مرتضى كوكو – الخرطوم
تباينت آراء المسؤولين والخبراء السياسيين حول الأزمة السودانية، ففي الوقت الذي أكد فيه مسؤولون انحسار الاحتجاجات بفضل إصلاحات الرئيس عمر البشير،
اعتبر المحللون أن تجاهل المحتجين لهذه القرارات بما فيها الطوارئ، يعطي مؤشرا بأنهم لن يتراجعوا مطلقا عن مطلبهم بتنحي البشير.
وأكد خبراء تحدثوا لـ”العين الإخبارية” أن المعادلة السياسية القائمة التي عنوانها التجاذب ستقود إلى مزيد من التصعيد بين الأطراف في السودان، وذلك مع دخول الاحتجاجات شهرها الرابع، لكنهم شددوا على ضرورة اعتماد المفاوضات والحوار كحل أمثل للأزمة، حسب تقديرهم.
بداية الاحتجاجات
وانطلقت شرارة الاحتجاجات السودانية يوم 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي بمدينة الدمازين جنوبي البلاد بعد أن خرج طلاب المدارس الإعدادية في تظاهرات منددة بغلاء الأسعار وانعدام الخبز.
وانتقلت المظاهرات إلى مدينة عطبرة شمال السودان يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما احتج الأهالي بكثافة ضد نقص الخبز ومضاعفة سعره من قبل الحكومة، لتنموا وتيرة الاحتجاجات بشكل متسارع لتلهب ولاية القضارف والشمالية وسنار وغرب وشمال كردفان.
وشكل يوم 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي موعدا لانتقال الاحتجاجات إلى العاصمة الخرطوم بمطالب سياسية لأول مرة، وسقفها تنحي النظام الحاكم، تحت قيادة تجمع المهنيين السودانيين.
الحكومة والمعارضة ترتبان الصفوف
وبعد انقضاء 3 أشهر من الاحتجاجات المتواصلة ودخولها الشهر الرابع، بدأ كل من المؤتمر الوطني الحاكم وقوى المعارضة السودانية في ترتيب صفوفها للمرحلة المقبلة وسط استمرار الاحتجاجات.
ويسعى الحاكم -كما هو معلن- إلى ترتيب صفوفه للنزال السياسي خلال المرحلة المقبلة وتجاوز التحديات التي يواجهها، ويطرح خيارات تجديدية بينها تغيير اسمه، والاندماج في تيارات سياسية ذات توجه فكري مشترك، وهي محاولة يسعى عبرها، وفق مراقبين، إلى محو الصورة السلبية عنه في الشارع السوداني.
وتجتمع قوى المعارضة المكونة لتحالف “نداء السودان” حاليا بالعاصمة الفرنسية باريس، وهو الاجتماع الأول منذ انطلاق المظاهرات، ومخصص -بحسب بيان للنداء- لدعم الاحتجاجات والمقاومة السلمية التي تشهدها البلاد.
مظاهرات مستمرة رغم الطوارئ
في مقابل ذلك، يستمر الشارع السوداني في التظاهر على الرغم من الإجراءات التي اتخذها الرئيس عمر البشير والتي تضمنت قرارات قاسية قضت بفرض حالة الطوارئ وأعقبتها أوامر طارئة بحظر التجمهر والإضراب وتسيير المواكب والاحتجاج مع عقوبات رادعة تصل إلى السجن 10 سنوات للمخالفين.
وراح ضحية الاحتجاجات منذ اندلاعها 31 شخصا بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن حكومة السودان، بينما تتحدث قوى المعارضة ومنظمات مجتمع مدني عن سقوط نحو 51 قتيلا، لعل أبرزهم معلما توفي بمنطقة خشم القربة شرقي البلاد.
وشكل الرئيس السوداني عمر البشير لجانا للتحقيق في هذه الاحتجاجات، وما صاحبها من قتل وعنف من جانب الأجهزة الأمنية، ولكن هذه اللجنة لم تصدر نتائجها حتى الآن.
وتبدو صورة المشهد السوداني بعد 3 أشهر من الاحتجاجات أكثر قتامة بالنسبة للمحلل السياسي الهادي أبو رايدة، الذي يعتقد جازما بأن استمرار هذا التجاذب بين الأطراف سيقود البلاد نحو التدهور الأمني والانزلاق نحو المجهول.
الحل في التفاوض والحوار
وأكد أبو رايدة، الذي تحدث لـ”العين الإخبارية”، ضرورة أن تنتقل الأطراف السودانية إلى مربع جديد مبني على التفاوض والحوار للوصول إلى نقاط تلاقي مرضية للجميع، لا سيما أن الحكومة السودانية بدت أكثر جدية من أي وقت مضى لإجراء حوار حقيقي لتجاوز الأزمة الحالية.
واعتبر أن استمرار الاحتجاجات ومواجهتها من جانب السلطات الحكومة بالقوة، يشكل مزيدا من الاستنزاف لموارد البلاد الشحيحة، ويعطل أي مساعٍ لإجراء إصلاحات اقتصادية تخفف وطأة المعاناة المعيشية عن كاهل الشعب السوداني.
وعلى الرغم من إشارته لصعوبة تمكن المتظاهرين من تحقيق هدفهم الأوحد المتمثل في إسقاط النظام خلال مدى قريب، يؤكد أستاذ العلوم السياسية بكلية شرق النيل السودانية عبداللطيف محمد سعيد أن الاحتجاجات نجحت في تحقيق مكاسب عديدة لعل أبرزها وقف تعديل الدستور لترشح الرئيس عمر البشير لولاية جديدة.
وقال سعيد، في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، إن “الاحتجاجات دفعت النظام الحاكم إلى التخلي عن النظرة الاستعلائية للطرف الآخر، والنهج الانفرادي لإدارة شؤون البلاد، والانفتاح على الجميع بصورة جدية طلبا للحوار والوفاق السياسي”.
وأكد أن “الاحتجاجات السودانية ستستمر ولكن مسألة إسقاط النظام التي تسعى لها قد تستغرق وقتا أطول”.
الاحتجاجات في طريقها للانحسار
من جانبه اعتبر الحزب الحاكم في السودان أن الاحتجاجات في طريقها للانحسار بعد الإصلاحات المتمثلة في التشكيل الحكومي والدفع بكفاءات لقيادة البلاد خلال المرحلة المقبلة.
وقال القيادي بالحزب الحاكم ونائب رئيس لجنة الإعلام في برلمان السودان الطاهر حسن عبود: “إن الاحتجاجات انحسرت ولم تكن مثل ما بدأت عليه، ويعود ذلك إلى الإصلاحات التي أجراها الرئيس عمر البشير”.
وأضاف عبود الذي تحدث لـ”العين الإخبارية”: “أعتقد أننا قدمنا كثيرا من التنازلات، فليس هناك ليتم فعله أكثر من وقوف الرئيس البشير على مسافة واحدة من جميع السودانيين وتشكيل حكومة كفاءات وتأجيل تعديل الدستور وفتح الحوار أمام الكل”.
وتابع: “ستنجح هذه الحكومة التي تم تشكيلها في وقف الاحتجاجات التي بدأت في الانحسار والتراجع حاليا، بمجرد تنفيذ البرامج الإصلاحية وتحسن واقع الاقتصاد والمعاش”.
نقلاً عن العين الإخبارية