الخرطوم – سلاميديا
مضى عام على سقوط الجنرال عمر البشير عبر ثورة شعبية ملهمة، ما يزال السودانيون يتوقون للسلام الشامل أحد أبرر الشعارات التي رفعتها إنتفاضة ديسمبر المجيدة، حيث لم تراوح العملية السلمية مكانها رغم المفاوضات التي تحتضنها العاصمة جوبا منذ أشهر.

وتبدي حركات الكفاح المسلح السودانية أراء متباينة بشأن تأخر الوصول إلى السلام الشامل الذي كان يترقبه السودانيين بشكل عاجل بعد التغيير السياسي، فالبعض يحمل الحكومة الإنتقالية مسؤولية تعطيل هذا الحلم، بينما يعتقد آخرون أن التفاوض خارج حدود الوطن وإقتصاره على مجموعات دون الأخرى كان سببا في عدم التوصل للسلام.

وبعد مرور عام كامل على سقوط الجنرال المعزول عمر البشير إلا أن بعض الحركات تتمسك بمواقفها التفاوضية مع حكومة الثورة الجديدة التزاما بما قطعته من وعود لقواعدها الجماهيرية.

وتدعم معظم حركات الكفاح المسلح الحكومة الإنتقالية رغم عدم إطمئنانها التام لها بعد التسويات الثنائية والحزبية التي حدثت فيها، وذلك بحسب قيادين بتلك الحركات.

وحددت الوثيقة الدستورية فترة الستة أشهر الأولى من عمر الفترة الانتقالية لتحقيق السلام العادل الشامل الشي الذي لم يحدث. ولكن رغم تعثر عمليات التفاوض في العاصمة الجنوبية جوبا إلا أن مراقبون يستبشرون خيرا، كون الحكومة الإنتقالية مضت قدما للفصل في أكثر من 80% من القضايا العالقة بين المتفاوضين.

وكانت الحكومة الإنتقاليةوضعت تحقيق السلام الشامل ضمن أولوياتها في برنامجها الذي طرحته فور أدائها اليمين الدستورية في سبتمبر الماضي.

وحينها قال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك “اليوم نبدأ مرحلة جديدة من تاريخنا”، مؤكداً أن “أهم أولويات الفترة الإنتقالية إيقاف الحرب وبناء السلام”.

وأضاف “هذه الفترة الإنتقالية إن أحسنا إدارتها ستفتح لنا الطريق حاليا موفر لنا مناخ وفرصة كبيرة جدا للوصول إلى السلام”، مؤكدا “الالتزام بالعدالة والعدالة الانتقالية”.

وبعد عام من ثورة ديسمبر المجيدة تعتزم حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور الأكثر تشددا، دعم الحكومة الإنتقالية الحالية، وقطعت بأنها لن تتعامل معها معاملة حكومة النظام البائد”.

وقال الناطق الرسمي باسم الحركة عبد الرحمن محمد الناير في تصريحاته لـ”سلاميديا”، “رغم موقفنا من الحكومة الحالية وطريقة تشكيلها إلا إننا لن نتعامل معها كتعاملنا مع النظام البائد، ولا نوافق على إسقاطها، بل نعمل لمساعدتها للخروج من الثنائية والمحاصصة الحزبية”.

وأضاف “لهذا السبب بشرنا بطرح مبادرة للسلام الشامل بالسودان وعقد حوار سوداني داخل أرض الوطن، يحقق أهداف الثورة وتكوين حكومة مدنية بالكامل، إلا أن موجة جائحة كورونا والإجراءات الدولية التي تم إتخاذها لمواجهته دفعتنا لتأجيل إعلان المبادرة في هذا الوقت”.

وتابع “الواقع المعاش الآن، الذي أتى بعد ثورة سلمية عظيمة مهرها شعبنا بالدماء والدموع لا يلبي أبسط الطموحات والأهداف التي من أجلها ثار الشعب وقدم لأجلها كل هذه الكلفة الباهظة وحركة تحرير السودان بقيادة محمد نور لديها موقف واضح ومعلن حول الحكومة الحالية من جهة المساومة الثنائية، والمحاصصة الحزبية التي تمت فيها، ومع ذلك أكدت دعمها لتشكيل حكومة مدنية بالكامل من شخصيات مستقلة مشهود لها بمقاومة النظام البائد برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك”.

وشدد “من المؤسف أن أقول ليس هنالك إيجابيات تذكر للحكومة الحالية التي لم تحقق أي إختراقات في جميع قضايا الوطن، فلم يحدث تغير في الإقتصاد ومعاش الناس بل تأزم الوضع أكثر من ذي قبل، ولم تخطو خطوات حقيقية يمكن أن تحقق سلام عادل وشامل ومستدام في السودان، وما يجري في جوبا من تفاوض عبر المسارات هو عين الفشل، ونتيجته معروفة سلفاً، أيضاً لم تنجح الحكومة في بسط الأمن”.

ومضي قائلا” لا يزال القتل مستمراً في إقليم دارفور بشكل يومي وبوتيرة متزايدة دون أن تبذل الحكومة جهدا في القبض على هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم وردعهم بالقانون، كما أن ملف العلاقات الخارجية لم يحدث فيه إختراق لمصلحة الوطن”.

وأشار الناير إلى أن الحكومة لا تزال رهينة لمحاور النظام البائد. وفي ملف العدالة ومحاكمة المجرمين ليس هنالك تحرك جدي في تثبيت أركان العدالة وتسليم المطلوبين للجنائية، وبدلاً من محاكمة البشير في القضايا الخطيرة وملفات الجرائم والفساد، قدمته إلى محاكمة فيما يتعلق بالنقد وحكموا عليه بعامين سجن في دار الرعاية، وأقل ما يمكن أن يقال علي هذه المحاكمة هي إستفزاز لمئات الآلاف من ضحاياه وملايين المشردين داخليا وخارجياً”.

وتتمسك حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور بطرح تحويل المفاوضات داخل الخرطوم إضافة الى عقد مؤتمر دستوري وطرح مبدأ علمانية الدولة، ذلك المبدأ الذي يتفق معه ويسانده عليه عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية قطاع الشمال.

وتعثرت المفاوضات مع هذيين الفصيلين في جوبا، لكن القيادي بالحركة الشعبية جناح الحلو، زاهر عكاشة يقول في تصريحاته لـ”سلاميديا” إن الحركة على إستعداد كامل للمضي قدما في تحقيق السلام إذا توفرت الجدية عند المكون الثاني، وأِشار إلى أن قوى الحرية والتغيير تغيرت مواقفها كثيراً وصارت أكثر إيجابية في تحقيق السلام.

ويضيف “الحركة الشعبية التزمت بوقف إطلاق النار وهذا للمضي قدما للتحول الديمقراطي، والتفاوض مع الأنظمة الشمولية لايمكن أن يؤدي لسلام، وكان هذا مجربا مع النظام البائد، وكلما ابتعدنا من المدنية والحكم المدني كلما استعصت علينا عملية السلام”.

ويتابع “لا نريد التوقيع على الإتفاقية 46 ونسميها اتفاقية سلام من دون أن يكون اتفافاً شاملا وحقيقا،والموقف الإيجابي الاوحد الذي ساعدت فيه حكومة الثورة أها أوقفت إطلاق النار وهذا أمر يستحق التقدير”.

وفي ذات السياق غرد قائد حركة تحرير جيش السودان مني اركو مناوي على صفحته الشخصية بتويتر قائلا “إذا سئلنا الشعب السوداني ماهي نقاط الإتفاق بيننا وبين الحكومة على مدى ثمانية أشهر في جوبا؟ الإجابة بإختصار شديد (يمثل المجرمون أمام المحكمة الدولية فقط) أما القضايا الجوهرية الاخرى جميعها (عالقة). فالجبهة الثورية لزاماً عليها التوضيح للشعب السوداني”.

ويقول القيادي بحركة مناوي سليمان عبد الله “واجهت حكومة الثورة أهداف ومطالب وعاشت هذه التحديات وإستطاعت أن تحقق شكل من أشكال الحريات في ممارسة السياسية والتعبير وغيرها، إلا أن ملف السلام ظل كما هو وقدمت الحكومة الانتقالية جهودها إتجاه السلام دون النظر والإستفاده من الجهود والمباحثات السابقة حول السلام بل كررت المنهج الثنائي الذي إتبعه النظام البائد، وعلى الرغم من التقدم حول الملف الا إنها أقرب الى تكرار سيناريو إعادة التجربة بثوب جديد”.

ويضيف “لا زالت الفرص أمام هذه الحكومة لتلم شمل السودان متاحة على الرغم من التحديات ولكن يتطلب ذلك النظر إلى المطالب والأهداف والأولويات بموضوعية والنظر الى المشهد بشكل أعمق، والإستفادة من أخطاء الماضي حول السلام والعدالة والحوارات ومواجهتها بمنهج جديد نابع من إرادة حقيقة”.