بقلم: محمود الشين
أدركنا الضفة الشمالية للنهر بعد مغيب الشمس بقليل ، يبدو أن منسق رحلتنا الشاطر ، قد أبلغ صاحب (البنطون) بتحركنا نحوه بسرعة فائقة علي متن رتل من السيارات ، قادمين من حلفا – المدينة النائية – فكان بإنتظارنا لوقت متأخر علي غير ما جرت العادة.
انتظم ركبنا وأبحرنا في عمق الماء باتجاه جزيرة بدين.. يا لضوء القمر من سحر – أحال الضفة الجنوبية إلي أمواج فضية تستدعي التأمل ، ذكرتني بدعوة مرافقنا الخبير السياحي (أبوصلاح) الذي أخبرني بأنه سيقترح علي سلطات الولاية الشمالية ضرورة الاحتفال ب(بيوم النيل) ، فيه يشكر الناس ربنا علي حزمة من النعم تصاحب جريان النيل الخالد.. أعجبتني تلك الفكرة السياحية الرائعة.
نعود إلي رحلتنا – البحر عميق في تلك الأنحاء ، لكنه آثر وأخاذ ، بل ومثير للتساؤلات ، متي نولي السياحة الداخلية في بلادنا ما تستحقه من دعم ، تمويل وكبير إهتمام؟.. هذا السؤال طرحه الباشمهندس الحاج عطا المنان رئيس مجلس إدارة بنك النيل ، ونحن نبحر بقارب صغير في أرخبيل جزر الكاسنجر – حوالي (99) جزيرة جنوبي كريمة ، تسبح هي الأخرى بالشكر والحمد ويتردد فيها صدي صوت مدائح أولاد حاج الماحي.
صمت برهة أبحث عن إجابة ، غير أن الباشمهندس الحاج عطا المنان ، قطع حبل أفكاري – لا تخف يا محمود – سنعبر بأمان إن شاء الله ، فتعالت ضحكات المسافرين علي متن القارب الشجاع.. إن تنشئتنا في بيئة غرب السودان السهلية ، تدفعنا لتأمل عوالم البحر بدهشة وإعجاب يفوق حد الوصف.
حمداً لله على السلامة.. أخيراً وصلنا الضفة الجنوبية ، وبدأت جزيرة بدين تعلن عن ذاتها و ألقها القديم.. رجال بزيهم الأبيض الناصع ، كانوا في إستقبالنا ، صمتهم ذكر واستغفار ، وحديثهم هامس.. إنه الأدب الصوفي الراقي الذي أصبح سمة لسادتنا في الطرق الصوفية.
السكون هو سيد الموقف كعادة أهل الجزر في بلادنا.. إنطلق موكبنا نحو منزل الشيخ محمد الادريسي ، شيخ الطريقة الادريسية بالسودان. مررنا في جنح الظلام عبر طريق ترابي ضيق ، يلتف مثل ثعبان جريح ينشد الدفء والهدوء..
الشيخ الادريسي هو أحد أصدقاء الباشمهندس الحاج ، كان الإستقبال مدهشاً من قبل الشيخ وأتباعه في دارهم العامرة بقلب جزيرة بدين التي أشتهرت بإنتاج أفضل وأجود أنواع التمور في السودان ، وتلك حقيقة اكدتها الأطباق التي قدمت لنا ضمن مائدة الشيخ الادريسي ، إذ كنا في الواقع أمام مهرجان للتمور ، جميلة المنظر ، حلوة المذاق.. ألهذا السبب تغني أهل الشمال للنيل والنخيل والربابة؟
وعلي نيل بلادنا
ونخيل بلادنا
وشباب بلادنا
سلام.
رائعة صلاح احمد إبراهيم التي صدح بها الموسيقار الكبير محمد وردي. وتمتلك الولاية الشمالية أكثر من غيرها مقومات هائلة للسياحة النيلية ، وسياحة الآثار ، حيث يسعي بنك النيل لتطوير وتمويل صناعتها هناك ، لإنعاش السياحة الداخلية ، والتي من الممكن أن تسهم في دعم الاقتصاد الوطني أكثر من أي وقت مضي.