الجزيرة ــ  سلاميديا

من المتوقع ان تشهد الجزيرة خلال الايام القليلة القادمة حرباً بين الحكومة والمزارعين جراء سعر تركيز جوال القمح الذي حددته وزارة المالية بمبلغ (1850) جنيه،

وحظر القرار الشراء حصريا للمخزون الاستراتيجي عبر البنك الزراعي، ومنع البنوك من تمويل المطاحن لشراء القمح.

ونشرت صحيفة “الميدان” التي تصدر بالخرطوم تقريراً حول الأمر قائلة إنها تواصلت مع عدد من المزارعين بتفاتيش “الشمالي والأوسط والهدي والغربي” وأجمع المزارعين في حديثهم على رفضهم للقرار ومقاومته ووصفوه بالظالم، أما تحالف المزارعين فقد توعد بمنازلة الحكومة حال أصرارها علي ما أطلق عليه نهب المزارعين عيانا بيانا.

وأستنكر تحالف المزارعين في بيان له بعنوان (البقاء او الفناء) أستنكر قرار المالية بشأن سعر التركيز لشراء القمح بواقع (1850) جنيها بينما يبلغ سعره في السوق (كاش ) 2500 جنيها، واوضح البيان هذا القرار المعيب يعني توظيف سيف الطواري المسلط على رقاب الشعب السوداني وقواه الحيه لمصادرة حق المزارعين “قلع وحقارة”، وأضاف “هذا القرار مخالف للقانون والعقل والمنطق والشرع”. وتوعد التحالف الحكومة ووزارة المالية حال اصرارها على ما اطلق عليه نهب المزارعين (عيانا بيانا) بقوله “فاننا لا نعدها بالسمع والطاعة بل نحذرها من مغبة السير في هذا الطريق ونعلنها اننا لن نسلم مثقال حبة من قمحنا”. واكد البيان أن مزارعي الجزيرة رجالا ونساءا وشباب وأطفال سيكونوا حاضرين حصاد القمح والتصرف فيه وفق ما نشاء، وتابع “الرهيفة التنقد” وقال البيان إن وزارة المالية ليست لها الحق في تحديد سعر اي منتج زراعي، وفيما يتعلق بالقمح فان للمزارع الحق في جني ثمرة عملة وله الخيار في سداد قيمة التمويل او إي إلتزام أخر نقدا او عينا حسب ما يناسبه.

كبر يدشن الحصاد:

وكان والي ولاية الجزيرة الفريق أول ركن علي محمد سالم والي ولاية الجزيرة الرئيس المناوب لمجلس إدارة مشروع الجزيرة قد أعلن أن عثمان محمد يوسف كبر، نائب رئيس الجمهورية، سيزور الولاية يوم الثلاثاء 19 مارس الجاري لتدشين حصاد القمح بمشروع الجزيرة بقسم الهدي، ووجه الوالي بمراجعة الخطة التأشيرية للموسم الزراعي 2019-2020م وتعزيز التنسيق مع وزارة الموارد المائية والري والكهرباء وتنظيمات المزارعين وهيئة البحوث الزراعية وجامعة الجزيرة للوصول لخطة تأشيرية تستطحب كل متطلبات إنجاح الموسم الزراعي القادم وزيادة المساحات القمح.

من جانبه كشف المهندس عثمان سمساعة، محافظ مشروع الجزيرة، أن جملة مساحات القمح 381.2 ألف فدان تبشر بإنتاجية عالية تتجاوز 10 جوالات في للفدان الواحد منها 33 ألف فدان تم زراعتها تقاوي، ودعا لتوفير السيولة النقدية والوقود والخيش وتسهيل إجراءات الحاصدات .وفي المقابل أعلن المهندس مصعب مختار وكيل الري أن المرحلة المقبلة ستشهد وتأهيل المقاولين وتجفيف قنوات الري وإنطلاقة عمليات إزالة الأطماء وتطهير القنوات من الحشائش،وقطع الأستاذ الهندي الريح النور وزير الإنتاج والموارد الإقتصادية ان مشروع الجزيرة يمثل الخروج الآمن للسودان من الأزمة الاقتصادية وتحقيق الإكتفاء الذاتي.

تجويع الشعب:

ويعتبر القمح محصول أستراتيجي بجانب الذرة في الغذاء لمعظم إن لم يكن لكل طبقات وفئات الشعب، ومعظم الانتاج يكون في مشروع الجزيرة، لكن ظلت الاتهامات تلاحق الانقاذ منذ استلامهم للسلطة في العام 1989م بتنفيذ سياسات ممنهجة، ومستمرة لتحطيم المشاريع الاقتصادية والتنموية الرائدة في السودان، ومن بينها مشروع الجزيرة والمناقل الذي كان يطلق عليه (جمل الشيل) في اشارة الي عائده الاقتصادي الكبير وتوفيره لوسائل كسب العيش للسودانيين فضلا عن توفيره للعملة الاجنبية. ويرى الكثيرون ان سياسات الانقاذ تمثل النموذج الأمثل والأوضح لتجويع الشعب كجزء من سياسة الإلهاء وخلق المشاكل والأزمات لإشغال الشعب بها ولفته عن الاهتمام بالسياسة او التفكير في تصرفات وسياسات السلطة.

وترى صحيفة “الميدان” أن السلطة تفننت في وضع سياسات وقوانيين تخريبية من بينها قانون العام 2005م كما تعمدت الانقاذ وأهملت العديد من الحلول والخطط للخبراء والمختصين، ولجاءت الى سياسات تمويلية فاشلة والتلاعب في التقاوي و(فرتقة) البحوث الزراعية، واللجوء الى سلاح الاحالة الى الصالح العام وسط المهندسيين الزراعيين والخبراء، وتحطيم قوز كبرو والمحالج والسكة حديد وغيرها من أصول المشؤروع.

وطبقاً للصحيفة وهي لسان حال الحزب الشيوعي السوداني، فإن هذه الاجراءات الكارثية تزامنت مع وضع سياسات تمويلية قاسية ادخلت المزارعين الي السجون، ولم تلتفت الحكومة إلى مطالب مواطنيها بل تعمدت إفقارهم وتجويعهم وتجهيلهم وإمراضهم من خلال استيراد أسوأ أنواع التقاوي الفاسدة، وتضيف “يعد القمح أنموذجا واضحاً وصارخاً للفساد في استيراد كميات كبيرة غير صالحة من التقاوي، فضلاً عن عدم وضع سعر تشجيعي للقمح، وإهمال التشاور مع المزارعين، بل نحت الحكومة الي اتخاذ اجراءات ماكرة وتدابير احتيالية تمثلت في حل اتحاد المزارعين الممثل الشرعي للمزارعيين والاستعاضة عنه بجمعيات أصحاب الانتاج الزراعي والحيواني والتي تم (تفصيلها وبالمقاس) علي قيادات الحزب الحاكم والنخب الاجتماعية المستفيدة من الانقاذ”.

فجوة كبيرة:

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتجاه لفتح الباب لاستيراد القمح من الخارج دليل واضح على وجود فجوة كبيرة بين الانتاج والاستهلاك المحلي من القمح تتمثل في عدم كفاية الإنتاج المحلي عن الوفاء باحتياجات الشعب، وفشلت السياسات الزراعية في تطوير الزراعة وتحديثها، وتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعي بكلفة مناسبة، لجهة أنها لا تزال تمثل عبئاً ثقيلاً على الإنتاج من ناحية وانخفاض إيراد المزارع، بحسب الصحيفة.

وأوضحت أن الفشل في السياسات الزراعية شأنها شأن بقية الاقتصاد وهو نتيجة العشوائية وعدم وجود خطط مدروسة، والمتضرر الاول والاخير هو المواطن والمزارع الذي تم حرمانه  من الدعم الذي كان يحصل عليه في حكومة الديمقراطية، فضلا عن عدم قيام الدولة بواجبها في توفير ما يلزم المزارع من مبيدات جيدة وصالحة وتقاوي بأسعار معقولة.

وأضافت “الامر الأخر هو دخول مستوردين من شركات يمتلكها قيادات في الانقاذ او تجمع بينهم مصالح عديدة خفية وظاهرة، يتفقون مع أركان النظام على إبرام صفقات زراعية خاصة بالتقاوي والاسمدة وعطاءات ترحيل المحاصيل والوقود وحفر وتطهير الترع والقنوات وغيرها من وجوه الفاسد النتن”، وأكدت أن سياسات النظام الظالمة للمزارعين دفعتهم لزراعة محاصيل أخرى أكثر ربحية من القمح مثل الكبكبي وغيرها من المحصولات النقدية أو هجرة الزراعة تماما.

وزادت “من المشاكل ايضا نقص المياه لري المحصولات الزراعية وارتفاع ضريبتها ،ولم يلتفت النظام إلى شكاوى المزارعين الذين تكبدوا خسائر فادحة نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة والمحروقات والتقاوي وغيرها، فضلًا عن الأعباء الاقتصادية الطاحنة التي تمرّ بها البلاد”، وعدتها اشكاليات دفعت المزارعين للعزوف عن الزراعة عامة، والقمح والقطن تحديدا.

وبحسب تقارير حكومية فقد تراجعت المساحات المزروعة بالقمح، وتشير إحصائيات رسمية صادرة عن الإدارة العامة للتخطيط والاقتصاد الزراعي بوزارة الزراعة والغابات الاتحادية، حيث تقلصت المساحات المزروعة من القمح وتدهورت انتاجيته كثيراً في وقت أضحت فيه البلاد تعتمد عليه بشكل كبير واصبح بديلاً للذرة الذي كان هو الأساس، وتقول تقارير صحفية ان الشعب لا يعلم تفاصيل اللجان التي تم تشكيلها في وقت سابق ومن بينها اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء السابق بكري حسن صالح لمعرفة الاسباب ووضع الحلول لتقلص المساحات المزروعة من القمح، وعزا البعض باللائمة على السياسات الاقتصادية التي لم تهتم بمحصول القمح كمحصول اساسي، واعتمدت على محاصيل اخرى كبديل في العروات التي يزرع فيها، وأرجع البعض أسباب تقليص المساحة المزروعة بالقمح إلى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة التي أدت لارتفاع الأسعار، وحدوث تأخر نسبي في وصول السماد، بجانب خروج إدارة مشروع الجزيرة عن ضمان التمويل ،فيما رمي بعض المسؤولين باللائمة خاصة في مشروع حلفا الزراعي على حالة الاطماء الطبيعي بحوض خزان خشم القربة ، وبحسب احصائيات رسمية فقد تدني انتاج القمح في الموسم الشتوي 2017/2018 لارتفاع اسعار مدخلات الانتاج، وبلغت المساحة المزروعة 479 الف فدان بنسبة نقصان بلغت 27%.

إستيراد القمح

وتقول دراسات أن نسبة عالية جداً من سكان الأرياف هاجروا للمدن الكبرى ما ادى الى حدوث تغيير في نمط حياتهم وغذائهم من الذرة الرفيعة بأنواعها والدخن إلى الخبز المصنوع من القمح وأصبحت حكومة السودان تستورد القمح بملايين الدولارات الأمريكية سنوياً، بعد أن ضحت بصناعة الغلال ووضعت ضرائب عالية عليها الأمر الذي أدى إلى إغلاق معظمها بسبب الانقطاع الكهربائي وآثاره المدمرة، كما يحيل البعض الاسباب الى السياسات الزراعية غير السليمة التي حجّمت التوسع في زراعة القمح. لكن بعض المختصين يرى ان الاسباب الجوهرية في تقلص مساحاته تتمثل في ضعف التمويل، ما ادى لعزوف بعض المزارعين عن تطبيق الحزم التقنية وتدني الانتاج، كما ان عدم توفر العدد الكافي من الحاصدات وعدم ايجاد قطع الغيار والعمالة المدربة يمكن ان تكون كذلك من اهم الاسباب مستصحبين انتشار الآفات الضارة والمشاكل المختلفة للتسويق وضعف البنية التحتية.

ومؤخرا أعلنت وزارة المالية عزمها استيراد 500 ألف طن من الدقيق والقمح لإنهاء أزمة الخبز التي تواجهها البلاد، وكانت الوزارة قد عقدت في يناير الماضي اتفاقاً مع شركات المطاحن نص على زيادة الدعم لجوال الدقيق من 600 جنيه (12.6 دولار) إلى 680 جنيهاً (14.28 دولار)وتعتبر تلك الزيادة هي الثالثة خلال 12 شهراً، ويبلغ حجم استهلاك الدقيق في السودان ٢ مليون طن سنوياً.

وحول الحلول العاجلة للقضية يقول مراقبون انه لابد من التوسع في المساحات المزروعة بالقمح وهذا الحل صعب التنفيذ بسبب ان المساحات الزراعية في العروة الشتوية بمشروع الجزيرة او المشاريع الاخري يواجه بمشاكل مختلفة في شيخ المشاريع الزراعية بالجزيرة يلجاء المزارعون الي زراعة محصولات نقدية ذات عائد سريع مثل الكبكبي بجانب مشاكل التمويل والتقاوي  والاسمدة والمياه لري المحصولات الزراعية وهي ذات المشاكل في المشاريع الاخري، ان نقطة التدخل المطلوبة وهي زيادة إنتاجية الفدان من قبل هيئة البحوث  الزراعية التي تم تشريد خبرائها وكوادرها فضلا عن زيادة الانفاق علي البحوث الزراعية لاسيما البحوث المتعلقة بانتاج وتطوير الاصناف المتأقلمة مع التغيرات المناخية،والأصناف المقاومة للحرارة والاصناف قصيرة العمر والأصناف الموفرة للمياه والمقاومة للجفاف.  ومنح المزارعين حوافز سعرية تشجيعية سواء خلال مراحل عملية الانتاج أو في خلال عملية التسويق للمنتجات الزراعية، واعادة هيكلة المؤسسات التسويقية الحكومية أوالأهلية للمنتجات الزراعية. فيجب ألا يترك  المزارع ألعوبة في أيدي التجار من القطاع الخاص يفرضون علية السعر الذي يريدونة، وبالتالي يقع فريسة سهلة في ايدي هؤلاء، بدون مؤسسات قوية تحمي الصغار منهم، علي وجه الخصوص وهذا الحل يتطلب عودة اتحاد المزارعين المدافع الشرعي عن المزارعين وحقوقهم وقضاياهم.فضلا عن العودة للسياسة الزراعية قبل الانقاذ،واجراء تغييرات كبيرة فيها، وكذلك الدورة الزراعية ،وفي حديثي مع احد قيادات تجمع القوي المدنية الذي يضم جهات عديدة وشخصيات مستقلة من بينهم مزارعين وشباب مزارعين وخبراء قال لي ان عودة مشروع الجزيرة الي حالته الي الاولي بوصفه مشروعا تنمويا يتطلب إزالة كل النظام وبناء نظام ديمقراطي عادل يحقق التنمية العادلة والمتوازنة، وتابع (بدون ذلك نكون كمن يحرث في البحر) واي خطوات اصلاحية مصيرها الفشل.