تحقيق ــ إدريس عبدالله
تختلف الآراء والمعتقدات والتوجهات من شخص لآخر ويعتبر علماء الاجتماع أن وجود الاختلاف بين بني البشر شيء ايجابي وظاهرة صحية
حتى وأن وجد بين افراد الأسرة الواحدة إذا ما سار بحالته الطبيعية وتم بين العقلاء وأصحاب الوعي الكامل نسبياً، وقد رصد تحقيق لـ “سلاميديا” العديد من الحالات التي يتم فيها اختلاف الآراء والتوجهات بين ابناء عاشوا وتربوا في رقعة جغرافية واحدة او حتى أن الخلاف قد يبلغ مرحلة من التمرد على العقل الجمعي الذي تستظل به الأسرة الواحدة والخروج من محيط الأب والولاء للأفكار وفقاً للموروث، وقد جسد الكثير من الأبناء فعلاً مؤخراً مقولة (لن أعيش في جلباب ابي)، خصوصاً أبناء القيادات الحكومية والاسلامية عموماً التي شاركت في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد ضد الحكومة، شاقين بذبلك عصا الطاعة على أبائهم الجالسين في قيادة الحزب الحاكم والدولة.
حقائق بألسنتهم
وكشف عبدالباقي قرفة، رئيس حزب الحركة الشعبية أصحاب القضية الحقيقيين، في منتدى لطلاب الحركة الاسلامية في يناير المنصرم أن ابنه (علي) قد تم القاء القبض عليه عندما انتظم مع المتظاهرين، وقال إن ابنه أكد له أنه يرى انه يعاني جراء ما يحدث في البلاد من أوضاع اقتصادية بقوله “يا ابوي أنت ماشايف أنا كل يوم بقيف في صف العيش” في اشارة للصفوف امام المخابز للحصول على الخبز ومبرراً انضمامه لصفوف المتظاهرين.
كما أن الساحة السياسية السودانية مليئة بالمفارقات بين آباء وابنائهم في التوجهات السياسية وهنالك احزاب كبرى معارضة للنظام من بين ابنائها من هم داخل المنظومة الحاكمة بالبلاد، كما أن هناك من أبناء قيادات الاحزاب اليسارية يذهبون لأقصى اليمين وأن ابناء القيادات اليمين يتوجهون إلى اقصى اليسار ويمكن أن يكون التوجه من اليمين إلى يمين آخر مثل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة ورئيس نداء السودان إذ أن ابنه عبدالرحمن الصادق المهدي من الفاعلين في الحكومة لكونه يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية، ودون ذلك الأمثلة كثيرة ومتعددة في معظم الحقب التاريخية.
ويقول قيادي بالحركة الاسلامية ومسؤول ضليع بأحدى مؤسسات الدولة العاملة في القطاع الاقتصادي فضل عدم الاشارة إلى اسمه أنه تفاجأ بأن احد ابنائه وهو طالب جامعي خرج في التظاهرات الاحتجاجية ، مبيناً أنه حاول النقاش معه حول مبررات خروجه، وذكر القيادي أنه قال لابنه اذا خرجت للتظاهر فأنت قد خرجت على والدك لأنني مازلت اعمل في الدولة الحاكمة واذا كنت تؤكد على (وجود سلبيات فيها فهي كذلك موجودة فيني أنا أبوك) ولكي يخلي القيادي ساحته من اي شبهة فساد وغيره من المبررات التي يرتكز عليها المتظاهرون لفت نظر ابنه إلى أنه حتى الآن عاجز عن أن يسدد له الرسوم الدراسية للجامعة.
خروج عن المألوف
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة جاهدة لتهدئة الاحداث التي اجتاحت البلاد لنحو شهرين من الزمان، كشف مصدر موثوق للأجهزة الاعلامية عن خروج عدد (29) من ابناء قيادات الحزب الحاكم في السودان وجهات تنفيذية عليا واشار الخبر إلى أن من بينهم أبناء لمسؤولين في الأجهزة الأمنية.
وأشار المصدر إلى أن بعضهم تم توقيفهم خلال اعتدائهم على أفراد من الأجهزة النظامية ورفض المصدر الافصاح عن اسمائهم مؤكدا أنه يتحدث عن عدد تم اعتقاله في العاصمة الخرطوم .
الامر الذي أدى إلى التحقق من مثل هذه المظاهر الخلافية في التوجهات المتضادة تماماً والتي تعتبر خروجا عن المألوف بأن يتشبه الأبناء بآبائهم، بين الآباء والأبناء وهل للتربية والقوامة سبب في ذلك أم أن الاختلاف من صميم التربية النموذجية الحسنة والأخلاق الكريمة .
نسخ متفردة
وفي تحليل منطقي للظاهرة من قبل الاختصاصيين في علم النفس حول خروج شباب من جلباب آبائهم من هم في السلطة والتظاهر ضدهم أكد دكتورعاصم البراج لـ “سلاميديا” أن مرحلة الشباب والنضج هي مرحلة نفسية مهمة والتي تنضج فيها الشخصية وتتميز فترة الشباب بالعنفوان والخروج عن المألوف، ذلك نتاج للتربية والتداخل الثقافي والاجتماعي ، وقال في تعليقه على موضوع التحقيق أعتقد أنه لا ضير في انضمام أبناء قيادات من المؤتمر الوطني للتظاهرات او من احزاب أخرى مناهضة لبعض السياسات لأن ليس من الضروي أن يكون الابن نسخة فكرية وفلسفية من والده أو والدته وطبعا جزء من الشباب وبالتالي طبيعي أنهم يتأثرون بالتيارات الفكرية والثقافية والاجتماعية وأضاف الراجح أنه قد حدث ذلك من قبل في عهد رسول صلى عليه وسلم وأصحابه الكرام
مؤثرات ومبررات حزبية
ويقول المفكر في علم الاجتماع د. النور حمد لـ “سلاميديا” إن صح الخبر فلا غرابة في ذلك، لأن الأبناء والبنات لا يخرجون بالضرورة على صورة الآباء والأمهات. فوعي الابن والابنة يتشكل من مؤثرات مختلفة يمثل المنزل جزءا يسيرا منها فقط والمدرسة تؤثر والأصدقاء والصديقات يؤثرون والاطلاع والقراءة على ما تكتبه شخصيات مختلفة تؤثر، والثقافة الحاضرة أضحت تؤثر، مع هذه السموات المفتوحة، مؤثر جديد، ويضيف حمد في حديثه إلى أن هناك الضمير الحي الذي تمثله الفطرة البشرية السوية، فكل انسان سوي فطر على معرفة الخطأ والصواب ومعرفة ما هو خير وما هو شر.
ونبه إلى أنه إذن لا غرابة أن يقف أبناء وبنات قيادات النظام الحاكم ضد آبائهم وأمهاتهم ، وزاد أنه الحق ان كل ذي عقل وخلق وضمير وفطرة سوية لا يملك الا أن يقف ضد اي ممارسات لا تتوافق مع ما يرجوه ، مبيناً إن فترة الشباب هي فترة التعلق بالمثل العليا، واستخدامها معيارا لقياس الأمور عليها. ونبه إلى أن الاحداث التي شهدتها البلاد منذ 19 ديسمبر قوامها الرئيس هم الشباب الذين آلم ضمائرهم شعورهم بمتناقضات ثاروا عليها ، وكان لابد ان يكون من بين المتظاهرين بعض أبناء المسؤولين. وقال النور عموما فإن الضمير الحي هبة إلهية فردية ، والحساب يوم القيامة فردي، لا تزر فيه وازرة وزر أخرى.
واستنطقت “سلاميديا” عددا من القيادات الحزبية حول مبررات الظاهرة وقالت القيادية في المؤتمر السوداني هويدا خضر في حديثها للصحيفة إن أبناء المسؤولين بالنظام بغض النظر عن أنهم أبناء منْ فهم يمثلون أنفسهم بمواقفهم التي وصفتها بالمشرفة ولا يتم تصنيفهم كما موجهات آبائهم أو أمهاتهم ، وقالت رابط الوطن اسمي من رابط الدم، ودعت إلى أنه اذا اقترف اي شخص ذنباً بحق الوطن واعترف بذنبه يحاسب عليه طالما أن هنالك عدالة وقانونا يحمي الجميع ويكون ذلك أكرم من الاستمرار في الخطأ وكل من يعلم أنه مخطئ يحاسب ولو بعد حين .
الاستقلال الفكري
اكد دكتور حاج حمد محمد المحلل السياسي المعروف أن الاستقلال الفكري والسياسي حق طبيعي للابناء وأضاف أن من الطبيعي أن يختلف الأبناء مع الوالدين مادام قد وصلوا سن الرشد وان يكونوا مستقلين في تفكيرهم ، مؤكداً أن ذلك من الأشياء والمتناقضات الصحية والحميدة في المجتمع ، وأضاف حاج حمد أنه من الامور الجيدة ايضا أن يسمح للأبناء بممارسة حقهم الطبيعي في ممارسة العمل السياسي والفكري والانفتاح المعرفي وان يحددوا ما يريدونه الشيء الذي يعكس صلاح التربية والتنشئة الكريمة.
وأكد محمد خلال حديثه لـ “سلاميديا” أن ما يجري في السودان أمر طبيعي ويمكن أن يحدث في اي رقعة من العالم ، وأشار إلى أن اي شخص له طموح في حياته يعرف أنه لا يمكن تحقيقه في ظل الظروف الحالية
وأضاف أن هؤلاء الشباب قد تشبعوا بالمعارف ويجب على هؤلاء الشيوخ أن يسمعوا لهم، وإن كل من تجاوز عمر (18) عاماً يستطيع أن يميز بين الصواب والخطأ ويدرك ما يرضي ويلبي طموحاته.
من جانبه قال الدكتور أحمد المفتي رئيس مركز الخرطوم الدولي لحقوق الانسان السابق إن هذا الاختلاف طبيعي وينبع من الطبيعة البشرية، وأضاف اعتقد أن اختلال الرؤى السياسية بين الأبناء شيء طبيعي، وأردف المفتي أني كثيرا ما أختلف مع أبنائي في القضايا السياسية .