بقلم : محمود الشين

فاجأ الرئيس المعزول الوسط السياسي بقفزة مثيرة يوم أن قام بتسليم مفاتيح حزبه (المؤتمر الوطني) إلى مولانا أحمد هرون وهو رفيق محنته المقيمة. إذ تطالبهما محكمة الجنايات الدولية بالمثول أمامها في إنتهاكات خطيرة ارتكبت ضد المدنيين العزل في إقليم دارفور غربي البلاد.

    صحيح إن (المصائب يجمعن المصابين) – إن أحمد محمد هرون هو بمثابة سيف فتاك بيد عمر البشير يقهر به ما شاء من المعارضين لخططه وأفكاره، يقول التاريخ ما أن نفذت الحركات المسلحة بدارفور هجومها النوعي الأول على مطار مدينة الفاشر في العام 2003م – ادرك بشه خطورة التمرد على سلطته في الخرطوم – فدفع بمولانا أحمد هرون وزير الدولة بوزارة الداخلية وقتئذ ليشرف على الملف الأمني للإقليم بسلطات وصلاحيات واسعة.

 ويعتقد على نطاق واسع ان هرون هو من أشرف على تشكيل تحالفات اثنية ومناطقية أثمرت مليشيات مساندة للقوات الحكومية لإعاقة تقدم قوات المتمردين التي بدأت تهاجم المدن ونقاط الشرطة المنتشرة في عدد من المناطق الطرفية. ونسب لتلك المليشيات ما ارتكب من فظائع وانتهاكات أصبحت هي التهم الأساسية التي إنطلقت منها الجنائية الدولية لمواجهة (البشير – هرون) ومجموعة أخرى ضمن قائمة من المطلوبين.

كان قرار البشير صادما لفئتين من الناس هما بعض أهالي شمال كردفان الذين يطالبون ببقاء هرون لإستكمال ما بدأه من مشروعات تنموية وخدمية أيأ كان رأي الناس فيها، والفئة الثانية هم رموز وقيادات المؤتمر الوطني في المركز العام ، سوا ان تعلق الأمر بالتراتيبية الحزبية أو نية الرئيس بإشهار سيفه البتار في وجه جيوب المقاومة التنظيمية، وهو توجه بالضرورة مفهوم للقيادات العليا – عسكرية كانت أو مدنية.

    إنه فقه الضرورة عند الإخوان – إذ لا بد مما ليس منه بد. وهو واقع وإن كان مؤلما للبعض ، لكن جعلوه كعادتهم تحت طائلة الإبتلاءات وما أكثرها – فالثورة إستقطبت في ذلك الوقت معظم الشارع. وهتف الثوار بالشعارات الجديدة على مسمع ومرأى البشير (تسقط بس). وهو خيار بحق إستفز رموز الوطني، وقد تساءل قيادي في حجم على عثمان عبر قناة سودانية 24  : (ثم ماذا بعد السقوط)؟ وهي الحلقة التي هيجت الشارع العام حين هدد ثوار ديسمبر بما أسماها (كتائب الظل).

  لا أعلم وقع التطورات المتسارعة على أثرياء الأخوان الذين ضنوا بالمال على وزارة المالية وهي تطالب بتوفير القمح ، المحروقات والدواء لتهدئة المد الثوري الهائج. لقد فات الآوان لأن مطالب الثوار تعدت مسألة توفير الخدمات الأساسية او ترشح البشير لدورة رئاسية جديدة إلى أفق إجتثاث نظام الإنقاذ نهائياً .ربما أدرك الذين زجت بهم الثورة في سجن كوبر هذا الخطأ – لوا انهم دفعوا فاتورة وزارة المالية لربما تغيرت المعادلة.

    لقد قال عمر البشير عن تلك الخطوة (تكليف هرون) انه يريد ان يكون إعتبارا من اليوم على مسافة واحدة من كل الأحزاب والتنظيمات السياسية في البلاد ويمم شطر القوات المسلحة ليلبس جلباب القومية.. يبدو أن جيشنا الوطني الذي تعرض هو الآخر للإهمال ، لم يكن سعيداً بقائد لا يحتاجه إلا عند الشدة ليجعل منه عبوة ثالثة في وجه المتظاهرين العزل.

   لم تمر ايام وإلا عاد بشه للتنظيم مجدداً وهو يستنفر قدراته لفض ساحة إعتصام القيادة التي أصبحت رمزية للثورة ومنصة لمحاكمة فترة حكمه سياسياً ونشر غسيل الإخوان تحت نظر الدبلوماسيين والمراقبين الدوليين. والإخوان ليس على وفاق مع كل ما هو أممي ولو أن طرحهم الفكري لا يؤمن بالدولة القطرية!

    رأى عمر البشير في غمرة قلقله المتزايد حيال الوضع الأمني في شخصيات مثل هرون ومحمد طاهر ايلا – (وجوه مشرقة) بمرجعية النجاح النسبي للثاني في الشرق ، فدفع به إلى رئاسة مجلس الوزراء كبديل للوزير الشاب معتز صدمة. وهو يراهن عليهما في إحداث فارق على صعيد العمل التنفيذي ، السياسي والأمني.

    لقد جمع مولانا أحمد هرون وهو رجل شديد التنظيم بين أهم صفتين يحتاجهما بشه آنذاك هما السرعة والحسم ، فالرئيس يلعب في الزمن الإضافي وهو عند الرياضيين (لا يضاف إليه) ، فكيف إذا كانت المهمة الأولى هي تكميم افواه المعارضين للبشير في أوساط التنظيم ومحاصرة الثوار وتجفيف مصادر تمويلهم.