الخرطوم : وفاق التجاني
وسط أجواء ملبدة بالغيوم، شرع السودان في مؤتمر مصيري للعودة إلى حكم الأقاليم، إستجابة لإتفاق السلام الذي يجرى توقيعه في جوبا ويمضي تنفيذه بتعثرٍ ملحوظ، وفق مراقبين.
حركة دؤوبة إنتظمت العاصمة الخرطوم طوال الأسبوع المنقضي إثر ورشة عمل إنعقد بغرض وضع لبنات نظام حكم فدرالي جديد، لكن لم يشأ التوافق حول المخرجات مما حدا بالقائمين على أمر الورش الإمساك بالتوصيات لإخضاعها لمزيد من التشاور.
وبعد مرور أكثر ستة أشهر على اتفاقية السلام سلط محللون الضوء على مؤتمر الحكم بالسودان والذي نصت عليه الاتفاق الموقع في جوبا في الثالث من اكتوبر.
واختتمت ورشة عمل كتمهيدي بلجنة ترأسها عضو مجلس السيادة محمد حسن التعايشي، وشهدت الورشة ممثل الجبهة الثورية وأطراف العملية السلمية وعضو مجلس الشركاء خميس ابو بكر، والذي أبدى ترحابه بدور الحكومة السودانية في جهودها لإحقاق السلام على أرض الواقع.
ونصت إتفاقية جوبا الموقعة بين الحكومة الإنتقالية وأطراف العملية السلمية من قوى الكفاح المسلح على قيام مؤتمر نظام الحكم والادراة في غضون ستة أشهر من تاريخ التوقيع على الوثيقة لتحديد صلاحيات الإقاليم وهياكلها وإختصاصاتها.
ويرى محللون أن تأخر تنفيذ بنود الإتفاقية ينعكس بظلال سلبية على العملية السلمية في السودان، وبالمقابل تباينت وجهات نظرهم حول صيغة الحكم الفدرالي التي ستحقق الإستقرار.
وقال المحلل السياسي عبد الباسط الحاج إن السؤال المحوري الذي لابد من الاجابة عليه وظل عالقا طوال تاريخ البلاد الحديث، وهو كيف يحكم السودان.
وأضاف خلال حديثه “لسلاميديا” “برزت الأزمة السياسية الوطنية حين اندلاع الحروب الاهلية، وإنفصال جزء عزيز من الوطن وكانت طريقة الإدارة والحكم المتبعة واحدة من أسباب التهميش المتعمد والظلم المتراكم وغياب التنمية والمشاركة السياسية الفعالة للأقاليم بسبب طبيعة الدولة ونظام الحكم المنحاز دائما”.
وتابع “بعد ثورة ديسمبر المجيدة نحتاج إلى الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق وواعي بطبيعة الصراع في السودان وأسبابه التاريخية بمشاركة جميع السودانيين دون إستثناء”.
وأعاب على بند مؤتمر الحكم في السودان أن هذا المؤتمر يأتي في ظروف غير موضوعية لاتساهم في تعزيز مخرجاته، بجانب ضعف السند السياسي والشعبي لهذا المؤتمر.
وأشار إلى الضعف الواضح في مستوى المشاركة وتدوال المواضيع المتعلقة بالمؤتمر وهو ما جعل محمد حسن التعايشي يعلق في صفحته الشخصية على أن مخرجات المؤتمر ستخضع لمزيد من “المشاورات” مع قطاعات أخرى.
ونبه عبدالباسط الحاج إلى أن المؤتمر لم يكن مرتب ترتيب كافي ولم تكن المشاركة واسعة بالقدر المطلوب بالتالي المخرجات لم تكن بقدر الإجابة على السؤال المطروح.
وأضاف أن هنالك أطراف سياسية مهمة غائبة في هذا المرحلة السياسية وهما الفصيلين الكبيرين عبد الواحد محمد نور والحلو، وتابع “جوهر الخلافات الحالية مع الحكومة متمثلة في سؤال كيف يحكم السودان وبالتالي مشاركتهم مهمة ويجب عدم تجاوزهم هذه من ناحية”.
وأردف “شروط الإنتقال تتطلب مشاركة سياسية واسعة لكل أطياف المجتمع خاصة أصحاب المصلحة في التغيير ليشاركوا بآراءهم حول مواضيع الإنتقال وغياب هؤلاء او تغييبهم يجعل الحلول فوقية غير ملامسة لتطلعات الناس مثل النازحين واللاجئين والمجتمعات في الأقاليم الأكثر تهميشاً”.
وقال عبدالباسط في تصريحاته “لسلاميديا” “فيما يتعلق بالظروف الأمنية فإن لامعنى من تشكيل هياكل إدراية دون نزع سلاح المليشيات في دارفور ووقف التفلتات الأمنية وضبط الحدود وفرض هيبة الدولة ومحاربة الإفلات من العقاب لتكون مؤسسات الحروب فعالة بما يكفي، سوى ذلك سيكون تكوين الأقاليم عبارة عن زيادة للترهل الإداري”.
بدورها، شنت هيئة محامي دارفور “جماعة ضغط”، هجوما لاذعا للورشة التي تم تنظيمها ولإتفاقية السلام، ووصفتها في بيان بأنها قفزت عن الأوضاع الحالية التي تمر بها البلاد لتمكين أطراف العملية السلمية بمناصب قيادية.
وقالت “الصحيح أن تحديد نظام الحكم في البلاد من القضايا التي يتم البت فيها بأسس ومرجعية التأسيس الدستوري السليم ، القفز على الأوضاع الإستثنائية القائمة حاليا لإستيفاء ما أسماه مجلس الوزراء بأنه تنفيذا لإتفاق جوبا لسلام السودان سيدخل البلاد كلها في أزمة كبرى”.
وقال عضو هيئة محامي محمد صديق “لسلاميديا” “نظام الحكم الفيدرالي القائم كأمر وأقع بالحدود والتقسيمات الجغرافية الحالية بالرغم من العلات ومثالب التطبيق، مراجعته لإستدعاء الحكم الإقليمي لدارفور او اي منطقة اخرى من أجل إسناد المناصب لبعض اطراف اتفاق سلام جوبا، ستدخل المنطقة في منازعات جديدة بين الولايات والمحليات والتكوينات الإجتماعية، غير محسوبة العواقب الفادحة الوخيمة لمن يباشرون هذه الإجراءات”.
وأوصى بضرورة أن تلتزم الحكومة بالتأسيس السليم وشدد على ضرورة مراجعة القرارات.
فيما أكد المحلل السياسي، نور صلاح أن اللجنة التي تم تكوينها بقيادة محمد حسن التعايشي، قد أبدت عملا جيدا في ظل أوضاع كارثية تواجهها البلاد.
وأوصى بضرورة دعم هذه اللجنة والتمسك بالنظام الدستوري الديمقراطي الوحيد الذي توافق عليه السودان بعد معاناة.
وأشار إلى أن السودان حظي بإتفاقية سلام، وكذلك اعلان مبادئ مع الحركة الشعبية جناح عبد الواحد مشددا على ضرورة التمسك بالأنظمة الدستورية القانونية.
وطرق السودان أبواب حكم الأقاليم للمرة الثالثة في تأريخه بمقتضى إتفاق جوبا، وذلك بحثا عن السلام والإستقرار بعد سنوات من الحروب الأهلية الضارية.