بعد أنْ كانت ضرباً من المستحيل

الاعتصامات.. رسائل في بريد الحكومة الانتقالية

غرب دارفور – هانم حسين

الاعتصامات.. وسيلة استحدثتها ثورة ديسمبر المجيدة لتصبح هي الاداة للمطالبة بالحقوق بكل سليمة. فقد انتجت الثورة وعيا بالحقوق وسط كافة قطاعات المجتمع بعد أن كانت المطالبة بالحقوق ضربا من المستحيل ابان فترة النظام السابق، وان تجرأ فرد او مجتمع للمطالبة باي نوع منها وجه بالة قمعية حادة قد تؤدي بحياته ، وماشهدته الفترة الماضية من محاولات المطالبة بالحقوق منذ العام ٢٠١٣م وقبله وحتي سقوط حكومة الإنقاذ في العام٢٠١٩م هو خير دليل علي ذلك.
ذلك القمع الذي استمر لسنوات عديدة انتج مجتمعات تعاني من إنعدام للتنمية وكافة الخدمات لتجد تلك المجتمعات نفسها عقب ثورة ديسمبر بعيدة كل البعد عن ابسط مقومات التنمية، فخرجت ثائرة علها تلحق ببقية المجتمعات او جزء من ماتتمتع به خاصة في جانب توفر الامن والذي علي اساسه تقوم الحياة.
مطالب عديدة لعدد من المناطق شهدتها الفترة الماضية وان اختلفت في صياغتها وزمانها الا انها مشتركة ، وكلها تصب في قالب المطالبة بالتنمية وتوفير الأمن.
فمحلية غرب الجبل وحاضرتها نيرتتي تعد واحدة من كبري المدن التي اشتهرت بطبيعتها الساحرة وشلالاتها المتدفقة وتعتبر من اجمل المناطق السياحية بالبلاد .ورغم كل تلك الميزات فحكومة الإنقاذ لم تستفد من ميزاتها ليأتي الوقت لتشكو من معاناة استمرت لسنوات عبر إعتصام اشتهر بسلميته وبدروسه ورسائله الجديدة في ادبيات الثورة بتنظيم من لجان المقاومة والتغيير والغرفة التجارية والإدارة الأهلية والنازحون في الثامن والعشرون من يونيو ٢٠٢٠م وتمثلت مطالبه في تعيين الولاة المدنيين وإزالة التمكين لمنتسبي النظام السابق ، وتحقيق السلام العادل الشامل،وجمع السلاح ومنع الدراجات النارية ،وتأمين الموسم الزراعي،وإقالة لجنة أمن المحلية .
وعلي نفس الخطي سارت مدينة كبكابية بولاية شمال دارفور لتسجل اسمها في دفتر حضور الاعتصامات ،حيث اقام مواطنوها اعتصاما امام مباني المحلية، وطالبوا بإقالة لجنة امن الولاية ابتداء من والي الولاية ،ومدير الشرطة،قائد الاستخبارات، وقائد المنطقة،والمدير التنفيذي،قائد قوات الدعم السريع،وتشكيل لجنة لمحاسبة اللجنة الامنية وقوات الشرطة التي أطلقت الرصاص الحي علي موكب ٣٠يونيو،وحظر المواتر والكدمول والقبض على المتفلتين وتفكيك رموز النظام السابق.
لتلحق فتا برنو تلك الوحدة والإدارية لمحلية كتم للمطالبة بالامن اولا والقضاء علي ظاهرة المواتر والمسلحين والمتفلتين وتامين وحمايه للموسم الزراعي.
وعلي ذات النهج حدث اعتصام وحدة إدارية مستري محلية بيضاء بولاية غرب دارفور،والذي استمر لاحدي عشر يوما وشملت مطالبه بإقالة لجنة امن الوحدة الإدارية(ضابط الإداري- رئيس شرطة مستري- قائد حامية مستري العسكرية و توفير الخدمات الأساسية (كهرباء -صحة – تعليم – شبكة مياه )وإيقاف أنشطة النظام البائد وإزالة التمكين بجانب القيام بتحقيق وتقصي عاجل حول أحداث مناطق خير واجد وترتي وسرف نلتيتا ومحاكمة المرتكبين لتلك الاحداث، وترفيع محكمة مستري من ريفية الى جزئية
ومعالجة مشكلة شبكات الاتصالات (زين – اريبا – سوداني) ونزع السلاح من مليشيات الجنجويد وحظر الدراجات النارية واخيرا مراجعة وتنفيذ طريق الجنينة مستري المصدق مسبقآ .
وعلي ذات النسق سجل اهالي مدينة الدويم بولاية النيل الابيض بوسط السودان ايضا حضورهم حيث بدأ اعتصامهم في الرابع عشر من يوليو امام مباني المحلية بعد تماطل حكومة الولاية في تنفيذ مطالبهم التي تم تسليمها في مليونية الثلاثين من يونيو.وشملت المطالب 39 مطلبا ثوريا، وتمثلت في إقالة جميع مدراء الادارات المحلية،وازالة جميع اشكال التمكين للدولة العميقة،في المصانع والشركات والمصالح الحكومية.
وشهدت ولاية شرق دارفور عدد من الاعتصامات حيث اقامت محلية ياسين اعتصاما بدأ بتاريخ ١٢/٧/٢٠٢٠م مطالبين بتوفير الأمن والعودة الطوعية وما يصاحبها من تبعيات، وحل مجلس السلم والمصالحات الولائية ،وإقالة المدير التنفيذي لمحلية ياسين وجمع السلاح من أيدي المتفلتين .
كل تلك الاعتصامات نظر اليها بعض المراقبون بانها لا تخلو من اهداف اخري واجندة ليستفيد منها البعض ككرت ضغط علي الحكومة الانتقالية.غير أن الخبير في الشأن الدارفوري عبد الله ادم خاطر يري انها مظهر من مظاهر ثورة ديسمبر المجيدة وان المواطن هو صاحب القرار الاول وهذا هو الملمح الاساسي خاصة بالنسبة لدارفور لانها تعرضت لمشاكل عديدة وكان هناك حاجز نفسي بينها وبقية المواطنين في السودان،وبالتالي فالاعتصامات تجسد المشاعر الوطنية والعلاقة مع المجتمعات السودانية.
ويضيف ومن ناحيه اخرى فهي تؤكد علي مبادرة اهل دارفور في المشاركه القومية في معالجة المشاكل ، وهذا يساعد في التطبيق الفيدرالي واللامركزي والتنمية وسيادة حكم القانون.
واستبعد وجود جهات اخري لها اجندتها التي تستعملها ككرت ضغط وقال لقد تأكد تماما بان الاعتصامات في سياق تدعيم الفترة الانتقالية والتعاون معها لحل المشاكل المحلية لذلك اول مايتحدثوا عن الوضع الامني يتحدثون عن الحكومة الانتقالية والتي بدورها ترسل وفدا وتستجيب مثلما حدث في نيرتتي .وتوقع أن تتكرر زيارة وفد مجلس السيادة والوزراء لكبكابية وكتم خلال اليوميين القادمين.
فيما يعتقد الصحافي والمتابع للشأن السياسي السوداني ماهر ابو الجوخ ان الاعتصامات واحدة من اشكال التعبير السلمي المدني والديمقراطي عن المطالب .
ويشير الي وجود متغيرين في محور الاعتصامات فعلي المستوي السياسي النظام السابق كأن يتعامل ببطش او عدم تفاعل وإكتراث ونموذج لذلك (اعتصام المناصير). فالحكومة لم تفضهم ولم تكترث لهم وكذلك الاعلام لم يبرز الامر في الاخبار.
ويعتقد انه حدث تحول حاليا فالحكومة صارت تتجاوب مع الاعتصامات ولا تعمقها،ويقول صحيح أن هناك حوادث فض ولكن واضح أنه ليس سياسة الحكومة بل تفلت من جهات اخري .
ويعتبر الجوخ الاعتصامات دق لناقوس الخطر لتردي الاوضاع خاصة في الولايات، ويشير الي ولايات لم يسقط فيها النظام السابق وانه مازال موجود ا علي مستوي الولايات والمحليات وبالتالي المواطنين يعيشون ظروف سيئة.
ويري أن الاعتصامات رسالة واضحة للحكومة الاتحادية بان الامر لا يطاق وفوق الاحتمال وهذا يتطلب إستكمال هياكل السلطة الانتقالية بتعيين الولاة لتنفيذ برنامج الثورة،وعلي راسه تفكيك دولة التمكين التي أسسها النظام السابق الذي مازال موجود رغم سقوطه قبل اكثر من(١٦)شهرا .
وتوقع ابو الجوخ استمرار هذه الاعتصامات وتزايدها طالما أن للنظام السابق وعناصره مسيطرين بالكامل هم وشيكات فسادهم علي مقدرات ومعاش المواطنين في الولايات.
ويري أن الحل يكمن في إستكمال السلطة الانتقالية وتعيين ولاة مدنيين لتنفيذ برنامج انتقال يطبق في كل الولايات بمستوي ووتيرة واحدة.