حالة التصدع التي أصابت جبهة قوى ثورة ديسمبر، و مكوناتها، والتي عبرت عن نفسها، في انقسامات افقية وراسية في الجبهة الثورية، وفي التجمع المهني، وتجميد حزب الأمة نشاطه في تحالف قوى الحرية والتغيير، والسعي لبناء تحالف بديل، ووقوف نداء السودان بالضد من موقف حزب الأمة… الخ، هذا الصدع لم يوفر المكون العسكري للسلطة الانتقالية، الذي كان يبدو متماسكا مقابل نظيره المدني داخل المجلس السيادي. فعلي عتبة الذكرى الأولى لمجزرة ٢٩ رمضان، ومع اقتراب صدور تقرير لجنة نبيل أديب المكلف من قبل النائب العام بالتحقيق في تلك الجريمة البشعة، بدأ ان الشراكة بين المكون ين، المدني والعسكري، على الأقل، تمتحن، فيما يخص تحقيق العدالة لضحايا المجزرة، في وقت تشير فيه أصابع الاتهام للمكون العسكري، الذي كان جزء من المجلس العسكري الانتقالي، الذي يتهم، أيضا، بأنه هو الذي خطط وأشرف على تنفيذ المجزرة. ويبدو أن إستمرار الشراكة المقررة، بموجب مواثيق الثورة المتفق عليها، يرتهن، الان، بانفاذ، احد أهداف الثورة وشعاراتها، وهو العدالة. وعلى هذا هذا الموقف من العدالة ومقتضياتها تحققها الفعلي، ومن ثم من الشراكة، يعتمل الحراك الحالي، والذي يتخذ شكل تصدعات وانقسامات، وما قد يترتب على ذلك من فرز واستقطاب، واصطفاف جديد للقوى. وفي وقت ينشط زعيم حزب الأمة، السيد الصادق المهدي، في تاسيس حلف سياسي بقيادته، يتسع للاسلاميين، بشكل خاص، بجانب الجبهة الثورية، وكعامل نشط من عوامل شق الصف، كما وصفه الجنرال محمد حمدان دقلو، حميدتي،فإن قوى الحرية والتغيير، تجد نفسها، مطالبة، اكثر من اي وقت مضى، لتمتين وحدتها، والتخلي عن معاركها وصراعاتها الثانوية، ودعم حكومة د. عبدالله حمدوك، في إطار المحافظة على الشراكة مع المكون العسكري وتعزيزها، كاداة لإنجاز أهداف الفترة الانتقالية. غير ان هذه الشراكة، وفي ضوء التحدي الذي تواجهه، يتعين إعادة تعريفها، باعتبارها، حلفا سياسيا مع المؤسسة العسكرية، وليست توافقا شخصيا مع أعضاء المجلس العسكري الانتقالي،حتي لايشكل الالتباس بشأن الشراكة حائلا دون انفاذ العدالة أو تعطيلها.فتوجيه الاتهام، رسميا، وفق تقرير لجنة التحقيق، لأي من أعضاء المكون العسكري للمجلس السيادي، يجب أن يتبعه إستقالة العضو أو الأعضاء المتهمين، وافساح المجال أمام القوات المسلحة لانتخاب من يمثلونها، في المجلس السيادي، بديلا للمستقيلين.ويبدو ان مساءلة جريمة مجزرة القيادة، تمثل منعطفا حاسما في مسيرة الثورة، وفي مصإئر الحكم الانتقالي، وإذا ماكان سنتهي بالمدنية الكاملة والديموقرطية. وفي هذا الإطار، يمكن النظر الى العديد من التحركات والأنشطة التي تنخرط فيها العديد من القوى، كمحاولة ل”تبييض” هذا الطرف أو ذاك، من الأطراف التي تلاحقها الاتهامات المتصلة بجريمة فض الاعتصام. محاكمة المسؤولين عن مجزرة القيادة، وقد آن اخوانها، بعد مضى عام من وقوع الجريمة، تشكل عامل ضغط ثقيل على الحكومة، التي لاتني تبحث عن انجاز وسط ركام من تخريب ثلاثة عقود. وليس أمامها سوي المضي قدما في هذه المحاكمة، التي يمكن أن توصف بالتاريخية، والتي قد تقتضي إعادة ترتيب في الاوضاع كافة، وربما تحالفات جديدة، لعبور المرحلة، إلى أخرى متقدمة، وعلى قاعدة التخلص من كل الأطراف ذات الصلة بالمجزرة. وقد بدأ الجنرال حميدتي، ضمن مسعى متطاول ومزمن، لتبرئة قواته من وزر جريمة القيادة، بابتدار مايمكن تسميته بالفرز، على مستوى المكون العسكري، مؤكدا ماظل يردده من اتهامات بشإن استهداف قوات الدعم السريع، بما في ذلك توريطها في جريمة فض الاعتصام. ففي الحديث الذي ادلي به مؤخرا لقناة سودانية ٢٤،مايفيد بانفراط وحدة موقف المكون العسكري، وتصدعه، بما قد ينطوي عليه ذلك من احتمال خروج بعض أعضائه من معادلة السلطة، كما حدث بعد يوم واحد من الاطاحة بالبشر، يوم ١١ أبريل، العام الماضي، بإقالة رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عوض بن عوف، ونائبه كمال عبدالمعروف. يبدو أنه قد ان الأوان، وفق الجدلية التي تعتمل في الساحة السياسية، لإعادة تشكيل المكون العسكري للسلطة الانتقالية، ومبرر تجاوز معضلة العدالة لضحايا مجزرة ٢٩ رمضان.