تقرير ــ إدريس عبدالله
بعد حوالي ثلاثة شهور من الاحتجاجات في السودان المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، ورحيل حكومته، مع رفض الحكومة التجاوب مع مطالب المحتجين، ظهرت عدد من المبادرات السياسية
لتجاوز الأزمة وعبور النفق بسلام، بيد ان تلك المبادرات لا زالت حبيسة الادراج في انتظار التجاوب معها من طرفي الأزمة ـ المحتجين والنظام الحاكم.
ويشهد السودان منذ 13 ديسمبر الماضي حركة احتجاجات واسعة انطلقت من مدينة الدمازين في ولاية النيل الأزرق، وانتقلت إلى مدينتي عطبرة وبورتسودان في 19 ديسمبر، قبل ان تتمدد إلى عدد من الولايات، حيث كانت تطالب بتوفير الخبز والنقود والوقود، وفي خواتيم ديسمبر انطلقت الاحتجاجات في العاصمة الخرطوم ورفعت سقف مطالبها إلى تنحي الرئيس البشير ورحيل حكومته.
ومنذ بداية تلك الاحتجاجات وحتى اليوم لم تتجاوب الحكومة مع مطالب المحتجين بل ردت عليهم بعنف مفرط أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصاً وجرح المئات فضلاً عن اعتقال الألآف، ومع ذلك لم يتراجع المحتجين عن التظاهرات.
إزاء ذلك تقدم عدد من المهتمين بالشأن السوداني من السياسيين والاكادميين والمهنيين، بمبادرات مختلفة لتقريب المسافات وتجاوز الأزمة، كان آخر هذه المبادرات “الروشتة” التي طرحها زعيم طائفة الأنصار ورئيس تحالف “نداء السودان”، الصادق المهدي، وطالب فيها بتنحي الرئيس البشير، وتشكيل حكومة أنتقالية تهدف للتحول الديمقراطي، وأطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ودعا خلال المبادرة البشير بالموافقة على لقاء قادة المعارضة للاتفاق على كيفية انتقال السلطة للنظام الجديد.
من جانبه قدم حزب المؤتمر الشعبي، المشارك في الحكومة التي تم حلها وفقاً للقرارات الرئاسية الأخيرة، رؤيته لتجاوز الأزمة، قائلاً إن ما بين هتاف المتظاهرين بـ “تسقط بس” وهتاف الحكومة بـ “تقعد بس” لا بد من وجود منطقة وسطى يلقي فيها الطرفان، وهذه النقطة سماها الشعبي بـ “الحوار” وتتلخص في ضرورة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وانضمام الممانعين له بعد استيعاب رؤاهم.
كما طرح تحالف قوى 2020 الذي يترأسه الطيب مصطفى، وهو خال الرئيس السوداني، مبادرة تتلخص في تشكيل مجلس رئاسي بقيادة البشير يحكم البلاد لمدة ثلاث سنوات بعد تأجيل انتخابات 2020، وذلك لتهيئة المناخ للانتخابات المقبلة التي لن يترشح فيها البشير.
إضافة إلى ذلك هنالك مبادرات اتفقت جمعيها على الرؤية الكلية وهي المطالبة بتشكيل حكومة انتقالية لمدة اربع سنوات لادارة البلاد وتهيئة مناخ التحول الديمقراطي لاقامة انتخابات عامة، وأبرز هذه المبادرات جاءات من أساتذة جامعة الخرطوم، وجامعة الخرطوم كمؤسسة، ومبادرة مجموعة الـ 52 وهم عبارة عن شخصيات قومية برئاسة الجزولي دفع الله، رئيس وزراء الحكومة الانتقالية 1985.
رد فعل الحكومة تجاه المبادرات
لم تستجيب حكومة السودانية لكل المبادرات التي طرحت ومضت في تجاهلها تماماً، بل ذهبت في طرح المبادرات بتنفسها وتنفيذها فوراً، حيث قرر رئيس الجمهورية، عمر البشير، في وقت سابق إعلان حالة الطورئ وحل حكومة الوفاق الوطني بالمركز والولايات، معلناً عن تخليه عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني بعد ان فوض صلاحياته لنائبه، أحمد هارون، قائلاً إنه سيقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، وقد دعا مجدداً للحوار معه بهذا الوضع.
رد فعل “قوى الحرية والتغيير”
من الجهة الأخرى ظلت القوى الموقعة على إعلان “الحرية والتغيير” والتي تقود الاحتجاجات، متمسكة بشعار (تسقط بس) دون ان تعلق على أي من المبادرات التي تم طرحها، وحتى هذا الاسبوع أصدرت جدولاً بمواقيت حركة الاحتجاجات بالعاصمة الخرطوم والولايات، على الرغم من استمرار محاكم الطوارئ في مواجهة المحتجيين من السياسيين والناشطين والمواطنيين.
احتقان سياسي
يصف المحلل السياسي د. حاج حمد محمد، الوضع الراهن بأنه حالة أحتقان سياسي بين الحكومة والمعارضة، موضحاً أن المبادرات جاءت في وقت لا تسمح فيه الظروف بالحوار السياسي خصوصاً بعد إعلان حالة الطورئ والقرارات الرئاسية التي كرست كل الصلاحيات في يد البشير كقائد للقوات المسلحة وليس بصفته رئيساً لجهمورية السودان. وأضاف “الكرة في يده وحده وعليه أن يختار المناسب لحل الأزمة”.
وأوضح حاج حمد في تصريح لـ “سلاميديا” أن حكومة المؤتمر الوطني تتعامل مع المعارضة بشكل غير محترم، حسب قوله، قائلاً إن الوطني يتمسك بالحوار الوطني في القوت الذي تخلى فيه عن عدد من الذين كانوا جزء منه وفقاً للقرارات الرئاسية التي حلت الحكومة التي انتجها الحوار الوطني.
وأضاف “تاريخياً المبادرات السياسية من السياسين لا تلقي قبول ولا تفضي لحل”، قائلاً إن المجتمع المدني مثل جامعة الخرطوم ظل تاريخياً يقدم المبادرات لكن لا يستجيب لها أحد. وأكد أن الحل المطلوب حالياً تقديم تنازلات تنسجم مع حركة الشارع من خلال إلغاء حالة الطوارئ وتقديم حلول اقتصادية واطلاق الحريات.
الاستجابة لمطالب الشعب
من جانبه قال الكاتب الصحفي خالد التجاني، وهو عضو مبادرة الـ 52، لـ (سلاميديا) إن المبادرات تقوم في الأساس بهدف نقل الأوضاع إلى مربع جديد، مؤكداً أن مبادرة مجموعة (52) تم تقديمها في 2016م وتم رفضها بشكل أو أخر من الحكومة، مضيفاً “مبادرة الـ (52) تحمل في طياتها بنود لو تم تطبيبقها في تلك الفترة لكانت المخرج للبلاد من أزمتها”.
وأوضح التجاني أن قرارات البشير الأخيرة تطرق من خلالها إلى ضرورة تشكيل حكومة كفاءات وهو ما يتفق مع رؤية المبادرة، مضيفاً “لكن عندما تم تشكيل جزء من الحكومة كانت عملية تخدير سياسي وليس حكومة كفاءات”. واكد خالد التجاني أن الشارع أصبح الفيصل الوحيد لكل المبادرات التي ترجو الحل وليس امام الحكومة خيارات إلا ان تمتثل لخيارات الشارع وهو الاستجابة لمطالب الشعب.