الخرطوم _ سلاميديا
فتحت الإستقالة التي تقدم بها القيادي البارز في الحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف من عضوية المجلس الأعلى للسلام، الباب مجددا أمام الجدل الذي ظل يدور في أروقة شركاء الحكم الإنتقالي في البلاد حول، صاحب الإختصاص في تولي ملف التفاوض معالمجلس الأعلى للسلام، وهو ما أثار القلق بشأن تجليات سالبة ستلحق بالعملية السلمية إزاء هذه التجاذبات.

وعكست إستقالة “يوسف”، وفق مراقبين، تحفظات مكتومة للمكون المدني في السلطة الإنتقالية على تغول العسكريين على ملف السلام الذي أعطته الوثيقة الدستورية إلى الجهاز التنفيذي “مجلس الوزراء الإنتقالي”.

وإتضح ذلك جليا من خلال المبررات التي ساقها صديق يوسف لخطوته هذه، إذ شدد بأن المجلس الأعلى للسلام الذي تم تشكيله برئاسة الفريق اول ركن عبدالفتاح البرهان ويتولى أمر التفاوض حاليا، مخالف للوثيقة الدستورية التي نصت على تشكيل “مفوضية للسلام”.

وتم تشكيل مفوضية السلام بمقتضى الوثيقة الدستورية، وأسندت رئاستها الى البروفسيور سليمان الدبيلو، لكنها ظلت طرفا غير مؤثرا في محادثات السلام الجارية في جوبا منذ 7 أشهر، في مقابل ذلك سيطر المجلس الأعلى للسلام على ملف التفاوض بعيدا عن السلطة التنفيذية.

وقال صديق يوسف في إستقالته “كان موقفي منذ إعلان تشكيل المجلس هو الاعتراض عليه من منطلق انه مخالف للوثيقة الدستورية التي تنص علي تشكيل مفوضية للسلام بعد اصدار قانون لها”.

وأضاف “شمل قرار تشكيل مجلس السلام تعيين مقرر له كما عين رئيسا للمفوضية حتي قبل صدور قانون لها حتي الآن”، زاد “ايضا اوضحت موقفي الرافض للمنهج الذي اتبع لمعاجة قضية السلام باتخاذ منحى المسارات وتجزئة عملية السلام”.

ويرى عدد من المحللين السياسيين أن الأسباب التي تقدم بها صديق يوسف على درجة عالية من الواقعية، وأن المنهج الذي تم اتباعه لحل قضايا السلام كان خاطئ، وأدى إلى تعقيد عملية كان يمكن أن تكون بسيطة جدا في ظل الظروف السياسية المواتية التي أنتجتها الثورة.

ويرى المحلل السياسي عبده مختار أن الحكومة الإنتقالية لم تتوفق في التعامل مع ملف السلام، كان يجب أن يصدر قانون ويتم تشكيل مفوضية للسلام – مع عدم ربط تشكيل الحكومات (ولائيا ومحليا) بمفاوضات السلام.

ويقول مختار في حديثه “لسلاميديا” “صديق يوسف على حق عندما أنتقد عملية تقسيم السلام إلى “مسارات”، هذه التجزئة سوف تضر بالعملية لأنها ربما تفجر خلافات لاحقا من جهة المحاصصة وتحديد نسب مئوية لبعض الأقاليم من حيث التوظيف”.

ويضيف “هذا الأمر يحتاج إلى الاتفاق على معايير علمية وموضوعية تأخذ في الاعتبار عدة عوامل وأبعاد من ناحية عدد السكان في الإقليم منسوب لسكان السودان وعدد ونسبة الكفاءات التي يتمتع بها أبناء كل إقليم وما شابه ذلك”.

مشددا أن هذا التقسيم أتى استجابة لمطالب سياسية ومحاصصة جهوية ربما يفجر مطالب مماثلة أو مضادة من أقاليم أخرى والتي يمكن أن تقدم مبرراتها وحججها المنطقية وبالتالي ندخل في متاهات وخلافات تؤخر الوصول لسلام”.
وتابع “هنالك أشياء كان يجب تأجيلها للحكومة المنتخبة مع الاتفاق على ثوابت وطنية ومبادئ عامة للعدالة في التنمية والخدمات وليس إغراق العملية في مثل هذه التفاصيل الثانوية”.

ويرى المستشار القانوني بوزارة العدل حاتم محمد احمد أن رأي صديق يوسف حول عمل المجلس وتكوين مفوضية السلام بحسب القانون رأي صائب.

ويقول حاتم الذي تحدث “لسلاميديا” الوثيقة كان نصها واضح بشأن السلام وهو انشاء مفوضية سلام وليس مجلس وحتى لو اختلفت المسميات الا ان المفوضية أشمل من المجلس وتعطي استقلالية اكثر للمفاوضين”.

وتوصلت حكومة الفترة الانتقالية لاتفاقات سلام مع عدد من المسارات وتعذر عليها توقيع إتفاقيات مع فصيليين كبيرين يسيطران على مناطق واسعة من السودان.

وتعذرت المفاوضات مع عبد العزيز الحلو لطرحه مطلب علمانية الدوله فيما اتفق معه عبدالواحد محمد نور في ذات الطرح وزاد عليه مطلب نقل المفاوضات داخل الخرطوم وإنشاء مؤتمر دستوري شامل.

وبالمقارنة مع تجارب السلام لحكومة الإنقاذ التي خاضتها مع فصائل الحركات المسلحة نجد أن تجربة 2019م هي الأفضل رغم عدم التوصل للسلام الشامل لكن كان يضم الاغلبية.

وهذا ما أكده المحلل السياسي سليمان عبد الله والذي تحدث “لسلاميديا”، مشددا على ضرورة إستمرار السودان بتطبيق منهج اللجان والمفوضيات والهيئات المختلفة لغرض كسب الوقت وعدم تكرار أفكار وسياسات الذهنية القديمة التابعة للنظام المخلوع”.

ويضيف “ما أشار اليه صديق يوسف هو ليس بمعزل عن مناهج الأعوام الماضية 1964و1985ومباحثات السلام حولها ولكن على الرغم من ذلك تجربة 2019م تعتبر افضل السيئين”.

ويتابع “استفاد العسكر من ضعف الأحزاب والحرية والتغيير ذلك الجسم الذي يعبر عن الثورة واستطاع السيطرة على الملف الأمني والدبلوماسي والاقتصادي”.