محمد موسى ابراهيم –Mohamedmosa.imam@gmail.com
(1)
بدأ الإستعمار الإسباني لمنطقة الصحراء المغربية في الفترة من 1883م وحتى العام 1975م , وطوال هذه المدة كانت تُسمّى هذه المنطقة بالصحراء الإسبانية أو إقليم الصحراء الإسبانية
ماوراء البحار. حيث تم تأسيس الشركة التجارية الأسبانية الخاصة بإفريقيا والمستعمرات برئاسة الجنرال مانويل كاسولا بهدف تنمية العلاقات التجارية الأسبانية مع أفريقيا و الحصول على الربح التجاري من وراء توسع النفوذ الأسباني في أفريقيا. خلال تلك الفترة تم توقيع اتفاقية برلين الشهيرة 1885م حول تقسيم مناطق النفوذ في أفريقيا بين القوى الاستعمارية .
لم يدخر المستعمر جهدا حيث شرع مباشرة في اخضاع بعض القبائل عبر الرحالة المستكشفين للمناطق الساحلية الواقعة بين وادي درعة في الشمال وراس بوجدور في الجنوب، وتم التوقيع مع بعض زعماء القبائل الصحراوية الخاضعة لسلطان المغرب آنذاك والمبايعة له على اتفاقية بموجبها تصبح المنطقة الصحراوية تحت “حماية ” الشركة الأسبانية.
بعدها مباشرة بدأت مفاوضات طويلة بين فرنسا وإسبانيا لرسم الحدود بين مستعمراتهما في إفريقيا إنتهت في مطلع القرن العشرين باتفاقية باريس والتي بموجبها رسمت الحدود الشرقية والجنوبية لمنطقة وادي الذهب. رغم ذلك أعاد الطرفان صياغة إتفاقهما حول حدود الصحراء الغربية فبعد التوقيع على معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب من طرف السلطان عبد الحفيظ في العام 1912م أصبح التقسيم الحدودي للمغرب في ثلاث محميات : المنطقة الشمالية والمنطقة الصحراوية في الجنوب تحت الحماية الأسبانية , و المنطقة الوسطى تحت الحماية الفرنسية , و مدينة طنجة التي خضعت لحماية دولية بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وإسبانيا.
بعد إستقلال المغرب في العام 1956م شرع ملك المغرب مباشرة بمطالباته رسميا لضم أراضيه المنزوعة ومنها أجزاء من موريتانيا والصحراء الغربية , ووفقا لهذه المطالبات سطّر الإسبان مرسوم صادر عن الحكومة بموجبه تصبح الصحراء الغربية مقاطعة أسبانية والعيون عاصمتها الإدارية , وذلك لقطع الطريق امام الجهود والمبادرات المغربية المتكررة , حيث جدّد المغرب مطالباته بالصحراء الغربية عبر نداء الملك محمد الخامس في مدينة لمحاميد لإرجاع الصحراء الى المغرب .
بدأ إهتمام الإسبان بالصحراء المغربية يترسخ أكثر بعد إكتشاف البترول في تلك المنطقة فقننوا ذلك بمرسوم حكومي في العام 1959م يحدد شروط الاستثمارات الأجنبية في الصحراء الغربية , وقد بدأ التنقيب فعليا في العام التالي حيث شمل التنقيب مناطق مثل ، افيم الواد بالساقية الحمراء قرب مدينة العيون بعد أن اكتملت الدراسات حول الموضوع من طرف بعض الشركات الأجنبية والإسبانية , وطوال تلك الفترة بين العام 1959 وحتى العام 1964م تم اكتشاف 32 بئرا للنفط .
وفي مطلع السبعينيات تم تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أو ما يُسمّى (جبهة البوليساريو) حيث بدأت أزمة الصحراء الغربية التي وضع لبنتها الأولى المستعمر الإسباني قبل انسحابه منها في العام 1975م تطفوا الى السطح . ومما لا شك فيه , فإن البعد الاستراتيجي لهذه القضية يتمحور في الموقع الذي تمثله الصحراء بالنسبة للمستعمر , فموقعها الممتد على طول الواجهة الغربية للساحل الأطلسي منحها موقعا جيو-استراتيجيا مهما . والمعروف في الجغرافيا السياسية أن المناطق الساحلية تحظى بمكانة خاصة مقارنة بالأقاليم القارية , وهذا ما أدّى الى تنامي حدّة النزاع في هذه المنطقة وتعميق جذور المشكل وظهور نزاعات متوالية وإلى عدم الاستقرار السياسي.
بعد خروج إسبانيا من الصحراء الغربية خلّفت ورائها تركة ثقيلة أرادت منه شغل المغرب بهذا الملف الى حين . إذ تتمثّل في المطالب التي شغلت المغرب والمجتمع الدولي عقود من الزمان إحداهما قدّمه المغرب بامتلاكه حقوقا تاريخية في الصحراء الغربية، والثاني في إدّعاء حق الصحراويين في تقرير المصير والاستقلال , فتقدم المغرب بطلب رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الحكومة الإسبانية في العام 1974 لإحالة ملف الصحراء الغربية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا لتعزيز مطالبه بحقوقه التاريخية على الإقليم .
وبعد أن وافقت الجمعية العامة على الطلب المغربي، أحالته على محكمة العدل الدولية المذكورة والتي عقدت 27 جلسة علنية من 25 يونيو ولغاية 30 يوليو 1975 وأعلنت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في 1975 ، بعد تفكير عميق وجاد تناول بالفحص والتدقيق كل حيثيات الموضوع في حدود الادعاءات والوثائق المقدمة إليها . وقد أتى رأي المحكمة إستنادا الى الوثائق المرتبطة بالقضية والمتمحور في الفترة التي كانت فيه الصحراء مستعمرة من قبل اسبانيا , بمبدأ أن الصحراء الغربية لم تكن أرضا بلا سيّد , لأنها – بالضرورة – كانت مأهولة بسكان على الرغم من بداوتهم كانوا منظمين سياسيا واجتماعيا تحت سلطة شيوخ يبايعون ملوك المغرب , وإسبانيا نفسها لما أقامت (حمايتها) تذرعت باتفاقات مبرمة مع الشيوخ المحليين.
وإنطلاقا من هذه الوقائع إنتقلت المحكمة الى المرحلة الثانية وهي جمع كل الروابط القانونية والسيادية التي تتيح للمغرب بأحقية المطالبة بأرض الصحراء الغربية كجزء لا يتجزأ من التراب المغربي , ومن بينها على سبيل المثال حيازة المغرب وسيادته تاريخيا لإقليم الصحراء الغربية مؤكدا بذلك بالوثائق وعبر اعترافات دولية من حكومات أخرى بتلك السيادة التاريخية. عليه , فقد توصلت المحكمة إلى أن كل ذلك يقوم دليلا على وجود روابط سيادة إقليمية بين المغرب والصحراء الغربية ، بما فيها وجود علاقات بين بعض قبائل المنطقة والسلطان . خلصت المحكمة الى وجود روابط قانونية تتمثّل في ( البيعة) . رغم ذلك , تم طرح العديد من الحلول لقفل صفحة هذه القضية تمثّلت في ثلاث خيارات.
الحُكم الذاتي أو القيام بإستفتاء أو تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليساريو . بخصوص المقترح الأخير فقد رفضه الطرفان . فالمغرب يرى أن الصحراء الغربية جزء لا يتجزأ من وحدته الترابية أما البوليساريو ترى أن هذا المقترح يتناقض مع مبداء تقرير مصير الشعوب المستعمرة. أما المقترح الأول والمتمثل في الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب والذي لاقى دعما من فرنسا والمجتمع الدولي , فهو ينص على منح سكان الصحراء حق تسيير كافة أمورهم بنفسهم تحت السيادة المغربية، وهو المقترح الذي جوبه بالرفض من قبل البوليساريو باعتباره لايضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي . أما المقترح الوسط وهو القيام بإستفتاء فقد وافق عليه الطرفان لكن ظهر مشكل بعد ذلك وهو كيفية تحديد من يحق لهم التصويت وهوية الناخبين .
إن المبادرة التي تقدم بها المغرب لإنهاء النزاع والمتمثّلة في الحكم الذاتي تعتبر مبادرة جديّة تمر عبر إستفتاء شعبي لسكان الإقليم وقد لاقت دعما دوليا موسعا , والتي تمنح منطقة الصحراء حكما ذاتيا موسعا مع الاحتفاظ برموز السيادة كالعلم والسياسة الخارجية والعملة وغيرها في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية , ومن هذا المنطلق ، سيتولى سكان الصحراء وبشكل ديمقراطي تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية المنطقة في كافة المجالات والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة .
كما يمثل سكان الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وباقي المؤسسات ويشاركون في كافة الانتخابات الوطنية , وتحتفظ الدولة باختصاصاتها في ميادين السيادة لاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك أمير المؤمنين . كما نص في المبادرة التي تقدم بها المغرب ضرورة مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.
(2)
في ذات السياق توّج المؤتمر الوزاري الإفريقي والذي أقيم في مارس الجاري بمدينة مراكش حول الدعم المقدم من الاتحاد الإفريقي للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن الخلاف الإقليمي حول الصحراء، بتبني بيان ختامي، أجمعت من خلاله الدول الحاضرة على أن المسار الوحيد للتعاطي مع قضية الصحراء هو المظلة الأممية، مع التأكيد على أنه لا مجال لأي مسار آخر موازي أو مبادرات جانبية، وأعلن الوزراء الأفارقة المشاركين على الرعاية الحصرية للأمم المتحدة في قضية الصحراء المغربية ، عن دعمهم الكامل واللامشروط لجهود الأمين العام للأمم المتحدة، للوصول لحل سياسي واقعي براغماتي ودائم متفق عليه.
لقد تابعنا بكل اهتمام المؤتمر الوزاري حول الدعم الإفريقي للمسار السياسي للأمم المتحدة بشأن الخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية. و يأتي هذا المؤتمر ليعزز انتصارات الدبلوماسية المغربية خاصة في ما يتعلق منها بدبلوماسية المبادرات الاستباقية، وعلى مدى تاريخ هذا النزاع الإقليمي، إيمانا منها بأن محددات هذا الحل ترتكز أساسا على الحوار البناء الواقعي و المسؤول و الرامي إلى احترام إرادة سكان المنطقة في إطار السيادة المغربية.
ومما لا شك فيه , أن المغرب استطاع بحنكة وحكمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن يحدد معالم هذا المسار التوفيقي الضامن لتحقيق مطالب الصحراويين المتواجدين بمخيمات تيندوف. ولاشك أن المشروع المغربي المتمثل في الحكم الذاتي هو المشروع الوحيد الذي قدم لممثل الأمين العام للأمم المتحدة في غياب أي رؤية واضحة وعملية بالنسبة للانفصاليين ومن يقف وراءهم. هذه المقاربة المغربية هي التي لقيت في آخر المطاف تفهم و قبول المجتمع الدولي مما يعد تعزيزا لمكاسب الدبلوماسية المغربية و تتويجا لتوجيهات الملك الرائد محمد السادس الذي خدم أمته و قارته و أصبح بذلك أنموذجا يُحتذى به على الصعيد الإقليمي و الدولي .
ومن زاوية أخرى وفي ذات الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمر مراكش في مارس الجاري , تحتضن العاصمة الجنوب إفريقية بريتوريا مؤتمرا داعما لجبهة البوليساريو وكان لافتا مشاركة بعض الدول في الاجتماعين معا. وبحسب ما جاء في بلاغ صادر عن وزارة الخارجية الجنوب إفريقية ، فإن هذا المؤتمر يسعى إلى التأكيد على “حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير بما يتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ووثائق منظمة الوحدة الإفريقية، والاتحاد الإفريقي”.
بناء على ما سبق , نجد أن البوليساريو لم يجد بُدّا من الإقبال والإنصات الى دعاة الفوضى الخلاّقة , موعودين بالمدينة الفاضلة بعد حياة العُسر الممنهج وعيش العَوَز غير المُبرّر , مُدبرين عن دعوة جمع الصف والعيش المشترك في مغرب يسع الجميع .