بقلم : محمود الشين
في يناير (2016م) ، قدمت ورقة عمل لمنتدى المشيش للإبداع والفنون ، وهو منتدى مثير للجدل ، ويعد واحداً من أهم المنابر الثقافية والفكرية في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور.
    لم أتردد في الاستجابة لطلب إدارة المنتدي لتقديم الورقة التي حملت عنواناً مشوقاً للمتلقي هو (أزمة دارفور وتحديات الإعلام الوطني).

 كنت أعلم مدي الجفوة ما بين المشيش والأجهزة الحكومية التي تعتبره بمثابة قلعة لليسار المتطرف.. هذا التصنيف أياً كانت صحته من عدمها ، فإن تسبب في إخافة وتخويف عامة الناس من المشاركة أو حتي حضور برامج وأنشطة ذاك المنتدي القيم. يبدو أن العقل الباطني كان حاضراً ، فالعسكر في بلدي يقولون (الشر يعم) ، مع أن الأمر كله لا يتعدي مناقشة قضايا الواقع المعاش في قوالب ثقافية محفزة للاستماع والتعلم من المأساة.

  أعرف بعض أعضاء المشيش من علي البعد ، ولي في المقابل معرفة وثيقة مع بعضهم ، مثل صديقنا الفنان عبدالله الدومة (دريج) ، هيثم جلال الدين ، طارق وغيرهم من الشباب المستنير والذين أظهروا شجاعة نادرة وتصدوا بمنتجهم الفني لهموم وقضايا العمل الفكري والثقافي في ظل الأوضاع التي يعيشها إقليم دارفور المضطرب.

 لن ينس رواد المنتدى أن يذكروا بالعرفان الجميل ، جهد الشاب مرتضى محمد أحمد ، مع أنه حديث عهد بنيالا وأهلها ، إلا أنه إستطاع أن يحرك وبذكاء أنشطة منتدي المشيش – يوم الأربعاء من كل أسبوع.

 قصدت علي غير ما جرت العادة أن أقدم ورقة مكتوبة وأن توزع قبل وقت كاف للمشاركين حتى يتمكنوا من التقييم والمناقشة علي مهلهم. وتلك فكرة إستحسنها رواد المنتدي. ولي في الواقع أبعاد أخري في هذا الإتجاه ، هو كسر حاجز الخوف بتحمل نتائج مبادراتنا وأفكارنا كأفراد وأن نخلدها بين السطور لمصلحة الأجيال القادمة ، لأن من حقها علينا أن تعرف – كيف أدار الإعلام الوطني تلك الأزمة – في حقبة مهمة من تاريخ الوطن ، حيث وصف المجتمع الدولي ما جري بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم.

 قلت لصديقنا دريج ، وإن لم أكن عضواً في منتداكم ، لكني معجب به وبنهجه. وشرحت له أن الأوراق المكتوبة علي عكس المحاضرات الشفاهية ، لأنها ستوفر للمنتدي إرشيفاً معتبراً ، يمكنه لاحقاً من إعداد الكتاب السنوي لبرامج وأنشطة المشيش في نهاية العام من خلال جمع وطباعة تلك الأوراق.

 ولاحظت أن جل الأنشطة لا توثق علي نحو جيد ، وأن الجهد المبذول لاستقطاب المزيد من الموارد والرواد ، ظل ضعيفاً ولم يتجاوز حاجز العزلة الذي فرضه الواقع الاستثنائي علي المنتدي ، حيث الهواجس والظنون. كان في بالي هذه النقاط لحظة إعلان موعد تقديم الورقة ، ولهذا قدمت الدعوة للزملاء في حقل الإعلام ، أساتذة الجامعات وبعض رموز وأعيان المدينة الذين تربطني بهم صلات طيبة وكثير من المختصين والمهتمين من مختلف ألوان الطيف السياسي والإجتماعي من الرسميين والشعبيين.

 لم يخيبوا ظني وكانوا حضوراً جميلاً في مسرح البحير ، حيث مقر أنشطة المنتدي – وشكل الحضور الكبير دافعاً لإدارته ، والتي تساءلت – ما الذي حدث؟
 قلت لهم: هؤلاء معارفي وأصدقائي ، وكم أنا فخور بهم.. أردت إرسال رسالة لأصحابي في المشيش – إذا أردتم أن تحافظوا علي هذه النخبة – تحلوا بالمزيد من الموضوعية في تعاطيكم مع الشأن الثقافي ، لأن ذلك يرفع علي الأقل الحرج من الرواد ، ويقلل الرقابة الصارمة التي تفرضها الأجهزة الأمنية علي منتداكم ، ويمحي آثار الترويج السالب والنعوت التي أطلقت علي هذا المنتدي الواعد.

دائماً هناك منطقة وسطي بين النظام ومعارضيه وبإمكاننا أن نعمل فيها لبناء مشتركات وطنية أو سمها ما شئت مطلوبات ، قيم سودانية – المهم هي أن تكون وتصبح  مرجعية للحكم والإدارة والتشريعات.  أعتقد أن أصدقائي في المشيش ، أعادوا النظر في هذا الجانب ، وهو منحي إيجابي يوحي بقبول النصح كأمر حيوي ..أعلم أنه إذعان قاس ، لكن لابد من تنازلات متبادلة كي تستمر  روافد الوعي والاستنارة.

 ومع ذلك فقد توقف بكل أسف منتدي المشيش بعد فترة وجيزة بقرار من الأجهزة الحكومية كرد فعل علي الورقة القيمة التي قدمها للمنتدي الأستاذ الكبير شمو إبراهيم شمو حول (الإستفتاء الإداري لإقليم دارفور وهي أجهزة بارعة في الإلتفاف (يوقف إلي حين إعادة تسجيل المنتديات الثقافية).
وفي رحاب المدنية ودولة القانون ، تبدو الفرصة سانحة للمشيش وحتي لمنتدي نادي الموردة العريق وكان هو الآخر ضحية للتقديرات الخاطئة لنظام شمولي ليس له مشروعاً ثقافياً لإدارة التنوع والإختلاف.