بقلم :هيثم محمدين ادم
باحث في مجال النزاعات والسلام
Hmohammedin@gmail.com

مواصلة لمعرفة الاسباب الجزرية للنزاعات القبلية في دارفور لابد من تحليل الحالة بشكل كامل بغرض معرفتها وهنا نورد ما تبقى من الاسباب التي تم ذكرها أنفآ وهي الاسباب الاقتصادية وغياب هيبة الدولة .
الاسباب الاقتصادية:

غالباً ما يكون النزاع القبلي نتيجة للتنافس علي الموارد التي هي في الغالب السند المباشر للثروة التي تمثلها القبائل بمختلف طبيعة حياتهم. فنجد ان المزارع لابد من ان يجد الارض التي يتوفر فيها الماء الصالحة للزراعة وكذا الراعي لابد ان يجد الماء والمراعي الوفيرة حيث ان كل من المزارع والراعي ينتفع بإنتاج غيره فنجد ان الاسواق الأكثر حيوية في ولايات دارفور هي تلك الاسواق التي يتم فيها الاختلاط بين الرعاة وهم الأكثر شراءا للسلع وعلية تكون هذه الاسواق  أكثر انتعاشاً وفائدة للذين يأتون أليها وعندما يحدث اي نزاع يتحول تبادل السلع الي مكان اخر ويظهر سوق جديد يكون اكثر نشاطاً وتبادلا للمنافع و من هن يتضح ان الاركان الاساسية للانتعاش الاقتصادي في كل اسواق دارفور هو الامن ونتيجة للنزاع وفقدان الامن يجد جزءا كبيرا من الرعاة أنفسهم قد  فقدوا ماشيتهم نتيجة للنزاع وبالمقابل يظهر أغنياء الحرب الذين يدمنون النزاع عبر مكوناتهم القبلية بتصنيف السوق والسيطرة عليه يضاف إلي ذلك ظهور قطاع الطرق ومعتادي النهب المسلح وتجار السلاح الذين يزدادون بصورة كبيرة في مدن دارفور وبالتالي فان غياب التنمية المتوازنة خلال فترات الحكم الوطني جراء الاهمال المتعمدة لاقليم دارفور يعتبر من العوامل الرئيسية لنشؤ النزاعات في الاقليم حيث كانت التنمية الاقتصادية والسياسية موجة الي حد كبير لتلبية احتياجات اقاليم محددة من توفر الطرق للتجارة و تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات الادارية عوضا علي خدمة اقاليم السودان الاخري ونتيجة لهذه السياسات غير المتوازنة في التنمية ترك اقليم دارفور متخلفاً نسبياً مما ادي الي الغبن السياسي والظلم الاجتماعي الذي عبر عنه مجتمع الاقليم بظهور حركات مطلبية وفتح الحدود الذي أسهم في توفير الاسلحة الحديثة وتنامي الشعور بالاثنية أدي الي توسيع نطاق النزاعات الي صراعات داخل الاقليم وظهور حركات مسلحة تتمتع بتأييد في اوساط بعض القبائل الامر الذي ادى الي ان تأخذ المشكلة منحنى اخر وساهم في تشكل الازمة الحالية وتفاقم المشكلة والتي خرجت عن السيطرة المحلية في الحل واخذ بعدا دولياً خلف أثارا اجتماعية واقتصادية وسياسية وبئية وامنية سالبة أثرت علي المجتمع في الاقليم وفي ظل الانفلات الامني وانتشار الفوضي بدأت حياة مجتمع دارفور تضطرب وتتصدع وتفكك النسيج الاجتماعي وأخذ النزاع القبلي طابعاً أشد خطورة

غياب هيبة الدولة:

نجد ان غياب هيبة الدولة وقصور وضعف فعالية أجهزتها التنفيذية والادارية يعتبر واحدة من العوامل المؤدية للنزاعات لان ذلك ساهم وساعد بصورة كبيرة في الخلل والانفلات الامني بصورة عامة.هذا بالاضافة الي الخلل في ميزان القوي بين الحكام والمحكومين حيث ظلت الحكومات تشكل العقبة الرئيسية التي تعوق مسيرة القوى الشعبية في التعبير عن تطلعاتها باستخدام وسائلها المختلفة لانها تسعي دائماً للسيطرة علي مراكز الثروة والسلطة لادارة مصالحها من خلال توسيع الظل الاداري لتوسيع التمدد السياسي في الاقليم وهنا نورد بعد الامثلة كنموذج لاويتي شرق دارفور وجنوب دارفور فيما يتعلق بالنزاعات القبلية حيث قامت حكومة الانقاذ باتخاذ قرارات سياسية سيست بموجبها الوحدات الادارية لاقليم دارفور فأصبحت الوحدة الادارية (سلعة) سياسية يفاوض بها في الولاء والاستقطاب السياسي فكان انشاء ولايات ومحليات ووحدات ادارية باعتبارها ثمنا لما قامت به القبيلة او احد بطونها الكبيرة مقابل الولاء السياسي وبالتالى جاءت الألية القبلية كمعيار اساسي لانشاء ولاية أو محلية أو الوحدة الادارية أما الاعتبارات الاخري فهي ثانوية و لتنفيذ هذه السياسيات تم تقسيم ولاية جنوب دارفور وغرب دارفور ومن ثم تم تقسيم ولاية جنوب دارفور الي 21معتمدية وشرق دارفور الي 9 معتمدية بقرار رقم (186) بتاريخ 5/5/2011م (قرار مجلس الوزراء بالغاء وإنشاء ولايات ،بتاريخ 5/5/2011م، وزارة الحكم الاتحادي(.

وبهذا نجد ان التنظيم الاداري الذي من ابرز سماته الجانب  القبلي العشائري الذي أتاح الفرصة لأعادة احياء القبلية المتطرفة التي سادت الان في مجتمعات دارفور في ابشع مظهر لها في النزاعات القبلية التي تدور في الاقليم وقد تحدث هذه النزاعات بين قبيلة كبيرة تمتلك الارض أو الديار واخرى صغيرة وهذا يعني ان القبيلة الصغيرة تابعة ادرياً للقبيلة الكبيرة, وذلك يشير الي ان نظام الادارة الاهلية كما هو معروف يعتمد اساسا علي مجموعة من الاعراف التي من اهم بنودها ان حق الادارة يعتمد اساسا علي ملكية الارض او الديار القبلية المعنية اي ان القبيلة التي لا تمتلك الدار لا يحق لها عرفاً المطالبة بحق الادارة ومن الاشياء المتعارف عليها أن القبائل الصغيرة التي ليس لها ديار خاصة بها تسكن في ديار القبيلة الاكبر حجماً ومن ثم تتبع لها ادرياً ويحدث النزاع عندما تطالب القبيلة الصغيرة بالانفصال عن إدارة القبلية الكبيرة بمعني مطالبتها بالاستقلال الاداري وعدم التبعية للقبيلة الكبيرة وعادة ما ترفض القبلية صاحبة الدار هذا الطلب الانفصالي فينشب نزاع بين القبيلتين والذي يأخذ طابع النزاع الاداري وعادة مايتم حسم هذا النوع من النزاعات بأعطاء القبيلة الصغيرة نوعاً من الادارة الاهلية المستقلة علي ان تكون تابعة لادارة القبيلة صاحبة الدار بحيث تكون الكلمة العليا للقبيلة الكبيرة. إلا ان هذا الوضع عادة لا يرضي طموحات القبائل الصغيرة التي تسعي للانفصال كلياً وعدم التبعية ومن ثم نادراً ما تلتزم ببنود الصلح المنعقد وتكون دائمة المطالبة بالانفصال واثاره الكثير من المشاكل مالم يتم التوصل لحل جزري يرضي كلا الطرفيين خاصة الطرف المطالب بالانفصال وهذا النمط من النزاعات يتسم بالتعقيد فليس من السهل تجاوز مفهوم الديار والارض ان هذا الفهم يعد جزءاً من الموروث الثقافي القبلي وحقاً مكتسباً منذ القدم يحوي أبعاد سياسية واجتماعية عميقة المضامين.