الخرطوم ــ مرتضى كوكو
بعد حوالي 22 عاماً على تشريعه بدأ المسؤولون في الحكومة السودانية اجراءات عملية لإلغاء مواد قانون
“النظام العام” الذي يجري تطبيقه منذ العام 1996، والذي يُعنى بتجريم السلوكيات الشخصية مثل ما يعرف بالزِّي الفاضح، وشرب الخمر، والأعمال الفاحشة، والأعمال الفاضحة، والاغواء، والمواد والعروض المخلة بالاداب العامة. وفيما اعتبرت ناشطات حقوقيات لـ “سلاميديا” ان الخطوات الحكومية تجاه إلغاء “قانون النظام العام” رشوة لشريحة النساء اللائي كن الأكبر مشاركة في الأحتجاجت الأخيرة، قال مراقبون إن إلغاء القانون يأتي تماشياً مع استراتيجية الحوار السوداني الاميركي لجهة ان إلغاء مواد القانون كانت واحدة من الشروط الاميركية على الجانب السوداني.
وفي أحدث الانتقادات لقانون “النظام العام” هاجم الرئيس عمر البشير، مواد القانون بشدة، قائلاً إن القانون أصبح محلاً للابتزاز والتشهير بالمواطنين، وأعلن البشير الذي كان يتحدث لعدد من الصحفيين وقادة الاعلام بالسودان ليل الأربعاء، أنه سيقوم باستدعاء المسؤولين في الشرطة والنيابات لأجل ايقاف ما وصفه بالعبث، بعد ان أصبح تطبيق القانون خاطئاً ويتم استخدامه في الابتزاز والتشهير، وأشار البشير إلى أن التجسس على خصوصيات الآخرين محرماً شرعياً وان الشخص داخل منزله مباحاً له فعل كل شيء.
وسبقت انتقادات البشير لقانون “النظام العام” توصيات اعتمدها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في آخر اجتماع لمكتبه القيادي، قضت بمراجعة بعض مواد القانون المثير للجدل.
ويقول المحلل السياسي، أحمد حمدان، إن الخطوات الحكومية بشأن إلغاء قانون النظام العام، مردها إلى الحوار الاميركي ـ السوداني، الذي ينتظر ان تنطلق المرحلة الثانية منه في مقبل الأيام، وقال حمدان لـ “سلاميديا” إن واشنطن وضعت إلغاء مواد قانون “النظام العام” بجانب المادة 126 من القانون الجنائي والمتعلقة بحد الردة، ضمن شروط أخرى ينبغي ان تنفذها الخرطوم تمهيداً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب.
وأشار حمدان إلى أن الورشة التي عقدتها وزارة الخارجية السودانية قبل أيام وحضرها القائم بالأعمال الاميركي بالخرطوم، ستيفن كوتسيس، كانت واحدة من توصياتها إلغاء المواد المتعلقة بقانون “النظام العام” من القانون الجنائي. كما لا يستبعد في ذات الوقت
لكن هذه الخطوات الحكومية بشأن قانون النظام العام تبدو محل شكوك بالنسبة للناشطة الحقوقية، تهاني عباس، التي لا تعتبرها أكثر من كونها رشوة للحركة النسوية بعد مشاركتها الواسعة في الاحتجاجات التي انطلقت بالسودان منذ 19 ديسمبر الماضي.
وقالت تهاني وهي عضو مبادرة “لا لقهر النساء” لـ “سلاميديا” إن شريحة النساء كانت الأكثر تضرراً من قانون “النظام العام” طوال فترة تطبيقه، حيث انتهك كرامة النساء وخوصيتهن، وأشارت إلى أن ضرر النساء من القانون لم يتوقف عند الزج بهن خلف الحراسات وإنما وصول لفقد الأرواح حيث قتلت في العام 2012 فتاة تدعى عوضية عجبنا بعد مداهمة دورية شرطة لمنزل أسرتها في منطقة الديم بالعاصمة الخرطوم.
وأضافت “نحن لا نثق في الحكومة وما أعلنته من عن إلغاء قانون النظام العام نعتبره “رشوة” للمرأة بعد مشاركة الحركة النسوية في الاحتجاجات الأخيرة بصورة كبيرة، لأجل التراجع عن الاحتجاجات وهو ابتزاز واحتقار لنا”. ونوهت عباس إلى أن مبادرة “لا لقهر النساء” ظلت تناهض القانون منذ وقت طويل حتى ان بعض عضوات المبادرة دفعن ثمن ذلك حبساً في الحراسات.
ووقع في الآونة الأخيرة بعض المسؤولين في الحكومة وقيادات مجتمعية ضحية لقانون “النظام العام” بعد ان اقتحمت شرطة النظام العام مساكنهم والقبض برفقة نساء واقتيادهم إلى مخافر الشرطة، وهو الأمر الذي ربطه البعض برغبة الحكومة الأخيرة في إلغاء القانون.
وتشير “العين” إلى حادثة القبض على مسؤول رفيع بالقصر الرئاسي، داخل إحدى الشقق السكنية بالخرطوم برفقة فتاة، وهو ما يعاقب عليه القانون بممارسة الأفعال الفاضحة، وهي القضية التي اطاحت بالرجل من منصبه، كما تكرر ذات الأمر قبل أيام مع صحافي شهير ومقرب أيضاً من دوار الرئاسة حيث اقتحمت قوة شرطة النظام العام إحدى الشقق السكنية بمنطقة الخرطوم بحري واقتادته مع فنانة شهيرة إلى نيابة أمن المجتمع وجرى تقديمهما إلى محاكمة قضت بتبرئتهما مما نسب إليهم.
ومنح القانون المثير للجدل شرطة النظام العام ـ التي تم انشاءها بموجب مواد هذا القانون ـ سلطة الاقتحام والضبط الجنائي لانفاذ مواده، مما جعل منها رقيب على السلوكيات الشخصية للمواطنين، بحسب منتقدين للقانون.
وتؤكد تهاني عباس ان استخدام “قانون النظام العام” في مواجهة اي شخص هو أمر مدان بالنسبة لهم، ولا تستبعد امكانية استخدام القانون في إطار تصفية الحسابات في الحادثتين المشار إليهما، وتضيف “في كل الأحوال هو قانون باطل وهو يستخدم في ابتزاز الناس ونحن ندين ذلك حتى ولو كان ضد المسؤولين”.
وفي تقرير أعدته “المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً” عن قانون “النظام العام” يوضح أن القانون هو عبارة عن منظومة مواد قانونية يتضمنها القانون الجنائي السوداني بالإضافة الي ما يعرف بقانون سلامة المجتمع والذي صدر للمرة الأولى، بعد وصول حكومة الانقاذ للحكم في انقلاب يونيو 1989، كقانون ولائي في ولاية الخرطوم تحت مسمى قانون النظام العام، والذي دشنته الحكومة في ولاية الخرطوم في عام 1992 ثم اعادت إصداره في عام 1996، قبل ان يتم تعميمه على كافة الولايات.
ويتضمن القانون عدة مواد تتعلق بالمظهر العام، والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين بما يجعل الدول رقيباً شخصياً على المواطنين وسلوكياتهم بشكل يتعمد إذلالهم وإهانتهم وامتهان كرامتهم والتعدى على حقوقهم، بحسب التقرير.
ويؤكد التقرير الذي أطلعت عليه “سلاميديا” أن محتوى قانون “النظام العام” يتعارض مع مبادئ الحرية الشخصية التي ينص على حمايتها الدستور السوداني 2005 وتعديلاته اللاحقة، كما أن يصاحب التطبيق مشاكل متزايدة وتجاوزات من الناحية التنفيذية والقضائية، بالإضافة الي التمييز السلبي المباشر ضد المرأة وضد الفئات الاثنية والدينية والطبقية المستضعفة في المجتمع.