الخرطوم : مشاعر دراج
فقدت الصحافة السودانية رقما وقلما وعميدا للصحافة , هو المخبر والصحفي ادريس حسن أمس , وكان خبر وفاته فاجعة للوسط الصحفيين وتلاميذه واصدقاء المهنة , وجاء وفاته في وقت والصحافة السودانية تمر بوضع في غاية التعقيد من ارتفاع تكاليف انتاجها ,

بجانب مقترحات الحكومة لدمج بعض الصحف مع بعض , ورغم كل هذه التعقيدات الكثيرة الا أن ادريس حسن وضع بصمته في الصحافة السودانية وتميز على رفاقه بتفرده في الأخبار وكتابه القصص الخبرية , وهو الصحفي الوحيد الذي شهد محاكمات اعدام عبد الخالق ورفاقه , ونعزي انفسنا أولا فيه , من ثم أسرته الكريمة , والرحمة والمغفرة لاستاذنا ادريس حسن .
الفراق المر :ـ
انتقل الصحافي واستاذ الأجيال  المعروف إدريس حسن إلى الرفيق الأعلي أمس (الأحد) عن عمر يناهز سته والثمانين عاماً، قضى أغلب عمره في كتابة القصص الخبرية التي تفرد في سبقها منذ الستينيات,ويعتبر إدريس حسن أباً روحياً لكثير من الصحافيين الذين تدربوا على يديه، ويُعد كذلك أحد أبرز “المخبرين واشطر الصحافيين في السبق الصحفي, وُلد أدريس حسن في عام 1937 بالخرطوم، لكن جذوره تمتد لولاية نهر النيل بشمال السودان، وعمل باكراً في الصحافة، وتنقّل بين صحف (المستقبل) و(الأخبار) و(الثورة) و(الأيام) و(الرأي العام) التي تقلد رئاسة تحريرها لسنوات عديدة انتهت في العام 2005,كما أسّسس صحيفة “الوحدة” التي لم تستمر طويلاً، قبل أن يترأس تحرير صحيفتي (الأخبار) و(الأيام).
شاهد المحاكمات:ـ
فادريس حسن الصحافي السوداني الوحيد الذي كان شاهداً على محاكمات قادة الحزب الشيوعي في العام 1971,، فقد قادته الصدفة إلى حضور محاكمة القيادي الشيوعي عبد الخالق محجوب التى كانت أشبه بالمسرحية الدرامية التى تنهمر فيها الدموع، حيث كان عبد الخالق فيها أكثر ثباتا من الذين حاكموه, وفي ثنايا القصة إفادات عن هذا الانقلاب تتطابق إفادات قدمها الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه (زيارة جديدة للتاريخ)، خلاصتها أن تداعيات انقلاب 19 يوليو 1971, كانت واحدة من عشرة أسباب أدت لتدهور العلاقات العربية السوفيتية، وهذا مدخل جديد ومفيد لنقل أحداث الانقلاب من يومية التحري إلى رحاب التاريخ, والصحافة كما يعرّفها الراحل إدريس حسن حامية للديموقراطية، ومن دون صحافة حرة لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية، وبهذا الفهم تمضي فصول قصته مع انقلابات السودان في ملحمة اهتم فيها بتدوين تجاربه الثرة وفتوحاته الكثر في دهاليز الانقلابات العسكرية.
قصتي مع  الاتقلابات:ـ
وكتب الراحل ادريس حسن في آخر السطر، بكتابه (قصتي مع الانقلابات العسكرية) حيث انحاز إلى جيل من الصحافيين الذين كسروا الحواجز وصنعوا مجد مهنة الصحافة السودانية التي أصبحت في عصرهم المقياس الذي تقاس به المهنة، إما لجهة حريتها ومهنيتها أو لجهة ريادتها، لذلك كان المرجعية لكل الصحفيين عن الانقلاب وما تم من محاكمات ,وأيضا هو مخبر صحفي بمعني الكلمة ,لذلك امتاز في الأخبار وابدع فيه كتابة القصص الخبرية.
مربي الأجيال :ـ
وقالت الصحفية بالزميلة (الرأي العام) مريم ابشر الحديث عن مربى الاجيال عاشق الصحافة الاستاذ ادريس حسن صعب فهو رجل عصامى بنى نفسه بنفسه من الصفر حتى حقق مبتغاه, وذكرت اتيت الى صحيفة (الرأى العام) ,وكان استاذ ادريس يرأس تحريرها فى وضعها بطليعة الصحف بلا منازع محتوى وتوزيعا ,وكان ذات صولات وجولات فى صالة التحرير ضبطا للايقاع ومتابعة ، لم يكتفى يوما بالجلوس فى مكتبة و ترك الأمر للاخرين من مساعديه سواء مدير تحرير و سكرتارية و انما يظل طيلة اليوم ذهابا وايابا متابعا متابعة لصيقة مع محرريه , كان عاشقا للتميز ,مخبر من طراز فريد يحتفى بالانجاز و التميز و يوبخ عن الاخفاق لانه لايقبل الا الافضل والسبق الصحفي, ولا يبخل فى تمليك منسوبيه معلومات مفاتيح للعمل بحكم علاقاته الواسعة مع كل الوان الطيف السياسى التى تدفعهم للحصول على المزيد من مصادرها , وأضافت مريم كان يحثنا ان لا نهاب المصادر ,وأن نكون اصدقاء للكرسى لا صاحبه لان الكرسى يبقى والمسؤول سيتغير , وتميزت الرأى العام في عهده بالخط الوطنى الواضح دون غلو أو موالاة , كان صعبا في الاخفاق وبالمقابل مهنئا عطوفا  وانسانى من طراز , الا رحم الله الاستاذ ادريس حسن و اسكنه فسبح جناته مع الصديقين والشهداء .
رجل عصامياً:ـ
بينما اعتبر الصحفي بالشرق الأوسط مصطفى سري الراحل ادريس حسن صحافي قدير ورجل عصامياً ، كان من الصحفيين القلائل  الذين يهتمون بالخبر ومصداقيته ، وكان حتى وهو على كرسي رئاسة التحرير للصحف التي عمل بها يأتي بالأخبار من مصادرها ، بل هو صاحب السبق الصحفي دائماً بالخبر الصادق الوافر بالمعلومات ، لم ينظر الى نفسه بانه يجلس على كرسي  رئيس تحرير فقط ، بل كان يجتهد في أن  يأتي بالخبر مثل أي صحفي أو مخبر ، ليس كما هو الحال الآن عند كثير من الصحافيين الكسالى ورؤساء التحرير في صحفنا اليوم الذين يجلسون داخل مكاتبهم ,فالراحل ادريس حسن على الرغم من انني لم أتشرف بالعمل معه بشكل لصيق ، لكن كنت تربطني به علاقة متميزة ، ويعاملني بشكل طيب كلما التقيه سواء في صحيفة الرأي العام أو عندما يزورنا في صحيفة الأيام أو احيانا في المؤتمرات الصحفية التي كان يحرص متى ما وجد فرصة على حضورها, وادريس حسن هو الصحفي السوداني الوحيد الذي كان شاهد على محاكمة ” مجزرة الشجرة ” عقب فشل محاولة يوليو 1971 واستطاع ان يسجل بعين الصحفي تلك المحاكمات الصورية ,التي أدت الى إعدام الاساتذة عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق والضباط الذين كانوا ضمن قادة الحركة ,كما أن الاستاذ ادريس على اطلاع بالكثير من الأسرار ربما دفنت معه ، وهو احتفظ بعلاقات واسعة مع قادة القوى السياسية , وهذا ما ميزه في أن يأتي بالاخبار المتميزة دوما ، سواء في صحيفة الأيام قبل انقلاب يونيو 1989 ، أو في صحيفة الرأي العام,لقد فقدت الصحافة السودانية مخبرا كبيرا وصحافيا مجيدا هو الراحل ادريس ، التعازي لاسرته الكبيرة والصغيرة ولأبنائه ولزملاءه واصدقاءه وتلاميذه المنتشرين في عدد من الصحف داخل وخارج السودان .
فقد ركنا مكيناً:ـ
فيما نعي الصحفي وائل محجوب محمد صالح فقد الوسط الصحفي ركنا مكينا من اركانه وعلما من اعلامه الذين شادوا مجدهم بالعرق والجهد والصبر, رحل أستاذنا الكبير ادريس حسن الطيب سادن الصحافة وعاشقها المتفرد، الذي نذر حياته لها ووهبها جل وقته وفكره, وظل عاشقا متبتلا في محرابها ما يزيد عن ستين عاما، استثمر في دربها طاقته، وشيد من خلالها صداقاته المتفردة، وجمع من المصادر ما لا يدانيه فيه أحد,وقد تشرفت بالتتلمذ على يديه بمدرسة (الرأي العام) لثلاث سنوات ضمن كوكبة من الزملاء، فتعلمنا كيف تنسج خيوط السبق الصحفي، والإنفراد بالخبطات الصحفية, وتعلمنا منه الدقة والتحري والتأكد من كل معلومة صغرت أو كبرت، كما اتيح لنا تأمل العالم الواسع من المعارف والصداقات والعلاقات التي يتمتع بها استاذنا الراحل، ويجذبها بسلاسة فائقة لعالم الصحافة محققا من خلالها التفرد والتفوق وخلق صحافة واسعة ومتنوعة ومتفردة, وكان مرأه اﻷستاذ ادريس مساء كافيا لبعث الاطمئنان في صالة اﻷخبار بتفرد الصحيفة بخبر من اﻷخبار الكبيرة، وقد عملت معه مرة أخرى بصحيفة (اﻷيام) داره اﻷولى وهو من أركان مجدها وتاريخها حيث ارتبط بها منذ بداياتها، وفي مختلف حقب صدورها، حيث عمل مديرا لتحريرها في حقبة الديمقراطية الثالثة ورئيسا لتحريرها خلال سنوات الفترة اﻹنتقالية لإتفاقية السلام, وهو بمثابة صندوق أسود لكل احداث السودان الجسام عاصرها وكان شاهدا عليها وعارفا بأدق أسرارها,برحيل اﻷستاذ الكبير ادريس حسن فقدت الصحافة في السودان أحد اساطينها وروادها، ومن عصارة جيلها الذهبي, والتعازي موصولة ﻷسرته واصدقائه وتلاميذه وعارفي فضله وﻷهل الوسط الصحفي.
شبكة الصحفيين حزينة:ـ
وقالت شبكة الصحفيين في نعيها للراحل ادريس حسن أمس بانه ظل يعمل بكل همة وجد وإخلاص في بلاط صاحبة الجلالة (الصحافة)  لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان, لذلك تنعي شبكة الصحفيين السودانيين  الراحل المقيم بمزيد من الحزن والأسي ,وخالص التعازي وصادق المواساة لأسرته لعموم الآهل ولزملاء وأصدقاء الفقيد ,ألف رحمة ونور على روحه.
من رموز الصحافة :ـ
إلى ذلك حزن الإتحاد العام للصحافيين السودانيين ، على وفاة أحد رموز مهنة الصحافة وروادها الأوائل الأستاذ الكبير إدريس حسن رئيس تحرير صحيفة الرأي العام الاسبق, والذي وافته المنية أمس,ويعد الراحل إدريس حسن أحد الذين أرسوا دعائم مهنة الصحافة في السودان و شادوا صرح قيمها وثوابتها الراسخة، اذ بدأ الراحل المولود في العام 1932  إرتباطه بمهنة الصحافة  في خمسينيات القرن الماضي عبر صحيفة (الاخبار) لمؤسسها الراحل رحمي سليمان ومن ثم إلتحق بصحيفة (الأيام) ومن تلك المدرسة إنطلق للعمل بالعديد من الصحف في مراحل تاريخية مختلفة كان آخرها رئاسته لتحرير صحيفة الرأي العام وصحيفته الوحدة التي أصدرها في العام 2006, يمثل الفقيد العزيز الاستاذ  إدريس حسن مدرسة مهنية  مميزة في تاريخ الصحافة السودانية وكان أحد المحطات المجيدة في تاريخها المرتبط بكثير من الأحداث والتطورات المهمة في تاريخ السودان ,عرف ببراعة فائقة في إنجاح الصحف وتميز بصرامة بائنة في إعمال المعايير المهنية وتقديم الصحافة المسؤولة ذات الاصول والقواعد والمعايير الراسخة ، كان مدرسة في فن الاخبار وجمعها من مظانها و مصادرها الحقيقية والتحليل السياسي والاخباري بحكم ما لديه من مصادر وعلاقات واسعة مع أطياف و أجيال مختلفة من السياسيين خلال الستين عاما الماضية، وقد كان أول صحفي سوداني يؤسس وكالة اخبارية,إستطاع وبحكم مهنيته العالية وتجاربه الناجحة في صناعة الصحف تقديم أسماء صحفية كبيرة للساحة الصحفية تولت تغذية المهنة بثوابت مدرسته القائمة علي تقديس المعايير المهنية بعيداً عن أية اعتبارات أخري,برحيل الاستاذ إدريس حسن فقدت الصحافة السودانية رقماً كبيرا  و إسماً عظيماً أفاض علي تاريخها بكثير من التجارب الناجحة والمؤثرة والمهمة.