علاء الدين بابكر
في الوقت الذي تتوجه فيه أنظار جميع السودانيين نحو تحقيق السلام وإنهاء الاحتراب الذي استمر بعمر استقلال بلادنا ، يبشرنا “محمد جلال هاشم ” بالحرب الأهلية بقوله “نحن بعيدين من السلام وقريبين من الحرب الأهلية”، وذلك في تسجيل فيديوا صادم سرب عن قصد ،وزع فيه الشتائم للجميع.
واستعرض “هاشم” قدراته التي يتحدث عنها ولم نراها في أفعاله وأقواله كحال بعض ناشطي اليوم، وشَبَّه الوفد الحكومي المفاوض بتيم الدافوري ووفده بتيم البرازيل او برشلونة، في محاولة مفضوحة منه لنسف الطرف الآخر دون اسانيد موضوعية، وانتصار للذات بصورة تعبر عن حالة مرضية مستعصية يصعب علاجها.
وناقض نفسه في آخر التسجيل بأن الوفد الحكومي حاول خضاعهم ومراوغتهم؛
كيف يستطيع تيم دافوري ان يراوغ ويخضع تيم برشلونة والبرازيل يارياضين!.
الإشارة إلي قدرات مفاوض الحركة الشعبية أمر جميل ومحل اعتزاز لأنهم قريباً سيكونون جزء من الحكومة الانتقالية ويستفيد السودانيين من مقدراتهم، لكن بالمقابل وفد الحكومة ليس بعديم القدرات والخبرة كما اتهمهم “هاشم ” بذلك بل يضم خيرة الخبرات السودانيية في شتي المجالات وعلي سبيل المثال لا الحصر المفكر “شمس الدين ضوا البيت” صاحب اكبر مشروع تنويري في السودان ؛مشروع الفكر الديمقراطي وقراءة من أجل التغير التي تنتشر حلقاتها في كل مدن وقري السودان ،من بورتسودان للجنينة ومن دنقلا للجبلين، ولو قرأ هاشم المؤلفات التي انتجها ضوالبيت عضو وفد التفاوض، وهضم مافيها من معارف، لهذبته من فاحش القول لأن المعرفة بتهذب وبتقوم السلوك الإنساني.
لم يحدثنا محمد جلال هاشم عن الحرب الأهلية التي ينذرنا بها، هل ستكون في جبال النوبة ام الشمالية وهل سيكون من ضمن المحاربين ام يكتفي بإحضار الحطب وإشعال نار الفتنة.
الحركة الشعبية صاحبة مشروع يعبر عن قاعدة عريضة معترف بقضيتها العادلة واكتوي المواطنين في جبال النوبة بنار الحرب التي يسمع عنها هاشم في نشرات الأخبار و البيانات الرسمية ولم يجرب معاناتها، ولا اعتقد أن الحركة ترغب في الحرب بل تسعي الي السلام، لأنهم رفاق الكفاح الطويل والشاق ضد النظام البائد، لأنهم قاتلوا من أجل الحقوق والمظالم التاريخية التي ارتكبت في حق المواطنين.
لكن المتتبع لأقوال وأفعال “محمد جلال هاشم” لايستغرب لحديثه عن الحرب الأهلية، واحكي لكم موقفين علي سبيل المثال لا الحصر؛ كنت حاضراً أثناء وقوعهما ؛ظهر “محمد جلال هاشم” في مؤتمر للكتلة التاريخية بمركز “طيبة برس” وقال أنهم لايعترفون بحكومة حمدوك لانها تمثل الإنقاذ “2” وسنقاومها لإكمال الثورة! .
في اليوم الثاني اضطرت الكتلة التاريخية لإصدار بيان قالت فيه ان ماقاله محمد جلال لايمثلها.
المثال الثاني قُدمت لنا دعوة لحضور ورشة نظمتها اللجنة الشبابية لمناهضة سدي دال وكجبار بنادي بوهين قبل سنين خلت، لأول مرة ألتقي فيها “محمد جلال هاشم” وجه لوجه؛في معرض حديثه قال:” ان السودان كله نوبي وما النوبة في كردفان والبرتي في دارفور إلا امتداد للنوبين في الشمال “!
قبل حديثه هذا كنت اعتقد ان الرجل مفكر ولكن بعده احتقرت هذا العنصري الذي يلغي الآخر بشكل عنصري بقيض لا يشبه إلا المرضي النفسيين.
اي خلاف نشب بين “هاشم” وآخرين ستجدونه يسب ويشتم ويقلل من قيمة الآخر ويشكك في مقدراته علي الدوام، هذا مشروعه الأساسي الشغال عليه، لذلك هاشم معذور ولا يستحق الرد .
الحركة الشعبية أعادت “محمد جلال” للواجهة بقضية عادلة وأئتمنته علي قضيتها عندما سمته عضو في وفدها التفاوضي، لكن الطبع يقلب التطبع، طلع أقل قامة من القضية وغير حريص علي إنجاز السلام الذي ينتظره الشعب الذي عاني من الحروب .
أما مسألة العلمانية التي طرحتها الحركة الشعبية لا أظن أن المسافة بينها وبين طرح الحكومة بعيدة ، لان الممارسة الحالية علمانية وهذا توجه الحكومة التي كفلت فيها الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية حق التنظيم والتعبير والاعتقاد …الخ وتقف الدولة علي مسافة واحدة من جميع الأديان تجسد ذلك في إلغاء قانون النظام العام وتم تقديم مشاريع قوانين لإجازتها تتضمن إلغاء مادة الردة واي مواد منحازة لتوجه أحادي، هذا فضلاً عن ان الوثيقة الدستورية نفسها علمانية ولا تجد في دولة تحكمها قوانين الشريعة الإسلامية ان تتولي رئاسة القضاء فيها امرأة، لكن بالرغم من مشروعية المطلب نجد أن تحديد علاقة الدين بالدولة من القضايا القومية العالقة التي لم تحسم منذ فجر الاستقلال والمدخل الصحيح للحل يقتضي أن يشارك جميع السودانيين في حسمها ليس في منابر التفاوض بل عبر المؤتمر الدستوري الجامع بجانب القضايا القومية الاخري.
نلفت نظر هاشم نحن كسودانيين غير مستعدين للدخول في اي حرب أهلية، التي ينذرنا بها وانهكت السودان واقعدته من التطور واللحاق بالدول التي نهضت، في ذات الوقت مستعدين لاستغلال الفرصة التاريخية التي سنحت لنا بصنع الشعب السوداني لإنجاز السلام الشامل والعادل والمستدام.