، كان الاحتفاء حاراً، والكرم فياضاً، والبشاشة لونت الوجوه الوضيئة، رغم اجترار الذكريات، الذي جدد كثيراً من الأحزان.

الأستاذ شريف العميري الشقيق الأكبر للراحل الفنان عبد العزيز العميري حكى بشجن عن تأثير العميري على حياته، وقال بذاكرة متقدة: (أصبحت خطيباً وشاعراً بفضل علاقتي الحميمة مع شقيقي الأصغر الراحل عبد العزيز).
وأوضح شريف العميري، أن شقيقه، ولد في مطلع العام 1954م، درس الإبتدائية بالمدرسة الشرقية (كُتاب الأبيض) وبعدها انتقل الى المرحلة المتوسطة بمدرسة (الأبيض الأهلية) قبل أن يشد رحاله الى العاصمة الخرطوم ليلتحق بالتدريب المهني، ويعمل بمصنع النسيج السوداني.
شريف قال إن انطلاقة العميري الفنية، بدأت من مركز شباب أم درمان، وكان وقتها يقطن بحي أبوروف، قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح في عام 1975م الدفعة السابعة، التي زامل فيها المبدعين خطاب حسن أحمد، محمد عبد الرحيم قرني ومنى عبد اللطيف.

وقال شريف إن شقيقه عقب تخرجه من المعهد التحق بالعمل مخرجاً بتلفزيون السودان وشارك في إخراج العديد من المسرحيات منها:(وادي أم سدر، تاجوج، المهدي في ضواحي الخرطوم، التحدي وأحلام الزمان).
واضاف شريف أن الراحل عبد العزيز وضع بصمته الخاصة في الكثير من البرامج التلفزيونية الشهيرة منها، (محطة التلفزيون الأهلية) وكان من أميز الأعمال التي قدم من خلالها الراحل الدراما والشعر والغناء.

وأكد شريف، شارك في كثير من المسرحيات والمسلسلات الإذاعية، منها (سفينة نوح، ودنيا صفاء ودنيا انتباه ، بت المنا بت مساعد) كما كتب العميري الشعر بالعامية والفصيح وله ديوان يحمل عنوان (بعيد ياخوانا بتذكر)، كما له الكثير من النصوص الغنائية مثل أغنيات (الممشي العريض للفنان مصطفى سيد احمد، يا نديدي واجيك من وين لسيف الجامعة، وست القلوب لحمد الريح، ولو أعيش زول ليهو قيمة، الأغنية التي قدمته للساحة كفنان كبير.

وعن يوم رحيله حكى شريف عبد الرحمن بعيون دامعة: (سمعت بالخبر وأنا في مطار الخرطوم، تحركت وقتها مسرعاً لمنطقة أبوروف التي كان يقطن بها العميري وجدت كل نساء الحي في المنزل، تحركنا بسرعة نحو مقابر أحمد شرفي وحين وصلنا كان جثمان العميري قد ووري الثرى، حزنت حزناً عميقاً وكتبت مرثية بعنوان (طائر الفردوس ) قلت في جزء منها: (شلت يميني وانقطعت عن الورى/ وتكشفت عن شرها الأزمان/ يا طائر الفردوس هل غادرتنا / وتركتني متظلماً أم حالماً بأمان/ يا فارساً عقدت لواءك غبطة/ وبشاشة مزهوة الألوان).

الشاب محمد حمزة الذي رافقنا لزيارة الممشي العريض، بحي الربع الثاني ذلك الشارع الذي كتب عنه العميري قصيدته المشهورة لمصطفى سيد احمد قال:(إن العميري رمز من رموز شباب كردفان الذين قدموا الكثير من الأعمال الخالدة في ذاكرة الشعب السوداني).
أما صاحب بقالة (الممشي العريض) قال :(الشارع ده مفروض يكون ليهو قيمة، لأنه خالد في تاريخ الغناء، كتب عنه
العميري وتغنى له مصطفى سيد أحمد)، ثم شدا بصوت

جميل: (مكتوبة في الممشى العريض/ شيلة خطوتك للبنية/ مرسومة بالخط العنيد/ في ذمة الحاضر وصية / شاهدة التواريخ والسير والإنتظار/ أدوني من قبلك مناديل الوصول/ وفردت أجنحة العشم/ في ساحة الوطن البتول/ وضحكت ما هماني شيء / وبكيت ولا هماني شيء/ عندك وقفت من المشي/ وغرقت في ضوء النهار

Pin It

نجوم في سماء عروس الرمال: ذكرى عبد الوهاب.. عصامية ونجومية مشرقة

 

بقلم - نيازي ابو علي

تمضى بخطي واثقة، لتحجز لنفسها مكانة متقدمة في صفوف نجمات الشاشة، انها ذكري عبد الوهاب عبد الله، مقدمة برنامج (ست الكورة) الذي يعد واحد من اشراقات البرامج الرمضانية.

بدأت مسيرتها الاعلامية، بإذاعة الأبيض، في ثنائية مع زميلها عز العرب آدم، ثم انتقلت للعمل بشرطة الولاية، المكتب الاعلامي، ثم اذاعة ساهرون، قبل ان تهاجر برفقة زوجها للمملكة العربية السعودية، وتعود للاطلالة من جديد عبر الشاشة الزرقاء من خلال برنامجها (ست الكورة).
الي جانب موهبتها الاعلامية، وتجربتها الاذاعية، تمتلك ذكري موهبة التمثيل، وقد تجلت في بطولتها لفيلم ( الورشة) ومشاركتها في فيديو كليب (جدودنا زمان) الذي أحتفي بثورة ديسمبر للفنان الشباب احمد امين.

ذكري شابة عصامية بداخلها طاقة كبيرة تجعلها قادرة على مواجهة الصعاب فقدت والديها مبكرأ لتكن في محك كبير لخوض غمار التحديات لتتمسك بالحاضر والمستقبل معا بمدينة الأبيض بحي الرديف. ويمكنك الإحساس بهذا الأمر عند مقابلة أي امرأة عصامية، حيث إنها تشع روحاً من العزيمة والإصرار والمثابرة لا يمكن تجاهلها، ويظهر عليها دوماً أنها متأهبة ومستعدة لأي شيء مفاجئ.

رحل والدها الشهيد عبدالوهاب عبدالله (بوب ) الذي استشهد في العام ١٩٩٠م بجنوب كردفان ووالدتها كانت تحمل بداخلها الطفلة التي لم تخرج للحياة.
تفتخر دائما بالمرأة العظيمة التي ربتها مبكرا وتقول ذكري
ربتني (امي حنان عبدالله) لها الرحمة والمغفرة
تلك المراة الصبورة المكافحة زوجة شهيد وام لبنت في زمن كان صعب جداً.
وتحكي ذكرى بحزن ( ربتني لوحدها ولم يشاركها تربيتي اي شخص ورحلت هي أيضاً وانا ابنة الاثنان وعشرين ربيعا و كنت وقتها خريجة من الجامعة حديثا.
وأضافت وبعد فترة من الحزن والبعد من كل شيء شاءت الأقدار أن يطرق باب منزلنا احد أصدقاء والدي بالشرطة و هو والد زوجي وعمي جمال صابون ( قال لي يا بنتي الحزن في القلب وعشان تخرجي من الانتي فيهو لازم تشتغلي وبحكم عمله كشرطي تم توظيفي في اعلام الشرطة وفعلاً كان وقتها مكتب إعلام الشرطة في حوجة لشخص لسدة بعض الأعمال ومنذ تلك الفترة عملت ومن مكتب اعلام شرطة الابيض انتقلت لاذاعة ساهرون ولم استمر طويلا تزوجت وانتقلت مع زوجي للسعودية )

لذكري ايادي بيضاء، وتجربة انسانية جديرة بالتقدير في العمل الخيري والطوعي والانساني بالولاية، حيث كانت تشكل حضورا فاعلا في مشاريع الشباب والقضايا التي تخدم انسان كردفان.

رغم قصر تجربتها التلفزيونية، الا انها استطاعت ان تلفت اليها النقاد والصحفيين، وقد كتب عنها الزميل الصحفي والناقد الفني محمد إبراهيم الحاج: ( قدمت المذيعة صاحبة التجربة الحديثة ذكرى عبد الوهاب اختراقا برامجيا جديدا عبر (ست الكورة) وهي تجارب نواعم في ملاعب الرجال (الخشنة)..تتفق هذه الحلقات تماما مع الصوت الانثوي ذو الضجيج الآسر الذي تغشى مختلف المجالات خلال الفترة السابقة...هو محاولة ربما كانت مضنية للغاية في انتاج حلقات اظهرت قدرة الفتاة السودانية على اختراق ماكان سياجا محكم الأغلاق بالختم الزكوري).

تمنياتنا لذكري عبد الوهاب، بتجربة تلفزيونية حافلة بالنجاح والتميز، وتهانينا لها بعبور برنامج (ست الكورة) لمصاف البرامج المميزة، عالية التاثير والمشاهدة.وحقا تستحق وسمها بزول جميل ونجمة تضيء في سماوات عروس الرمال وخارجها.

Pin It

بين قلبين وقبيلتين ووطن

بقلم : محمد فتحي

ما سأرويه هنا ليس وحيا نبع في قلبي من العدم فترجمه خيالي لقصة تعجز العقول عن رؤية حقيقة انها كانت واقعا لم ازد فيها حرفا ان لم انقص منها الكثير ، انها قصة اكرمتني الاقدار بأن اكون شاهدا عليها وعجزت دوما عن سردها لهول مافيها من مشاعر فياضه تملكني الخوف من ان تقصر حروفي من ايصالها كما هي وكما لامسها قلبي ، ولكن الاحداث الاخيرة المؤلمة بمدينة الشروق كسلا جعلتني اقاوم خوفي واكتب عنها لاحاول ان افصح عن جزء يسير من ما تستطيع حروفي ان تنقله فلهم ولتلك المشاعر الغارقة في المحبة النقيه الصافية كل العتبي من شخصي الذي اخذه الشهود مما راي .


في الاصل هما اسرتين واحدة من اهلنا النوبه والثانيه من اهلنا البني عامر تجاورا لسنين طويله وتربي ابنائهم مع بعض كالاخوة ، كانا بيتين في بيت ، اذا نقص ملح هنا تجده هناك ، واذا نقص ملاح هناك تجده هنا ، كل منهم له هويته المختلفه من الاخر ، كل منهم له عاداته تقاليده تدينه المختلف عن الاخر ولكن كل ذلك ذاب في وعاء المحبة النقيه تحت سماء وارض الوطن الذي جمعهم برغم بعد منابعهم .


اضطرت ظروف العمل للاب النوباوي ان يرحل باسرته جنوبا نحو جوبا واستقرت الاسرة هناك وظلت الاسرة الثانيه في مكانها تزعزها نبضات الشوق لهم ، في فترة البعد تلك كبر الاطفال وانشغل الجميع بمعاشه وتقطعت السبل بينهم الا من اتصال بين كل فترة واخري وكان ذلك الاتصال بمثابة الحبل السري بينهم يمدهم بما افتقدوه بسبب البعد من محبة ورحمة وصلة .
جوبا 2019 ..
بعد فراق سنين ولوعة قرون شاءات الاقدار لهم ان يلتقيا وكان لقاءا علي قدر ، لم اكن الا رفيق شاء القدر ان اكون حضورا لذلك المشهد الذي اعلم تماما ان الكلمات تعجز عن وصفه ، كانت هي في جوبا لاول مرة في حياتها وحزمت امرها للقاء خالتها مهما تطلب الامر وقد كان .
التقيا واحتضنا بعضهم كأحتضان السحب لبعضها قبل هطول المطر وانهمرت الدموع امطارا وعجز كل الحاضرين عن التماسك وبكت كل المُقل امام انفجار طاقة المحبة التي شعت وانتشرت وملأت المكان بأسره ، وتدفق سيل الذكريات يملا المكان بعبق المحبة الذي كدنا ان نلامسه بأيدينا من فرط قوة اشعاعه وليتنا كنا نستطيع الامساك به .


ليت المشاعر كانت شئ مادي نستطيع حمله في كفوفنا ، اذن لحملت من ينبوع محبة تلك الاسرتين معي ونثرته في كل شرقنا الحبيب بل في كل ربوع هذا الوطن .
اتأسف لتلك المشاعر وذلك الحب الذي عشت انفجاره فأنا اعجز عن ايصاله للناس كما هو وكما كان ، ولكن اتمني ان تتسلل تلك المشاعر النقيه الصافية من بين حروفي لكل من يقرأها الي داخل قلبه لتضئ شعلة هذه المحبة في دواخلهم وتصبح نبراسا لكل التائهين في ظلمات الكراهية وبحور الحقد لتقودهم الي النور ، نور الحب الذي شاع واضأء من اصغر نقطة بين قلبين في جوبا الي اقصي نقطة في السماء وعلي امتداد الكون ..
كونوا بخير واسأل الله لكم دوام المحبة بينكم واسأل الله ان يمنحنا من فيض تلك المحبة جميعا .

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

179 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع