بقلم : محمد بدوي
(1)
حفلت وسائل الإعلام السودانية بتصريح في الرابع من مايو 2021 للسيد : أحمد محمد هارون نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول والذي تقلد عدة مناصب قيادية بالسلطة السابقة  بتفضيله المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية عقب رفضه للتعاون مع لجنة التحقيق التي شكلت للتحقيق حول الانتهاكات التي صاحبت أحداث  علي خلفية الصراع الواسع منذ 2003 بين الحكومة السودانية و حركات الكفاح المسلحة  .
 
(2)
كانت المحكمة الجنائية الدولية قد تولت تحقيقاً في الأحداث إستناداً على قرار صادر من مجلس الأمن الدولي . أفضى  إلى إصدار لائحة إتهامات إشتركت جميعها في إرتكاب جرائم حرب بالإضافة إلي أخري  مواجهة (6) سودانيين  ،  ( 4) من الجانب الحكومي من قادة الحزب الحاكم المحلول  بما شمل رئيس الجمهورية الأسبق عمر البشير  و وزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم محمد حسين إلى جانب أحمد محمد  هارون من الرسميين بالإضافة إلى  علي عبدالرحمن كوشيب كان قد خدم  بالقوات المسلحة السودانية  ،ثم قيادته لمليشيا محلية عرفت بالجنجويد علي  نطاق واسع ، في العام 2006  تم الحاقه  بقوات الشرطة و حدة الإحتياطي المركزي  .
 
(3)
شملت لائحة تهم  جرائم الحرب اثنين  (2) من قادة حركات الكفاح المسلح وهما علي بنده و بحر أبوقردة  على خلفية الإعتداء المسلح على موظفي بعثة الاتحاد الافريقي بموقع حسكنيته العسكري  بدارفور في العام 2007  مما اسفر عن مقتل حوالي 12 من حفظة السلام  ، مثل السيد /  بحر أبو قردة  أمام المحكمة  الجنائية الدولية طوعا لينتهي الأمر بأسقاط  التهم  عنه بعد أن ثبت إنقسامه  المجموعة التي نسب إليها  الهجوم في وقت سابق للاعتداء  ، الخطوة الإيجابية التي قام بها أبوقردة فتحت الباب أمامه  ليشغل منصب وزير الصحة الاتحادي تحت مظلة وثيقة  السلام القطرية لدارفور الموقعة في الدوحة 2011  بين الخرطوم و حركة التحرير والعدالة .
 
(4)
جاء موقف الخرطوم الرسمي مناهضاً للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية  عبر حملات  إعلامية و دبلوماسية واسعة إستندت على الدفع  إنتفاء ولاية المحكمة الجنائية لعدم  مصادقة السودان على ميثاق روما 2002 ،  مناورات سياسية بقطع وعود بضمان  بتنفيذ بعض البنود المرتبطة بإتفاق السلام الشامل 2005  ،  الإحتماء بنفذ  الإتحاد الإفريقي عبر   نظرية المؤامرة تجاه إستهداف  الرؤساء الأفارقة .داخليا إستندت خطة الخرطوم علي محاولة قطع الطريق علي المحكمة بإنشاء محكمة جرائم دارفور في العام 2005 والتي  فشلت  لكونها لم تستند رغبة حقيقية في العدالة ،  إلي جانب قصور القوانيين السودانية من الإحاطة بطبيعة الجرائم و ترسانة الحصانات القانونية و النفوذ السياسي علي الأجهزة العدلية ،  أمنيا فرضت الخرطوم رقابة على حرية التعبير ، و هجوم علي  المجتمع المدني   و إلغاء تراخيص عملها و مصادرة ممتلكاتها بعد حملة إعتقالات واسعة  استهدفت المدافعين عن حقوق الإنسان،.إستندت  الحملة  إلى منهج شراء الوقت دون النجاح في تقويض جهود المحكمة مع  بداية نفاذ الفرص التي انعكست علي بداية فتور المواقف الاقليمية الداعمة للخرطوم  لما جابهته من حرج دبلوماسي  نتيجة لعدم  جدية  الخرطوم في اتخاذ خطوات جدية علي الارض .
(5)
إستثمر المجتمع الدولي موقف الخرطوم الرافض للتعاون مع المحكمة لتأمين إنفصال سهل و آمن لجنوب  السودان في يوليو 2011  دون أن تحصد الخرطوم من ذلك شيئا،بل تركت الخرطوم وحدها في مواجه اثار الانفصال المتمثلة في التراجع الاقتصادي بالجوء الي  تطبيق سياسات تقشفية و مواحهة الاحتجاجات الشعبية بالقمع المفرد   ، مما اعاد تسليط الضوء علي حالة حقوق الانسان و  ملف العدالة الدولية   ، عزز ذلك من صعود  الصراعات داخل الحزب الحاكم   ” المؤتمر الوطني المحلول ”  الي السطح .
كرد فعل لذلك بدأ البشير بالتفكير الجدي في حماية نفسه بالتمكس ببقاءه في كرسي السلطة ، عبر التملص من تصريحات سابقى بعدم الترشح في الإنتخابات الرئاسية العام  2015  2019 ، بل في خطوة مباغته لجأ في 2017 الي الحكومة الروسية للإحتماء بنفوذها الدولي من تنفيذ القبض عليه .
(6)
عقب سقوط البشير في 2019 ،  عاد ملف العدالة الدولية الي الواجهه بالرغم من ضبابية موقف المجلس العسكري الإنتقالي  ، لكن تطور لاحق ارتبط  بمحاولة علي كوشيب بتفادي القبض عليه من قبل السلطات السودانية انتهي به في مدينة لاهاي حيث مقر المحكمة بعد ان عبر الحدود السودانية الي افريقيا الوسطي ، قاد الي خطوة جوهرية في اعادة  ولاية المحكمة للملف، شجع ذلك  جهود المحكمة لتشهد الخرطوم  في 2021 الخرطوم  أول  زيارة للمدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بن سودا  ، حيث انتهت الزيارة بابداء السلطات السودانية رغبتها في التعاون دون تحديد ماهيته ، رغم ذلك تقدمت المدعية بطلب للسلطات السودانية لتمكين طاقم مكتبها من الوصول إلى إقليم دارفور الأمر ،  رغم مضي وقت ليس بالقصير  ظلت في انتظار رد السلطات ، لتدفع بتلك العقبة في تقريرها أمام مجلس الأمن ، ليعود المشهد إلى تفاهمات أخرى بين الخرطوم و المحكمة التي دعمها وصول وفد لتمهيد زيارة المدعية في يونيو 2021 حيث تزامن الامر مع صدور تصريح هارون محل المقال .
(7)
تصريح هرون و موقف كوشيب بتسليم نفسه للمحكمة لا يمكن فصله عن التطورات الراهنة و السابقة  وموقف حزب الموتمر الوطني المحلول من التعامل مع المحكمة ، في تسريب لوكليكس في 2012 كشف عن رغبة  الخرطوم في دراسة تسليم كل من  احمد هرون و علي كوشيب  مقابل عدم ملاحقة البشير و إلتزام الأخير بعدم الترشح في الإنتخابات الرئاسية للعام 2015  ، و لعل التطورات المرتبطة بحادثة اطلاق النار علي  كوشيب بمدينة نيالا بجنوب دارفور  في  يوليو 2013     في مكان عام في ظل غموض اكتنف مصير مطلق النار  ، ليسدل الستار علي الحادث  ليتم بعدها مغادرة كوشيب لمدينة نيالا والاحتماء بولاية وسط دارفور في مجملها لا يمكن فصلها من موقف المؤتمر الوطني حسب التسريب السابق و تسليم نفسه اللاحق.
.(8)
 
بتصريح هارون وفقا لوسائل الاعلام   حول تفضليه للجنائية أشار إلى أنه سيكشف عن الكثيرين من المتورطين في حالة دارفور ، جاء  التصريح  عقب وقت قصير من  ظهور موسى هلال برفقة وفد نائب رئيس المحلس السيادي أثناء الهبوط بمطار انجمينا  لأداء العزاء  في رحيل الرئيس التشادي إدريس ديبي ، وكان هلال قد  أطلق سراحه  في 21 مارس 2021عقب إعتقاله في نوفمبر 2017 من دامرة مستريحة  بشمال دارفور على خلفية حملة جمع السلاح بدارفور بموجب قرار البشير بالرقم 419  لسنه 2017 .
وفقا لوسائل الإعلام أن إطلاق سراح هلال في اطار  المصالحة في الإقليم  كأحد خطوات تصب في عملية العدالة الانتقالية مستقبلا  ، من ناحية ثانية  حالة الإرتباك التي أثارتها محكمة الإنقلاب ” انقلاب ال 89 )  و الإفادات التي ادلي بها بعض المتهمين الي ارتكاب بعض قادة الاسلاميين للقتل خارج نطاق القضاء و باستخدام التعذيب  صارت تنذر بحالة تعارض مصالح المتهمين في  المآلات  و أن هارون قصد بالتصريح حماية  سلامته حتى و إن كان الهدف من التصريح مغازلة  المحكمة
 
(9)
أخيراً يظل صمت السلطات السودانية إزاء التصريح يحمل الكثير في سياق الجدية لأن العدالة وإرتباطها برد الإعتبار تبدأ حلقاتها من الإسراع بالتحرك في مثل هذه التطورات