ود مدني – عاصم الأمين
يقاس تطور الأمم بتطورها في مجال التعليم ، فالتربية الصحيحة هي أساس تنمية العنصر البشري ورغم مناداة الدولة بمجانية التعليم إلا أن واقع التعليم في السودان يعبر عن مشكلات عديدة تتمظهر فيما تتمظهر في ظاهرة تسرب التلاميذ وزيادة في الفاقد التربوي وهي مشكلة تمتد كذلك لقضية عمالة الأطفال وممارستهم للمهن شاقة  تفوق طاقاتهم البدنية من أجل تحقيق الكسب المادي وتوفير لقمة العيش.
هل للثقافة المحلية دور في تفاقم الظاهرة ؟ أم أن الظروف الاقتصادية هي التي تجبر الأطفال على ترك الدراسة والعمل ؟، (سلاميديا) تقصى وراء الظاهرة  “بولاية الجزيرة “وتحدث  إلى أطفال وخبراء تربيه واجتماع فكانت هذه الحصيلة .
  *أمية الوالدان:
يقول أحد الأطفال العاملين ببعض المهن الهامشية بسوق ود مدني أن معظم الأعمال التي يعمل فيها هامشية وليست مُرضية له وإنما هروب من الواقع ويضيف: سبب ذلك أنني لم أجد من يُتابع سير دراستي ويتفقد أحوالي ويُراجع لي الدروس التي أتلقاها في المدرسة وذلك لأمية الوالدان.
*انفصال الأبوين:
ويقول أحدهم أن السبب الذي قاده إلى عدم مواصلة التعليم هو انفصال الأب عن الأم وعدم الرعاية الصحيحة هذا هو سبب نزوله إلى السوق وترك المدرسة وأضاف  إنه كان يُعاني في الحصول على أبسط الأشياء والعمل في السوق ليس بالصورة المطلوبة لأن معظم الأعمال شاقة وكثيرون ينظرون إلى معظم فاقدي التربية بأنهم لصوص ويؤكد أنه ليس لديه مانع في إكمال مسيرته العلمية إن وجد الدعم.
طفلة : (ما عندنا بت بتقرأ في العالي  وخطيبي دايرني أشتغل)
وقالت إحدى البنات الصغيرات وهي تعمل في بيع ” التسالي والفول السوداني” إن أسرتها أخرجتها من المستوى الرابع بمرحلة الأساس وهي تعمل الآن لأن كل أفراد الأسرة صغاراً وكباراً يعملون لتوفير لقمة العيش وقالت زميلتها (ح) وهي طفلة أيضاً:((ما عندنا بت بتقراء في العالي)) وأضافت  (أنا بشتغل لأنو كل ناس الحلة شغالين ) وعندما سألناها عن رأى أبويها في الأمر أجابت ضاحكة ( هو خطيبي ذاتو دايرني أشتغل)) وولت جارية تنادي على بضاعتها من اللب والفول السوداني .
طفل:(أبيت القراية)
أما ” محمد ” وهو طفل في الـ(14) من عمره ويقيم بإحدى قرى محلية ود مدني الكبرى فهو يعمل في رعى الماشية قد قال للصحيفة 🙁 أنا أبيت القراية وأبوي قال لي:( كان ما بدور تقراء أسرح بالغنم ) .
ظروف أسرية
وبمدينة أم القرى وجدت مجموعة من الأطفال متحلقين يتسامرون في انتظار فرصة للعمل وبجانبهم اثنين من (الكوارو) يعمل عليها اثنين منهم في نقل المياه لمن يطلبها والبقية تعمل في أعمال مختلفة بين بيع الأكياس الفارقة والحلويات ، وكلهم قالوا: لـ(لصحيفة) أنهم تركوا الدراسة إما برغبة الأهل أو برغبتهم وفي كلا الحالتين كانت ظروف الأسرة المادية هي ما دفعهم لترك المدرسة.
تعليم البنات
ويواجه تعليم البنت في بعض المناطق معضلات تتعلق بالعادات والأعراف والثقافة المحلية ، حيث تخرج البنت في سن معينة من المدرسة، وتهتم وزارة التربية والتعليم بولاية الجزيرة بالحد من الظاهرة حيث تفرد إدارة تحت مسمى إدارة تعليم البنات إلا أن الظاهرة لم تنتهي بعد ، وتفيد متابعات الصحيفة إلى أن جهود الوزارة في هذا الصدد أدت لانحسار كبير في أرقام  الفاقد التربوي من البنات.
 الدافع المادي
وقد أجمع عدد من المعلمين والخبراء على أن الدافع المادي هي السبب الرئيسي لترك معظم الطلاب المدرسة للبحث عن العمل في الأسواق والمناطق الصناعية.
الجوع والحرمان
يقول الأستاذ حسين عمر ــ معلم بمرحلة الأساس ـــ  إن الجوع قد يكون هو السبب الأول والمباشر في ترك الدراسة فالطالب الذي لا يملك قيمة وجبة الفطور لا يستطيع تحمل الجوع إلى نهاية الدوام فيلجأ إلى الهروب من المدرسة ويفكر في أي عمل يجلب من مصروفه وأضاف عندما تتكرر هذه المسألة يترك الطالب المدرسة وناشد حسين عمر بالاهتمام بالجوانب النفسية للطالب وكذلك الاهتمام بمتطلباته اليومية ووضعها في قائمة المصروفات حتى لا يؤثر الحرمان على الطالب ويجعله يترك الدراسة بسبب الظروف الاقتصادية.
غياب التحفيز والرغبة
وأشار عمر إلى أن غياب الاهتمام بالنواحي الأكاديمية للآباء تجاه الأبناء وحثهم على التحصيل وتقديم التحفيز لهم وتشجيعهم على التفوق وإحراز الدرجات العليا هو من أسباب تسرب العديد من الطلاب من الدراسة.
غياب الرقابة
وأرجعت الأستاذة ندى عبد العزيزـــ معلمة ــ أسباب الفاقد التربوي إلى عدم وجود الرقابة في بعض المدارس حيث أن الطالب قد يأتي في الفترة الصباحية وينصرف إثناء ساعات الدوام دون أن يعلم الأستاذ وهذا السلوك منتشر بصورة واسعة وعند الغياب يؤثر أصدقاء السوء على سلوكيات الطالب فيكره المدرسة.
ضرب الطلاب
ومضت ندى قائله إن ضغط المعلم على الطالب وضربة أيضاً يؤدي إلى ترك المدرسة لأن ذلك يؤثر على نفسياته وتضيف قائلة الرسوم التي تفرض على الطالب بالنسبة للحصص الإجبارية كل هذه المتطلبات عندما يعجز الطالب عن سدادها تكون له سبباً في ترك المدرسة.
خبير تربوي يدعو للحد من الظاهرة حفاظاً على رأس المال البشري
ويقول الخبير التربوي الدكتور الطيب علي أنه لا يختلف اثنان  حول أهمية التعليم بوصفة صناعة المستقبل وأحد مطلوبات حقوق الإنسان التي تم تجسيدها ضمن أهداف التنمية المستدامة(2015ـ2016)، ويضيف أن الحروب والنزاعات والنزوح تودي إلى تضرر الأطفال في سن التعليم ،كما أن واقع الأسر الاقتصادي يفرض على الأطفال التسرب من المدارس ولولوج سوق العمل لمساعدة الأسر، كما أن الضعف الأكاديمي هو أحد الأسباب التي تدفع التلاميذ إلى ترك الدراسة ويؤكد الطيب أن التصدي للظاهرة يأتي من باب الحرص على الحفاظ على رأس المال البشري
باحث اجتماعي : الرسوب غير المتوقع أحد أسباب ترك الدراسة
ويقول الباحث الاجتماعي أحمد الفاضل بوزارة الشؤون الاجتماعية إن قضية الفاقد التربوي من أهم القضايا الشائكة في المجتمع وهي تشكل قوه مدمرة لكفاءات النظام التربوي والجهود المبذولة لتطويره والفاقد التربوي يأتي دائماً لضعف نتائج العملية التربوية حيث يتسرب الطلاب ويتركون دراستهم قبل إكمالها وينتج ذلك أحياناً من كثرة الرسوب غير المتوقع وتكرار بقاء الطالب في الصف أي الإعادة أكثر من عام.
 ويرى الفاضل أن هنالك العديد من الجوانب التي يجب مراعاتها ومعالجتها للحد من تسرب التلاميذ من المدرسة منها ،تعامل الأسرة هو سبب مباشر لإكمال الطالب للمسيرة العلمية وعدم توفر البيئة المناسبة ،وتعامل المعلم مع الطالب والتمييز بين الطلاب ، ومن هذه الجوانب أيضاً ــ والحديث للفاضل ــ عدم تحفيز الطالب وترغيبه في الدراسة وانتشار الأمية المجتمعية ،وبعد المدارس من القرى،كما أن التلميذ قد يتأثر   بأصدقاء السوء .
 يبدو أن أسباب مختلفة تقف وراء ظاهرة تسرب التلاميذ من صفوف المدارس لذلك نُناشد جهات الاختصاص النظر في هذا الموضوع والسعي الجاد لمعالجة هذه الظاهرة حتى يرجع فاقدي التعليم إلى السلم التعليمي لأنه بالعلم وحده ترتقي الأخلاق وتتطور.