بقلم : محمود الشين
في شهري أبريل- مايو – من العام (2013م) ، تصاعدت وتيرة الأحداث الأمنية في وحول مدبنة نيالا ، وصعدت الحركات المسلحة هجماتها علي عدد من القري لتقوية موقفها العسكري والسياسي وذلك من وحي صراعها مع نظام الخرطوم.
وجاءت ردة الفعل الحكومي للتعامل مع الواقع الجديد ، والذي خلف حالة نزوح وتشرد غير مسبوقة.. هذه المتوالية أصبحت سمة واستراتيجية متبعة من أطراف الصراع ، وكالعادة الحصيلة المزيد من الضحايا المدنيين.
كان صديقي يسترجع هذا المشهد بشئ من الحسرة ، ويهمهم بعبارات أعرف أنها ساخطة وساخرة وهو يجيد هذا النوع من الفنون التعبيرية!
إنه الأستاذ آدم عبدالكريم دقاش الباحث في مجال الادب الشعبي في دارفور.. قلت له فيما تفكر
يا رجل؟ وكأني فتحت جرحاً في دواخله ومنحته فرصة لتسجيل هذه الإفادات في محضر التاريخ: (تعرف متي ما يحدث عراك في دارفور ، أوقف برامجي الإذاعية من تلقاء نفسي ، لأن قناعتي أنني أحمل (بخوراً) بينما يحمل الآخرون (باروداً) والبخور والبارود بطبيعة الحال ، لا يلتقيان.
ويضيف دقاش: من غير المعقول أن أقدم برامجي ، ولا أتحدث عن واقع الناس أو مستجدات الأحداث من حولهم ، خاصة إذا ما خلفت قتلي ، جرحي وفوضي).. دقاش دفع ثمن تفكيره هذا ومواقفه تلك التي أطاحت به ذات يوم من وزارة الثقافة والإعلام.
فقد دعي بحسبانه المدير العام للوزارة ليخاطب إحدي جلسات القطاع الثقافي للحزب الحاكم في نيالا (المؤتمر الوطني) ، فقال وهو يخاطب المؤتمرين أنه يعتقد جازماً (إذا ما أتيحت الفرصة للمشتغلين في الحقل الثقافي لوجدوا حلاً لقضية دارفور يرضي جميع الأطراف ، لأن شريحة مثل المثقفين ، لا يمكن أن يجمعوا يوماً أو يصدروا قراراً بقتل أحد ، لكن الساسة يفعلون).
لقد صعق الجميع لهذه الجرأة ، وكانت تلك العبارات هي آخر ما تفوه به الرجل وهو في كرسي الوزارة ، ففي صباح اليوم التالي وصله خطاب الإعفاء من منصبه دون إبداء مبررات ، لكنهم أتاحوا له فرصة أخري للتأمل والتقييم والناس في دارفور يقولون (العندو بخور بنشم)! إن أجمل ما في
أستاذنا دقاش أنه يملك رأس مال ثقافي كبير وأنه صانع للأمل بإمتياز ، وهو يعلم أن وزير الثقافة الأسبق بجنوب دارفور – حسن عبدالله عبدالحي – قال عبارته المشهورة (الثقافة ليست من أولوياتي). وفاقد الشيء لا يعطيه علي أية حال.
وقدم الرجل علي مدي عقود لإذاعة نيالا برنامج (الكشمبيرا) وأتبعه لاحقاً برنامج (تبريق ورمباي) في شهر رمضان ، وثق من خلالهما لتراث ، حضارة وثقافة أهل دارفور. لقد إمتدت يد سلطات نيالا لإيقاف منتدي دقاش الثقافي ومقره بمدرسة نيالا الفنية بحي كرري ، وهي تري في المنتدي محاولة من الأستاذ دقاش لفتح نافذة أخري يسطع منها شعاع الثقافة والوعي والتنوير.