هذه حكاية حقيقية ولكن بأسماء كودية ، فاذا كان هناك شخص بهذا الاسم ، فتلك صدفة من المصادفات التي تتسبب في منع أبرياء من السفر الى الخارج لمجرد تطابق أسمائهم حتى الرابع مع آخرين مستهدفين بقرار المنع ، أما من أراد أن يلبس الطاقية رغم هذا التوضيح فهو حر و( ذنبو على جنبو ) ..والحكاية تقول كان كاجيك رجلا عربيدا نزقا ومنفلتا من كل قيمة ومن أي خلق ، لا يتورع عن فعل أي شئ يجلب له المتعة والمنفعة ، لم يكتف بفعل ( السبعة وذمتها ) كما يقال في حق أمثاله ، بل زاد عليها وتجاوزها بكثير ، كل ما يمكن أن يخطر على البال وما لم يخطر عليه من فعل سئ ومشين تجد أنه قد فعله ، ولكن رغم كل هذا السؤ الذي يوصل بعضه الى حبل المشنقة ، الا أن كاجيك كان حويطا وماهرا في عدم ترك أي أثر أو دليل يوقعه تحت طائلة القانون ، وهذا ما جعله يتنبر ويفاخر بأنه من ( الخرمو الابرة وضربو الهوا دوكو وحفرو البحر ) ، كان كاجيك يعمل سمسارا يسمسر في أي شئ وشعاره الخالد أبدا ( طاقية دا في راس دا ) ، ومثله الشعبي الأثير ( يموت حمار في رزق كلب ) ، هبر مرة هبرة ماكنة ليها ضل ، ناءت بحملها كل جيوب الجلابية والعراقي ومخابئ السديري ، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها على مبلغ بهذا الحجم ، بعد فترة الكساد الذي ضربت السوق وأوقفت الحال نتيجة للركود الاقتصادي الذي أدخلت فيه الحكومة البلاد بسبب سياساتها الخاطئة ، كان كاجيك طوال تلك الفترة وقبل هذه الهبرة حين يسأل عن حاله كيف عامل ، كان يقول ( عامل فلسطيني ) لا أملك أي ( شرتيت ) ويشرحها بالعربي الفصيح ضاحكا ( أي لا أملك شروى نقير ) ، أما الان بعد هذه الانتعاشة المفاجئة كان لابد له أن ( ينعنش ويفرفش ويمزمز و..و..الى آخر الموبقات ) ، استقل أقرب تاكسي وطيران الى حلة ( حكومة مافي ) في أقصى أطراف المدينة ، وهي الحلة التي يقول عنها أهلها انها منطقة محررة من كل القيود ، بينما يصفها الآخرون بأنها ( بالنهار سفر وبالليل خطر ) ، حط كاجيك رحاله هناك وغاص في تلك الأجواء لمدة أسبوع غاب فيه عن الدنيا وعن الوعي ، وحين بدأ يفيق ويستعيد وعيه صباح اليوم الثامن وجد نفسه في حالة يرثى لها ، ملقى وسط أكوام الزبالة وليس على جسده الا سروال التكة ، بكى حاله ذاك بحرقة وحرارة ورفع كفيه متضرعا الى الله بكل الصدق أن يتوب عليه ، ومن كومة الزبالة الى مسيد سيدنا الشيخ الذي قضى فيه ستة أشهر لا تجده طوالها الا قائما يصلي ،أو جالسا يتلو القرآن ، أو جاثيا بين يدي الشيخ يتلقى عنه المواعظ والدروس ..
وفي يوم وبعد أن أصبح كاجيك شخصا آخر مختلفا شكلا وموضوعا بعد أن استطالت لحيته وظهرت على جبينه غرة الصلاة ، قرر أن يعود الى داره ويمارس حياته الطبيعية بأن يجد عملا طيبا حلالا تساعده عليه ( المجموعة ) الملقب أفرادها في الحي بالأطهار العباد الزهاد التقاة التي قرر أن ينضم اليها ويؤدي بيعة الولاء ، وقد كان ، ولكن لم يمض عليه كثير وقت مع هذه ( المجموعة ) ، حتى بدأ يتشكك في بعض أعمالها وتصرفاتها وسلوك بعض أفرادها الشخصي ، ولكنه كان كل مرة يستعيذ من الشيطان بحسبان أنه من يوسوس له بهذه الشكوك ، مر عليه زمان وهو على هذا الحال بين الشك والاستعاذة ، وعندما زاد عذابه من هذا الوسواس ،قرر في لحظة حاسمة أن يقطع الشك باليقين ويضع حدا لحالة التوهان التي يكابدها ،ولم يكن ذلك بالعسير عليه اذ استطاع بكل يسر وبما يملك من خبرات ومهارات سابقة اكتسبها في ( عهد الجاهلية والضلال ) ، أن ينفذ الى أعماق المجموعة حيث تقبع الأسرار وتتكشف الأفعال التي تناقض الأقوال ،فهاله وراعه ما رأى وما وجد وما اكتشف ، فصرخ في وجوههم (يا جماعة هوي انتو زمان ما كنتو كدا ، ورونا الحصل شنو ، ولو كمان عرفتو انو مافي قيامة كلمونا خلونا نرجع كارنا القديم ، وخرج و ( المرقة الياها ) الى رحاب أخرى أم الى رحاب الله لا أحد يدري حتى الآن ..
حيدر المكاشفي
shfafia22@gmail.com