عبد المنعم مادبو
اتجه المزارعون وملاك الأراضي بدارفور في الفترة الاخيرة لتقنين أراضيهم الزراعية التي ظلت دون اوراق ثبوتية لمئات السنين حيث بدأ سكان ولاية جنوب دارفور يتدافعون الى الادارات الحكومية الخاصة بالاراضي بغية استخراج الأوراق التي تثبت ملكيتهم لتلك الاراضي الأمر الذي أصبح مثيراً للاهتمام مما دفع البعض للتساؤل عن أسباب ودواعي هذا التدافع، في هذا الوقت بالتحديد ومازاد الأمر تعقيدا أنه وجه باعتراض من بعض المجتمعات والفئات وعلى رأس اؤلئك النازحون.
قضية الأرض في دارفور من القضايا المعقدة رغم ان هناك حواكير تاريخية معروفة حيث ان مايؤكد ان القضية اشبة بالقنبلة الموقوته القابلة للانفجار مادار في مؤتمرات استخدامات الاراضي بدارفور التي عقدت في العام الماضي والذي اثار خلاله النازحون قضية تقنين الاراضي الزراعية التي باتت من القضايا الملحة ونبهوا وقتها الى خطورة الخطوة لجهة أنها تقنن لفئات بعينها عملية التعدي على اراضي غيرهم
اجراءات التقنين
يقول مدير ادارة شئون الغيط والمشروعات بوزارة الزراعة بولاية جنوب دارفور المسئول عن اجراءات تقنين الاراضي الزراعية “علي بقادي” ان عملية تقنين الاراضي الزراعية هي اجراءات يتبعها المزارع الذي يريد ان يمتلك مستندات تؤكد ملكيته للأرض الزراعية.
واوضح انه لحساسية هذه القضية وضعت حكومة الولاية ضوابط واجراءات دقيقة حتي يتمكن مالك الأرض من تقنين الاراض الزراعية مشيرا الي ان المزارع بسحب أورنيك “خلو نزاع” بغرض تقنين أرض زراعية من مكتب ادارة الزراعة بمحليته، تم يعرضه- بعد ملئه- على رجال الادارة الاهلية، بدءً بالشيخ ليوافق عليه، ومنه الى الناظر أو الزعيم الأول للادارة الأهلية بالمحلية ليوافق عليه كذلك، قبل ان يتم تمرير الاورنيك على مكتب الزراعة بالمحلية والمدير التنفيذي ومنه الى اللجنة الولائية لتقنين الاراضي الزراعية للموافقة عليه.
لجنة عليا للاجراءات
ويمضي مسؤول تقنين الأراضي الزراعية علي بقادي قائلا ان حكومة الولاية شكلت منذ أكثر من ثلاث سنوات لجنة عليا برئاسة مدير عام وزارة الزراعة بالولاية وتضم اللجنة مديري عموم وزارة التخطيط العمراني، والثروة الحيوانية، والاراضي والمساحة، بجانب مفوضية المسارات والمراحيل، وهيئة الغابات، وأبان ان اعضاء اللجنة جميعهم لهم علاقة باستخدامات الاراضي بدارفور، وأوضح ان اللجنة تجتمع أربعة مرات في الشهر، لتجيز او توافق على تقنين 130 ملفاً في كل اجتماع، ما يعني أن نحو 520 قطعة أرض تتم اجراءات تقنينها شهرياً ويضيف بقادي ان اللجنة العليا لتقنين الأراضي الزراعية تنتهي صلاحياتها بتقنين مساحات زراعية دون الألف فدان وإن المساحات التي تجاوزت الألف فدان ليس من اختصاص اللجنة بل ان ذلك من صلاحيات محكمة الأراضي
الاعلان عن تقنين الأرض
لا تقتصر اجراءات التقنين عند اللجنة العليا لتقنين الاراضي الزراعية فقط، وانما لابد لمن يرغب في اكمال اجراءات تقنين أرضه الزراعية، ان يعلن عن ذلك في إذاعة نيالا المحلية، وفي ذات الشأن يقول المدير التنفيذي لمحلية تلس احدى محليات ولاية جنوب دارفور أبو البشر عبد الله انه بعد استيفاء كل مراحل و شروط التقنين ابتداء من رجل الادارة الأهلية الى اللجنة العليا، يعود مالك الأرض مجدداً الى المدير التنفيذي للمحلية لاستخراج اعلان عن تقنين الأرض الزراعية، ويأتي الاعلان بصيغة “يعلن المدير التنفيذي للمحلية المعنية عن تسجيل أرض زراعية بمنطقة “…..” باسم المواطن “…..” تبلغ مساحتها “…..” فدان او مخمس، يحدها من الشمال مزرعة “……” ومن الجنوب مرزعة ….، ومن الغرب “وادي مثلا” والشرق غابة، على كل من عليه اعتراض أو طعن يتقدم به كتابة للمدير التنفيذي للمحلية خلال 15 يوم من تاريخ الإعلان.
اعتراضات التقنين
في هذا الشأن تقول احدي الموظفات في ادارة شئون الغيط والمشروعات “محاسن أحمد عبد الله” انه نادراً ما يأتيهم أشخاص يعترضون على اجراءات تقنين ارضٍ ما وأضافت محاسن بسبب ذلك اوقفت اللجنة الأعلان عبر الصحف الورقية الذي كان مسموحاً به في السنوات الماضية، لجهة أن الصحف غير متاح لمواطني الريف الاطلاع عليها، وبالتالي يمكن ان يتم تقنين الأرض الزراعية لشخص ما دون ان يعلم مالكها.
اجراءات الإعلان
تحرص اذاعة نيالا أثناء اكمال اجراءات الاعلان عن تقنين الاراضي الزراعية على دقة الاجراءات والمعلومات الخاصة بعملية التقنين، ويقول مسئول القسم التجاري بالاذاعة الصادق آدم ابكر انهم يتعاملون مع اعلانات تقنين الاراضي الزراعية بحرص شديد، ولا يبثونها الا بخطابات رسمية من المديرين التنفيذيين للمحليات موجهة لادارة الإذاعة يطلبون منها بث الاعلان عن تقنين الأرض المحددة من حيث المساحة والحدود من الاتجاهات الأربعة مرة واحدة، وذكر انه بعد بث الاعلان يتم استخراج شهادة بث لمن يهمهم الأمر وتسلم للشخص الذي يرغب في تقنين ارضه، وبناء عليها يكمل اجراءات التقنين لدى اللجنة العليا.
رسالة في بريد الحكومة
خلال زيارة وزير الداخلية الفريق أول شرطة عز الدين الشيخ لجنوب دارفور في ابريل الماضي طالب النازحون بمخيم السريف الواقع على بعد (6) كيلو مترات غرب مدينة نيالا عاصمة الولاية طالبوا الوزير بالتدخل لوقف ما أسموها بعمليات التعدي على أراضيهم- التي نزحوا منها- بواسطة أشخاص آخرين، وقال متحدثٌ باسمهم يدعى العمدة المحبوب حمزة إن النازحين الآن يعيشون في المخيمات ويستفيد من اراضيهم- من وصفهم- بالمجرمين، وأردف “نحن تركنا بيوتنا ومتاجرنا ومزارعنا والآن يتمتع بها المجرمون”
بينما طالب عدد من النازحين خلال مؤتمرات استخدامات الاراضي بدارفور الحكومة بايقاف أي اجراءات لتقنين الأراضي الزراعية، وقالت عواطف عبد الله الناشطة في قضايا المرأة بمخيم (سكلي) أنهم يرفضون اجراءات تقنين الأراضي الزراعية لجهة أنهم الآن بالمخيمات وليس متاحاً لهم معرفة ما اذا كان هناك أحد يرغب في تقنين أراضيهم الزراعية.
تدخل الادارة الأهلية
أعلن شرتاي منطقة شطاية بجنوب دارفور قندولي ايقاف كافة الإجراءات الخاصة بالاراضي الزراعية بما في ذلك اجراءات التقنين، وقال ان ادارته اتخذت هذا القرار لجهة أن سكان المنطقة نزحوا بنسبة 100% في العام 2004م الى مخيمات “كلمة، كاس، وكبم” وذكر ان شطاية منطقة زراعية وجميع سكانها كانوا يمارسون حرفة الزراعة، وأبان أن حكومة الولاية نقلت في العام 2010م أشخاصاً على متن 120 لوري الى منطقة شطاية والقرى المجاورة لها، وتقاسموا فيما بينهم اراضي النازحين، وبدأوا في تغيير اسماء المناطق ومن ثم تسجيل الاراضي الزراعية لصالحهم، وذكر أنهم تدخلوا وتمكنوا من اقناع الوالي الأسبق علي محمود باصدار قرار بايقاف تقنين الأراضي، وأضاف “حتى النازحين بعد عودتهم للمنطقة بعد مؤتمر شطاية في العام 2017م بدأوا في تسجيل أراضي غيرهم، لذلك نحن كادارة أهلية اعتمدنا على ذاك القرار واوقفنا تقنين الأراضي الزراعية بمحلية شطايا”
وقال قندولي ان هناك اشخاص لازالوا في اراضي مواطني المنطقة الذين نزحوا منها وأنهم متعنتين ورافضين للخروج”
وأضاف قندولي: رغم قناعتنا بأهمية تقنين الأراضي الزراعية الا ان قضية النزوح لا زالت موجودة، لذلك أوقفناها الآن حتى لا يعتدي البعض على حقوق الآخرين، وأردف حتى الآن لم تردني شكاوي من تقنين أراضي لأشخاص آخرين، وانما الشكاوي من وجود أشخاص في الأراضي.
وروى الشرتاي قندولي واحدة من القضايا المرتبطة بخطورة التعدي على أراضي الآخرين، وقال ان أحد زعماء القبائل العربية تغول على منطقة “مندو” شمال شرق قرية كايليك التابعة لمحلية شطايا، وقام بتوزيعها على أهله، ورفضوا هم بدورهم الخروج منها بحجة أنهم اشتروها من زعماء قبيلة الفور .