بقلم – دكتور نزار ماشا

اسباب النزاعات؟
لمعرفة الاسباب الجذرية للنزاعات لا بد من اعمال عملية تحليل متكاملة بغرض معرفة الاسباب الجذرية للنزاعات( و هنا لا بد من التنبيه بان الاسباب الجذرية للنزاعات لايمكن حلها او تناولها فى عمليات التفاوض و الوساطة,حيث يظن الكثيرون بان الاتفاقيات تعنى الحلول و تعنى ايضا تحويل الصراع الي بناء السلام, ربما يكون ذلك فقط جزءا, وليس الكل حيث ان معظم الاتفاقيات يطبق فيها مقاربة ادارة النزاع, و هى مدرسة تتميز بالبحث عن كيفية الحلول و ايقاف العنف و العدائيات و القطيعة, و يمثلها فى التفاوض المستوى الاول او اعلى الهرم بالدولة من القادة العسكريين و السياسيين و القانونيين, و قد تجمع اطراف النزاع فى طاولة حكم واحدة و لكن لا يعنى هذا انتهاء النزاع, بل لابد من بعض المعالجات للحيلولة دون العودة للنزاع و العنف مرة اخرى التى سنذكرها حين نتناول برامج و عمليات بناء السلام).
ايضا هناك تداخل بين نلاحظه فى معالجة المشكلات يقع فيه حتى كبار الساسة, و هنا ننوه بانه لا بد من التمييز ما بين اسباب النزاعات, و اثار النزاعات, حيث ان الاثنين لابد من معالجتهما, و لكن لا بد من ان تكون الاولوية لمعالجة اسباب النزاعات الجذرية مع عدم اغفال معالجة اثارها ( حيث ان العاطفة و المواقف دائما تقود للتعامل مع اثار النزاعات و تهمل الاسباب الجذرية للنزاعات)و
دائما تنشأ الخلافات و النزاعات من اجل تحقيق مصالح مادية او معنوية او اجرائية او اساسية, و هذا ما يجب ان يفطن له اطراف النزاع او حتى الوسطاء حيث ان اهتمامهم بالمواقف يضيع الكثير من الموارد الوقت خاصة دون الوصول لحلول ناجعة, ايضا لا بد من تحليل كامل للسياق بكلما يحتويه حيث يساعد ذلك على اتخاذ القرار المناسب للحل.
فى مشكلة جنوب كردفان نلاحظ ان هناك قضايا سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و جمعيها يدور محور النزاع حولها و فى هذا المقال سنتناول السياق السياسي مع ذكر بعض المشكلات
السياق السياسى:
اولا: تأثر هذا السياق في المنطقة بالممارسات السياسية و التى يمكن ملاحظتها منذ الحكم التركى, حيث عمد على استغلال المنطقة من اجل الحصول على الموارد البشرية و الطبيعية عبر التعامل مع قادة القبائل و فرسانها, و استخدام الجذرة و العصا, و كان بداية ذلك بتنظيم تجارة الرقيق و نهب الموارد, حيث واجه وناضل سكان المنطقة ضد القهر و الاستبداد اما بالقتال او الهجرة او غير ذلك و كان الحدث الاهم ابان الحكم التركى هو منع الحكومة البريطانية لتجارة الرقيق, الامر الذى احدث خللا و شرخا كبيرا فى التعامل مع الحكومة التركية بالمنطقة مع داعميها من تجار و ممارسى الرق من جانب من الجانب الاخر سكان المنطقة, و حدثت الكثير من الثورات و المناوشات التى فى باطنها رفض لقرار منع تجارة الرقيق والضرائب الباهظة و المهينة.
ثانيا: ابان فترات الحكومات الوطنية لم يتم التعامل مع قضايا ابناء جنوب كردفان/جبال النوبة السياسية بصورة عادلة, حيث يلاحظ فيها الاستغلال من خلال ممارسة (النجاضة و التفتيحة و الاستغلال بلغة اليوم), حيث لم يتحقق حتى الان اى وضع سياسي عادل و حقيقى لمصلحة ابناء جنوب كردفان/جبال النوبة. و لذا تقلب النظام السياسى و الادارى بالمنطقة ما بين الحكم اللامركزى و الاقليمى و الفدرالى بجانب دمج كردفان تارة و تارة اخرى فصلها لمحافظتين او ولايتين او حتى ثلاثة كما نشهده الان, و لكنه لم يمس المصالح الاساسية لابناء المنطقة او يرفع عنهم المظالم السابقة, ناهيك عن اعطاءهم حقوقهم اسوة بالاخرين.
ثالثا: نشطت فى الحكومات الوطنية احزاب تقليدية و حركات مطلبية و سياسية, يمكن ان نذكر كمثال حزب الامة و الذى يعتبر جل مناصريه من قبائل الحوازمة بالمنطقة, بينما الاتحادى الذي ناصره التجار من قبائل الوسط و الشمال, و الاسلاميين مع تغيير الاسماء حيث ناصرهم عدد من الموظفين و الطلاب و التجار, و الحزب القومى حيث ناصره ابناء النوبة, وهناك بعض الجيوب من الاحزاب مثل الحزب الشيوعى و البعث. و لكن يلاحظ ان هذه الاحزاب اطلاقا لم تطرح قضايا و امال و طموحات ابناء المنطقة,فكان ذلك سببا في ظهور الحركات المطلبية و السياسية لابناء النوبة منذ الاربعينات, للاتى:
1- لم تلامس هذه القوى السياسية رغبات و مطالب و احتياجات أبناء جبال النوبة
2- محاولة استغلالهم من قبل الاخرين
3- ممارسة سياسات الاقصاء و النظرة الدونية لابناء المنطقة
4- لوجود المظالم الواقعة على مجتمعهم سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا
و بظهورت هذه الحركات التي كانت فى بادئ الامر تبحث عن حقوق و اوضاع النوبة, و لكن مع الحراك السياسى تطورت لتلامس اشواق و مطالب و رغبات كل ابناء جنوب كردفان.
رابعا: ايضا من القضايا السياسية المحاولات المستمرة لفصل كل المطالب و الحركات السياسية التى تسعى لمعالجة قضايا ابناء المنطقة ووصمها بالعنصرية و القبيلية ونعتها بانها تعمل لمصلحة النوبة ضد المكونات الاخرى, و هذا الامر ناجح حتى الان و لم يفطن له ابناء النوبة او الحوازمة او غيرهم و ان فطنوا له لا يعتبرون معالجته اولوية.
خامسا: اصبح الكثير من ابناء المنطقة يعتبرون ان معالجة قضية جنوب كردفان لا بد ان تعالج فى اطار مشكل السودان الاكبر, و هذا امر متقدم و جيد و يجب الاهتمام به بجانب توحيد رؤية كل مكونات منطقة جنوب كردفان/جبال النوبة لمعالجة مشكلات و قضايا المنطقة.
ظهرت الحركة الشعبية كفصيل يسعى لمعالجة قضايا الظلم وعدم العدالة, و مرت بكثير من المراحل و الهنات و النجاحات و الاخفاقات و لكن هناك جهات نجحت فى وصم الحركة بانها عنصرية تعمل لمصلحة النوبة فقط مما ابعد منها الاخرين الا القليل.
و الان يلاحظ ان الوضع السياسى قسم الولاية الى حركة شعبية وجل مناصريها من النوبة و حزب الامة و جل مناصريه من الحوازمة و الاسلاميين و هم من مناصرى العروبة و الاسلام
سادسا: يلاحظ ان معالجات المركز دائما ماتتصف باعطاء بعض المناصب التنفيذية على مستوى المركز و الولايات و المحليات لابناء النوبة او الحوازمة و لقلة من المكونات الاخرى, و التى تكون غالبا هى من مواطنى الخرطوم او بعض المدن خارج جنوب كردفان فقط لانهم نوبة او حوازمة, و هذا امر سالب و تأتى سلبيته فى ان التعامل السياسي يأتي وفقا للقبيلة كأولوية من غير اى معايير اخرى و اهمال المعايير الاخرى و اهمها الاقامة.
يتعامل المركز مع جنوب كردفان/جبال النوبة كمستعمرة حيث يحكمها و يديرها بواسطة ابناءها المقييمن بالمركز و هذا هو قمة الاستغراق فى القبلية و العنصرية
سابعا: من اكبر القضايا و المشكلات السياسية هى القوانين و القرارات السياسية التى لها اثار اقتصادية و اجتماعية و ادارية سالبة, و التى دائما تكون مشكلة اكثر من انها حل, بجانب عدم الاعتراف العملى بقضية جنوب كردفان/جبال النوبة بجانب التحيز السياسى السالب للقبائل