بقلم  : محمود الشين

   
   إن الحديث الذي يدور في جميع المنصات والوسائط الإعلامية منذ سقوط نظام الإنقاذ وحتى الآن ، بأن الفريق صلاح عبدالله قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات آنذاك هو من مهد الطريق للثوار لدخول القيادة العامة للجيش ونصب خيام الإعتصام أمام البوابة الرئيسية
..حديث أيأ كانت صحته من عدمها ، فهو عمل نوعي يحسب لقادة الثورة ، وليس خصماً على إنجازهم كونهم أطاحوا بنظام عنيد وباطش.

    صلاح قوش الممسك بملفات حساسة للدولة والحزب الحاكم والتنظيمات الأخرى والجوار الإقليمي ، ليس بالسهل إستمالته لمشروع سياسي جديد من شأنه أن يضع نهاية حزينة لنظام هو ضمن قيادات صفه الأول ، اللهم إلا إن كان يريد إستغفال الثوار السلميين لإعادة إنتاج نسخة إخوانية جديدة تستولي على السلطة في البلاد ؟.. إلى هذا الحد يكون ذكاء قوش وتبدو سذاجة قوى الثورة المتصاعدة؟

   فهمي المتواضع لا يقبل هذه الفرضيات ، ولو أن المد الثوري كان في أوج غليانه. ربما كانت لقوش طموحات لتقديم نفسه كبديل في مؤسسة الرئاسة ، وهو طموح مشروع بالنظر إلى قيادات التنظيم التي هاجمها صلاح في تسجيل مصور ووصفها بأنها متخاذلة وعاجزة على إحداث فارق سياسي ملموس على الأرض.

   
    بعض التكهنات تشير إلى أن الرئيس المعزول ربما أعاد صلاح قوش إلى قيادة جهاز الأمن مجدداً ليقطع الطريق أمام التيارات المناوئة
التي بدأت تتشكل في أوساط التنظيم لمنع ترشحه لدورة رئاسية جديدة في العام 2020م.

  عاد قوش وفي باله شيء من حتى ، فهو لم ولن ينس الذين نكلوا به عشية إعتقاله والزج به في السجن بطريقة رأها مهينة. فهل كان الخطأ الإستراتيجي للرئيس المعزول هو قرار إعادة صلاح قوش للأمن؟ معظم الإسلاميين قد تأتي إجاباتهم بنعم. ومن هنا جاء الترويج بأن الرجل هو من فتح أبواب القيادة لثوار ديسمبر. الزمن كفيل بكشف الحقيقة.

    لقد منع تدافع الثوار وصول الأوكسجين إلى (بشه) في قصره بداخل قيادة الجيش ، حيث يعتصمون هناك. إن الحكام كعادتهم لا يحبذون سماع ضجيج المتظاهرين بالقرب من أماكن إقامتهم . لكنه قدر الرجل أن يستدرك ما تعرض له من خداع وتضليل من قبل أجهزته وحاشيته المراوغة.

  في ذاك اليوم المشهود ، كنت بعيدا نسبياً – فرن هاتفي وكان المتصل وقتها صديقي وزميلي الصحافي الحصيف نزار سيد احمد – فقد كان من أوائل الصحفيين الذين دخلوا القيادة مع طليعة المواكب المتقدمة في يوم الإنتصار الكبير لثوار ديسمبر.

   (يا محمود الحكومة سقطت).. يقول نزار وهو يصف الكتل البشرية المتراصة الزاحفة من كل إتجاه نحو القيادة العامة للجيش. نزار الذي صحافي أمين وموثوق ، هو بمثابة شقيقي الأصغر ، عملنا معا بتعاون كبير في مؤسسة واحدة ، إذ كنت المدير العام لشركة وصحيفة الأخبار ، بينما كان هو محررها العام. نشهد له بالكفاءة والمهنية.

     أعود إلى مكالمة نزار.. يا إلهي.. لقد صدق الزعيم الهندي غاندي بأن السلمية في حد ذاتها سلاح قوى. إذ لم يطلق الثوار العزل طلقة واحدة ومع ذلك سقط نظام بتلك القوة والجبروت ، وهو من يقل عن معارضيه بأنهم ضعفاء ولا يملكون القوة اللازمة لإسقاطه. لكن عزيمة الجيل الجديد وتكنولوجيا المعلومات والإتصال أصبحت عوامل حاسمة.

   إن التكتيكات التي إتخذها الثوار أرهقت أجهزة النظام مالياً ومعنوياً ، فسقط سريعاً ، وكشفت الأيام أن ليس لشركاء النضال أية رؤية متفق عليها لكيفية إدارة وحكم البلاد بعد إقتلاع شجرة الإسلاميين من جذورها. وهي شجرة برع الأخوان بالتغزل فيها أيام العز فقالوا : (أصلها ثابت وفرعها في السماء) .