الخرطوم – سلام ميديا

منصور الصويم: أحاجي وسينما
ستيلا قايتانو: مؤامرة الأقدار ومصائر الأرواح
أحمد مبارك: قلق الاستماع
سارة الجاك: جدتي مسرح
عثمان الشيخ خضر: بيئة مُحرِّضة
نجاة إدريس: سيماء القص في وجهي
أحمد أبو حازم: جيادٌ تركت صهيلها في العراء
شاذلي شقاق: ضفائر متدلية من علٍ

إعداد – الهادي علي راضي

أحاجي وسينما.
منصور الصويم
هناك علاقة وطيدة بين حكايات الطفولة الأولى وميلي للقص والسرد لاحقا، وأعني بحكايات الطفولة، أحاجي الجدات “الحبوبات”، فأنا حتى هذه اللحظة لا زلت أذكر تلك الأحاجي التي كانت تحكيها لنا بصورة مؤثرة جدا جدتي لأبي – حبوبتي – “زينب بت الفكي علي”، إذ كانت تمتلك قدرة مدهشة على الحكي الممزوج بالأداء الدرامي الممتع الذي يجعلك منجذبا منذ بداية الحكاية – الحجوة – وإلى نهايتها. أيضا، يمكنني القول إن السينما السماعية إبان الطفولة المبكرة جدا أسهمت بشكل كبير في حفز خيالي وميلي لتأليف القصص والحكايات والروايات لاحقا، والسينما السماعية التي أقصدها هي تلك المتعلقة بقص حكايات الأفلام بوساطة أصدقاء طفولة، أتيح لهم في ذلك الوقت المبكر حرية أكبر مما لدينا، بل كانوا يمتلكون حريتهم بالكامل جراء انتمائهم إلى الشارع أو من نسميهم “الشماسة”، هؤلاء الصغار المبدعين والأذكياء كانت لهم أيضا أساليب مدهشة في حكي وروي قصص الأفلام التي كانوا يشاهدونها في سينما المدينة نيالا أو أثناء سفراتهم – هروبهم – المتتالية إلى العاصمة الخرطوم. المتعة التي وجدتها في حكيهم للأفلام وأحداثها بموسيقاها وحركتها وضحكها وحزنها وأصوات رصاصها وقطاراتها، لم تتوفر لي قط بعد ذلك حتى وأنا أشاهد تلك الأفلام ذاتها في زمن آخر، إذ وجدتها أقل متعة بكثير مما كان يرويه هؤلاء الصغار ويثرونه بخيالهم المدهش.
إذن يا صديقي، السينما، حب الدراما، وسماع الحكايات والأحاجي المروية هي أولى محفزات ميلي إلى القص والرواية والسرد عموما. كنت أحلم بأن أكون ممثلا أو مخرجا، وبالطبع كنت أؤلف “براري” خيالي أفلامي الخاصة وأخرجها وأودي أدوارها جميعها.. من هنا كانت البداية، وحين اكتشفت الورق بدأت الكتابة واللعب بين الفواصل الدقيقة جدا ما بين القص والمسرح والسينما والروي.
….
مؤامرة الأقدار ومصائر الأرواح
ستيلا قايتانو.
يتخيل الي انني لم أصبح قاصة بمحض الصدفة ..في الغالب اشعر ان مؤامرة الأقدار ومصائر بعض الارواح وشقاء الانسانية اختارتني لاحكي حكاياتهم التي تهيم بشكل ما في الكون ..
لطالما كنت طفلة تجيد التنصت لحكي الكبار و تهتم بتفاصيل الاشياء والتي تتناسل داخلي الى حوارات لا تنتهي بين انسان وانسان
انسان وكائن ..كائن وكائن اخر والإنسان والأشياء ..حوارات تبحث عن معاني ما ..
كثرة التنصت قادني إلى كثرة التحدث سرا وجهرا واحيانا صمتا …
الى ان صادفت الورقة والقلم فهما مثلي ممتلئات بالحروف والجمل التي تضج بالحياة السرية للأشياء رغم ما يعتمل داخلها من ضجيج.
….
قلق الاستماع.
أحمد مبارك.
اللُّغةُ؛ تلك الحَشَرَةُ المُتَوحِّشَةُ؛ النَّامُوْسَةُ التي اخْتَبَأتْ في رأسِ النَّمْروْدِ العظيم؛ كانَ ثَمَنُ خُروجها من جُمجُمَتهِ الكَبيرةِ فادحاً للغاية، ومأساوياً بدرجةٍ لا تُحْتَمَل. لَقَد أوْعَزَ إليهِ شيطانهُ الجَميل بتهشيمِ الجُمجُمة – في روايةٍ تَخُصُّني ـ إن كان فعلاً يريدُ إسْكات طنينها الفاجِر. في النِّهاية: كان مَشهَدُ النّمرود مثيراً للضّحِكِ والشَّفَقَةِ في آن؛ فلقد جَلَسَ على العرشِ ـ بلا رأسٍ في الحقيقة ـ يُفَكِّرُ بالجمجمةِ الذَّهَبيِّةِ التي أعدَّها الشيطانُ في خياله. وفي لحظةٍ أرادَ النمرود التَّحَقُّقُ من تَمَوْضُعِ تَاجِهِ المَلَكيِّ على الجمجمةِ السعيدة: فأُصيبت يَدُهُ بالجِّنوْن…

لا يُمْكِنُ تَصَوُّر الحَالة الهستيريَّة حينما ينبري العَالَمُ ضرباً بأخفافهِ المُهترئةِ على جمجمته التي تَطُنُّ فيها ناموسَةُ اللّغة السَّجينة. وإذن.. لا بُدَّ أن خَيَالَ العَالَمِ سَيَتَفتَّقُ عن فكرة، أن يَشُقَّ فَرجاً في جمجمتهِ لانولادِ الناموسة المبجَّلة. وهذا الفَرجُ الذي سَيُشَقُّ؛ هو الحِيْلَةُ الذَّكيَّةُ والخَلاقة، الثَّقْبَةُ الفَنيَّةُ المُراوِغة، السَّهْمُ الذي تُطْلقه البَصِيْرةُ من كنانةِ الضّوءِ مُبَاشَرَةً في العينِ السّليْمةِ للظُّلمةِ المُطْلَقَة؛ بل هو الجَمَالُ الذي يضيقُ به سُروال العِبَارة…!

وعِنْدَما كان الإنسانُ وحيداً يُحاصِره فراغُ العالم؛ بنى طبلاً عملاقاً وطَفَقَ يَضرِبُ حتى انسَلَّت أرتالُ البَشَريَّةُ من شتى بقاعهِ القَصيَّة… فلقد عنيتُ بذلك مسألة التَّوق الكشفي، الفطري، للما حَوْل.. لكن سُرعان ما تَحَوَّرتِ الغايةُ من الطَّبلِ إلى شيءٍ آخر لم يكن في الحسبان. استجابَ الجَسَدُ للسِّحرِ القمينِ المبثوثِ من جوفِ الطَّبلِ؛ فكانت الرَّقصَة الكونيَّة الأولى. ولأنَّ بيضةَ الكتابة لم تُفقَس بعد؛ فَكَّر الإنسانُ لتخليدِ الرَّقصَة وليدة الغريزة فأنشأ النَّقشَ والجداريّات حتّى أن أصابعه تآكلت قبل أن يكتشف الكتابة على الكي بورد.

دعني أصِفُ لَكَ ما الذي ستراه عينايَ حينما أُغمِضهما وأنبَتُّ من الحاضِر على سبيل التَّجاهُل؛ إنَّهُما تَرَيان الجمالَ يا سيِّدي في عيون أطفال أفريقيا المُقَرفِصون على الرَّملِ؛ على نَحوٍ يُحاكي أستدارة القَمَرِ بهالتِهِ المُنيرة. ولكن من يا تُرى من باستطاعته أن يكونَ حادياً للرَّكبِ سوى الجَدَّة.. هي وحدها من تُشبِع نهم الأطفال الذين يستبقون الحكاية بالتآويل الفضوليَّة والمُربِكَةِ أحياناً.. وقَد كُنتُ حينها كثير السؤال بدعوى مَنْطَقَة بعض التفاصيل كثيرة المبالَغَة (وهُنا تحديداً وَدَدتُ لو استعير رمزاً ضاحِكاً بأدمُعِهِ من الواتسَب)

لاحِقَاً، ليس جدَّاً؛ أدركتُ أن الذي كان يحُول بيني وكتابَة ما أُسمِّيه قِصَّتي هو أن أتعلَّمَ كيفَ يُخَطُّ الحَرف!

الكتابَةُ قَلَقٌ يُضاهي قلق الاستماع الذي كان يَعتَوِرَني عندما تحكي لنا جدتي عن الغول أو ما يُماثله في ثقافة شُعوب أفريقيا السوداء وخصوصاً الهوسا؛ حيثُ أنَّ الشَّفاهَةَ صُندوق ثقافتها الذي لا يعرف السبيل إلى أن يَنضُب.
وهذا الجِذرُ المعرفيُّ، الغائِصُ عميقاً في تُربة التَّجريبِ والحِيَلِ المُغلّفةِ بالمجازِ والكنايات؛ سَهَّلَ المثولَ بين أصابعِ الاشتهاء، بكبسةِ زر، داخل الفضاءِ الكونيِّ مفتوح النِّهاية… ولطالما سيظل هذا الكائن يتأبطُّ ذلك الكيس المُسمّى بـ(القريحة)؛ سيمتلئُ رداء العالم بالفراشات التي ستحلِّق من جنائنِ الحُلمِ؛ لتخترقَ أغشية الواقع الرَّهيفة.. وتندلقُ اللغةُ خضراء على اليَبَاسِ المُمْتَدِّ…

جدّتي مسرح.
سارة الجاك.
حفيدة أولى لجد حافظ قرآن، وجدة تحول الحياة
لمسرح كبير، وأم حكيمة قليلة الكلام تحب الكتب، وأب يصنع النكتة من العدم، نشأت بينهم فتشربت كل هذه المعرفة في وقت باكر، لأنشأ طفلة ثرثارة كثيرة الأسئلة وتحب الرسم، أصنع عوالم وشخوص على أوراقي و ألونها، أخلق حوراتها كما يحلو لي، أحببت كتابة التعبير وبرعت في كتابته، كنت أطوف على بساتين اللغة فأختار من الثمار أنضجها، ومن الزهرات ذات الأريج، أقطفهن أحتفظ بهن ثم أنظمهن بخيط من عصب الحكايات المؤنسة كخرّازة ماهرة، أصبر على نظم ثمر الكلام، ثمرة فخرزة وهكذا، أبتسم لي و أعدني بتحفة فنية قادمة، فتتحول ساعات الصبر والتخريز الي ساعات من المتعة وخلق توقعات مختلفة ، لكل شكل من أ شكال النظم، وقد أفلت خيط العصب وأرمي ثمراتي وخرزاتي ولا أبالي، هكذا وجدتني أكتب الحكاية، لكن كتابة القصة رغم أنها أتت لاحقة ، إلا أنها كانت من الأهمية بمكان فأصبحت القصة ذات موضوع، والتزمت بتقنيات القصة الكلاسيكية، صببت حكاياتي في قالبها لوقت ليس بالقصير، حتي وجدت بصمتي الخاصة، فسما نجمها وكسرت القالب، لكتابة القصة متعة خاصة لا توجد في كتابة الرواية ولا في الكتابة للمسرح ، القصة تحدي قصر العبارة وعمق دلالتها وجميل عرضها، أكتب لمتعتي الخاصة ، أحبر قلمي في صدق تعبيره فأنجو بقصتي من عثراتها وأمضي.

بيئة مُحرِّضة.
عثمان الشيخ خضر.
يقول صديقي الحبيب حفيظ الحاج:

(أنا من بِلادٍ الجميعُ فيها يحفظُ سورةَ يُوسف دون غيرها من السور، لا لسببٍ واضح غير أنها تحمل في طيّاتها تفاصيلَ حكاية.
فُطِروا_ وإن شئت _قُل: فُطِموا على محبةِ الحكي والتورّطِ في الونَس.
ثم ماذا تتوقع من أحدٍ نشأ في بئيةٍ كل ما حوله فيها يُحرّض على فعل القَص غير أن يكون كاتبًا أو حكّاء؟!).

منذ نشأتي الأولى في قريتي الصغيرة ( قريش بمدنية شندي) كان كل شيء حولي كما قال -حفيظ- يحرّضني على فِعل الحكي.
مشهد الأغنام التي تمر من أمام داري وأنا اتبعها إلى حيث مهبطها في المروج الخضراء – أصوات الجدّات وهنّ يقمن بصياغة تفاصيل اليوم بل وتفاصيل الحياة كلها – إبتسامة أمي وهي تعوس الكسرة لتُشبع أفواهنا الجائعة وهي تقاسي سخونة النار – تقطيبة جبين أبي وهو داخلٌ لتوّه بعد يومٍ مرهق وأعيننا تتفحّص يديه – الليالي المقمرة المحفزة على جموح الخيال واختراع الحكايات.

نمتْ فيّ حاسة القص، وأصابتني لعنة الحكي والتورّط في السرد منذ تلك الأيام. ثم أعقبها قراءات لكتّاب أشعلوا جذوة الكتابة وحرّضوني على فعل الحكي، أذكر منهم أستاذي أحمد أبو حازم والقاص العراقي ضياء جبيلي وبالطبع العظيم ماريوس برغاس يوسا وغيرهم.
ولعل القصة القصيرة دون غيرها من فنون الكتابة ظلّت تغريني بالتجريب في فضاءاتها. جعلتني انتصر للناس العاديين المسحوقين في دوامة الحياة اليومية عبر تحويلهم إلى أبطال. كما وأنها خلقت لي أكثر من حياة فتارة اصير قطّة لعينة وتارة دخان سجائر وتارة أخرى ظلّ وفي مرات كثيرة قاتل.

سيماء القص في وجهي.
نجاة إدريس.
منذ طفولتي كانت تظهر عليّ سيماء القص.. كنت وإخوتي نبتدر رواية نؤلفها ونمثلها عفو الخاطر …وكان موضوع الرواية يتجدد يوميا ويتعمق بعمق ادراكنا وفهمنا للأشياء. وبازدياد أفقنا وقراءاتنا ..ومع الأيام تحولت موهبتي الحكائية صرت أكتب وأسجل القصص التي أراها حولي ..أحيانا كنت أمارس فضيلة الحكي لصديقاتي اللائي كن يؤكدن لي بأن قصصي تبهرهم ..كنت أتقمص الشخصيات وأضيف عليها من خيالي ..وصارت الكتابة طقسا محببا لي ..تشعرني بالحميمية وبالعري أحيانا، وتنفس عني كثيرا، كنت أتقمص أدوار الجدة ، الأم ‘الزوج ‘المشردين وأحكي بلسانهم وأسجل آلامهم ومعاناتهم. وهكذا وجدت نفسي قاصة. والقص عند اللغويين من قص يقص حيث يكون قص الأثر وتقصيه وهكذا تكون القصة من تتبع الحكي جملة فجملة بصورة متواترة حتى تبلغ القصة ذروته. بعد تقصيه الحافر حذو الحافر.

جياد تركت صهيلها في العراء.*
أحمد أبو حازم.
العالم يغوص بالحكايات الغريبة والعجيبة منذ وجوده البعيد، والذاكرة البشرية محض مستودع بالغ الاتساع، لالتهام الحكاية من مستهلها وحتى اخمص نقطتها اللامرئية.
ولدت في مكان، كان الناس فيه لا يجدون موضعا لمهاد أطفالهم، سوى تنكبهم شق عنان الحكايات المتزاحمة ليضعوهم هناك، في جوفها المحتشد بالامل، والألم، والاندهاش، والتوقع، والضحك والبكاء والحلم والهذيان، والشك، والريبات المستعصية، والحنين، والعاطفة، والحب، والكراهية، والحياة، والموت.
حين شقوا بي مواكب الحكايات ليودعوا مهدي على أحد المواضوع هناك بين زمرة الاطفال كنت أصرخ بشدة، وما ان وضع المهد بين أساطير أمي عن حياتها البدوية في بوادي كرفان وبين تهويمات ابي وتهويلاته عن نسل اسلافه الخرافي انقطع صراخي وطفقت اتسلى بقصصهما الشيقة مثلي ممثل اي طفل مقذوف لترف الحكاية يسلب السرد صراخه وتهدهده أطراف القصص المتدفقة مثل الحرير على منامة سردية مشغولة باساطير وحكايات عجيبة وغريبة.
كان الاطفال في البيوت الاخرى ينتظرون هدايا ذويهم الموسمية، بنزق باهظ لتلبية نزواتهم الصغيرة، أما في دارنا فكنا ننتظر هدايانا اليومية مثل ان تفتح أمي صندوق ذاكرتها لتستل لنا بعض قصص أسطورية من بادية كرفان الجنوبية وكيف أنها صارعت الجينات اللائ حاولن سرقة اغنامها تحت حافة الجبل، وعن الجنية العجوز التي ساعدتها لعبور وادي البطحة الهادر، وعن الحمامة التي باعت هديلها للغراب.. وعن وعن .
في المساء يأتي ابي محملا بالحكايات الغريبة فيشملنا بقصصه الساخرة عن اجداده الخرافيين وكيف جاءوا من اندلسهم البعيد الي بادية كرفان الجنوبية، فصارعوا الوحوش وصرعوها ، ثم يدلف بنا بسخريته المعهودة ليقص علينا ما جادت به القريحة من الحكاية.
تشربت القصص منذ الصغر، فما بين أساطير أمي وأبي توجد مكتبة ثرة، فأينما وليت وجهك فثمة كتاب، فكانت القراءة ديدن هذا المكان.

بادئ ذى بدأ كنت اتهيب دخول المكتبة التي تقع بشكل طولي في الرواق الشمالي من الدار ذات الطراز الانحليزي. اعبر من أمامها متجاوزا الرواق بسرعة فائقة لاجد نفسي خارج الاسلاك الشائكة المحاطة بأشجار سامقة من كل صنف، حيث تنتظرني صديقتي الاستوائية الابنوسية الجميلة (فوني) ( البارياوية) نمضي وقتا في ملاحقة الفراشات، وقطف ثمار الزونية، ثم حين يدركنا التعب نركن إلي ظلال أشجار المانجو المنتشرة في المكان مكونة دغل جمالي بديع، هنا حيث نتسلى بمراقبة أفراد قبيلة (المنداري) باجسادهم الفارعة، واوشامهم الجميلة التي تتماهى مع عقود الخرز الذي يتوشحون به، فيبدو الواحد منهم أشبه بلوحة جمالية متحركة.
حين ذاك كنت في الصف الثالث الابتدائي، كنا نستمتع بالمكتبة المدرسية العامرة، أكثر ما كان يجذبني فيها تلك الكتيبات الانيقة ذات الورق الثقيل والرسومات البديعة من لدن كتاب الساحر والجنية، وقصص خيالية أخرى كنت اصدق ما تحمله بين صفحاتها، لذلك كنت شديد التوقع بأن الساحر أو الجنية أو كلاهما معا سيخرجان من بين طيات الكتاب عندها سيكون مصيري حالك الاظلام، حتى جاء ذلك اليوم الذي بأغتني فيه والدي وانا ازمع الخروج للهو اليومي مع صديقتي فوني، وسحبني الي داخل المكتبة، كنت مرعوبا، وخائفا،.
ورويدا رويدا امتلكت جاشي.. هناك تعرفت على عالم جديد ، عالم القراءة والاطلاع.
كان السيد والدي لا يدخل فضاء مكتبته إلا وهو في كامل اناقته وزينته المفرطة يرفل بهدوء بطوله الفارغ ووسامته العجيبة بينا غليونه الابنوسي المُذهَّب لا يفارقه.. حينذاك كنت اقلده في كل حركاته وسكناته، وبدأت كتابة مذكرات يومية سمجة وسطحية وغالبا ما كنت امزق ما كتبت.. حتى كتبت ذات مرة عن حمامات غادرها هديلها وجياد تركت صهيلها في العراء وعندما عادت مرة أخرى لم تجده وعن ارجل تسوق أصحابها الي أماكن لا يرغبون الذهاب إليها..
قرأ والدي تلك الترهات واحتفظ بها في جيب سترته ويوم الجمعية الأدبية في مدرسة البلك الابتدائية بجوبا كان الوالد حضورا بين الاساتذة.. وحين قرأ اسمي للمشاركة في الجمعية الأدبية ترددت لأني لم اقدم اية مساهمة للاشتراك في ذاك اليوم الا ان إشارة من والدي عبر غليونه حين كل شئ وصعدت المسرح وكانت المفاجأة أن ناولني الأستاذ تلك الورقة ذات الترهات البليدة، وحين أكملت القراءة دوى المكان بالتصفيق وانهمرت الهدايا.
*هذه الافادة لم تكتمل بعد.

ضفائر متدلية من علٍ.
شاذلي شقاق.
في يوم ما، ﻻمست الضفيرة المتدلية من عل؛ ضفيرة جدتي (آمنة بت سلمان )، وأنا على حجرها، ﻻمست صحن أذني فاقشعر بدني وأنا أتلقف حكاياها ..وأثناء نومي نبتت شامة (استفهام ) في مخيلتي البضة ..طفقت في اليوم التالي أسأل جدتي: هي فاطنة القصب اللحمر مالها؟
والغول طرق صوتو عند الحداد؟
وهكذا بدأت تكبر الشامة اﻻستفهام وأنا ألقمها بوقود القراءة والتجاريب الحياتية!