الخرطوم _ سلاميديا
عادت الصراعات القبلية بإقليم دارفور غربي السودان إلى السطح مجددا، بعد أن توقفت لأشهر في أعقاب التغيير السياسي عبر الإنتفاضة الشعبية التي أنهت أطول فترة حكم دكتاتوري بقيادة المخلوع عمر البشير.
فقبيل أن تجف دماء المدنيين في معسكر كرينديق بولاية غرب دارفور الذي تعرض لمحرقة إثر نزاع قبلي ديسمبر الماضي، سالت الدماء مجددا في ولاية جنوب دارفور والتي تشهد إشتباكات ضارية بين قبيلتي الفلاتة والرزيقات والتي خلفت 30 قتيلا وعشرات الجرحى والاف النازحين، وفق الحصيلة الرسمية.
ومع إستدعاء البعض للجذور التأريخية للصراع القبلي في إقليم دارفور، فإن كثيرون ربطوا الأحداث الأخيرة بعدم إستكمال هياكل السلطة الإنتقالية وتعيين الولاة المدنيين، حيث ما تزال ولايات السودان الثمانية عشر تدار بحكام عسكريين عينهم المخلوع عمر البشير، ولم يتسن إجتثاث عناصر المؤتمر الوطني بالأقاليم.
ويبدو هذا المعطى برتبطا بالإتهامات التي تلاحق نظام المؤتمر الوطني البائد في تعمد تأجيج الصراعات القبلية بغرض اضعاف النسيج الاجتماعي ليتسن له الاستمرار أطول فترة ممكنة في الحكم، بعد ان يضرب التفكير الجمعي للسكان، بجانب انتهاجه سياسة الارض المحروقة بدارفور في محاولة للقضاء على الحركات الثورية.
وتعيش دارفور صراعا داميا منذ سنوات راح ضحيته الآلاف وتشرد بسببه عشرات الآلاف، وترجع عوامل الصراع القبلي بالأساس إلى صراع حول الموارد الطبيعية كانت بداياته في 1983 بين الرعاة والفلاحين كنتيجة مباشرة للجفاف والتصحر الذي ضرب المنطقة.
وفاقم البعد القبلي الصراع في إقليم دارفور المستمر منذ العام 2003، عندما استعانت حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بالقبائل العربية وسلّحتها ضد التمرد، بحسب اتهامات كثير من المنظمات الدولية.
وارجع عدد من المحللين السياسيين استمرار هذا الصراع الى تأخر تعين الولادة المدنيين ذوي الكفاءات العالية لادارة أزمة البلاد بطرق اكاديمية مدروسة،وتأخر عملية السلام إضافة الى فشل الادارات الاهليه في ضم الصراعات وحل المشكلات.
ولقي 30 شخصا مصرعهم وأصيب العشرات الثلاثاء، جراء إشتباكات قبلية في إقليم دارفور غربي السودان، وذلك وفق الحصيلة الرسمية الصادرة من الحكومة المركزية في الخرطوم والسلطات الولائية.
ووجه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، والي ولاية جنوب دارفور “مسرح الأحداث”، اللواء ركن هاشم خالد، بإعمال القانون بصرامة وبسط هيبة الدولة، بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الأحداث.
وأبدى حمدوك خلال إتصال هاتفي مع والي جنوب دارفور، أسفه على مآلات هذا الصراع ولفت إلى أن من نفقدهم هم أبناء الوطن الواحد”.
وأوضح والي جنوب دارفور هاشم خالد، في تصريحات صحفية أن الإشتباكات وقعت بين قبيلتي الرزيقات والفلاتة الثلاثاء، نتيجة سرقة مواشي من أحد أطراف النزاع.
ويرى الامين العام لهيئة محامي دارفور محمد صديق “سندكالي” الذي تحدث ” لسلاميديا” أن تأخيير تعيين الولاة المدنيين، وإستمرار العسكر في إدارة شؤون الولايات وإخفاقهم في إداراتها يعتبر سبب أساسي في إستمرار الصراع القبلي بالبلاد.
ويضيف “الصراع في دارفور منذ القدم معروف انه صراع للموارد والطريقة الخاطئة في إدارة هذه الموارد ينعكس سلبا على إدارة أزمة دارفور”.
ويتابع “يجب أن تسرع الحكومة في حسم هذا الصراع وبسط هيبة الدولة. لأن المنطقة ذاقت ويلات الحروب الاهلية لفترات طويلة أثرت على طبيعة انسان المنطقة”.
وعزا والي ولاية جنوب دارفور هاشم خالد تفاقم الاحداث الى إنتشار السلاح الناري وتهاون بعض اطراف الادارات الاهلية مع الخارجين عن القانون وغير المنضبطين وهم معلومين لديهم، مشيرا الى أنهم سيروا قوات لكن لم يجدوا تعاون من الادارات الاهلية.
فيما نصح المحلل السياسي عبد الرحمن ابو خريس بتفعيل دور الادارات الاهلية لانها تحسم كثير من الصراعات وتعمل على تقليل حدة الصراع.
ويقول ابو خريث خلال حديثه “لسلاميديا” رغم أن الادارات الاهلية كان نظام الإنقاذ يسيطر عليها وعلى قراراتها إلا انها ستفلح في انهاء الصراع”.
ويتابع “على حكومة الفترة الانتقالية الاسراع في معالجة الآلام التاريخية لاهالي مناطق النزاع كونها سبب اساسي في تأجيج الصراع القبلي”.
وقالت وكالة السودان للانباء الرسمية إن الاشتباكات أدت إلى نزوح اعداد كبيرة من الرحل أغلبهم من النساء والاطفال بصحبة مواشيهم الى منطقة كتيلا بجنوب دارفور.
وبحسب بيان لتجمع اهالي المنطقة المتضرين من النزاع تحصلت “سلاميديا” على نسخة منه جاء في طياته اعتراف بضرورة بسط الامن والامان وحرص القبيلتين علي استقرار البلاد.
واكد البيان أن الصراع في دارفور أفرز واقعا مأزوما يحتاج لتضافر الجهود لتلافي آثاره المؤلمة منها علي سبيل المثال (انتشار السلاح) والانفلات الأمني والذي يهدد نسف الاستقرار.
واشار الى أن القيادات الأهلية والسياسية تبحث مع الطرفين للتحرك العاجل لحقن الدماء ووأد الفتنة بين القبيلتين وإحكام السيطرة على المتفلتين الذين يسببون التوتر ويدفع ثمنه الأبرياء من الطرفين .
ويرى المحلل السياسي عبده مختار أن ما حدث شي مؤسف وانتكاسة كبيرة للتطورات التي تشهدها البلاد نحو التأسيس للدولة الديمقراطية والتنمية الشاملة العادلة.
ويقول مختار الذي تحدث “لسلاميديا” “ما حدث هو نتاج لسبب ظرفي آني يتمثل في الفراغ الإداري بعدم تشكيل حكومات الولايات والحكومات المحلية”.
ويتابع “وهو كذلك سبب موضوعي يتعلق بخلفيات قديمة تعود لسياسات النظام السابق الذي عمل على تسييس القبيلة ودمر الإدارة الأهلية باختراقها، وتعيين زعماء الإدارة من المواليين للنظام الحاكم ففقدت الإدارة الأهلية هيبتها ولم تعد قادرة على أداء أدوارها بفاعلية و كفاءة كما كان في الماضي”.