بقلم : محمود الشين
نبه الثوار منذ أيام إعتصام ساحة القيادة العامة إلى قضية أساسية هي (الرابط العضوي) بين مكونات هذا البلد الكبير وأطرافه المترنحة وفي بالهم أن الجنوب العزيز قد ذهب إلى حاله واصبح دولة مستقلة وهو أمر نحترمه على أية حال ، ولو أن قرار الإنفصال كان احاديا بين الحزبين الحاكمين – الوطني في الشمال والشعبية في الجنوب.
لقد هتف الثوار (كل البلد دارفور) وكانت يومئذ تنزف على ما هي عليه هذه الأيام وتلك هتافات عجلت بالتفاوض مع حركات الكفاح المسلح التي تموضعت بكل أسف بعد الخامس والعشرين من أكتوبر تحت سقف المكون العسكري ، ونسيت أو تناست ضحايا الحرب في الإقليم الذين تفرقوا في مخيمات النزوح واللجوء وبات مصيرهم مجهولاً.
إنه غياب الوازع الوطني والأخلاقي لفئة كانت تدعي النضال وأصبح بعد الإنبطاح المخل – قلبها مع على وسيوفها مع معاوية – لقد سقطت القيم الثورية على عتبة كراسي السلطة وسط دهشة المراقبين ، ولا عزاء للشهداء وأسرهم ، ولا عقاب لجان أو متفلت مارس الفوضى الخلاقة في إقليم العذاب.
نعم كل البلد دارفور – المنطقة الغنية بأهلها اولا قبل ثرواتها ومواردها الطبيعية ولا سيما المتجددة ، حيث يسيل لعاب المستثمرين والطامعين من الداخل والخارج. إن الجنة الموعودة لن تستقر أو تزدهر إلا في رحاب دولة القانون ، إذ لا إفلات من العقاب أو تكرار لما حدث من فواجع لأنها قاسية ومؤلمة.
كانت قراءة الثوار جيدة لمآلات الأوضاع في البلاد حين حرصوا على تعزيز تلك الروابط العضوية التي ستفضي حتماً إلى تأسيس دولة قوية ومنتجة ، لا ترهن قرارها وإرادتها إلى غير خيارات أهل السودان – إنه شعبنا الحر ، مفجر الثورات ضد أنظمة الظلم والطغيان.
إن الثوار اسدوا معروفاً لحركات الكفاح المسلح بدارفور ولكن ما أن حان وقت رد الجميل – سددت لهم كعادتها طعنة من الخلف بتاييدها لإنقلاب أكتوبر الحزين – ولم تحصد بعدئذ بلح الشام ولا عتب اليمن. لكن الثورة ماضية ، لأنها مثل المرأة العظيمة قادرة على تجديد ذاتها وأفكارها على الدوام.
بهذا الإنحياز الواضح تضاعفت محنة أهل دارفور والثورة لم تزل مستمرة ، فالخسارة الكبرى هي (لجيل جديد) من أبناء دارفور ولدوا قبل وأثناء الحرب وشاهدوا مسرح الأحداث الدامية – أعاد لهم الثوار الأمل في سودان مغاير على أساس عقد إجتماعي جديد بمرجعية شعارات الثورة.
ذاك الجيل الذي وجد الحماية بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي والغذاء ، الكساء ، الصحة والتعليم من المنظمات الدولية.. ليس له ولاء لبلد ضنت عليه حتى بشهادات الميلاد ، وهي أبسط حقوق الإنسان. هؤلاء الشباب وبما لهم من اغبان ، هم أخطر بكثير من حركات الكفاح المسلح نفسها من حيث التوجه وأنماط التفكير.
كان من المأمول أن تتضافر الجهود لإنجاح معركة إسترداد الولاء للوطن ، لكن لهفة السلطة كانت غالبة ، فما هي الأوراق الرابحة التي بيد الحركات بعد فقدها لشرعية القضية التي قاتلت لأجلها ضد اعداء الأمس – شركاء اليوم في الحكومة الإنتقالية؟
عود على بدء فإنه لا خيار للثوار إن أرادوا تقوية تلك الروابط العضوية من مواصلة ضغطهم لإستيعاب تطلعات وقضايا جيل جديد من البؤساء في إقليم دارفور. إنهم أكبر فئة ناخبة في الإنتخابات القادمة – ستعاقب ليس الحركات والأحزاب فحسب ، وإنما الوطن نفسه. لأجل ذلك نقرع أجراس المحن.