اديسون جوزيف
فصل الصيف لمجتمع زراعي مثل مجتمع “لوة” في مناطق نهر الجور فرصة نموذجية للتجهيز لموسم الخريف استعداداً للزراعة حيث ينهمك الناس في ترتبيات الخريف من تنظيف وتحضير
المزراع وإعادة بناء المنازل لتكون أكثر ملائمة لاحتياجات موسم الانتاج، وعقد جلسات الغناء اياذنا بمواعيد الطلق للارض البكر، ويجد أفراد مجتمع “لوة” في هذة الموسم سانحة لمارسة نشاط اقتصادي آخر مثل صيد الحيوانات.
بينما يكون فصل الصيف عند مجتمع الرعاة المجاورة (دينكا تونج) هو فصل للهجرة بحثااً عن المراعي والمياة لابقارهم وهروباً من جحيم الصيف الحار لارتباط النشاط الاقتصادي بالحيوان الذي يستمد مصادر حياته من الماء والحشائش.
في ظل انعدام الحلول المتقدمة للمشكلة الرعاة في الصيف يصبح خيار الهجرة الأمر المتاح في شق دروب وطرق للوصول للمسار قد يؤدي الى الكنز المفقود بالبسب شروط البيئة وفشل سياسيات الاجسام الادراية في توفير بدائل للأزمة الطبيعة.
أين المشكلة؟
رعاة الصحاري يقودن صراع بشكل مستمر ضد قسوة الطبيعة مع غياب مؤسسات حديثة توظف الامكانيات البشرية والمادية المتاحة لمعالجة صراع الانسان مع الطبيعبة لمصلحة الأول لتسخير مزايا لخدمة ورفاهة الانسان، مثل هذا الكلام البديهي ينطيق على وقائع المجتمعات الأخرى والدول التي يتوفر فيها الحد الأدنى من المسؤالية للحكام.
لكن لسوء حظ مجتمع الرعاة بولاية “تونج” فهما يقعون تحت سيطرة أفشل حكومة قد تكون مرت على تاريخ البشرية في العصر الحديث، فالحكومة بدلاً من تبحث في أصل المشكلة بصورة علمية وايجاد حلول واقعية مثل آبار او أحواض للمياة، تلجا الحكومة الى تسليح الرعاة للبحث عن مسارات توفر لهم المياة والمراعي مقابل استخدامهم كحشود عسكرية للدفاع عن الحكومة وخلق قاعدة سياسية للنظام تنطلق من فرضية وأهمية ان النظام يدافع عن مصالحهم ويعبر عنهم.
وللاسف تستمثر الحكومة في جهل وانعدام الوعي وسط هؤلاء الرعاة لتحولهم للادوات قتل تجاة مجتمعات مجاورة كان لهم تاريخ مشترك في التعاون في مثل هذة الأمور، غياب مؤسسات الدولة في قرى الرعاة استخدمتها الحكومة كمبرر لتجنيد مليشيا “قلوينق” لتقوم بمهام الحكومة في حماية أبقار الرعاة من ظاهرة النهب المنتشرة، ولاسف تستحدم المليشا السلاح كوسيلة لحل مشاكل الرعاة في فصل الصيف حيث تتوقف الأمطار مما ينتج منها انعدام للحشائش الخضراء وعدم توفر نقاط للمياة التي يحتاجونها لتغذية وشرب الابقار، فليجأ أصحاب المراحات الى البحث عن حلول وقتية لتغذية ابقارهم الجائعة بالطرق المشروعة والغير المشروعة، مستفيدين من امتيازات الحكومة المركزية في التسليح وتواطؤ السلطة مع تلك الأفعال، عندما يغيب صوت العقل والحكمة عند من يمتلك السلاح يمكنه فعل كل شئ لأنه يعلم مهما ارتكب من فظائع ستستمر بدون عقاب ومحاسبة.
كانت المناطق الجنوبية والغربية المتاخمة لمدينة واو التي يسكنها مجتمعات “الفراتيت” الزراعية أول ضحايا الحلول العدمية لايجاد مسارات لمراحات لرعاة الأبقار من تونج وقوقرريال في فصل الصيف الذي يبد منذ نوفمبر وينتهي في ابريل.
خلال السنوات الاولى لميلاد دولة جنوب السودان تحت قيادة الرئيس سلفاكير وحزبه الحاكم حيث تضررت مزراع مجتمعات الفراتيت من ذلك المسار الناشئ بقوة السلاح وليس القائم على اتفاقات وتفاهمات بين المجتمعات وادراتها الأهلية كما ينبغي ان يحدث، لذلك كان من الطبيعي ان تستخدم قوة السلاح لاسكات واخضاع كل من يرفض المسار الجديد حتي لو كانت على حساب المحصول الزراعي لهولاء المزراعيين، فطريق المسار الجديد للمراحات يقتضي ان تأكل الأبقار منتج المزراع واذا احتج على عدم عقلانية تصرف الأبقار كان القتل والاعتداء من نصيبه.مما ادي لجوء نشوء حركة رفض مسلحة وسط المجتمع المتضرر من تلك الممارسات الوحشية للدفاع ارضيهم وكرامتهم ووسيلة كسب العيش لديهم.
الجدير بالذكر ان حكومة ولاية غرب بحر الغزال حاولت بذل مجهود للحل المشكلة بين أصحاب الأرض وأصحاب مسارات الرعاة وتوج ذلك بقيام مؤتمر “بسري” الذي خرج بتوصيات جيدة لكنها ذهبت مع رياح أمطار الخريف بفضل القوة الخفية لأصحاب المسارات الدموية وسلطتها العليا على سلطة الولاية.
تفجر النزاع المسلح في تلك المناطق ادى إلى البحث عن مسار جديد بعد ان أصبح مسار غير آمن لملاك المراحات والأبقار، مناطق نهر الجور كانت المحطة التانية لأصحاب المراحات في رحلة البحث عن مسار لرعي الأبقار. في بداية عام 2017 أخذ المسار طابع دموي في مناطق “لول ومواج وكوارجينا” وقري اخري مما ادى إلى قتل ونهب مملتكات سكان تلك المناطق وتشريد اعداد كبيرة من سكان تلك القري تحولهم جزء كبير منهم الي نازحيين ولاجئيين .
مؤتمر مريال باي بين ولاية واو مع ولاية تونج وقوقرقيال كان مجهود آخر لعلاج الأزمة حيث خرج بتوصيات جيدة تنظم عملية الرعي وتحدد شروط أكثر انصافا للطرافين فيما يختص بمسارات الأبقار، حيث نصت على ان الرعاة يجب ان يحصلوا على اذان من قبل سلاطين تونج وقريال قبل المجئي لمناطق مجتمع “لوة” ولا يجوز السماح بالعبور للمناطق إلا بأذن، بالاضافة إلى عدم حمل اي نوع من الأسلحة خلال رحلة المسار مع الأبقار مع فرض غرامة للكل من يخالف التوصيات حيث يتم دفع مبلغ قدره مائة ألف جنية مقابل التعدي على مزراعة الكساف.
مع تجدد الاعتداءات من قبل ملاك المراحات على مناطق كوارجينا واجزاء من مابيل خلال الاسبوع الماضي واستمرار أصحاب الأبقار لجعل المسار أكثر دموية، كانت توصيات مؤتمر مريال باي قد حجزت مكان في سلة المهملات بجانب توصيات مؤتمر بسري.
تواصل مسلسل التعدي على أهل تلك المناطق مما أسفر عن قتل ما يقارب 16 شخص وجرح 20 حسب احصائيات اي ردايو بجانب حوداث الاغتصابات ونهب المملتكات، وأغلب ضحايا الانتهاكات من النساء والأطفال مما يؤكد على مدى وحشية تلك المليشيا التي تستخدم حق الرعي والاستفادة من خيرات الارض الى اداة قتل وتدمير قرى وممتلكات الآخرين في ظل غياب تام لأجهزة الدولة وضعف حكومة الولاية في مواجهة هؤلاء الرعاة المسلحين يبدو انهم يمتلكون سلطة وقوة أكبر تشكل لهم حماية من العقاب والمساءلة.تراجيدي الاحداث المؤسفة في كوارجينا والقري الاخري توضح حجم غياب دور هياكل مؤسسات الحكومة الاتحادية والولايئة حلقات المستمرة وقتل والنهب يحدث للمواطنين عزل تحت عين السلطات التي لاتحرك ساكن غير دعوات خجولة للمليشيا المسلحة بالضبط النفس والرجوع الي مناطقهم دون استخدام قوة وهيبة الدولة للحماية المواطنيين الممسالمين .
روح شوفينة القبائل الكبيرة ونزعتها للسيطرة علي القبائل وفرض قانون الذل والهواة يشكل وجهة اخرة للماساة حريق كوارجينا واخوتها حيث تستمثر تلك المليشا في ثقافة الكراهية والاستعلاء البغيض للتجيش اكبر عدد من المواطنين الابرياء للحربهم الشريرة ضد مواطنين لاذنب ارتكبو غير انهم فئة منتجة تعمل بالاخلاص من اجل كسب العيش اوفياء للنمط انتاجهم عرق وتعب تاتي المليشيا المسلحة وتنهب حصاد انتاجهم وتقتل الابرياء من النساء والاطفال دون ادني رحمة وانسانية .
خيارات مسارات أمنة
ان تجدد الهجوم على قرى نهر الجور يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ان الصراع بين الرعاة والمزراعيين ناتج عن أزمة سياسية في المقام الأول وتتحمل الحكومة المسؤلية عن الفظاعات التي ارتكبها الرعاة المسلحيين ضد المزراعيين.
من الواضح ان المؤاتمرات القاعدية لحل الصراع آلية اثبت الواقع عدم فعاليتها رغم ان توصياتها حاولت ملامسة الواقع لكن محاولات الحكومة للخلق قاعدة سياسية عبر سياسية محاباة وتفضيل مجتمع على آخر أفسدت عملية تنفيذ توصيات وتفاهمات بين السلاطين وحكومتي الولاية.
عجز الحكومة في توفير حل لأزمة المراعي في فصل الصيف تستغله الحكومة كورقة سياسية للعب دور سئ في اللعبة، ليس هناك حلول بدون اعتراف الحكومة بالأزمة وتوفر ارادة سياسية لايجاد مخرج للصراع في ضوء اتفاقية السلام الأخيرة نزع تسليح مليشيا الرعاة وتفعيل دور أجهزة الدولة التنفيذية (البوليس) في القرى بجانب عقد مؤتمرات للتعايش بين المجتمعات، وعقد مصالحة اجتماعية ومحاسبة كل من ارتكب جريمة في حق المدنيين، وتوقيع اتفاق على مسارات واضحة وفق شروط عادلة للأطراف، ومعالجة قضايا التنمية والتخلف الاجتماعي يفتح المجال للعلاج الجذري للصراع بين الرعاة والمزراعيين.