الخرطوم ــ عايدة قسيس
قرار وزارة المالية بشراء القمح من المنتجين عبر البنك الزراعي لصالح المخزون الاستراتيجي إنتاج العام الحالي بواقع (1850) جنيهاً، مع المنع البات ببيع المنتجين المحصول للمطاحن
أو جهات آخرها وقع كالصاعقة على المنتجين الذي كرَّسوا جل جهدهم في الإنتاج وعوَّلوا عليه كثيراً في سبيل الحصول على أسعار مجزية ومعقولة، خاصة وأن هنالك من تم تمويل نفسه ذاتياً دون أن يقوم البنك الزراعي السوداني أو أي جهات أخرى بتمويلهم ما اعتبره المنتجون والمزارعون قراراً مجحفاً في حقهم ويدحض سياسات التحرير في سلعة القمح التي أعلنتها الحكومة ويعني احتكاراً رسمياً، وهدَّد المزارعون في حال أن لم تعدِّل الدولة عن قرارها فأن التهريب سيكون هو الطريق الأقرب لإنقاذ محصولهم وتسريبه للأسواق، خاصة وأن الأسعار التي أعلنتها وزارة المالية لا تمت بصلة عن الأسعار الواقعية بالأسواق لجهة أن سعر الجوال تجاوز الثلاثة آلاف جنيه، في ولايات الشمالية ونهر النيل، فيما كانت في حدود (2500) جنيه، بالأسواق الأخرى ليجعل أمر السعر المعلن غير واقعي وينتج عنه ممارسات سالبة يمكن أن ترجع لذات ممارسات التسعينات، وبالتالي هزيمة المنتج الذي أصبح محصولاً نقدياً لكثير من المنتجين بسبب الأسعار المجزية والمحفزة لزراعته .
وقطع المنتجون في حديث لـ (سلاميديا) بأن الإصرار على سعر (1850) من شأنه أن يجعل مستقبلاً قاتماً للمحصول الذي بدأ في التوسع والتطور حيث بلغت مساحته في ولاية الجزيرة فقط أكثر من (400) ألف فدان .
ووصف رئيس اتحاد عام مزارعي السودان السابق صلاح المرضي لـ(سلاميديا) القرار بأنه فيه ظلم كبير للمنتجين ليس بعده ظلم، قاطعاً بأن المزارعين أنتجوا من أجل السوق والسعر ليتفاجأوا في نهاية الموسم بأن محصولهم محتكر للبنك الزراعي، مؤكداً على أن القرار فيه تأثيرات سالبة على القمح مستقبلاً، وأكد المرضي في حال أن تمسكت الدولة بالسياسة فأن ذلك يعني هزيمة سياسة التحرير للقمح والرجوع لمربع التسعينات وما صاحبه من سلبيات وانهزام، وأردف ” أي مزارع أنتج محصولاً هدفه أن يذهب به للسوق وليس تهريبه بالتالي فأن القمح سيتم بيعه داخل السودان ما يجعل القرار الذي أصدرته المالية ليست له أي جدوى ” على حد قوله، واصفاً القرار بالخطوة الغريبة وغير المدروسة وليس له أي داعٍ .
وقال المرضي إن محصول القمح أصبح من المحاصيل النقدية والمهمة للمنتجين خاصة بالجزيرة، الذين عملوا على تطويره والتوسع فيه، قاطعاً بأن الرجوع عن سياسة تحرير القمح يعني الانتكاسة والعودة لما تركناه من سلبيات في السابق، لافتاً إلى أن الزيادة والطلب العالي على القمح، وأن إنتاجه محلياً سيقلل من فاتورة الاستيراد خاصة وأن الإنتاج المحلي أثبت أنه من أجود الأصناف، فضلاً عن التوسع الكبير في المساحة، معلناً عن أن كل المؤشرات تشير إلى أن الإنتاج المتوقع بالجزيرة من القمح الموسم الحالي حوالي (5) ملايين جوال، ما يجعل ضرورة الاهتمام بالمنتج كثروة وليس التلاعب فيها، مؤكداً على أن مثل تلك القرارات من شأنها أن تهزم الفكرة جملة وتفصيلاً، وأردف ” المفروض يتم دعم القمح والاهتمام به وليس بأن تهزمه بتلك القرارات ” على حد تعبيره .
وطالب المرضي بضرورة أن تتراجع الدولة عن السياسة لجهة أنها غير سليمة، مشدداً على ضرورة ترك أمر الأسعار لآلية السوق ليقوم بتحديدها وليس بالتحكم فيها وتحددها الدولة، مؤكداً على عدم وجود التزام لجهة أن العام السابق لم يورد المنتجين للبنك الزراعي لكن تم بيع كل المنتج داخل السودان .
واكتفى رئيس غرفة المصدِّرين القومي وجدي ميرغني في حديث لـ (سلاميديا) بوصفه بأن القرار غير صحيح وليس في صالح المنتج أو المطاحن .
وقطع المزارع بمشروع الجزيرة والمناقل محمد وقيع الله بأن القرار ليس في صالح المزارع، وأن الأسعار المعلنة للشراء غير مجزية وبعيدة كل البعد عن الأسعار بالأسواق التي تجاوزت سعر الـ (2500) جنيه .
وقال وقيع الله بأنهم كمزارعين ومنتجين لم يصلهم إخطار بعد من الجهات المعنية بالقرار وتنفيذه، لافتاً إلى أن الأمر سيكون فيه لبس كبير لجهة أن هنالك مزارعين موِّلوا ذاتياً بالتالي لا ندري هل سيشملهم القرار أم لا؟ “على حد قوله، مطالباً بزيادة الدولة بحيث يكون مجزياً للمنتج لضمان الاستمرارية في الإنتاج، مهدداً في حال تمسك الدولة بالأسعار المعلنة فأن الكل سيتمرَّد .
فيما أبدى المزارع بنهر النيل عمر الجلال أسفه من القرار لما له من تأثيرات سالبة على الموسم الذي أوشك على الانتهاء .
وقال الجلال لـ (سلاميديا) إن الإنتاج المتوقع للموسم الحالي من القمح مبشر، مشيراً إلى أن الأسعار التي حددت للشراء غير مجزية لجهة أن الأسعار بولايتهم للقمح تجاوز الثلاثة آلاف جنيه، مطالباً بضرورة إعادة النظر في القرار لجهة أن المنتج متحملاً أكثر من اللازم خاصة فيما يتعلق بالمدخلات التى شهدت أسعاراً خرافية، كاشفاً عن ندرة وانعدام تام للأسمدة ما أدى إلى ارتفاعه بشكل كبير في السوق الأسود، مشيراً إلى أن سعر جوال السماد في البنك الزراعي بداية الموسم بواقع (750) ليرتفع إلى (1600) جنيه، بالسوق الموازي ومعدوم، قاطعاً بأن القمح يحتاج في التوقيت الحالي إلى جرعة أخرى وهي معدومة وغير متوفرة حتى في السوق الأسود، ما يخلق مشاكل حقيقية تواجه المنتجين .
وفي الاتجاه أصدرت سكرتارية تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل وتحالف أبناء الجزيرة والمناقل بياناً لجماهير القطاع المروي تطالب فيها بمقاومة طوارئ حصاد القمح.
وأكد البيان على أن القرار معيباً تمت صياغته بعيداً عن المزارعين، قاطعين بأن وزارة المالية ليس لها الحق في تحديد سوق أي منتج زراعي، إلا إذا قامت بتمويل مدخلاته وعملياته الزراعية كافة، مبيِّنين أن المزارع زرع “حواشته ” من جيبه ودفع ضريبته وزكاته وحين عزم على قطف ثماره وحمل حصاده لمخزنه ليتصرَّف فيه كيفما يشاء، قطعت عليه وزارة المالية الطريق لنهب أرباحه، فأن هذا لا يعدو سوى أنه قلع وحقارة”، على حد وصفهم .
وأكد البيان أن نسبة مقدرة من المزارعين ولسنين عددا ظلوا يزرعون حيازاتهم اعتماداً على التمويل الذاتي وبعضهم موَّلتهم شركات على طريقة الزراعة التعاقدية بينما لجأ القليلون من المزارعين للزراعة بواسطة التمويل البنكي أو التمويل عن طريق الإدارة، مؤكدين على أن الجزيرة والمناقل أكثر من نصف المساحة مموَّلة تمويلاً ذاتياً وليس لأي جهة الحق في تحديد سوق لأي منتج زراعي ما لم تموِّله، لافتين إلى أن أقصى ما يمكن أن تطلبه وزارة المالية أن يسلمها المزارعون الذين تم تمويلهم قيمة المدخلات التي أخذوها من البنك نقداً ويتصرَّفوا في بقية محصولهم وهذا أبسط واجب يمكن أن تقوم به وزارة المالية لتشجيع الزراعة .
وأكد البيان بأن القرار وبصورته الكارثية يطلب من المزارع أن يسلم كل قمحه للبنك ليس هذا فحسب، بل يشمل المزارع الذي لم يُموًّل من البنك أو الإدارة، قاطعين بأن القرار مخالف للقانون والعقل والمنطق وللشرع وإذا الحكومة ووزارة ماليتها تصر على أخذ محاصيل المزارعين عياناً بياناً، فإننا نحذِّرها من مغبة السير في الطريق وعلناً نكلمها أننا لن نسلم مثقال حبة من قمحنا.