بقلم : محمد بدوي
حال ما بعد الاستقلال فصم عري العلاقة بين مدن السودان وشعوبه بأسوار من الشفاهة والقطيعة التي عمقت منها الوصف الجغرافي مقام المعرفة والتواصل داخل حدود تنهض في الخرط المرسومة و الموسومة بحدود تفصل بينها و إستحقاق الجنسية بالميلاد ، الخدمة المدنية في عصرها الذهبي حاولت كسر الطوق لكن سماء الوطن الذي تلبد بغيوم ما تفتأ الإ و تسوق سقياها علي مزاج الهطول الاختياري فلم تمكنها من إستراق لحظات لتعميد المواطنة بروابط من نسيج وطني الملامح او تسريحة تمكن ضفائرها من الإتكاء علي كتف إنسانها و ثقافاته ، داعبت مقررات دراسية سير منتقاه فرددها طلاب المدارس حفظا علي نسق ما اراده المقرر احتفاء رمزي ، لتنام مدن علي سفح التلال امنه و اخري علي مجري النيل و اخريات بين السافنا و المعابر الحدودية و كل في فلك التوحد ينتسب الي الوطن كما شاء له الخاطر .
الفاشر ” الكبير يا احبتي ” مدينة سكنت علي قمه علها تستطلع لبقية المدن السودانية نظرة تجسر الخاطر بالتحية او شبال في ذكري الاستقلال ، حين يندفع القوم لمتابعة لحظات استبدال الحرس الجمهوري في حدث يجعل الشوف يسبح في مقارنة بين ازياء الحرس الجمهوري و خصوصية المزاج الوطني المحمول علي ريشة النعام و بعض النقوش في العملة الوطنية ، المسافة التي كانت تبلغ مسيرة نهارات وليال تدفع فيها اللواري قوة محركاتها لتعبر الرمال و الوديان الخريفية وقفت شاهد علي امتداد وطن التصقت به ثقافات مشابهة و متناصفة حين فصلت الحدود بعض الشعوب رغم توحد اللغة و طريقة تناول فطور رمضان ، سبل الربط بين المدن تشهد عليها محطات الطريق بطول المسافة و قسوة التضاريس .
في فصل اخر من العلاقة كان الناقل الوطني سودانير حين يحدد مساره الجغرافي غربا يطوي المسافة و طائراته الفوكرز تامل مغازلة المدرج غير المعبد علي مهل ، فقد كانت وسيلة تنقل ميسوري الحال ، وموظفي الدولة و افراد اسرهم ، و المرضي ممن غلب عليهم الشفاء من سكان المدينة او اريافها ، عضم ظهر البوسته تحمل الخطابات والطرود ، الادوية ، مستلزمات المطابع الحكومية و النقد .
في تلك الجغرافيا ارتبطت سرة المدينة بصلات حميمة مع مدن حدودية و اخري اقرب من مقرن النيليين فظل ميناء مليط البري يحمل اليها من الجماهيرية الليبية الملابس والاجهزة الالكترونية ، الوقود والسكر وحليب الزهرات ومنتحات البلاستيك و الاغطية الشتوية ، و غربا انجمينا التي ترفدها بمستلزمات الاناقة العطور الباريسية و الكريمات التي تصلها من نيجيريا ، في مزاج الكيف فالبن يصلها من الكميرون و بانقي بافريقيا الوسطي ، درب الاربعين الشامخ عاد اليها بالانتريهات الاسوانية و ادوات الطبخ النحاسية و اقمشة الجلاليب الفاخرة ،بينما لازالت تدفع في سخاء مقابل ذلك الابل وريش النعام و الصمغ العربي سرا ، و الاقمشة و الدراجات الهوائية و بضائع اخري تعاملاتها في سياق النقد والمقايضة ، الثقافة حاضرة عبر الاثير لتحمل عبق وتطريب الاغنيات السودانية حتي مشارف بنين و نواحي اخري .
هذا الترابط الحميم جعل الفاشر قبله تصاهر حدودية و شمال وغرب افريقي مصغر تعايشوا فيه بروابط انسانية قوامه العيش المشترك و العمق الصوفي فكانت خيارا في العام 1972 لطبيب قدم اليها من صعيد مصر مقيما لا زائر ، رحبت به بإسم الدكتور احمد محمد غزالة كما أختار هو ، طبيبا عموميا انضم الي طاقم مستشفاها الملكي ، الذي تعاقب عليه رواد الطب مت امثال عبدالرحيم دين ، محمد عثمان المعتصم ، محمد الصادق ، و محي الدين و اخرين ، استوي به الحال مقيما ففتح عيادته المسائية بمنزل بحي العظمة في شارع عرف بشارع العيادات ، كان حيث سرعان ما يقود سيارته الحكومية بعد اخر مريض لينضم الي نادي دارفور مساء ، الذي كان يقبع جوار مصلحة الحسابات او وزارة المالية لاحقا ، حيث احتلت وزارة الثروة الحيوانية الحالية موقعه ، فقد تنقل النادي مع احوال الدهر محتميا بسطح مبني سودانير ، إنضم الي روادها من أعيان المدينة منهم الخير عبدالرحمن كنين و الخير جباره الخضر وكمال جباره و محمد ابراهيم الصيدلي الذي انحدرت اصوله من جبل اولياء و رجل الاعمال صديق علي محمد يوسف و الحافظ اسماعيل عبدالله و الربيع علي محمد و الربيع احمد حامد و اخرين كما
صار غزالة جزء من نسيج المدينة طبيبا وانسانا تحتفي به في اطلاق اسماء المواليد عليه ” غزالة ” لنبله و تطبيبه الناجع للاطفال ، تخصص حين تخصص في الموجات الصوتية كان قد تقلد ادارة قبل مستشفي الفاشر الجديد ” السعودي ” الذي انشا ضمن ثلاثة مستشفسات بالسودان كمنحة من المملكة العربية
ظلت سيرة غزالة تورخ للفاشر قبل ان ينقلب المغول علي السلطة في المليون ميل مربع سابقا حين كانت الحال بهي و المدينة غارقة في صوفيتها طمانينة وستر ، كانت مثل مثيلاتها من مدن السودان سوقها الكبير يفتح ابوابه بعد العاشرة صباحا فمطاعمه لا تعرف لوجبة الافطار سبيل ،فالشوارع صباحا مناصفة بين موظفي الدولة و طلاب المدارس ، فالمدينة تعرف قاطنيها و الشوارع تبذل التحايا في تاكيد معرفة ، فقد كان بالمدينة نزل وحيد تشير لافتته الي لكوندة الفاشر رغم ذلك فالزائر و الغريب ضيف للمنازل تستضيفه قبل السؤال عن الهوية فهي تبذل ذلك طوعا والتزاما فلم يكن حينها ما يعكر صفوف الحال ، فاليسر لم ينقص من موارده اهمال الخرطوم في تقديم الخدمات او الاهتمام بمكافحة الجراد الصحراوي ، خزان قولو يشير الي كفاية امداد المياه و محطة الكهرباء لم تعرف برمجة القطوعات او تسيكن الليالي بالظلام ، فحدودها لم تغشاها بعد الامتدادات ، فشرقا كانت شجرة العرسان التي تقف عندها سيرة الافراح قبل ان تشيد هيئة المياه منازل حكومية صارت احداهما مركز للتعذيب في عهد الاسلاميين بينها والمعهد العلمي شرقا المنطقة الصناعية حيث مصانع الشعرية لال جبارة والزيت لبابكر نهار و مصنع الثلج الذي ارتبط بعلاقة بين الخليلين ، خليل محمد نور و خليل عبدالرافع اما غربا كان حي اولاد الريف غرب و جنوبا حي القبة الي مشارف جنينة عبدالنور التي لم يعد لها وجود رغم كونها اثر حضاري تسرب كما تسرب مسجد السلطان علي دينار بجراحة اضاعت هويته التايخية ، اما جنوبا فحي الرديف والحارات الاولي من الثورة بمربعاتها الواسعة التي عكست طموح تخطيط عصري، في هذه المدينة التي كانت نوبات المديح فيها ترتفع من كل الزوايا زاوية ود مجوك بحي مكركا و مسجد التجانية ، و يرتفع في مسجدها الكبير صوت الراحل عبداللطيف بشير خطيبا واماما عطر الحديث و الصوت بعد ان يرفع الاذان يوسف نويرا او حسن كوكس فالحال تراتيب في يد الدهر .
قبل ان ينقلب الحال بغلاظ الحال كانت المدينة تحتفي بامسياتها و انغام فرقة فنون دارفور سلطانا ، و عصرياتها مضمار لمنافسات الفروسية بين كل جمعتين في الشهر حيث الخيول الاصيلة للرواد ذكرا لا حصرا من الريح الفكي السنهوري و فضل موسي ، الجوكية المحترفين ابراهيم ملين و مصطفي شميكي و ود ابسلكةو الريفي ابوصفيطى كثر هم المهرة الذين بينهم والخيول والمضمار تنافس و فن
هاهو د غزالة يأذن المدينة بعد عشرة ملئوها الحب والوفاء والعرفان ، تاركا في سجل صفحاتها تاريخيا ناصعا و عشق صوفي الملامح والهوي .
طبت مقاما و مرقدا في عليين .