بقلم: محمود الشين
علي مدي سنوات الحرب في دارفور والتي إفرزت (واقعاً مؤلماً) ، نشأت مخيمات النازحين بالداخل واللاجئين بدول الجوار الإقليمي للبحث عن الأمن والأمان المنشودين.
ففي كل منابر التفاوض الخاصة بسلام دارفور تتجه الأنظار للتسوية السياسية ما بين الحكومة وحركات دارفور التي تناسلت بمرور الأيام ، حتي أدركت ضرورة توحدها لإنجاز ملف آلسلام الشامل.. وما التسوية المنتظرة ، إلا معالجات لوظائف تنفيذية ، تشريعية ، دبلوماسية ، إدارية ودمج وإستيعاب للمقاتلين في القوات الحكومية ، وحفنة وعود بمشروعات تنموية وخدمية تأتي من المركز علي طريقة دم الحجامة.
إن تلك المحافل ، وبما فيها منبر جوبا بمساراته المعلومة ، أغفلت أو تغافلت مطلوبات ومستقبل الأجيال الجديدة في تلك المخيمات.
وقد أستدرك (المفاوضون) في عاصمة دولة جنوب السودان ، حيث تجري المباحثات – أنه لا بد من إشراك ممثلين للنازحين – ولكن علي مهل!
وقد شكلت بالفعل (آلية) مشتركة بين الحكومة والحركات الخمس وهي حركة تحرير السودان جناح مناوي ، العدل والمساواة جناح جبريل إبرهيم ، تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي..
هذه الآلية وفي معية الوساطة (جنوب السودان ، تشاد) والسكرتارية (اليوناميد ، الترويكا والأمم المتحدة) ، رأت أهمية النزول للنازحين واللاجئين ، وإقامة مؤتمرات قاعدية ، مروراً بمؤتمرات الولايات والمؤتمر (الجامع) لإختيار (50) ممثلاً لهم ، يذهب بهم إلي جوبا ليكونوا بمثابة (مراقبين) للمفاوضات وعما إذا كانت أجندتهم وقضاياهم حاضرة هناك!
ومع أن الآلية تمكنت من مقابلة النازحين وواجهت بعض الصعوبات في إحدي(سناتر) مخيم كلمة شرقي نيالا ، فإن مسألة إختيار المراقبين في هذا التوقيت وبتلك الطريقة ، تبدو صعبة إن لم نقل مستحيلة ، خاصة وفي بالنا الفئات العمرية ومعايير الإختيار.
إن الذين ولدوا في تلك المخيمات سيكونوا بنهاية هذا العام في عمر (18)عاماً ، وبذلك فهم (الناخبون) في أية إنتخابات قادمة ويشكلون ما لا يقل عن (60%) من جملة سكان إقليم دارفور حوالي (8) مليون نسمة.
هؤلاء الشباب الذين وجدوا الحماية الأممية (الإتحاد الأفريقي) والبعثة المشتركة (اليوناميد) ، وتلقوا الطعام ، العلاج ، التعليم ، الكساء من منظمات ما وراء البحار وبعض أصدقاء السودان – سيكونوا حال إستبعاد تطلعاتهم كحصان طروادة لترتيبات السودان الجديد.
التحدي الإنساني والأخلاقي للقوي السياسية من يمينها إلي يسارها اليوم – هو أن نسترد ولاء هؤلاء للوطن المغلوب علي أمره واجندته..
هذه الفئة من الشباب تتابع وبنهم مجريات الأحداث في العالم وليست لهم ثقة في أجهزة إعلامنا الوطني التي غيبت صوتهم وأظهرت صوت النظام السابق ، وهو أس مأساتهم وبسببها أصبح رموزه تحت طائلة العدالة الدولية.
هذا الجيل – لا يعرف الأحزاب التي أدمنت الصمت عشية محنته ، في حين تداعي فضاء الإنسانية الواسع لوقف العنف والمجازر.
ليس لهم حنين العودة لديار الأجداد علي الأقل في الداخل لأن إرتباطهم بالحاضنات الجديدة (المخيمات) هو أقوي ، حيث يتوفر الحد الأدنى لتطلعاتهم من تكنولوجيا ، وسائط ومرسلات..
لقد تفاعلوا الديربي الإسباني ، شجعوا برشلونة وريال مدريد ، وصفقوا لهنري مارك في صراعه مع جون سينا ، وتبادلوا المعلومات مع العالم الخارجي بلا سقف أو كوابح.
ستخطئ تسوية جوبا إن هي صارت علي ذاك النسق ، وتبقي الكرة في ملعب الغائب الحاضر (عبدالواحد نور) إذا ما أفلح بعمق في قراءة ومخاطبة قضايا وتطلعات الأجيال الجديدة هناك.