بقلم: محمود الشين
وما أن عبرت بلادنا مرحلة مخاض الثورة الظافرة بسلام ، عادت بكل أسف وتيرة الأحداث الدامية في شرقنا العزيز ، وشرق السودان هو منطقة زاخرة بالموارد والثروات ويظل إنسانها المميز أنموذجاً لتعايشنا وتنوعنا الخلاق.

ولأني من جيل راقب وعايش عن كثب مرارة الحروب وويلاتها في المناطق الثلاث (دارفور ، جنوب كردفان والنيل الأزرق) ، تمنيت أن تكون تلك آخر المآسي والأحزان لوطننا كثير التعقيدات الأمنية والإخفاقات الإدارية وسوء التخطيط – الذي لم يستوعب خصوصياتنا المناطقية والثقافية الملهمة للمشرعين ومتخذي القرار – أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر.


 فإن كان الكبت والتعتيم هو وسيلة نظام الانقاذ الذي حال دون مساهمة منظمات المجتمع المدني في تلك المناطق أن تلعب دوراً حيوياً في تخفيف حدة الصراع ومعالجة خلفياته ومسبباته ، فمن حسن حظ الطبقة المستنيرة في شرقنا الكبير ، وهي تعيش مناخ الحرية أن تدفع بمبادراتها لاحتواء الأزمة العابرة.

 صديقنا الفنان الكبير سيدي دوشكا – كتب وبالخط العريض (أنا مع السلم الإجتماعي) ، وكانت له مساهمة شخصية وأخرى ضمن مبادرة نادي البجا لمعاودة الجرحي وحث أطراف النزاع علي التهدئة والسلام ، وذاك هو واجب المثقف الذي يمثل ضمير الأمة والداعم لممسكات وحدتنا الوطنية.


 عرفت دوشكا قبل أن نلتقي في عديد المحافل ، عبر صديقنا الأستاذ الصحافي محمد أحمد عبدالقادر في إدارة العلاقات العامة لهيئة الموانئ البحرية . ومحمد هو عاشق بورتسودان بإمتياز ، نبهنا منذ الوهلة الأولى لظهور فنان لمع نجمه في سماء الشرق وله منتجه الخاص ، ومن ذلك الوقت بدأنا نتابع أعماله الفنية الراقية والتي في الغالب يصحبها الاداء الاستعراضي لسيدي دوشكا ، والرجل يمثل في حد ذاته مؤسسة ثقافية متكاملة تعكس وبعمق فلكلور الشرق ومجموعة البجا الممتدة مع جوارنا الإقليمي.

دوشكا – أنا مثلك يا صديقي مع السلم الإجتماعي ، وقد فقدت في صراع مماثل(137) من أفراد أسرتي خلال ساعة واحدة ودفنوا في مقبرة جماعية.. حدث ذلك علي مسمع ومرأي النظام السابق وأجهزته ، ومع ذلك آثرنا أن يستمر قطار السلام علي قاعدة العدالة المفقودة.

 علمتنا تجاربنا أن في هكذا نزاع هناك طرف (ثالث) أبحثوا عنه من باب المعرفة المفضية لتحصين مجتمع الشرق ، وهو بعد في مرحلة تحول ، أكثر منه إثارة أزمة جديدة.
 ثقتي كبيرة فيك وفي نخب شرق السودان لعبور حاجز التحدي للضفة الأخرى من نهر حياة حيث  الهدوء والسلام مع الناس والاشياء في رحاب (حرية ، سلام وعدالة) وهو الإختبار الأخير لمدي صمودنا كأمة صدحت (نحن في ماضينا قوة..).