ابحث عن

الدَّمْبَارِي.. سَائِسُ الجَّرَاد

الهادي راضي

توطئة:

روى بن عساكر من حديث علي بن زيد الخرائطي عن محمد بن كثير، سمعت الأوزاعي يقول: خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برجل من جراد في السماء فإذا برجل راكب على جرادة منها وهو شاك في الحديد وكلما مال بيده هكذا مال الجراد مع يده وهو يقول الدنيا باطل باطل ما فيها، الدنيا باطل باطل ما فيها. (تفسير بن كثير).

"بعد سبعة أيام خرج موسى عليه السلام إلى الفضاء، فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الجراد إلى النواحي التي جاء منها."

(عندما يلوِّح الدّمْبَاري بعصاه، تتبعه أسراب الجراد حيثما سار).

***

جاء في تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) أن الجراد الصحراوي (Schistocerca gregarita) يعتبر من أكثر الآفات المهاجرة تدميراً في العالم. وظلت ترصد ملايين الدولارات سنوياً لمكافحته.

ولكن ثمة تقنية غيبية لمكافحة الجراد ربما لم تخطر على بال أحد من منظري وعلماء وموظفي منظمة الفاو؛ حيث ذكر عوض بابكر محمد عبد الله  في بحثه المعنون ب(استراتيجيات تكيف زراعة المحاصيل بولاية شمال دارفور)، مبحث إستراتيجيات التكيف مع الحشرات والطيور:

"أما إستراتجيات التكيـف معه - الجراد- فتتمثل في الرش والدمْباري."

 الدَّمْبَارِي.. من هو؟

أشار الباحث بحر الدين عوض شقف في دراسته الموسومة ب( من خصوصيات البيئة وأبعادها الثقافية في دار فور)، أن الدمباري وُصِف في الدراسات السودانية التي كتبها الانجليز، بطارد الجراد Locust banisher of Dar Fur. وذكر أن الدمباري هو شخص اكتسب فقهاً في أدب الجراد  الآكل للزروع والثمار وحتى الحبوب الخلوية منها، فقد خص على الإلمام بخواص الجراد، حيث أوتي القوة على اقتياده وتحريكه من موقع لموقع وعلى تصريفه حيث يشاء."

 

ويقول شقف: "عندما يحل الجراد بالبلاد، يستدعي رأس القبيلة أحد الدمبارة لطرده، فيقوم الدمباري بحرمان الجراد من الطيران وحبسه وتركه جاثماً على الأرض، دون طعام أو شراب، أي كأنه يكتب الصوم على الجراد على سبيل التربية والتأديب وتوقيع العقاب.

ويبقى الجراد على الأرض فلا يستطيع الحركة أو تناول الطعام لأيام، ثم يقرر إرساله- بعد العقاب-  إلى الجهة التي يريد، عامداً على إثارته وتهيجه، وعندما يرفع العصا - وغالباً ما يكون غصناً من العرديب- عالياً تهب أسراب الجراد فتطير إلى أعلى ثم يتحرك إلى الناحية التي يريد صرفها شاهراً للعصا، ملوحا بها فتتبعه الأسراب حيثما سار إلى أن يخرج من حدود القبيلة، فيسلمها إلى دمباري المنطقة الأخرى، فيتحرك الدمباري الآخر إلى آخر إلى أن يتم إجلاء الآفة إلى قمم الجبال وسفوح التلال، أو بعيداً إلى أرض مهجورة.

وفي ذات السياق يحكي الشاعر عالم عباس عن (غزوة) جراد في أحد المواسم بشمال دارفور فيقول: "أسراب الجراد، أياً كان نوعه، شاو أو ساري الليل، أم جُرْكـُم أو أم سميندو، تأتي غالباً، مع بدايات الدَّرَت حين "تلبِّن" السنابل، تماماً كما في المثل (بعد ما لبّنت جاها الطير)! حينئذٍ، يأخذ الناس هَمٌّ عظيم لمكافحتها وأذكر بعض مواسم هذا الغزو، وقد غطت أفق الفاشر غمامة سوداء صارت تقترب شيئاً فشيئاً، ثم بدأت بعض طلائع الجراد تتساقط محدثة أصوات كسقوط البَرَد، ثم أظلم الجو، وصارت السماء ملاءة سوداء تضطرب في هسيس، وما لبث أن حط بعضها على الشجر، فإذا به يعرى، وأوراقه تختفي، وتصبح سيقانه جرداء وبعض أشواك، والجراد ملتصق بأغصانه العارية، يأكل في شراهة مخيفة، وإذا البقايا مما أكلت متكدسة تحت الجذوع، وإذا الناس في هلع عظيم. ثم ما لبثت طائرات المكافحة الحمراء الصغيرة أن هدرت ترش السُّم! ساعة من زمان، ثم رويداً رويداً انقشعت تلكم الغمامة، والناس يحوقلون ويسبحون! أما حال المزارع حول المدينة فقد كان يغني عن السؤال: الجراد مر من هنا! في تلك الأطراف، وفي مكان منعزل، كان يقوم كوخ يبدو مهجوراً، عليه سيماء القذارة والإهمال، لا يقربه الناس، ويحذرون أطفالهم من الاقتراب منه، لذا كان خيال الطفولة ينسج حوله حكايات الرعب! وما أن تظهر طلائع الجراد، حتى يبدأ الناس يتهامسون: أين الدَّمْبَاري؟! وكان ثمة دائماً من يعرفون أين يجدونه! هو شخص زري الهيئة، نحيف الجسم، أقرب إلى الطول منه إلى القصر، مع انحناءة قليلة إلى الأمام، رث الثياب، تفوح منه نتانة ظاهرة، وعلى صدره وعنقه قلائد غريبة من عظام ولفائف وأشياء متنافرة وقذرة، وعلى رأسه إما قلنسوة عالية أو عصابة غريبة! كان أهل القرية يجمعون بعض النقود والأشياء العينية كأتاوة يعطونها لهذا الدَّمْبَاري كي يسوق الجراد بعيداً عن مزارعهم! وكان الدَّمْبَاري، متى تسلم هذه الجعالة، عاد إلى كوخه، وغاب فيه ما شاء الله له أن يغيب، ثم خرج حاملاً عصاه، تلك الطويلة المرصعة بقطع من القماش المهترئ وبعض الخرز والتمائم والسيور، وقام بأداء بعض الطقوس، ثم، ويا للغرابة، ما أن يتجمع الجراد في الأفق حتى يرفع عصاه، فإذا بأسراب الجراد تطير! ثم ينزل عصاه فتهبط الأسراب، ثم يلوِّح بعصاه شرقاً فيتجه الجراد نحو الشرق، أو غرباً فيتجه نحو الغرب، حتى إذا استعرض سيطرته عليه رفع عصاه وسار، والجراد غمامة من فوقه تتبعه، فيسوقه من مزارع القرية حتى يلاقي دَمْبَاريَّاً آخر يتسلمه منه ليتجه به إلى حيث يريد!"

انتقام دمباري:

يؤدي الدمباري هذه المهمة مقابل مبلغ من المال أو هبة عينية، ولكن ماذا يحدث إذا لم يلتزم الأهالي بدفع المقابل؟

"يقول عالم عباس: هذا الدَّمْبَاري لا يظهر إلا في مواسم الجراد، أما في غيرها فلن تجد له أثراً! يتنقل من قرية إلى قرية دون أن يُعرف له أصل أو فصل، أو من أين جاء، أو إلى أين يذهب. ليس له أهل ولا ولد، ويظهر، حين يظهر، فقط لأداء هذا الدور! لكن هل يحترمه الناس؟ لا، بل يحتقرونه، وهو يعرف ذلك، كما يعرف أيضاً أن الناس لا يستطيعون الاستغناء عنه، وإن أغضبوه أو امتنعوا عن تلبية طلباته، وهي تافهة في الغالب، فالويل لهم من غضبته، إذ سيسوق الجراد إلى مزارعهم فيصيبهم بالخسران المبين!"

شاهد عيان:

ويحكي شاهد عيان أنهم كانوا يؤدون صلاة الجمعة بمنطقة كورما بشمال دارفور، فاستمعوا لخطبة الإمام الذي كان يدعو الله أن يبعد عنهم الجراد. وبعد الصلاة قام أحد المصلين مخاطباً الحضور قائلا: "الدمباري جايب الجراد، لأنو طلب خمسة (5) جنيه وناس السوق رفضو يدوه"

فرد عليه إمام المسجد: هذا دجل وشعوذة.

   قال الرجل: وقبل خروج المصلين من المسجد، وصل الجراد إلى سوق كورما بشكل عمودي، ثم هبط بقوة، كان لا يفرق بين حمار وإنسان وشجرة، أو بين جِمال وطيور. أصحاب الدكاكين حاولوا قفل دكاكينهم، لكن الجراد وجد ضالته فقام بأكل الأقمشة وكل شيء.

كان منظراً مضحكاً  للغاية وأنت ترى هروب الجمال والحمير وهروب الكلاب.

   في نهاية الأمر دفعوا مبلغ الخمسة جنيهات للدمباري فغادر الجراد إلى الاتجاه الشمالي من المدينة بعد أن استلمه استلمه الدمباري ليسلمه إلى دمباري آخر.

ما بين الحقيقة والأسطورة:

قرّ في أذهان الأهالي أن الدمباري ليس سوى ساحر ومشعوذ، بما له من مقدرة على تصريف الجراد وفق ما يريد، ولكن للباحث شقف رأي آخر، إذ يقول:

 "إن الدمباري، بهذا، ليس ساحراً أو كاهناً ولا رب حيل، ولكن يبدو أن هناك سراً بحكم العلاقة بين الإنسان والحيوان، تكون الصلات عادية في بعض المرات، ومرات ينكشف السر، أو يرفع، فتنقلب العلاقة العادية إلى علاقة غيبية أو مجهولة الكنه والحقيقة."

 وقد سمى الباحث هذه العلاقة ب "الفكرة الغيبية"  وقال إن الأديان السماوية تُقرها.

مرجعية الدَّمْبَرَة:

ويواصل شقف: "ولعلنا نلتمس بعض المرجعية لهذه العلوم أو لهذه الأفكار والأسرار في القرآن الكريم، إذ يرجع القرآن الفكرة الغيبية أو العلوم التأديبية إلى أصولها الحسية أو المادية المعروفة بالتجربة العلمية scientific science . قال تعالى (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله إن الله سريع الحساب.) المائدة4. يؤكد القرآن الكريم علمية الفكرة الغيبية ثلاث مرات في آية واحدة، حيث تكرر لفظ العلم مرات ثلاث، بمعنى أن الخطاب الإنساني للحيوان خطاب مؤسس على علم وليس سحر أو كهانة.

ويضيف الباحث "أن الخطاب بين الإنسان والحيوان غير عادي ومن الصعب قيام صلات من التفاهم بين الجنسين، فالعلاقة بينها غير عادية، لكنها ذات مرجعية دينية بالقياس على تجربة موسى عليه السلام مع آل فرعون. قال تعالى (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا فكانوا قوماً مجرمين) الأعراف 133. فعندما بعث الله عليهم الجراد فأكلت عامة زروعهم وثمارهم ثم أكلت كل شيء، حتى الأبواب وسقوف البيوت والثياب ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل منها شيء، ففزعوا إلى موسى عليه السلام ووعدوه التوبة، فكشف عنهم بعد سبعة أيام خرج موسى عليه السلام إلى الفضاء، فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجع الجراد إلى النواحي التي جاء منها."

 

Pin It

نجوم في سماء عروس الرمال

دخل البنك الدولي تجارة وشطارة ونبوغ

عبد الرحيم عبد الله .. بطنا جابتك والله ما بتندم

بطلنا اليوم، شاب في ربيع العمر، فاق أقرانه عطاء وعلما ونبوغ، اكتب عنه بفخر واعتزاز، فهو من جيلي أنا، اللذي هَدَمَ المحالاة العتيقة، كما قال ود المكي.

بقلم  - نيازي ابو علي

(١)
في صغره، تميز بالذكاء وحب الحساب بدأ يتلمس خطي مسيرته التعليمية بمرحلة الأساس في مدرسة الزعيم إسماعيل الأزهري الجنوبية سابقاً.. ليتحسس طريق الزعماء وكبار المناضلين باكراً ، والان في شبابه، قمرا من اقمار بلادي، التي تضي اقتصاد العالم، بنور الارقام، وكفاءة اقتصادية تحتاجها البلاد، لتفك ازماتها الموروثة، وتضعها في (تراك) التنمية والتطور المنشود.
بطلنا اليوم، هو الفتي الكردفاني الاصيل، فخر السودان، وكردفان، الذي يعمل في اعرق المؤسسات الاقتصادية العالمية، البنك الدولي الذي بكل تأكيد تشرف جدا ان عمل فيه عبد الرحيم عبد الله خليفة.

(٢)
في المدرسة، كان اساتذته، وعارفي ذكاءه الفطري، يدخرونه للطب، او الهندسة، ولكن لان الفتي كان يعرف طريقه، فجر مفاجاة لم تكن في حسبان اساتذته والمقربين منه، حين قرر الالتحاق بمدرسة الأبيض التجارية.
وبتفوقه المعهود، كان عبد الرحيم الأول على مستوى الولاية في المساق التجاري، ليدخل جامعة الخرطوم كلية الإقتصاد بشطارة وتجارة ونبوغ.

(٣)
في الجامعة، لمع نجمه، اكاديميا و سياسيا ، عرفته ساحات النشاط الطلابي، كقيادي سياسي مهموماً بقضايا الوطن، وعندما ‎انتزع طلاب جامعة الخرطوم اتحادهم في دورة٢٠٠٢/ ٢٠٠٣ العظيمة التي كانت اول اتحاد وطني ديمقراطية في فترة النظام البائد من محاسن الصدف التاريخية جمع ذلك الاتحاد اغلب رموز وقيادات العمل السياسى الأن من أبرز الأسماء محمدالحسن التعايشي الذي كان رئيسا للاتحاد و محمد الفكي والكاتبة الروائية استيلا وعدد من قيادات العمل العام الأن كان الخليفة في قلب تلك الكوكبة عضواً بالمكتب الاربعيني للاتحاد

(٤)
ولأن الابيض لم تنجب ابناء عاقين، فمثل الفدائي حين يمتحن، سارع عبد الرحيم، عقب تخرجه من جامعة الخرطوم والتحاقه بالعمل بمنظمة الامم المتحدة، سارع في رد جمايل المدينة عليه، فأجتهد جدا في ترجمة رائعة العميري، (زول ليهو قيمة) واقعا معاش، من خلال منظمة الأبيض الطوعية للتنمية والتعمير ومركز الفاتح النور الثقافي، ومشاريع رفع قدرات شباب المدينة، فكان عبد الرحيم، زي نضارة غصن طيب كل يوم يخضر عوده.

(٥)
دفع خليفة عجلة اقتصاد السودان، بكثير من الخطط والدراسات، والبحوث العلمية التي تهدف لتصويب واصلاح الحال في الاقتصاد السوداني، ابان فترة عمله ببنك السودان المركزي وعمله كسكرتير وقيادي في تجمع العاملين ببنك السودان إبان ثورة ديسمبر المجيدة ) ولا زال، عطاءه يتجدد كل يوم وحين، وهو الان يشرفنا فخرا واعتزاز بعمله بالخارج.
عبد الرحيم من طينة القادة الذين نأمل أن يكونوا لهم مكانا متقدما، في الجهاز التنفيذي للبلاد، في عصر النهضة والبناء والتأسيس لدولة مدنية حديثة ‎وهو الان يشرفنا فخرا واعتزازا (بالحاقه)بالبنك الدولي.
.(متعك الله بالصحة والعافية) يازول جميل.

 

Pin It

قصّاصون في يومهم العالمي يجيبون على سؤال: كيف أصبحت قاصاً/قاصة؟

 

 

الخرطوم - سلام ميديا

منصور الصويم: أحاجي وسينما
ستيلا قايتانو: مؤامرة الأقدار ومصائر الأرواح
أحمد مبارك: قلق الاستماع
سارة الجاك: جدتي مسرح
عثمان الشيخ خضر: بيئة مُحرِّضة
نجاة إدريس: سيماء القص في وجهي
أحمد أبو حازم: جيادٌ تركت صهيلها في العراء
شاذلي شقاق: ضفائر متدلية من علٍ

إعداد - الهادي علي راضي

أحاجي وسينما.
منصور الصويم
هناك علاقة وطيدة بين حكايات الطفولة الأولى وميلي للقص والسرد لاحقا، وأعني بحكايات الطفولة، أحاجي الجدات "الحبوبات"، فأنا حتى هذه اللحظة لا زلت أذكر تلك الأحاجي التي كانت تحكيها لنا بصورة مؤثرة جدا جدتي لأبي – حبوبتي - "زينب بت الفكي علي"، إذ كانت تمتلك قدرة مدهشة على الحكي الممزوج بالأداء الدرامي الممتع الذي يجعلك منجذبا منذ بداية الحكاية – الحجوة – وإلى نهايتها. أيضا، يمكنني القول إن السينما السماعية إبان الطفولة المبكرة جدا أسهمت بشكل كبير في حفز خيالي وميلي لتأليف القصص والحكايات والروايات لاحقا، والسينما السماعية التي أقصدها هي تلك المتعلقة بقص حكايات الأفلام بوساطة أصدقاء طفولة، أتيح لهم في ذلك الوقت المبكر حرية أكبر مما لدينا، بل كانوا يمتلكون حريتهم بالكامل جراء انتمائهم إلى الشارع أو من نسميهم "الشماسة"، هؤلاء الصغار المبدعين والأذكياء كانت لهم أيضا أساليب مدهشة في حكي وروي قصص الأفلام التي كانوا يشاهدونها في سينما المدينة نيالا أو أثناء سفراتهم – هروبهم – المتتالية إلى العاصمة الخرطوم. المتعة التي وجدتها في حكيهم للأفلام وأحداثها بموسيقاها وحركتها وضحكها وحزنها وأصوات رصاصها وقطاراتها، لم تتوفر لي قط بعد ذلك حتى وأنا أشاهد تلك الأفلام ذاتها في زمن آخر، إذ وجدتها أقل متعة بكثير مما كان يرويه هؤلاء الصغار ويثرونه بخيالهم المدهش.
إذن يا صديقي، السينما، حب الدراما، وسماع الحكايات والأحاجي المروية هي أولى محفزات ميلي إلى القص والرواية والسرد عموما. كنت أحلم بأن أكون ممثلا أو مخرجا، وبالطبع كنت أؤلف "براري" خيالي أفلامي الخاصة وأخرجها وأودي أدوارها جميعها.. من هنا كانت البداية، وحين اكتشفت الورق بدأت الكتابة واللعب بين الفواصل الدقيقة جدا ما بين القص والمسرح والسينما والروي.
....
مؤامرة الأقدار ومصائر الأرواح
ستيلا قايتانو.
يتخيل الي انني لم أصبح قاصة بمحض الصدفة ..في الغالب اشعر ان مؤامرة الأقدار ومصائر بعض الارواح وشقاء الانسانية اختارتني لاحكي حكاياتهم التي تهيم بشكل ما في الكون ..
لطالما كنت طفلة تجيد التنصت لحكي الكبار و تهتم بتفاصيل الاشياء والتي تتناسل داخلي الى حوارات لا تنتهي بين انسان وانسان
انسان وكائن ..كائن وكائن اخر والإنسان والأشياء ..حوارات تبحث عن معاني ما ..
كثرة التنصت قادني إلى كثرة التحدث سرا وجهرا واحيانا صمتا ...
الى ان صادفت الورقة والقلم فهما مثلي ممتلئات بالحروف والجمل التي تضج بالحياة السرية للأشياء رغم ما يعتمل داخلها من ضجيج.
....
قلق الاستماع.
أحمد مبارك.
اللُّغةُ؛ تلك الحَشَرَةُ المُتَوحِّشَةُ؛ النَّامُوْسَةُ التي اخْتَبَأتْ في رأسِ النَّمْروْدِ العظيم؛ كانَ ثَمَنُ خُروجها من جُمجُمَتهِ الكَبيرةِ فادحاً للغاية، ومأساوياً بدرجةٍ لا تُحْتَمَل. لَقَد أوْعَزَ إليهِ شيطانهُ الجَميل بتهشيمِ الجُمجُمة - في روايةٍ تَخُصُّني ـ إن كان فعلاً يريدُ إسْكات طنينها الفاجِر. في النِّهاية: كان مَشهَدُ النّمرود مثيراً للضّحِكِ والشَّفَقَةِ في آن؛ فلقد جَلَسَ على العرشِ ـ بلا رأسٍ في الحقيقة ـ يُفَكِّرُ بالجمجمةِ الذَّهَبيِّةِ التي أعدَّها الشيطانُ في خياله. وفي لحظةٍ أرادَ النمرود التَّحَقُّقُ من تَمَوْضُعِ تَاجِهِ المَلَكيِّ على الجمجمةِ السعيدة: فأُصيبت يَدُهُ بالجِّنوْن…

لا يُمْكِنُ تَصَوُّر الحَالة الهستيريَّة حينما ينبري العَالَمُ ضرباً بأخفافهِ المُهترئةِ على جمجمته التي تَطُنُّ فيها ناموسَةُ اللّغة السَّجينة. وإذن.. لا بُدَّ أن خَيَالَ العَالَمِ سَيَتَفتَّقُ عن فكرة، أن يَشُقَّ فَرجاً في جمجمتهِ لانولادِ الناموسة المبجَّلة. وهذا الفَرجُ الذي سَيُشَقُّ؛ هو الحِيْلَةُ الذَّكيَّةُ والخَلاقة، الثَّقْبَةُ الفَنيَّةُ المُراوِغة، السَّهْمُ الذي تُطْلقه البَصِيْرةُ من كنانةِ الضّوءِ مُبَاشَرَةً في العينِ السّليْمةِ للظُّلمةِ المُطْلَقَة؛ بل هو الجَمَالُ الذي يضيقُ به سُروال العِبَارة…!

وعِنْدَما كان الإنسانُ وحيداً يُحاصِره فراغُ العالم؛ بنى طبلاً عملاقاً وطَفَقَ يَضرِبُ حتى انسَلَّت أرتالُ البَشَريَّةُ من شتى بقاعهِ القَصيَّة… فلقد عنيتُ بذلك مسألة التَّوق الكشفي، الفطري، للما حَوْل.. لكن سُرعان ما تَحَوَّرتِ الغايةُ من الطَّبلِ إلى شيءٍ آخر لم يكن في الحسبان. استجابَ الجَسَدُ للسِّحرِ القمينِ المبثوثِ من جوفِ الطَّبلِ؛ فكانت الرَّقصَة الكونيَّة الأولى. ولأنَّ بيضةَ الكتابة لم تُفقَس بعد؛ فَكَّر الإنسانُ لتخليدِ الرَّقصَة وليدة الغريزة فأنشأ النَّقشَ والجداريّات حتّى أن أصابعه تآكلت قبل أن يكتشف الكتابة على الكي بورد.

دعني أصِفُ لَكَ ما الذي ستراه عينايَ حينما أُغمِضهما وأنبَتُّ من الحاضِر على سبيل التَّجاهُل؛ إنَّهُما تَرَيان الجمالَ يا سيِّدي في عيون أطفال أفريقيا المُقَرفِصون على الرَّملِ؛ على نَحوٍ يُحاكي أستدارة القَمَرِ بهالتِهِ المُنيرة. ولكن من يا تُرى من باستطاعته أن يكونَ حادياً للرَّكبِ سوى الجَدَّة.. هي وحدها من تُشبِع نهم الأطفال الذين يستبقون الحكاية بالتآويل الفضوليَّة والمُربِكَةِ أحياناً.. وقَد كُنتُ حينها كثير السؤال بدعوى مَنْطَقَة بعض التفاصيل كثيرة المبالَغَة (وهُنا تحديداً وَدَدتُ لو استعير رمزاً ضاحِكاً بأدمُعِهِ من الواتسَب)

لاحِقَاً، ليس جدَّاً؛ أدركتُ أن الذي كان يحُول بيني وكتابَة ما أُسمِّيه قِصَّتي هو أن أتعلَّمَ كيفَ يُخَطُّ الحَرف!

الكتابَةُ قَلَقٌ يُضاهي قلق الاستماع الذي كان يَعتَوِرَني عندما تحكي لنا جدتي عن الغول أو ما يُماثله في ثقافة شُعوب أفريقيا السوداء وخصوصاً الهوسا؛ حيثُ أنَّ الشَّفاهَةَ صُندوق ثقافتها الذي لا يعرف السبيل إلى أن يَنضُب.
وهذا الجِذرُ المعرفيُّ، الغائِصُ عميقاً في تُربة التَّجريبِ والحِيَلِ المُغلّفةِ بالمجازِ والكنايات؛ سَهَّلَ المثولَ بين أصابعِ الاشتهاء، بكبسةِ زر، داخل الفضاءِ الكونيِّ مفتوح النِّهاية… ولطالما سيظل هذا الكائن يتأبطُّ ذلك الكيس المُسمّى بـ(القريحة)؛ سيمتلئُ رداء العالم بالفراشات التي ستحلِّق من جنائنِ الحُلمِ؛ لتخترقَ أغشية الواقع الرَّهيفة.. وتندلقُ اللغةُ خضراء على اليَبَاسِ المُمْتَدِّ...
...
جدّتي مسرح.
سارة الجاك.
حفيدة أولى لجد حافظ قرآن، وجدة تحول الحياة
لمسرح كبير، وأم حكيمة قليلة الكلام تحب الكتب، وأب يصنع النكتة من العدم، نشأت بينهم فتشربت كل هذه المعرفة في وقت باكر، لأنشأ طفلة ثرثارة كثيرة الأسئلة وتحب الرسم، أصنع عوالم وشخوص على أوراقي و ألونها، أخلق حوراتها كما يحلو لي، أحببت كتابة التعبير وبرعت في كتابته، كنت أطوف على بساتين اللغة فأختار من الثمار أنضجها، ومن الزهرات ذات الأريج، أقطفهن أحتفظ بهن ثم أنظمهن بخيط من عصب الحكايات المؤنسة كخرّازة ماهرة، أصبر على نظم ثمر الكلام، ثمرة فخرزة وهكذا، أبتسم لي و أعدني بتحفة فنية قادمة، فتتحول ساعات الصبر والتخريز الي ساعات من المتعة وخلق توقعات مختلفة ، لكل شكل من أ شكال النظم، وقد أفلت خيط العصب وأرمي ثمراتي وخرزاتي ولا أبالي، هكذا وجدتني أكتب الحكاية، لكن كتابة القصة رغم أنها أتت لاحقة ، إلا أنها كانت من الأهمية بمكان فأصبحت القصة ذات موضوع، والتزمت بتقنيات القصة الكلاسيكية، صببت حكاياتي في قالبها لوقت ليس بالقصير، حتي وجدت بصمتي الخاصة، فسما نجمها وكسرت القالب، لكتابة القصة متعة خاصة لا توجد في كتابة الرواية ولا في الكتابة للمسرح ، القصة تحدي قصر العبارة وعمق دلالتها وجميل عرضها، أكتب لمتعتي الخاصة ، أحبر قلمي في صدق تعبيره فأنجو بقصتي من عثراتها وأمضي.
...
بيئة مُحرِّضة.
عثمان الشيخ خضر.
يقول صديقي الحبيب حفيظ الحاج:

(أنا من بِلادٍ الجميعُ فيها يحفظُ سورةَ يُوسف دون غيرها من السور، لا لسببٍ واضح غير أنها تحمل في طيّاتها تفاصيلَ حكاية.
فُطِروا_ وإن شئت _قُل: فُطِموا على محبةِ الحكي والتورّطِ في الونَس.
ثم ماذا تتوقع من أحدٍ نشأ في بئيةٍ كل ما حوله فيها يُحرّض على فعل القَص غير أن يكون كاتبًا أو حكّاء؟!).

منذ نشأتي الأولى في قريتي الصغيرة ( قريش بمدنية شندي) كان كل شيء حولي كما قال -حفيظ- يحرّضني على فِعل الحكي.
مشهد الأغنام التي تمر من أمام داري وأنا اتبعها إلى حيث مهبطها في المروج الخضراء - أصوات الجدّات وهنّ يقمن بصياغة تفاصيل اليوم بل وتفاصيل الحياة كلها - إبتسامة أمي وهي تعوس الكسرة لتُشبع أفواهنا الجائعة وهي تقاسي سخونة النار - تقطيبة جبين أبي وهو داخلٌ لتوّه بعد يومٍ مرهق وأعيننا تتفحّص يديه - الليالي المقمرة المحفزة على جموح الخيال واختراع الحكايات.

نمتْ فيّ حاسة القص، وأصابتني لعنة الحكي والتورّط في السرد منذ تلك الأيام. ثم أعقبها قراءات لكتّاب أشعلوا جذوة الكتابة وحرّضوني على فعل الحكي، أذكر منهم أستاذي أحمد أبو حازم والقاص العراقي ضياء جبيلي وبالطبع العظيم ماريوس برغاس يوسا وغيرهم.
ولعل القصة القصيرة دون غيرها من فنون الكتابة ظلّت تغريني بالتجريب في فضاءاتها. جعلتني انتصر للناس العاديين المسحوقين في دوامة الحياة اليومية عبر تحويلهم إلى أبطال. كما وأنها خلقت لي أكثر من حياة فتارة اصير قطّة لعينة وتارة دخان سجائر وتارة أخرى ظلّ وفي مرات كثيرة قاتل.
...
سيماء القص في وجهي.
نجاة إدريس.
منذ طفولتي كانت تظهر عليّ سيماء القص.. كنت وإخوتي نبتدر رواية نؤلفها ونمثلها عفو الخاطر ...وكان موضوع الرواية يتجدد يوميا ويتعمق بعمق ادراكنا وفهمنا للأشياء. وبازدياد أفقنا وقراءاتنا ..ومع الأيام تحولت موهبتي الحكائية صرت أكتب وأسجل القصص التي أراها حولي ..أحيانا كنت أمارس فضيلة الحكي لصديقاتي اللائي كن يؤكدن لي بأن قصصي تبهرهم ..كنت أتقمص الشخصيات وأضيف عليها من خيالي ..وصارت الكتابة طقسا محببا لي ..تشعرني بالحميمية وبالعري أحيانا، وتنفس عني كثيرا، كنت أتقمص أدوار الجدة ، الأم 'الزوج 'المشردين وأحكي بلسانهم وأسجل آلامهم ومعاناتهم. وهكذا وجدت نفسي قاصة. والقص عند اللغويين من قص يقص حيث يكون قص الأثر وتقصيه وهكذا تكون القصة من تتبع الحكي جملة فجملة بصورة متواترة حتى تبلغ القصة ذروته. بعد تقصيه الحافر حذو الحافر.
...
جياد تركت صهيلها في العراء.*
أحمد أبو حازم.
العالم يغوص بالحكايات الغريبة والعجيبة منذ وجوده البعيد، والذاكرة البشرية محض مستودع بالغ الاتساع، لالتهام الحكاية من مستهلها وحتى اخمص نقطتها اللامرئية.
ولدت في مكان، كان الناس فيه لا يجدون موضعا لمهاد أطفالهم، سوى تنكبهم شق عنان الحكايات المتزاحمة ليضعوهم هناك، في جوفها المحتشد بالامل، والألم، والاندهاش، والتوقع، والضحك والبكاء والحلم والهذيان، والشك، والريبات المستعصية، والحنين، والعاطفة، والحب، والكراهية، والحياة، والموت.
حين شقوا بي مواكب الحكايات ليودعوا مهدي على أحد المواضوع هناك بين زمرة الاطفال كنت أصرخ بشدة، وما ان وضع المهد بين أساطير أمي عن حياتها البدوية في بوادي كرفان وبين تهويمات ابي وتهويلاته عن نسل اسلافه الخرافي انقطع صراخي وطفقت اتسلى بقصصهما الشيقة مثلي ممثل اي طفل مقذوف لترف الحكاية يسلب السرد صراخه وتهدهده أطراف القصص المتدفقة مثل الحرير على منامة سردية مشغولة باساطير وحكايات عجيبة وغريبة.
كان الاطفال في البيوت الاخرى ينتظرون هدايا ذويهم الموسمية، بنزق باهظ لتلبية نزواتهم الصغيرة، أما في دارنا فكنا ننتظر هدايانا اليومية مثل ان تفتح أمي صندوق ذاكرتها لتستل لنا بعض قصص أسطورية من بادية كرفان الجنوبية وكيف أنها صارعت الجينات اللائ حاولن سرقة اغنامها تحت حافة الجبل، وعن الجنية العجوز التي ساعدتها لعبور وادي البطحة الهادر، وعن الحمامة التي باعت هديلها للغراب.. وعن وعن .
في المساء يأتي ابي محملا بالحكايات الغريبة فيشملنا بقصصه الساخرة عن اجداده الخرافيين وكيف جاءوا من اندلسهم البعيد الي بادية كرفان الجنوبية، فصارعوا الوحوش وصرعوها ، ثم يدلف بنا بسخريته المعهودة ليقص علينا ما جادت به القريحة من الحكاية.
تشربت القصص منذ الصغر، فما بين أساطير أمي وأبي توجد مكتبة ثرة، فأينما وليت وجهك فثمة كتاب، فكانت القراءة ديدن هذا المكان.

بادئ ذى بدأ كنت اتهيب دخول المكتبة التي تقع بشكل طولي في الرواق الشمالي من الدار ذات الطراز الانحليزي. اعبر من أمامها متجاوزا الرواق بسرعة فائقة لاجد نفسي خارج الاسلاك الشائكة المحاطة بأشجار سامقة من كل صنف، حيث تنتظرني صديقتي الاستوائية الابنوسية الجميلة (فوني) ( البارياوية) نمضي وقتا في ملاحقة الفراشات، وقطف ثمار الزونية، ثم حين يدركنا التعب نركن إلي ظلال أشجار المانجو المنتشرة في المكان مكونة دغل جمالي بديع، هنا حيث نتسلى بمراقبة أفراد قبيلة (المنداري) باجسادهم الفارعة، واوشامهم الجميلة التي تتماهى مع عقود الخرز الذي يتوشحون به، فيبدو الواحد منهم أشبه بلوحة جمالية متحركة.
حين ذاك كنت في الصف الثالث الابتدائي، كنا نستمتع بالمكتبة المدرسية العامرة، أكثر ما كان يجذبني فيها تلك الكتيبات الانيقة ذات الورق الثقيل والرسومات البديعة من لدن كتاب الساحر والجنية، وقصص خيالية أخرى كنت اصدق ما تحمله بين صفحاتها، لذلك كنت شديد التوقع بأن الساحر أو الجنية أو كلاهما معا سيخرجان من بين طيات الكتاب عندها سيكون مصيري حالك الاظلام، حتى جاء ذلك اليوم الذي بأغتني فيه والدي وانا ازمع الخروج للهو اليومي مع صديقتي فوني، وسحبني الي داخل المكتبة، كنت مرعوبا، وخائفا،.
ورويدا رويدا امتلكت جاشي.. هناك تعرفت على عالم جديد ، عالم القراءة والاطلاع.
كان السيد والدي لا يدخل فضاء مكتبته إلا وهو في كامل اناقته وزينته المفرطة يرفل بهدوء بطوله الفارغ ووسامته العجيبة بينا غليونه الابنوسي المُذهَّب لا يفارقه.. حينذاك كنت اقلده في كل حركاته وسكناته، وبدأت كتابة مذكرات يومية سمجة وسطحية وغالبا ما كنت امزق ما كتبت.. حتى كتبت ذات مرة عن حمامات غادرها هديلها وجياد تركت صهيلها في العراء وعندما عادت مرة أخرى لم تجده وعن ارجل تسوق أصحابها الي أماكن لا يرغبون الذهاب إليها..
قرأ والدي تلك الترهات واحتفظ بها في جيب سترته ويوم الجمعية الأدبية في مدرسة البلك الابتدائية بجوبا كان الوالد حضورا بين الاساتذة.. وحين قرأ اسمي للمشاركة في الجمعية الأدبية ترددت لأني لم اقدم اية مساهمة للاشتراك في ذاك اليوم الا ان إشارة من والدي عبر غليونه حين كل شئ وصعدت المسرح وكانت المفاجأة أن ناولني الأستاذ تلك الورقة ذات الترهات البليدة، وحين أكملت القراءة دوى المكان بالتصفيق وانهمرت الهدايا.
*هذه الافادة لم تكتمل بعد.
...
ضفائر متدلية من علٍ.
شاذلي شقاق.
في يوم ما، ﻻمست الضفيرة المتدلية من عل؛ ضفيرة جدتي (آمنة بت سلمان )، وأنا على حجرها، ﻻمست صحن أذني فاقشعر بدني وأنا أتلقف حكاياها ..وأثناء نومي نبتت شامة (استفهام ) في مخيلتي البضة ..طفقت في اليوم التالي أسأل جدتي: هي فاطنة القصب اللحمر مالها؟
والغول طرق صوتو عند الحداد؟
وهكذا بدأت تكبر الشامة اﻻستفهام وأنا ألقمها بوقود القراءة والتجاريب الحياتية!

 
Pin It

نجوم في سماء عروس الرمال.!

 

اشهر عازف اكورديون بالأبيض

عبد الله بدوي .. حاوي عروس الرمال

بقلم - نيازي ابو علي

(١)
..و الكتابة عن عمنا الموسيقار عبد الله بدوي، تحتاج لنوتة موسيقية، لتخرج الكلمات مدوزنة وجميلة، كجمال عزفه المتفرد على الة الاكورديون، التي جمل بها الأغنيات ووجدان اهل كردفان عقودا من الزمان.
منذ خمسينيات القرن الماضي، اصاب عمنا الأستاذ عبد الله بدوي، مس من سحر ود الحاوي، فتعلق قلبه بالة الاكورديون، وزاده الاستاذ ابراهيم يوسف عشقا، باحضاره لذات الالة الي منزلهم، ليداعبها بطلنا بعينيه وانامله الصغيرة وهو بعد صبي في اولي مراحلة الدراسية.
في المدرسة ، كان بدوي نجم جمعية الموسيقي، لم يعقده عدم وجود الة موسيقية بالمدرسة عن ممارسة نشاطهم الموسيقي والتفوق على الجمعيات الاخري، المهتمة بالرياضة والزراعة والعلوم.
يحكي عبد الله بدوي مفتخرا في مدرسة عاصمة كردفان نفذنا ملحمة هاشم صديق، في اداء كورالي بديع، ثم عدل في جلسته منشدا :
قسما قسما لن ننهار
طريق الثورة هدى الاحرار
والشارع ثار
وغضب الامه اتمدد نار
وهزمنا الليل
والعزة اخضرت للاحرار.
تبللت عيون عمنا عبد الله بالدموع، لذكريات حلوة، وثورة عظيمة.

(٢)
كادت ملحمة اكتوبر، ان تبعد عمنا عن حلمه وحبه لعزف الاكورديون، فقد اصبح بعدها فنان المدرسة والحي، ويرافقه في العزف خالد الفحيل علي الأكورديون وعوض عبدالقادر علي إيقاع وفيصل دبلوك هارمونيكا، وجميعهم من نجوم الابيض الذين يستحقون الاحتفاء والتوثيق، وكانت أغلب الاغنيات التي يرددها بدوي للفنانين حمد الريح وعبدالعظيم حركة وأبوعركي البخيت.

(٣)
في الصف الثالث متوسط، عاد عبد الله بدوي، لقصر الموسيقي، ملكا متوجا بالة اكورديون جلبها له الرشيد بكري صاحب محلات (عديلة وزين) للمناسبات ليتعلم عليها العزف في دار الكشافة وفولة فلاته.
ويذكر بدوي ان عازف الأكورديون الكبير أبوشوك زاره مرة وقدم لهم مقطوعات موسيقية ليتدربوا عليها وكان من بينها رائعة خليل فرح الخالدة (عازة في هواك) فكانت تلك البدايات لميلاد الموسيقي النجم عبد الله بدوي.
في الابيض الثانوية بنين انضم نجمنا لجمعية الموسيقي والمسرح التي كان يشرف عليها الأستاذ صلاح عبدالرحمن مسئول النشاط الثقافي، وسطع نجم بدوي العازف المجيد، وكانت المدرسة وقتها تزخر بالالات الموسيقية التي من بينها ثلاثة أكورديونات يعزف عليها الي جانبه كل من،
خالد متوكل وابراهيم سوركتي ودكتور خضر الأمين الذي يدين له بدوي بالكثير من الفضل فيما وصل إليه من شهرة ونجومية.

(٤)
يحكي عمنا عبد الله بدوي : انطلقت عازفا محترفا مع الفرق والفنانين الشباب والطلاب، في حفلات مدارس الأبيض الثانوية بنات والسيد علي الميرغني ومدرسة خورطقت).
انضم بدوي لشعبة الفن والإبداع بإتحاد شباب السودان أيام الرئيس الراحل نميري وواصل معها لفترة طويلة لتأتي بعدها الفرقة الأروع علي الإطلاق (فرقة الشباب) والتي جملت ليالي المدينة بالروائع وقدمت للسودان الحواتي الكبير وفنان الشباب الأول الراحل محمود عبدالعزيز رحمة الله عليه).
وأستمرت المسيرة واصبح نجمنا عبد الله بدوي قائد الأوركسترا لأغلب إحتفالات المدينة وللمدارس في رحلاتها خارج المدينة ومع الهجانة ام ريش بالقوات المسلحة في مهرجانات الجلالات كما عزف كبار الفنانين الدكتور عبد القادر سالم وعبدالرحمن عبدالله وعبدالعزيز أبو داؤود وعثمان الشفيع وصديق عباس وغيرهم من الفنانين.

(٥)
أستاذنا الخلوق المبدع عبدالله بدوي وبعد هذا المشوار الطويل نرفع لك القبعات شكراً وتقديراً لتلك المسيرة الطويلة وللسيرة العطرة التي لم تشبها شائبة وللأنامل الفنانة التي أبدعت وأطربت وأشجت وأمتعت.
عبدالله بدوي سلام ومحبة.

 

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

69 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع