بقلم : محمود الشين
لا يشك أحد في سمو وعظمة ثورة ديسمبر الظافرة ولو أنها كانت ومازالت تواجه حزمة من التحديات على خطى الإنتقال الديمقراطي المنشود.
غاية ما ينشده الثوار منذ ملحمة إعتصام ساحة القيادة العامة وسط الخرطوم – هو تأسيس دولة ديمقراطية ، مدنية كاملة الدسم.. هذا الحلم ظل يواجه هو الآخر مقاومة هائلة من عدة أطراف عسكرية ومدنية وجوار إقليمي حانق وغيور من إنجازات السودانيين علي صعيد إحداث التغيير ، أيأ كانت المواقف والتضحيات.
ولهذا ينشط تحالف المستفيدين ليبقى هذا البلد أسيراً للشمولية التي تنتج حكومات مزدوجة الولاء ، تعتمد في توفير قوت شعبها على المنح ، القروض والمساعدات التي تأتي من وراء البحار.
من المخزئ أن يأتي الغذاء إلى بلد النيلين العظيمين من الخارج وهو المسمي بسلة غذاء العالم.. إنه يا سادة سوء الإدارة وغياب الإرادة السياسية وأزمة الضمير الجمعي ، وهي عوامل أقعدت هذا البلد منذ فجر الإستقلال.
إن تغييب الشباب الثائر عن مجمل الإتفاقيات السرية منها والعلنية منذ لحظة المفاوضات الأولى مع اللجنة الأمنية وحتى (إتفاق حمدوك – برهان).. جعلها إتفاقيات ، لا تخاطب قضايا وأشواق هذه الفئة الحية من المجتمع وذلك لسبب بسيط ، هي أنها فصلت على قدر أعمار الذين وقعوها ، وهنا تخلف الحسابات والتقديرات ، فكيف لهكذا مواثيق أن تصمد؟
يراهن الشباب على الشوارع التي يقولون عنها إنها :(لن تخون). وذلك لممارسة المزيد من الضغوط على الحكام الجدد من جهة أن شعارات الثورة (حرية ، سلام وعدالة) مازالت عصية التنفيذ بفعل تضارب المصالح وتقاطع الأجندات بين الأطراف الفاعلة في حقل الأزمة.
ولأن سوء الظن هو السائد في كل مكان ، يبقى تواصل الأجيال في هذا البلد هو فريضة غائبة ، إذ لا يعترف أحد في أوساط الأحزاب بإنتهاء دوره ليبدأ فريق عمل من الشباب مهمة وطنية جديدة.. أنظروا إلى كابينة القيادة للقوى السياسية من يمينها إلى يسارها ، فهي تجسد هذا الواقع بإمتياز.
وثالثة الأثافي هو غياب الديمقراطية في وسط الأحزاب والتنظيمات السياسية نفسها والتي تمارس نوعاً من الإرهاب الفكري على عضويتها وتنشد بغباء تطبيقها على المحيط الخارجي.. هذه الجفوة ما هي إلا إهدار للجودة والخبرات المكتسبة.
هذا الجيل الديسمبري – برهن على وعيه الثوري ولو انه حرم من إرث ممارسة الفعل السياسي في بيئة ديمقراطية ومعافاة – فإذا ما وجدنا مبرراً لبعض هفوات الثوار ، فكيف نبرر تشبث العواجيز الذين أكلوا التيراب وجعلوا أرض النيلين جرداء غير منتجة للأفكار والغذاء؟