المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير

إلى أين تتجه.. ومن سيربح الرهان؟

محمد أحمد شقيلة – محاضر بقسم العلوم السياسية – جامعة بحري

بدأت اليوم في السودان المفاوضات بين الوفد الممثل للمجلس العسكري الانتقالي وممثليّ قوى إعلان الحرية والتغيير، وهي المفاوضات التي تدور حول نقطتي الخلاف بين الطرفين، والمرتبطتين بطبيعة عضوية المجلس الرئاسي ومدة الفترة الإنتقالية.

بدايةً، يجب أن يتفق الطرفان على أنهما لا يتفاوضان بقدر ما هما يحاولان معاً البحث عن حلول لمشاكل وقعت مسؤوليتها على عاتقهما دون غيرهما، وهو الذي سيمهد لأن ينطلقا معاً من أرضية فكرية مشتركة أو أرضيتين متقاربتين على أقل تقدير، وهذا أمر مهم. كذلك عليهما أن يعملا بنظرية رابح رابح، أي خروج الجميع فائزاً ولا يوجد خاسر، وأن لا يتعاطيا مع نظرية رابح وخاسر، ويبدو أن هذا هو ما اتفاقا عليه، وكما يستشفّ ذلك من تصريحاتهما.

يدخل الوفد الممثل للمجلس العسكري المفاوضات وهو يدري في قرارة نفسه أنه ليس أمامه مساحات وفرص كبيرة للمناورة، وأن كروت ضغطه التفاوضية “قليلة” و”ضعيفة” في آن واحد.
إذ إن المجلس العسكري يعلم أنه محاصر من الثوار والثورة المضادة والمجتمع الدولي، والأهم كونه محاصر من الجيش الذي في حقيقته ليس تحت يده، بل هو في يد الضباط من الرتب المتوسطة والصغيرة وضباط الصف والجنود الذين يتوقون جميعاً إلى التغيير، وشأنهم في ذلك من شأن الثوار المرابطين أمام القيادة العامة للجيش وشأن الأغلبية من الشعب السوداني، وهي التي تُمثّل في المقابل كروت ضغط تفاوضية “متعددة” و”قوية” في يد الوفد التفاوضي الممثل لقوى إعلان الحرية والتغيير، وهذا بجانب موقف قوات الدعم السريع المنحاز إلى الشعب والداعم لمطالبه من يومه.

يقوم التكتيك التفاوضي للطرفين، في حقيقته، على المساومة أكثر منه على المواقف المبدئية، وهذا أمر جيد، حيث يجعل أنه من المستحيل أن يصل التفاوض إلى طريق مسدود فيما يلي نقطة تفاوضية ما، فالقضايا الخلافية لها العديد من خيارات الحل سيما مع تمتع الطرفين بدرجة عالية من المرونة، كما يبدو، والتي ترجع إلى أنهما يختلفان فقط حول ما يمكن تسميته بـ “التفاصيل” وليس خلاف واختلاف حول “مبادئ” يصعب التزحزح منها أو تقديم تنازلات فيها، فهما من حيث المبدأ متفقان على وجود مؤسسة المجلس الرئاسي ولكنهما يختلفان في تفاصيل عضويتها، ومتفقان مبدأً كذلك على الفترة الانتقالية ويختلفان فقط حول مدتها.

المجلس العسكري يريد أن يساوم بالآتي: إما أن يقبل بفترة إنتقالية 4 سنوات مقابل أن يكون المجلس الرئاسي عسكرياً صرفاً أو أن يكون المجلس الرئاسي مختلطاً من مدنيين وعسكريين، ولكن على ألا تتجاوز الفترة الإنتقالية، في ذات الوقت، مدة العامين، وهذه الأخيرة يعلم أن قوى الحرية والتغيير لن تقبل بها لأسباب موضوعية وسيكون أمامها أن تترك له المجلس الرئاسي بإعتبار أن ذلك أقل ضرراً لها من قبول فترة انتقالية لا تتجاوز العامين.

لكن على المجلس العسكري أن يعلم أن تكتيكه هذا لن يحظى بالنجاح، لأنه يدري بدايةً أنه لن يستطيع فعل أي شيء على المستوى الخارجي إن كان المجلس الرئاسي عسكرياً صرفاً، فالمجتمع الإقليمي ممثلاً في الإتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي ممثلاً في الإتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة لن يقبلوا بذلك، وستكون من نتائجه، إن حدث، أن تستمر عزلة السودان الدولية بعدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي استمرار العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة عليه، بل وممارسة ضغوط شديدة على المجلس يأتي في مقدمتها مطالبته بتسليم الرئيس المخلوع لمحكمة الجنايات الدولية، والأهم أنه في حالة حدوث كل ذلك، فسيفقد المجلس شرعيته، والتي هي أصلاً ضعيفة، عند الشعب السوداني الذي سيُحمّله مسؤوليه تردي أوضاع البلاد، وكما حمّلها من قبل للرئيس المخلوع وحزب المؤتمر الوطني ونظام حكمه البائد.

هكذا يتكشّف أن الموقف الحقيقي للمجلس العسكري يتمثل في أنه يرغب في مجلس رئاسي مختلط يغلب فيه عدد العسكريين على عدد المدنيين.

في ضوء هذا، ينبغي على الوفد التفاوضي لقوى إعلان الحرية والتغيير الاعتراف بدايةً للمجلس العسكري بأنه يمثل الضلع الثالث و (الحاسم) في قيادة ونجاح الثورة بجانب تجمع المهنيين السودانيين وقوى إعلان الحرية والتغيير، وهو بذلك يكون له كامل الحق في أن يكون جزء من الحكومة في الفترة الإنتقالية، وأنه من الناحية النظرية يجب التنازل له عن المجلس الرئاسي، حيث أن تجمع المهنيين نال مجلس الوزراء من خلال تكوُّنه من التكنوقراط، وأن نالت قوى إعلان الحرية والتغيير الهيئة التشريعية الإنتقالية (البرلمان)، بل ويجب الإعتراف بأهمية مشاركة المجلس العسكري عبر أعضائه في الحكومة الإنتقالية، لأنه وحده القادر، دون غيره، على الحفاظ على الأمن القومي، وتصفيه كتائب الظل، والسيطرة على جهاز الأمن والمخابرات وإعادة هيكلته والشرطة، والسيطرة على القوات المسلحة نفسها وتحريرها من قبضة الدولة العميقة للنظام البائد، وذلك بجانب دوره المرتقب والمهم في المفاوضات مع حركات المعارضة المسلحة فيما يلي التفاوض معها حول الترتيبات الأمنية عندما تصل المفاوضات لتلك المرحلة.

لكن ورغم عن كل  ذلك، وإن كانت فعلاً “الحصة وطن”، كما قال ذلك البرهان رئيس المجلس العسكري في كلمته الترحيبية في فاتحة أعمال لجنتيّ طرفيّ التفاوض، فإنه يكون من غير الممكن أن يتكون المجلس الرئاسي “عملياً” من العسكريين فقط، وستتضرر البلاد والعباد كثيراً إن حدث ذلك، بل وأكثر من ذلك سيُحمّل الجميع المجلس العسكري مسؤولية هذا الضرر إن حدث، وسيجد نفسه في مأزق سياسي لا يحسد عليه، إذ لن يجد شعب أو قوة سياسية أو جيش (بما في ذلك قوات الدعم السريع) أو قوى خارجية تسنده، وسيجد نفسه معزولاً ومفروضاً عليه الإمساك بقرنيّ الثور الهائج، ودون أن يجد من يساعده في الخروج من هذا المأزق الذي أوقع فيه نفسه بيديه.

هنا على الوفد التفاوضي لقوى الحرية والتغيير، وبعد تأكيده لنظيره الممثل للمجلس العسكري على ضرورة مشاركة الجيش في الحكومة الإنتقالية وأهميته، أن يعرض عليه تكوين مجلس رئاسي مختلط، وفق واحد من الخيارات أدناه:

1. 60% عسكريين و40% مدنيين، وعلى أن يرأس أحد المدنيين المجلس، بجانب موافقة قوى الحرية والتغيير على العسكريين من أعضاء المجلس.

2. 40% عسكريين و60% مدنيين، وعلى أن يرأس المجلس أحد العسكريين، بالإضافة لوزير الدفاع وتمثيل المؤسسة العسكرية في الهيئة التشريعية (البرلمان) بنفس نسبة تمثيل كل من قوى الحرية والتغيير فيها، وعلى أن توافق أولاً على كل هؤلاء العسكريين.

3. أن يقبل الوفد التفاوضي لقوى الحرية والتغيير، في الحد الأدنى، بمجلس رئاسي يضم 30% من المدنيين 70% من العسكريين، على أن يكون من ضمنهم حميدتي، وأن توافق عليهم قوى إعلان الحرية والتغيير، وعلى أن يرأس المجلس مدنياً أو أن يرأسه عسكرياً، وذلك مع قبول المجلس العسكري، في هذه الحالة، لفترة انتقالية مدتها 4 سنوات.

هذا بجانب ضرورة تكوين مجلس للأمن القومي في كل الحالات يضم كل العسكريين من أعضاء المجلس العسكري (مع قبول استقالات الذين قدموا استقالاتهم من المجلس) ومدنيين بالتساوي، وعلى أن يرأس هذا المجلس رئيس المجلس العسكري حال كانت رئاسة المجلس الرئاسي دورية أو نائبه وهذا في حال أن تم الإتفاق على أن يرأس المجلس الرئاسي رئيس المجلس العسكري ولم تكن رئاسته دورية، ففي هذه الحالة يرأس مجلس الأمن القومي نائب رئيس المجلس العسكري.

هذه اللجنة لها أهميتها القصوى مع وضع الهشاشة وظروف الإنتقال السياسي للدولة السودانية من مرحلة سابقة إلى مرحلة تغيير جذري جديدة، ومضافاً إلى ذلك التحديات الأمنية التي تواجهها خاصة في مجالات الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر ونزاعاتها الحدودية والظروف الأمنية الداخلية فيها وفي عدد من دول الجوار، والتي تتميز بالإضطراب الأمني.

في ظل كل هذه الحيثيات التي يُعتقد بأنها تتمتع بقدر معقول من الموضوعية والعقلانية، والتي إن جرى التفاوض في ضوئها، فلا محالة أن الطرفان المتفاوضان سيصلان للإتفاق سريعاً حول مسألة طبيعة عضوية المجلس الرئاسي سيما أن أي من الخيارات المطروحة أعلاه كحلول لهذه المسألة يعتبر كل منها مُنصفاً لكل من الطرفين بقدرٍ كبير، وأن الجميع سيخرج رابحاً، وهذا بالطبع إن كانا فعلاً يريدان أن يصلا بتعاونهما معاً إلى حل يتجاوزا به هذه المشكلة أو المسألة وكانا حقاً يعتبران أن الحصة وطن.

أما فيما يتعلّق بمدة الفترة الإنتقالية، والتي يرى المجلس العسكري ألا تتجاوز العامين بأي حال، فعلى وفد قوى الحرية والتغيير المُفاوض أن يصل في البداية مع نظيره الممثل للمجلس العسكري إلى فهم مشترك يقوم على أن الفترة الإنتقالية هي لنقل الوطن برُّمته من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة، وليست لنقل السلطة فقط من النظام البائد إلى حكومة جديدة، وهذا هو الصحيح الذي يبدو أن المجلس العسكري لم يفهمه بعد، وإلا لما كان قد طرح مقترحه بأن لا تتجاوز الفترة الإنتقالية العامين، فهي وإن كان صحيحاً تعتبر كافية لنقل السلطة، ولكنها بالضرورة غير كافية لنقل السودان الوطن لمرحلة جديدة بأي حال، وهذا مع إفتراض حسن النوايا في المجلس العسكري، وأن لا مآرب أخرى له من وراء تحديده لهذه الفترة بعامين أو أقل، وخاصة أن سلوكه العام حتى الآن يستبعد أي سوء ظن به.

على الوفد التفاوضي الممثل للمجلس العسكري أن يعلم أن أي فترة إنتقالية تحددها دائماً المهام الواجب إنجازها أو تنفيذها خلالها. وبهذا الفهم، على المجلس أن يعلم أن أهم مهام الفترة الإنتقالية تتمثل في: وضع السياسة العامة للبلاد في كل المجالات عبر خطط قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وتصفية مؤسسات الدولة العميقة للنظام البائد وإزالة آثار التدمير التي تركها خلفه على البلاد في كل الإتجاهات، وإجراء التحقيقات والمحاكمات اللازمة و”العادلة” لكل من أجرم في حق هذه البلاد وشعبها بأي صورة من الصور، وأن يتم التوصل إلى إتفاقات سلام “عادل” مع حركات المعارضة المسلحة وما يستتبع ذلك من ترتيبات تحوُّلها إلى تنظيمات سياسية مدنية وتنفيذ الترتيبات الأمنية المُتفق عليها معها، ومن ثم العمل على إعادة توطين النازحين في المناطق المُتأثرة بالحرب وتعويضهم وتحقيق الإستقرار لهم، وهذا أمر ضروري جداً، وذلك لأن قيام أي إنتخابات دون مشاركة هؤلاء المواطنين فيها سيجعلها إنتخابات “جزئية”، وبالتالي تكون شرعية من يفوز بها “ضعيفة” و”منقوصة”، وذلك ناهيك عن ضرورة مشاركة قيادات حركات المعارضة المسلحة، بعد التوصل لاتفاق سلام معها واكتمال تحوُّلها لتنظيمات أو أحزاب مدنية، في المؤتمر الدستوري الذي عقده يعتبر واحد من مهام الفترة الانتقالية، والذي يجب فيه مشاركة الجميع ليضعوا معاً بالتوافق والتراضي المبادئ العامة التي ستحكم الدستور، ومن ثم تكوين لجنة، بطريقة ما، لوضع مسودة الدستور، ومن بعدها يتم وضع قانون الإنتخابات، والتي على من يفوز بها القيام بإجازة مشروع الدستور عبر البرلمان المنتخب، ومن ثم عرضه لاستفتاء شعبي للموافقة عليه، ويصبح بعدها واجب النفاذ كدستور دائم للسودان.

يجب أن يعلم الوفد التفاوضي للمجلس العسكري أن هذه هي مهام الحكومة الإنتقالية إن كان يمكن أن يفهم أن الأمر ليس نقل سلطة، بل العودة بالوطن لمنصة التأسيس، وبهذا عليه أن يُقدِّر الفترة الزمنية التي يمكن أن تُنجز خلالها كل هذه المهام، وبالضرورة أنه لن يقل، بأي حال، أن عامين أو أقل كافيان لإنجازها، وسيصل لوحده إلى أن فترة 4 سنوات مناسبة كمدة للفترة الإنتقالية، في حالة أن سارت كل الأمور خلالها بسلاسة، بل وربما يرى أن من الواجب زيادتها، وهذا بإفتراض الوطنية والعقلانية في الأفراد الذين يتكون منهم الوفد التفاوضي للمجلس العسكري، وكذلك بافتراض أنهم فعلاً يبحثون عن حلول للمشكلات ولا يبحثون عن شيء لذاتهم أو لذات أي آخرين خلاف الشعب ووطنه.

كما أن الحُجّة التي يسوقها المجلس العسكري من أن فترة الأربعة سنوات تعتبر مدة طويلة للفترة الانتقالية ولا تحتاج لأن تتعدّي العامين، ومعه آخرون يشاركونه في ذلك، يمكن تفنيدها بكل بساطة من خلال أننا كانت لنا فترة إنتقالية مدتها ستة سنوات، ولحل قضية جنوب السودان لوحده عبر إتفاقية السلام الشامل، والتي نُفِّذ منها ما نُفِّذ خلال الفترة الإنتقالية، وتم تحويل كل ما لم يجد من بنودها حظه في التنفيذ لتكون هي ما يُعرف بـ “القضايا العالقة”، والتي ما زالت عالقة حتى تاريخه، فما بالك بفترة إنتقالية تهدف لحل كل أزمات السودان المتعددة وبكل تعقيداتها، فالمنطق هنا يقول إن لم تزد الفترة الإنتقالية عن ستة سنوات، فهي بالضرورة لا يمكن أن تقل عن أربعة سنوات.

هنا يجب إخبار الوفد التفاوضي الممثل للمجلس العسكري أن عليه عدم الإنجرار وراء تلك الأحزاب التي تريد فترة إنتقالية قصيرة، وفي مقدمتها الإتحادي الديمقراطي الأصل والمؤتمر الشعبي، وهذا بجانب ذلك الحزب المُوقّع على إعلان الحرية والتغيير والذي أعلن رئيسه، منذ الآن، عن نيته الترشُّح لمنصب الرئاسة في الإنتخابات، فهذه الأحزاب لا تبتغي إلا سرقة الثورة في محاولة ثانية بعد فشل محاولتها الأولى التي قامت بها بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع مباشرة، فهذه الأحزاب تعتقد أنها ستكون جاهزة لخوض الإنتخابات والفوز بها إن جرت بعد فترة إنتقالية لا تتجاوز العامين، وذلك على العكس من منافسيها الذين لن يكونوا قد إستعدوا بعد، وهو إعتقاد منها غير صحيح.

كذلك هنالك حوجة للتفاهم مع المجلس العسكري في أن عليه عدم الإنصات لعناصر الثورة المضادة الذين يأتونه ويتحدثون معه مُتدثّرين تحت واجهات وأقنعة متعددة، ويحثونه بألا تتعدّى الفترة الإنتقالية العامين، فهم يعلمون أنها ستكون غير كافية لتفكيك مؤسسات دولتهم العميقة، ويمكنهم العودة مجدداً للسلطة عبر التعجيل بالإنتخابات، ولسان حالهم في ذلك يقول: “أخرجتمونا بالباب ولكنّا عدنا بنافذة عدم تفكيك مؤسسات دولتنا العميقة، فهي ما زالت قائمة في أغلبها، وكذلك أتينا من نافذة الإنتخابات وتمكنّا من إنجاح ثورتنا المضادة من جديد”. وسيكون أول الضحايا حينها هم أعضاء المجلس العسكري الحالي أنفسهم لا محالة إن حدث ذلك، والذي لا يحول بين وقوعه سوى قبول المجلس العسكري بفترة إنتقالية مدتها أربعة سنوات قابلة للتمديد، ومن ثم الإنتقال للحكم الديموقراطي بعد إكتمال وضع اللبنات والدعائم الأساسية لعملية بناء الدولة السودانية خلال سنوات الفترة الإنتقالية الأربعة.

كذلك على المجلس العسكري أن يقبل إستقالات أعضائه الثلاثة قادة الثورة المضادة أولئك، حيث أن محاولة إستخدامهم ككرت ضغط في التفاوض لن تجدي، وهو كرت “محروق” كما يُقال، فأنتم لن تُعيدوهم بعدما تمكّنتم من التخلُّص منهم بعد أن تحصلتم على المبررات التي كنتم تحتاجونها للقيام بذلك، والتي قدّمها لكم تجمع المهنيين السودانيين على طبق من ذهب من خلال تعليقه للتفاوض مع المجلس العسكري بسبب رفضه لهم، وهو التبرير الذي كنتم تحتاجونه وتنتظرونه لإجبارهم على تقديم الإستقالة لحفظ ماء وجههم أو أن يتعرّضوا للإقالة وإراقة ماء الوجه. كما أنه وحتى إن رفض المجلس قبول إستقالاتهم يوماً، لأي سبب كان، فهم لن يعودوا إلى المجلس خاصة بعد أن أصبحت قوى إعلان الحرية والتغيير هي الممثل الأوحد للثورة، ولا مجال من بعد لهم لخلط الحابل بالنابل، فهذا الثلاثي يعرف أن من بعد هذا لا يمكن أن ينجحوا في أي محاولة للثورة المضادة، فقد تجاوز قطار الثورة محطتها وشرها، وتجاوز كذلك محطة سارقي الثورات إلا حال أن أفلحوا معاً في أن تكون الفترة الإنتقالية لا تتجاوز في مدتها العامين.

بآخره، إن كان لا بد من تقديم التنازلات، فيمكن لقوى إعلان الحرية والتغيير أن تقبل بمجلس رئاسي يُمثل فيه المدنيين 60% والعسكريين 40%  توافق عليهم قوى الحرية والتغيير وبرئاسة مدنية، وذلك مقابل أن تقبل بفترة إنتقالية لا تتجاوز مدتها العامين إن أصر المجلس العسكري على ذلك، وعلى أنه عندما يحين ذلك الوقت سيكون هنالك الكثير من مهام الفترة الإنتقالية التي لم تُنجز بعد، وسيضطر المجلس العسكري وقتها، تحت ما يفرضه عليه الأمر الواقع، لأن يقبل بتمديد الفترة الإنتقالية، فلن يكون أمامه خيار خلاف ذلك ساعتئذٍ، وليس بيده شيء يفعله حينها ليقاوم به ذلك، وإلا فقل لي: “ما الذي بيده لأن يفعله أوانها؟” بالقطع: لا شيء.