هيثم محمدين ادم
باحث في مجال النزاعات والسلام
Hmohammedin@gmail.com

يعتبر اقليم دارفور من اكثر اقليم السودان تأثراً بالنزاعات القبلية وذلك نسبة لتدخل السياسات التي اسهمت في تفكيك الاقليم بخلق مواجهات عرقية عصفت بالنسيج الاجتماعي الذى كان يمثل ارضية صلبه للسلم والتسامح ،وهو نسيج تشابكت خيوطه عبر قرون من التعايش بين مكونات دارفور تحت حكم الاقليم 1981م كوحدة ادارية وسياسية واحدة في حقبة تاريخية ممتدة  .بالاضافة الي تباين المناخ حيث نجد فيها مناخ صحراوي وشبة صحراوي وسافنا فقيرة وسافنا غنية.هذه التوليفة المناخية والعرقية والثقافية المتباينة ،اضافة الي وجود مصالح مشتركة ومتقاطعة او متضاربة بين المجموعات العرقية المختلفة جعلت من اندلاع النزاعات القبلية المتعددة وساهمت في النزاع بين المزارعين والرعاة حول الاراضي الزراعية وكذلك الجفاف والتصحر الذي ضرب الاقليم وكان سببا في هجرة كثير من السكان مما احدث الاحتكاكات القبلية .هذا يمثل نموزج الاول من النزاعات ذات ابعاد تنشئ من الظواهر نسبة لتعرض الاقليم  للاختلال البئيي خصوصا في المناطق الواسعة ،الجافة وشبة جافة هذا الاختلال اجبر كثير من المكونات لترك ديارهم وهاجروا الي مناطق اخري . بالاضافة الي استخراج الثروات من باطن الارض ،واعاقة الحركة نسبة للترحال، هنالك نموذج ثاني للنزاعات ظهرت حديثة هو النزاع السياسي علي السلطة مما احدث العنف بين القبائل كما يعتبر النزاع حول الارض والحدود الادارية  وحل الادارة الاهلية وتصفيتها بالرغم من دورها في فض النزاعات ايضا النزاع علي الموارد الجديدة ظهور الدهب في بعد المناطق والنهب المسلح والصراع السياسي المسلح من خلال ظلال الحركات المسلحة. كل  هذه الاسباب قادة علي النزاعات القبلية في الاقليم.  ان كل هذة الاسباب التقليدية الطببعية التي تحدث في كثير من المجتمعات المشابهه. والسياسة الحديثة هي التي قادت الى النزاعات القبلية في دارفور..
ومن ضمن الاسباب اكثر تأثير علي النزاعات الحالية هما النزاع الاجتماعي والاداري
والسياسي ودور الادارات الاهلية
.النزاع الاجتماعي :
ظل مجتمع دارفور مجتمعاً محافظاً ومتماسكا منذ فترة ليست بالقصير، لأنها تعكس مدي جدية وقوة وفعالية القبيلة في مجتمع دارفور، مع ملاحظة ان هنالك بعض التطور الداخلي للقبيلة يحدث من وقت الاخر. نتيجة لعوامل خارجية كالحرب والهجرة والنزوح بسبب الظروف المناخية، او نزاع بعض البطون داخل القبيلة لظروف اقتصادية او اجتماعية طارئة ألا ان هذا التطور ظل في مجمله يتمحور حول مفهوم القبيلة كمؤسسة اجتماعية أساسية. ولكن رغم هذا التمحور القبلي فأن النقاء العرقي لا وجود له في الواقع المعاش, واصبحت القبيلة مفهوما نظريا لا علاقة له في الغالب بالنقاء العرقي، حيث نجد ان كل القبائل اختلطت وانصهرت.من هناء ندرك ان مجتمع دارفور قد تمازجت عبر القرون وانصهرت بدرجة من التمايز في كثير من المؤسسات خاصة المدارس بمختلف مراحلها يتم وفق مناطقهم وليس قبائلهم. لذلك كان التعايش السلمي تلقائياً بين القبائل حتى عهد قريب . هذه الصورة انقلبت اليوم راسأ علي عقب،  ففي الثلاثة عقود الماضية تغيرت المفاهيم الي الجانب السلبي, وبدأت النعرات القبلية في النمو, واصبحت كل قبيلة تجعل الاخر ليس منافسة فقط, بل عدو ولابد من الاعداد لمنازعتها.وتدميرها ونهب كل ممتلكتها وتهجيرها .
النزاع الاداري:_

ان افرازات تجربتي الحكم الاقليمي والفدرالي, ونظرا لمساحة السودان الكبيرة قد جعلت من الانسب ان يحكم لا مركزيا, حيث فشلت السلطة المركزية علي مر سنوات الحكم الوطني في تأسيس بنيات حكم اداري يلبي تطلعات المواطن وتقديم الخدمات الاساسية ويعمل علي تأسيس برامج تنموية تنقل المواطنين في الاقليم للحدود الدنيا من الرفاهية. حيث ادى التقسيم الاداري الجديد للولايات الى تحريك بعض المشاكل الكامنة والخاصة بالحواكير والديار والاراضي حيث ان اعادة تقسيم كل اقليم لعدد من الولايات والولاية لعدد من المحافظات ولاحقاً المعتمديات ولعدد من المحليات افقد الكثير من الاثنيات بعض من مناطقها الجغرافية والادارية التي تنتمي اليها. واحلت الحسابات العنصرية والجهوية والقبلية علي حساب الانتماء للكيان الوطني السوداني ونجد مفهوم الدولة الحديثة الذي أطلق الحريات في ممارسة النشاط الاقتصادي والمتغيرات البيئية  التى أدت الى  نزوح بعض القبائل من ديارها التقليدية الي ديار قبائل اخر مما غير التشكيل السكاني واخل بالنظام القبلي القديم وطرح مفاهيم حديثة كالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات علي اساس حقوق المواطنة. ولكن القبائل التي تمتلك الحواكير لم تستجيب لهذه المتغييرات للحفاظ علي المورثات وعدم انتزاع أراضيها بحجة الحداثة او اقامة المشاريع الزراعية وتمسك بعدم المساس بالنظم والاعراف التقليدية وظهور مستوطنين جدد في الارض كل ذلك ادي الي نشوب النزاعات بين القبائل وظهور الاتجاهات العنصرية بين القبائل في الاقليم. نجد ان السودان قد تغير نظام الحكم عام 1994م بقرار جمهوري حيث كان السودان يحكم من خلال اقاليم ومديريات ومجالس محلية الي ان أصبحت السلطة في مستويات ثلاثة وهي المستوي الاتحادي والولائي والمحلي وأصبح السودان يحكم من خلال18 ولاية بعد انفصال جنوب السودان.

ونجد ان نصيب دارفور قد كان اقليم واحد في السابق. وبعد صدور مرسوم جمهوري التاسع في عام 1993م والذي تم تطبيقه في عام 1994م والذى قضى بتقسيم اقليم دارفور الى ثلاثة ولايات ومن ثم اعادة تقسيم ولايات دارفور مره اخري الي خمسة ولايات بقرار جمهوري رقم (186) في عام 2011م .
النزاعات الادارية والقبلية زاددت بصورة كبيرة في الاقليم نجد ان التقسيم الاداري الجديد ما هي الا ارضاء القبائل دون  مراعاة المعايير المهنية والادارية .يدرك المرء فداحة الأمر وكيف ان الحدود الادارية أحدي اهم عوامل النزاع القبلي بدارفور وكيف ان هذا المجتمع تفكك بناءه الاجتماعي وتعايشه السلمي في مواجهة الانتماء القبلي والعشائري المتطرف الذي سبب فيها السياسسات الجديدة في التقسيم الاداري من خلال اعطاء بعد القبائل ولايات ومن ثم اعطاء كل قبلية معتمدية او محلية علي اساس قبلي بدون حدود واضحة حل وتسييس الادارة الاهلية ,يعتبر من الأخطاء الكبيرة من الناحية التاريخية تكوين الادارة الجديدة التي خلقتها الحكومة بغرض الكسب السياسي والتي كان من المفترض ترقيتها وتحسين أدائها وتطويرها بما يتلاءم مع طبيعية هذه المجتمعات . وقد أضرت كثيراً بالبلاد والغى دور الدولة كوسيط محايد لفض النزاعات بين المجموعات القبلية وشجع القبلية والجهوية لتحقيق الكسب السياسي .فكان لهؤلاء الشيوخ والعمد والنظار والسلاطين والشراتي دور كبير وخبرة وحنكة وحكمة في حل ومعالجة النزاعات وتسويتها وأن استبدال الهياكل التقليدية بمؤسسات رسمية قد اثبت عدم كفايتها في معالجة وتسوية النزاعات المحلية, وتشير الأدلة والشواهد الي ان عملية التحديث ادت الي اضعاف بل انهيار الهياكل العرفية التقليدية بدون توفير البدائل السليمة القابلة للتطبيق وتحقيق العدالة بموجب القانون العرفي.
النزاع السياسي :-

هو بمثابة آله القياس لتصنيف النزاعات فيما هو قبلي أو عرقي أو جهوي او اثني عن بقية النزاعات الاخرى بسبب التنازع علي الارض والموارد الطبيعية ومصادر المياه ويندر ان يخلو نزاع قبلي في دارفور والسودان عامة من العامل السياسي. ويكون عنيف أو دموياً في المجتمعات المتخلفة التي يسيطر عليها الجهل, ويسود فيها قانون الغابة. بينما يكون اقل حدة في المجتمعات الحديثة التي ادرك فيها الانسانية قيمة النفس البشرية. فيميل الي التسوية عن طريق الحوار والحكمة ونادرا ما تقع فيها احداث دموية او قتال .والسلطة المركزية غالبا لها يد في النزاعات القبلية ,وقد تسعي الي تأجيجها لكي  تحقق مكسباً سياسيا .وهذا ما حدث في النزاعات القبلية في دارفور طيلة فترة الانقاذ
استبدال قواعد وأعراف مؤسسة الحكم والإدارة في دارفور وخاصة الاهلي برمتها لتصبح وحدة الادارة السياسي القبلي وتنزيل العقيدة السياسية الي ارض الواقع واعادة تنميط المجتمع القبلي و قد أصيبت الادارة الاهلية في مقتل واحتل محلها اصداء الحرب وتم تحويل بعض رجالات الادارة الاهلية الي امراء حرب وبعضهم الاخر الي دعامات للمشروع الحضاري الذي جعل من معهم استقطاب أتباعهم للانخراط في الحروب التي تكون الدولة طرفاً فيها…