بقلم – محمود الشين
 الموسيقار الكبير أبو عركي البخيت ، أقل ما يوصف به أنه (فنان رسالي) ولهذا يحظي بالاهتمام والحب العميق من جمهوره العريض في الداخل والخارج. زرناه آخر مرة مع نخبة من الزملاء في داره العامرة بإمتداد بيت المال جنوب غرب استاد المريخ.
طرقنا بابه ، فاسرع نحونا وبدأ في زيه البلدي ، كما لو أنه صوفي خرج لتوه من خلوة طويلة لمراجعة رحلة الذات الحالمة بغد أفضل لبلد الأشياء. وطفنا معه في مواقفه المعلنه من نظام الانقاذ وحتي الحفلات والظهور عبر وسائل الإعلام الرسمي ، وله في الواقع مواقف مقدرة وجديرة بأن تروي لكننا تعهدنا له وقتذاك بعدم نشرها.

كانت غيوم السياسة تتكون في الأفق البعيد ونحن في أواخر شهر ديسمبر من العام 2017م. قلت له – أستاذنا عركي: أين عفاف؟ ليتني لم أقلها.. يا إلهي.. هل فتحت جرحاً لم يندمل بعد؟
فأجاب بعد صمت (مشت…) الأمر هنا يتعلق بتوفيق أوضاع الأسرة الراقية التي رفدت مجتمعنا بأزاهير يانعة منحت بستاننا الوطني قيمة ومعني.

فالرجل فخور بعائلته وبناته وهو يعدد مزايا الجميلة عفاف الصادق حمد النيل. لم نكن نحن ولا هو ندرك موعد القدر ، فقد رحلت عفاف بهدوء في وقت لاحق ، وتركت عركي وحيداً مثل السيف يواجه آلامه ويعالج جراح الوطن بالحرف النابض بالحياة والحيوية والنغم الملهم.

عركي يحكي بزهو عشية توافد الناس من قري وأرياف نيالا لتشاركه فرحة زواجه من عفاف وسط أسرتها الكبيرة في جنوب دارفور. تعرف يا محمود وهو بضيف (كنا مع عفاف نتجول في رمال وادي نيالا ونشتري خيرات البلد الزاخر بالموارد..بالله عليك لو مشيت نيالا جيب لينا معاك كول)  إنه عركي الإنسان السوداني البسيط في أبهي تجلياته.

للرجل سهم في ثورة ديسمبر الظافرة ، فقد ألهم الناس بأفكاره ، فكان التكريم حين تغني في ساحة القيادة للملايين التي تنشد الحرية ، العدالة والسلام. كرونا ليست داء يكسر قوة أو إرادة رجل عظيم وقوي مثل عركي في رحلة كفاحه المتخمة بالتحديات.. وأي تحد من أجل رفعة وتقدم هذا البلد لطالما ظل له وفياً.

جميل هو حين يتداعي شباب العرضة بام درمان الكبيرة لتقديم الدعم المعنوي لعركي الذي يقاوم بصبر المرض اللعين . فهو أدرك أنه ليس وحده في ميدان المعركة.شهادتي في الرجل مجروحة كوني محب ومعجب بمنتجه الفني والثقافي ، لكن الاحتفاء الحقيقي يأتيه من شارع البسطاء وعامة الناس.

أتمناك بخير صديقنا الوفي.