الخرطوم _ سلاميديا
لم يكن ضحايا الحرب في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان واللاجئين السودانيين في دول الجوار، يتوقعون تأخر أحلامهم في السلام الدائم كثيرا، بعد إنهاء حكم الجنرال عمر البشير.
ويتطلع ضحايا الحرب في بقاع السودان المختلفة إلى سلام شامل يرد مظلمتهم التأريخية ويعيدهم إلى ديارهم التي فروا منها ويقدم مرتكبي الإنتهاكات بحقهم إلى محاكمات داخلية وخارجية بمحكمة الجنايات الدولية، وفق الشعارات التي رفعوها في وجه السلطة الإنتقالية وحركات الكفاح المسلح.
وعلى نقيض حالة الحماس والتفاؤل التي كانت تسود المشهد السوداني بطي صفحة الدم والرصاص خلال فترة زمنية وجيزة من الإطاحة بالبشير، ما تزال عملية السلام تراوح مكانها رغم مفاوضات مارثونية بين الحكومة الإنتقالية وحركات مسلحة.
وتجلت تعقيدات العملية السلمية في السودان، وفق محللين، في وجود أكبر فصيلين مسلحين بالبلاد “الحركة الشعبية قيادة عبدالعزيز الحلو، وجيش تحرير السودان بزعامة عبدالواحد محمد نور” خارج مظلة التفاوض، بجانب تصاعد الخلاف بين السلطة الإنتقالية والجبهة الثورية المسلحة حول تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي.
ويرى خبراء، أن العملية السلمية في السودان بحاجة إلى مراجعة شاملة للمواقف بحيث لا تنظر الأطراف “الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة” إلى بعضهما كأعداء وإنما شركاء في التغيير الذي حدث ومن ثم تسريع التفاوض وتجاوز القضايا العالقة.
ومع إرتفاع حالة الترقب في السودان للتوصل إلى إتفاق سلام شامل، إحتدم الخلاف مجددا بين الأطراف بعد ما أعلنت السلطة الإنتقالية مطلع الأسبوع الجاري عزمها تعيين حكام مدنيين للولايات الإقليمية بصورة مؤقته الشي الذي عارضه تحالف الجبهة الثورية المسلح.
وتستند الجبهة الثورية إلى إتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته مع حكومة الخرطوم في عاصمة جنوب السودان جوبا سبتمبر الماضي، والذي قضى بتأجيل تشكيل المجلس التشريعي الإنتقالي وتعيين الولاة إلى حين التوصل لإتفاق سلام، حتى يتسنى مشاركة حركات الكفاح المسلحة في هذين المستويين من السلطة.
ويرى المحلل السياسي الدكتور عباس التجاني، أن صراع الرؤى بين حكومة الخرطوم وقوى الحرية والتغيير وتحالف الجبهة الثورية يعطي مؤشر قوي بأن هذه الأطراف غير مدركة لخطورة المرحلة
الإنتقالية والتحديات الماثلة التي قد تقود لإشعال نار الفتنة من جديد، إذا لم يتم تدارك الموقف.
وقال التجاني الذي تحدث “لسلاميديا” إن التأخر في الوصول لسلام دائم مرده نوعية القضايا المعقدة والتباينات الحادثة وسط التحالفات السياسية في البلاد سواء كانت داخل السلطة الإنتقالية أو إئتلاف الحرية والتغيير.
وأضاف “جميع المكونات في المشهد السوداني ترغب في فرض رؤيتها في تحديد شكل الحكم بالبلاد وطريقة إدارة المرحلة الإنتقالية وكل أحد يستند إلى إرثه النضالي، حيث تستقوي الحرية والتغيير بالشرعية الثورية، بينما تستند الحركات المسلحة إلى كفاحها ضد المعزول عمر البشير لعقود”.
وشدد على ضرورة أن تدرك الأطراف السودانية خطورة المرحلة وتمضي قدما في إستكمال هياكل السلطة الإنتقالية وضرب فلول النظام البائد بالولايات الإقليمية، بما يقود الى وضع أساس متين للتحول الديمقراطي، وتحقيق شعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.
وبعد أن تطاول أمد الوصول لإتفاق سلام، رأت السلطة الإنتقالية ضرورة تعيين ولاة مدنيين بشكل مؤقت للمساعدة في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وإجتثاث عناصر النظام البائد في الأقاليم حيث ما تزال الولايات تدار بحكام عسكريين عينهم المخلوع عمر البشير في آخر عهده.
لكن الجبهة الثورية تمسكت بموقفها الرافض لتعيين الولاة وتشكيل المجلس التشريعي بوصف الخطوة خرقا لإتفاق إعلان المبادئ وحسن النوايا، مهددة بالإنسحاب من التفاوض حالة مضت الحكومة الإنتقالية في هذا الإتجاه.
وخلال مؤتمر صحفي عقدته في جوبا يوم الإثنين، طرحت الجبهة الثورية مقترحات لتجاوز خلافات تعيين الولاة، من بينها وقف القائمة الحالية لحكام الولايات المعدة بواسطة قوى الحرية والتغيير، وإختيار آخرين على أساس الكفاءة دون محاصصات حزبية وأن يكونوا مقبولين مع مراعاة التوزيع الجغرافي العادل لهذه المناصب.
كما دعت إلى إجتماع مشترك يتم تمثيلها فيه لإعادة ترتيب مصفوفة إستكمال هياكل السلطة الإنتقالية التي وضعتها الحكومة الإسبوع الماضي، لكونها شريك أصيل في الثورة وعملية التغيير ولا ينبغي تجاوزها في وضع الحلول.
وبحسب الأوراق التفاوضية، فقد طالبت الجبهة الثورية بإعادة تشكيل كافة مؤسسات السلطة القائمة ومنح رئاسة المجلس السيادي في آخر عمر الفترة الإنتقالية لشخص ينحدر من إقليم دارفور غربي السودان الذي مزقته الحرب الضارية التي قادها البشير ضد الحركات المسلحة.
ورغم هذه الخلافات، يرى المحلل السياسي عبداللطيف محمد سعيد أن الجبهة الثورية تمثل الأقرب لتوقيع إتفاق سلام شامل مع السلطة الإنتقالية، حيث قطعت المفاوضات معها شوطا بعيدا في مختلف المسارات وتبقت فقط بعض القضايا العالقة وملف الترتيبات الأمنية.
وشدد سعيد الذي تحدث “لسلاميديا” بأن إستئناف المفاوضات عبر تقنية الفيديو كونفرس بين الحكومة الإنتقالية والجبهة الثورية يؤكد رغبة الطرفين في المضي قدم لتحقيق السلام الدائم في البلاد التي تعاني ويلات الحرب الأهلية منذ خمسينيات القرن الماضي.
وقال إن حركتي الحلو وعبدالواحد محمد نور تريدان الدخول في مفاوضات منفصلة، يفرضان خلالها رؤيتهما لحكم السودان في إطار قومي دون التركيز على مناطق محددة.
وأشار إلى أن ذلك برز من خلال مساندة الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبدالعزيز الحلو إلى خطوة الحكومة الإنتقالية مع إستمراره في عملية التفاوضات للسلام.
وتعثرت المفاوضات مع فصيل الحلو وهو الأقوى على الأرض حاليا، بسبب طرحه موقف تفاوض يقضي بعلمانية الدولة السودانية أو إعطاء حق تقرير المصير لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق التي يمثل غالبية سكانها من غير مسلمين.
ورأت الحكومة الإنتقالية أن تحديد نظام الحكم في السودان وطرح علمانية الدولة يتجاوز حدود تفويضها وينبغي أن يكون الفيصل في ذلك مؤتمر دستوري قومي.
فيما طرحت حركة عبدالواحد محمد نور خيار وحيدا للدخول في العملية السلمية، وهو نقل المفاوضات إلى العاصمة الخرطوم على ان يجلس الجميع لتحديد مستقبل السودان السياسي.