الخرطوم ــ سلام ميديا
يلقي وجود جيوش للحركات المسلحة في بعض دول الجوار بينها ليبيا بظلاله على مجريات التفاوض مع الحكومة السودانية في جوبا، وسط تخوفات بأن يصبح ملف الترتيبات الأمنية عائقاً امام السلام المرتجى، وأحد مهددات الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي في السودان.
والأسبوع الماضي تهيأت أطراف التفاوض في جوبا للدخول في ملف الترتيبات الأمنية بعد حسمها جميع الملفات الأخرى، بيد أن المناقشات الفعلية لم تنطلق، بسبب الرحيل المفاجئ لوزير الدفاع السوداني، والذي كان يقود وفد التفاوض حول هذا الملف.
ورغم ان الوساطة أعلنت تأجيل التفاوض لمدة اسبوع لكن الحكومة لم تقوم بتعيين وزير دفاع خلفاً للراحل بعد، ليكون وفدها جاهزاً لإستئناف المحادثات، ما يعني استمرار تأجيل التفاوض حول الملف.
وتمتلك جميع مكونات الجبهة الثورية “مسار دارفور” جيوش في دولة ليبيا طرفاً في الصراعات المسلحة هناك، بحسب آخر تقرير أممي حول الأمر. وتشمل مكونات الجبهة الثورية كل من (حركة تحرير السودان، بقيادة مناوي، وحركة العدل والمساواة، بقيادة جبريل، وتجمع قوى تحرير السودان، بقيادة الطاهر حجر، وحركة تحرير السودان ـ المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس يحيى).
ويؤكد تقرير للجنة الخبراء عن السودان المكلفة من مجلس الأمن الدولي، الذي صدر في يناير الماضي، وأطلعت عليه (سلام ميديا) امتلاك جميع هذه الحركات لمقاتلين في ليبيا، موضحاً أن حركة تحرير السودان، برئاسة مني أركو مناوي، أقوى الحركات بقوة عسكرية قوامها 1000 مقاتل وبين 250 إلى 300 لاندكروزر مسلحة.
وبحسب التقرير الذي يغطي الفترة من مارس إلى ديسمبر 2019، فإن قوة مناوي يقودها الجنرال جمعة محمد هجر، ونائبه جابر إسحاق. وتتمركز في 3 مواقع جزء منها يحرس آبار البترول في “رأس تنوف” بفرقة يقودها عباس خواجة، ومنصور يحيى رمضان، وفرقة أخرى في مطار الهان الحربي، وفرقة ثالثة تحت قيادة عمر تكوشا، ترابط في مزارع في منطقة زيله.
“تجمع قوى تحرير السودان” هي فصائل انشقت عن حركتي تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، والعدل والمساواة، ويقودها حالياً الطاهر حجر، تمتلك بحسب التقرير نحو 100 عربة مدرعة متركزة في منطقة “الهان والواو الكبير” في جنوب ليبيا، بقيادة الجنرال عبود آدم خاطر، وتتحالف مع جيش حفتر بذريعة أنهما يحاربان التطرف معاً.
وبحسب التقرير فإن حركة تحرير السودان ـ المجلس الانتقالي، تأتي في المرتبة الثالثة من حيث عدد القوة في ليبيا، حيث تمتلك نحو 50 عربة مدرعة بقيادة صالح جبريل سي، متحالفة مع الجيش الليبي.
والمجلس الانتقالي هي مجموعة انشقت من عبد الواحد محمد نور، يقودها حاليا رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى، وهو رئيس الجبهة الثورية حالياً، والمتوجد في مفاوضات السلام بجوبا.
وكان رئيس المجلس الانتقالي السابق نمر عبد الرحمن، وقع أسيراً بين أيدي قوات البشير مع المئات من جنوده عقب معارك في عام 2017 وقعت بشمال دارفور، حينما كان في طريقه إلى ليبيا.
ورصد التقرير الاممي وجود قوات لحركة العدل والمساواة تقاتل لصالح الأطراف الليبية المتصارعة، بيد ان التقرير لم يحدد رقم لهذه القوة واكتفى بوصفها بأنها قوة صغيرة في جنوب ليبيا يقودها عبد الكريم شولي، ولم يكن لها دور بارز خلال عمليات الجيش الليبي في الجنوب، ولكن قائدها، الذي ينتمي لشعب التبو، متعاون مع قوات التبو حليفة حفتر.
جيش قومي مهني
يقول المتحدث باسم قوى تحرير السودان، نور الدين زكريا شمو، لـ (سلام ميديا) إنهم سيعملون من خلال المفاوضات على إنشاء جيش قومي مهني، لجهة أن أحد أسباب اندلاع الثورة المسلحة هو عدم وجود قوات مسلحة سودانية قومية تستطيع حماية الوطن والمواطن.
وأضاف “لإنشاء جيش قومي لدينا عدة آليات ومعايير ستعقب عملية DDR وسنكشف عنها لاحقا، وسنحتفظ بقواتنا الآن حتى تنزيل الاتفاقية على أرض الواقع ويكون الأمن والأمان واقع معاش يؤكده حياة اللاجئين والنازحين في معايشة الحياة الطبيعية من رعي وزراعة وغيرها من الأنشطة اليومية”.
وحول وجود قواتهم في ليبيا لم ينفي او يؤكد ذلك وإنما قال “ليبيا أصبحت ساحة للصراعات الدولية والإقليمية والكل يستطيع ذج وذكر اسم من يريد النيل منه، والشيئ الأكثر اسفا هو استخدام المهاجرين الذين يودون العبور إلى الضفة الأخرى في الحروب القائمة هناك بالإكراه”.
وينتظر ان تناقش المحادثات حول ملف الترتيبات الأمنية وضعية الجيوش خلال الفترة الانتقالية والمدة الزمنية، ثم دمج القوات المختلفة وهي “الدعم السريع، قوات الحركات المسلحة بدارفور، والجيش الشعبي بالمنطقتين” في جيش مهني بعقيدة عسكرية جديدة تعكس التنوع السوداني.
يقول الدكتور عباس التجاني، المختص في شؤون النزاعات المسلحة، لـ (سلام ميديا) إن ملف الترتيبات الأمنية هو أكثر ملفات التفاوض الجارية في جوبا تعقيداً، متوقعاً أن يكون الاتفاق حوله بذات الطريقة التي تمت في نيفاشا بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق.
وأضاف “هذا الملف يزداد تعقيداً بعد ان أصبح النزاع في السودان مفتوحا وعابر لحدود الدولة الوليدة في جنوب السودان وما شهدته هي الأخرى من نزاع، يضاف الى ذلك ما تشهده كل من دولتي افريقيا الوسطي وليبيا”.
وأوضح أن عوامل الحدود المفتوحة والامتدادات السكانية بين هذه الدول بجانب معسكرات اللجوء وطرق الهجرة الى أوروبا عبر ليبيا، تمثل نقطة فارقة لحركة القوات العسكرية لقوى الكفاح المسلح، بجانب التقاطعات الأمنية للنظام البائد وتدخله في النزاع الليبي والنزاع في جمهورية افريقيا الوسطى والمواجهة العسكرية مع جيشي دولة جنوب السودان والجيش الشعبي قيادة الحلو.
كما أن تحالف الجبهة الثورية والعمليات المشتركة له سهل تنقل القوات بين الاقاليم والدول، مما يمثل تحدي في تحديد مناطق السيطرة لقوى الكفاح المسلح وعدد القوات ومناطق تجمعاتها، وفقاً لما تقتضيه الترتيبات الأمنية.
وتوقع التجاني أن يكون ما نتج عن ملف الترتيبات الأمنية باتفاقية نيفاشا سيد الموقف في مفاوضات جوبا الحالية حيث تحتفظ الحركات بقواتها خلال فترة تنفيذ الاتفاق مما يعقد عملية الدمج والتسريح وجمع السلاح المنتشر بمناطق النزاعات.
وأضاف “سف تكون هناك نقاط خلاف جوهرية حول اشتراك بعض القوات في نزاعي ليبيا ودولة جنوب السودان وذلك يضعف دور الوسيط الحالي بجوبا، ربما يتمسك الطرف الحكومي بالتقارير الأممية التي أشارت إلى مشاركة قوات قوى الكفاح المسلح بالنزاع الليبي بجانب حفتر، وذات الاتهام وجه لقوات الدعم السريع وتم نفيه بشدة من قبلها، اعتقد في تلك الحالة تتمسك قوى الكفاح المسلح بسحب قوات الدعم السريع من اليمن”.
وتابع “اعتقد بان ملف الترتيبات الأمنية حتى وان تم الاتفاق حوله سوف يكون أحد مهددات الفترة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في السودان”.