بقلم: محمود الشين
* مثلت مجالس شوري القبائل في دارفور ، وبدرجة تحسد عليها دور المجموعات الضاغطة علي رموز وزعماء النظام الأهلي في الإقليم ، وذلك عشية قيام نظام الانقاذ بتسييس النظام الأهلي في الإقليم والسودان ككل.
* لأن تلك المجالس عادة ما تتشكل من منسوبي القبيلة من مختلف ألوان الطيف السياسي ، حملت لواء الدفاع عنها وعن مصالحها. والشاهد أن قرارات مثل إعلان الحرب ، المصالحات القبلية ، فرص المشاركة السياسية (تنفيذية وتشريعية) لم تعد بيد زعيم القبيلة لوحده كما كان في الماضي القريب.
* والملاحظ أن معظم رؤساء تلك المجالس يقيمون بالعاصمة الخرطوم حمالة الحطب ومصدر الأجندات والبرامج. ويبدو أن آلية بسط هيبة الدولة في دارفور برئاسة الفريق إبراهيم سليمان كانت محقة مع بداية إندلاع أزمة دارفور حين أقدمت علي حل تلك المجالس لذات الأسباب وهي تهمس بأن بعض الساسة جعلوا من تلك الأجسام حصان طروادة لتصفية خصوماتهم مع النظام القمعي.
* ومن المؤكد أن المستنيرين وهم بمثابة بيوت خبرة ، وضعوا خبراتهم وتجاربهم تحت تصرف أهلهم ، وهو أمر لا يروق للسلطة واجهزتها التي سعت للحد من فاعلية ونفوذ المجموعات الضاغطة وأولها الشباب ومجالس الشورى المغضوب عليها.
* وهكذا دارت في صمت معارك الوعي والتنوير في المناطق النائية التي تأثرت بالصراع المسلح ، وكلها محاولات حثيثة لضمان الولاء والتأييد ، وتلك عقدة ملازمة للنظام الشمولي الذي جعل من رجل الإدارة الأهلية ، والذي كان يستمد قوته وسلطته من أهله وأتباعه – مجرد موظف حكومي يتلقي الدعم والتوجيه ، واختزلت مهمته في جمع ضريبة القطعان للايفاء بالتزاماته تجاه الحكومة أو ما يسمي بتحقيق (الربط المالي).
* ولذلك فقد ما كان يتمتع به من إحترام وتقدير في وسطه الإجتماعي. ومن غرائب الأمور أن يطالب الزعيم الأهلي ( بتمكينه) لمقابلة واجباته التقليدية وفرض هيبته المفقودة.
* تعود الجفوة ما بين الحكومة والمثقفين في دارفور إلي بداية التسعينيات ، حين بدأت الأولى في برنامج إعادة هيكلة النظام الأهلي وذلك لهاجس قديم ، هو أن هذا الإقليم يمثل منطقة ولاء تقليدي للحزبين الكبيرين وقتذاك (الأمة والإتحادي) فقد حصدا معظم الدوائر الانتخابية في العهود الديمقراطية.
* لقد أجبر النظام المجموعات السكانية علي تقديم (البيعة) كبداية للخضوع وشهد الناس هجرة القبائل إلي دور ومؤسسات الحزب الحاكم لإعلان الولاء ، مهما كان رأي الأغلبية العظمي من أتباعها وتلك خطوة أثارت حفيظة المستنيرين الذين حاولوا الإلتفاف علي المشروع المعلن بتأسيس مجالس الشوري علي نحو ما ذكرناه.
* وهكذا أحيلت القبيلة من كيان إجتماعي متماسك إلي مؤسسة تتعاطي السياسة بإدمان وتسعي بين البلاط لتسويق منسوبيها لصناع القرار علي مختلف مستويات الحكم. بل وضغطت علي أتباعها لتغيير ولاءاتهم القديمة إستجابة لحملات الاستقطاب التي كان يقوم بها النظام لزيادة قواعده الشعبية.
* إن حكومة مايو وفي غمرة نشوتها الثورية ، قامت في السبعينيات بحل الإدارة الأهلية بدعوي أنها رمزية للرجعية البغيضة كما يقول سدنة النظام المايوي ، فهم بذلك يلتقون مع سياسات حكومة الإنقاذ في سعيها لتفكيك النظام الأهلي علي الأقل في دارفور القائم علي الوراثة والتوريث مع وجود بعض الاستثناءات. فإذا كانت مايو حاربته بحسبانه رجعيا ، فإن الإنقاذ فككته باعتباره طائفيا ويكرس لتركيز الموارد مثل الأراضي الزراعية الخصبة ، المراعي ، موارد المياه وغيرها في أيدي الزعماء التقليديين – فكيف لمن يكنز هذه الموارد وهي إحدي دواعي الصراع ألا يكون مواليا للحزب الحاكم؟ والذي دأب علي إستخدام سلاح الخدمات والتوظيف مقابل الولاء السياسي.
* يا تري ما هو مصير النظام الأهلي ودوره في المرحلة المقبلة من حيث العرف والقانون لمجابهة مطلوبات الفترة الانتقالية ، مع العلم أن بعض رموزه علي مستوي البلاد ، هرولت كعادتها لدعم وتأييد المجلس العسكري المحلول ، وفي بالها أن الصلاة هكذا قبل وقتها تجعلهم رجالا لكل المراحل!