محمد أحمد شقيلة – محاضر – قسم العلوم السياسية – جامعة بحري

23 يوليو 2019

الفيدرالية هي نظام لا مركزي للحكم يعمل على اقتسام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس جغرافي بين مستوى مركزي تمثله حكومة الدولة (الحكومة الفيدرالية/ الاتحادية) ومستوى لا مركزي تمثله حكومات الوحدات السياسية الداخلية (الأقليم/ الولايات/ الخ).
ويتم اقتسام السلطات هذا بموجب دستور الدولة (الدستور الفيدرالي) (وليس بموجب قانون تصدره الحكومة المركزية)، حيث يحدد الدستور سلطات كل طرف بواحدة من عدة طرق. ويجب أن يكون للأقاليم تمثيل في الحكومة المركزية بطريقة يقررها الدستور (مجلس الولايات او الاقاليم مثلا).
هذا بجانب أن تتمتع حكومات المستوى اللامركزي باستقلال مالي كما تتمتع باستقلال سياسي (لها سلطات حقيقية)، ولذا يقال أن الحكم الفيدرالي يقف على ساقين: ساق سياسي (سلطات حقيقية للأقاليم أو الولايات ومستقلة عن الحكومة المركزية) وساق مالي (لها مواردها وماليتها المستقلة عن الحكومة المركزية).

هكذا تُعبّر الفيدرالية عن دولة (واحدة)، ولكن تتمتع الوحدات السياسية الداخلية المكونة لها (الولايات أو الأقاليم)، في نفس الوقت، بدرجة معتبرة من الاستقلال السياسي والمالي وفي إدارة شئونها الداخلية، بشكل عام، عن حكومة الدولة (الحكومة المركزية).
وتنحصر سلطات الحكومة المركزية، في الغالب، في المسائل القومية/ الوطنية والمشتركة وهي: الأمن الداخلي (وزارة الداخلية)، والأمن القومي (وزارة الدفاع وجهاز الأمن الخارجي)، وإدارة الاقتصاد القومي (وزارة المالية)، والشئون الخارجية (وزارة الخارجية)، ولا يحق لها التغول  على سلطات الاقاليم أو المساس بها، لأنها سلطات (أصيلة) لها منحها لها الدستور، والذي لا يحق للحكومة المركزية، لوحدها، تعديله، حيث لا يتم أي تعديل فيه إلا بمشاركة الولايات في ذلك بطريقة ما.

هنالك عدد من العناصر أو المحددات (العامة) التي إذا توفرت في تركيبة دولة ما، فعليها بالأخذ بالنظام الفيدرالي في تنظيمها الإداري، لكن دون أن يكون ذلك شرطاً، وهي العناصر التي تتوفر، في كلها، في التركيبة الاجتماعية الثقافية والسياسية والاقتصادية لدولة السودان، وهو ما يستوجب عليها بسببه أن تطبق النظام الفيدرالي، وهذه العناصر هي:

1. إذا كانت الدولة كبيرة المساحة (كالسودان حتى بعد انفصال الجنوب)، بحيث يصعب إدارتها من مركز واحد (حكومة واحدة في عاصمة البلاد)، ومع صعوبة التواصل بين أجزاء البلاد المختلفة بسبب سوء أو ضعف البنية التحتية للطرق والمواصلات أو لأسباب متعلقة بالتضاريس او غيره.

2. إذا كانت التركيبة السكانية للدولة تتميز بالتنوع العرقي والتنوع الثقافي (بما يتضمنه ذلك من تعدد واختلاف الخلفيات التاريخية والحضارية للسكان وتعدد لغاتهم وأديانهم)، والذي ينطبق في كله على السودان.

3. إذا كان هنالك نوع من النزعات الانفصالية في الدولة (كما في السودان)، حيث تحقق الفيدرالية التوازن بين الدعوات للابقاء على وحدة الدولة والنزعات الانفصالية، فهي تحقق دولة واحدة مع استقلال داخلي للوحدات المكونه لها (الاقاليم أو الولايات) سوى على أسس ثقافية (كما هي أقاليم السودان)، أو عرقية (إثيوبيا/ الهند) أو سياسية (أمريكا) أو غيره.

شكل النظام الفيدرالي الأنسب تطبيقاً في السودان هو، ودون لف ودوران، أن تُمنح أقاليم السودان الثقافية (دارفور، كردفان، الاوسط، الشمالي، والشرقي) نفس ما ناله الاقليم الجنوبي خلال الفترة الانتقالية بموجب اتفاقية السلام الشامل 2005 من سلطات ونصيب في الموارد (الثروة)، ومع أن تأخذ المناطق المتأثرة بالحرب في الأقاليم التي بها حروب خصوصية أكبر سياسيا واقتصاديا، وهي: منطقة جبال النوبا/ جنوب كردفان بإقليم كردفان، ومنطقة أعالي النيل الأزرق بالأقليم الأوسط، وبعض المناطق بالإقليم الشرقي ومعهم كل إقليم دارفور بالطبع.
وعلى أن تظل العاصمة الاتحادية (يُفضّل نقلها من الخرطوم) مقر حكومة السودان التي تتكون من ممثلي الاقاليم حسب نسبة عددية سكان كل إقليم من مجمل عدد سكان السودان، وذلك إما في ظل نظام حكم ديمقراطي برلماني (بريطانيا/ الهند) أو مجلسي (سويسرا)، إذ لا يصلح تطبيق أي من نظامي الحكم الديمقراطي الرئاسي (امريكا) والمختلط (فرنسا) في السودان لأسباب ليس هذا مقام ذكرها، ومع اقرار الدستور الاتحادي (دستور السودان) لمبدأ الوحدة الطوعية لكل أقاليم السودان وإقراره بحق تقرير المصير لسكانها (حق تقرير المصير لا يعني الانفصال بالضرورة).

تطبيق الفيدرالية في السودان بهذه الطريقة، وفقط بهذه الطريقة، هو وحده:

1. الضامن لاستمرار السودان دولة واحدة وأن لا تسعى أقاليم أخرى منه للانفصال يوما بعد انفصال الإقليم الجنوبي في 2011 (يُحقق مبدأ الوحدة الطوعية المطلوب بشدّة في السودان).

2. الوسيلة التي يُمكن عبرها تحقيق السلام المستدام في السودان من خلال الاقتسام العادل للسلطة والموارد أو الثروة، وإزالة مظاهر التهميش السياسي والاقتصادي – التنموي التي تعتبر من أهم الأسباب المشتركة التي أدت لاندلاع النزاعات المسلحة أو الحروب الأهلية في مناطق السودان المختلفة.

3. القادر على الحفاظ على الهويات الثقافية المتعددة لأهل السودان وتنميتها وتطويرها، وإزالة التهميش الاجتماعي – الثقافي الذي يُمثل أحد أسباب أزمة الدولة في السودان (أزمة الهوية).

4. يُمكن عبره فقط الإدارة الحسنة للتعدد العرقي والتنوع الثقافي اللذين يذخر بهما السودان، وبما يُفضي للتعايش والتضامن الاجتماعي بين شعوب كل السودان.