بقلم : محمودالشين
كان الرئيس المعزول في وضع لا يحسد عليه ابدأ ، فبالإضافة للضغوط الخارجية وتمدد الثورة التي أصبحت ملهاة للأطفال – بدأ الرجل كما لو أنه فاقد للثقة في أقرب الناس إليه ، ولم يعد حتى حزبه (المؤتمر الوطني) مرجعية لقراراته الأخيرة.
لقد بدرت منه تصرفات في الأشواط الأخيرة تنم عن تعقيدات يواجهها على صعيد التنظيم الذي إنصرفت معظم قياداته لأعمالها الخاصة وتركت الرئيس وحاشيته على عرض البحر ، حيث شارفت سفينة الإنقاذ على الغرق في موجة التغيير العاتية.
لقد صعق الجميع عشية تكليف (بشه) للشاب معتز موسى (صاحب الصدمة) ليجمع بين أهم منصبين في الدولة هما (رئاسة الوزراء ووزارة المالية) – لست في مقام من يقيم اداء رجال الدولة ، فتلك مهمة آخرين – لكن مهما كانت قدرات موسى ، ستبدو له المهمة شاقة في بلد محاصر ويعاني من أزمة إقتصادية طاحنة ، غلاء للسلع الأساسية وتردي خدمي لا يمكن تصوره.
حدث ذلك وذاكرة الناس تحتفظ بتصريحات نائب رئيس حزب البشير – إبراهيم محمود الذي قال على سبيل التباهي : (مشكلتنا أن حزبنا متخم بالقيادات) – بالنظر إلى جاهزية كوادر الوطني لسد أية ثغرة إدارية كانت أو مهنية في الداخل والخارج.. يا ترى هل ضاق الوعاء الجامع بأهله ، أم أن تكليف معتز موسى هو في حد ذاته صدمة أخرى في المشهد السياسي؟
سيحكم الخبراء على مدى نجاح الرجل الذي جمع بين الأختين (رئاسة الوزراء ووزارة المالية) خلال فترته القصيرة نسبياً. لكن المهم أنها خطوة أوضحت مدى فقدان الرئيس المعزول للثقة في حزب متخم بالكوادر والقيادات كما يقول إبن الشرق المهندس إبراهيم محمود.
كانت على طاولة الرئيس والمد الثوري في تصاعد ، ملفات أساسية يجب إنجازها وبسرعة هي تعديل الدستور والنظام الأساسي للحزب ليضمن الترشح لدورة رئاسية أخرى وصفها مقربون بالأخيرة ، السيطرة على الثورة والثوار ، الحصول على دعم مالي لتوفير الدقيق ، المحروقات ، الدواء ، إعادة الثقة للجهاز المصرفي ، تحجيم قيادات الإخوان الرافضة لمبدأ ترشحه لإنتخابات 2020م وبعدها سيبحث عن تمويل لحملته الإنتخابية القادمة.
هكذا كانت تحديات الرجل ، وهتافات الثوار على مقربه من منزله الرئاسي بالقيادة العامة للجيش ، حيث يعتصم الملايين من المحتجين وهم يطالبون برحيله عن كرسي الحكم. كنت أظن وإن كان بعض الظن إثم ، أن بإمكان أي قياديين فقط من حزب البشير توفير المبلغ الذي طالبت به وزارة المالية لتوفير دقيق الخبز ، المحروقات والدواء.
لكن رموز وقيادات الحركة الإسلامية ، ومن باب ضغطها على الرئيس للتنحي – مثلت وبإمتياز دور (أم برخيل) التي ضحكت على خراب بيتها – إذ لم يعهد عند الإخوان على الأقل أيام شيخهم الترابي أنهم (جبناء بالمال) عند الشدة إلى هذا الحد ، خاصة حين يتعلق الأمر بإنقاذ مشروعهم السياسي الذي لا يؤمن أساساً حتى بالدولة القطرية نفسها.
بعيدآ عن عمر البشير الرئيس ، القائد الأعلى للقوات المسلحة ، رئيس حزب المؤتمر الوطني – لننظر له من زاوية مغايرة – من يتذكر على مدى ثلاثة عقود – أن الرجل أخذ إجازته السنوية وترك القصر ليستمتع مثلاً بأجواء عائلية في جزر الكاسنجر جنوبي كريمة بالولاية الشمالية أو أي مكان آخر بداخل وخارج البلاد؟
من الطبيعي لهكذا إنسان لا تفارقه ضغوط العمل وهو من وصل إلى سدة الحكم بإنقلاب عسكري أن تكون خطواته سليمة وتفكيره خلاق. ومعلوم على نطاق واسع أن للإنقلابيين في كل مكان هواجس وظنون تلاحقهم كما الظل. ولا تخفي على احد طموحات ومطامع القيادات من حوله لإعتلاء المقعد الأهم لمسؤول في السودان – الدولة ذات النظام الرئاسي..البشير يمثل هذه الأيام أمام القضاء ليرى حصاد سنوات حكمه وتلك قصة أخرى.