بقلم : محمد بدوى
من التطورات الهامة فى الحالة السودانية عقب إنقلاب الخامس و العشرون من أكتوبر ٢٠٢١ هو القرار بالرقم ٣/٢٠٢١ الذى صدر من الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادى السودانى و القائد الأعلى للقوات المسلحة و الذى منح بموجبه حصانات للقوات النظامية من الملاحقة بما أعاد صلاحيات الإعتقال و التفتيش وحجز الأموال لقوات جهاز الأمن والمخابرات و الذى نصت عليه قانونها لسنة ٢٠١٠ وهى الصلاحيات التى الغتها الوثيقة الدستورية ٢٠١٩ ، و تسبيب القرار جاء مرتبطا بتراجع الأحوال الامنية بأقاليم دارفور .
أولا : لمناقشة القرار لابد من إستعراض الحالة بأقاليم دارفور خلال سبتمبر ٢٠٢١ إلى تاريخ صدور القرار و بعده ، لكن قبل ذلك لابد كن الاشارة الى ان الفترة الزمنية تشير الى نهاية موسم الخريف
و اقتراب موعد الحصاد خلال شهري يناير و منتصف فبراير ليبدأ موسم الطلق فى الاسبوع الثالث من فبراير ، و الطلق هو السماح للمواشي بالحركة الى ما بعد خطوط النار و الدخول للمزارع التى يكون قد أكتمل الحصاد فيها و تم ترحيل المحاصيل منها لترعي فيما فيها ، و هى عملية مكملة للدورة الزراعية و تستند على الاستخدامات المتعددة للأرض في سياق علاقات الإنتاج بين النشاطين الزراعي والرعوي ، حيث تساهم حركة المواشي داخل الأراضي الزراعية فى خصوبة التربة عبر مخلفاتها ، و يساهم المزارع فى تغذية المواشي عبر المخلفات الزراعية بعد الحصاد ، بالتالي فأن طبيعة النشاط الإقتصادى و علاقات الإنتاج ذات علاقة طردية ، لذا تنظيم العلاقة اهميتها مرتبطة بتنظيم العلاقة بين المجتمعات ما يضمن ممارسة الأنشطة بشكل منظم ، آمن و هو ما يدفع بالاستقرار و النمو و ينعكس فى مستوى دخل الفرد و لا سيما في ظل غياب دور الدولة فى تقديم الخدمات كما فى حالة السودان ، بالنظر الى سجل الاحداث نجد ان خريطتها تشير الي بداياتها بغرب دارفور بجبل مون ،جبل مون ، مستري ، كرينك ، الجنينة ، و فى شمال دارفور شنقل طوباي ، طويلة ، دونكي شطة ، وقرب معسكر زمزم للنازحين ، جنوب دارفور في منواشي بالاضافة الى مناطق بوسط دارفور بما شمل حالة الإحتقان بين المسيرية السودانية و مجموعة قلا السكانية بأفريقيا الوسطي في منطقة أم دخن الحدودية بين الدولتين الأمر الذى قاد الى الإستهداف لأفراد كلا المجموعتين بمجرد عبور الحدود ، لتخرج ولاية شرق دارفور من نطاق الأحداث .
ثانيا : نمط الانتهاكات شملت القتل ، القتل خارج نطاق القضاء ، الإغتصاب ، حرق لبعض القري ، النزوح ، إتلاف المزارع و قتل المواشي ،و التسليح بالمخالفة للقانون ، فاق عدد الضحايا من المدنيين المائتين و عدد مقارب من الجرحي ، بما يمكن وصف الحالة في مجملها بالإعتداء على المدنيين وغياب الحماية .
ثالثا: خلال الفترة من اغسطس الى ديسمبر ٢٠٢١ فقد حدث كمينين مسلحيين لقوات من الحركات الموقعة على اتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ ، في سياق أحداث منطقة كولقي جنوب غربي الفاشر بشمال دارفور ، ففي ١٢ اغسطس بحدث كمين غرب جنوب الفاشر لقوات من تحالف قوى تحرير السودان من قبل مجموعة رعوية مسلحة .في ٥ ديسمبر بغرب دارفور كمين اخر بين الجنينة وكرينك من قبل الدعم السريع لقوات فى التحالف السودانى الموقع على اتفاق السلام ٢٠٢٠ راح ضحيته حوالي ٢٨ شخصا عندما كانوا في طريقهم الي كرينك ، الحدثين جاءا في غياب الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠
رابعا: طريقة التعامل مع كافة الأحداث منذ أغسطس ٢٠٢١ تمت عن طريق تدخل الدعم السريع و بعض قيادات المجلس السيادي حيث شارك كل من الأستاذ محمد الحسن التعايشي العضو المقال من المجلس الى جانب كل من الطاهر حجر و الفريق عبدالرحيم دلقو قائد الدعم السريع حيث تم تهدئة الأحوال بعرض ديات للقتلى ، ذات النهج أستهدف لاحقا أحداث غرب دارفور عن طريق العقيد موسى حامد أمبيلو رئيس لجنة المصالحات القبلية بالدعم السريع بعرض ديات لذوى بعض القتلي فى الاحداث ، المحصلة هي أتباع ذات الطرق البعيدة عن المحاسبة بما ظل يشير إلى أسباب تكرار و إستمرار و إتساع نطاق الأحداث ، و تسليع للقتلى بمقابل مالي .
خامسا: في خلال ديسمبر ٢٠٢١ حدث اعتداء ونهب على المقر الرئيسي السابق لبعثة حفظ السلام المشتركة ، و مخازن منظمة الغذاء العالمي جميعها فى مدينة الفاشر ، وفقا لتصريحات والى شمال دارفور فقد إتهم دون تسمية بعض الحركات الموقعة على إتفاق السلام ٢٠٢٠ ، فيما تشير بعض المعلومات إلى الإجراءات مثل القبض على بعض المشتبه بهم قيد التحقيق .
سادسا : خلال سجلات الأحداث فإن مشتركة فى غياب تحقيق العدالة ، إرتباك الاجندة السياسية المرتبطة بالأمن الداخلى ، إهمال خطة مرتبطة بمناطق الصراع و حماية المدنيين ، غياب دور الدولة فى تقديم الخدمات بما يشمل تنظيم العلاقة بين القطاعيين الزراعي والرعوي بما يرتبط بالمسارات و مراجعة مواعيد الطلق مع الأخذ فى الإعتبار بأن الدولة المركزية تاريخيا ظلت تدعم القطاع الرعوي فى غرب السودان دون القطاع الزراعي و العكس في شرق السودان بالإعتماد على المساهمة النهائية في الدخل القومي ، و يمكن ملاحظة أنه مع غياب دور الدولة في الراهن للقطاع الرعوي الإ أن صادر الماشية زاد بمعدل أربعة مرات في العام ٢٠٢١ مقارنة بالعام ٢٠٢٠
الخلاصة : ان القرار رقم ٣/٢٠٢١ لا علاقة له بطبيعة وسجل الأحداث فى أقاليم دارفور و لن بساهم سوي في أعادة تراجع الحالة الأمنية في إستمرار لخطل مواجهة الأسباب الرئيسية بالقرارات والإجراءات الأمنية غير المجدية و التى تكلفتها الإقتصادية أن وجهت للعدالة فقد تحقق نتيجة ملموسة ، هذا فضلا عن أن الحالة لا تخرج عن كونها أحد صور الصراع بين شركاء السلطة لكنه يتخذ جغرافيا بعيدة عن المركز كما حدث من قبل في بورتسودان ، كسلا ، أبيي ، فتا برنو ، الجنينة ، مستري ، نيرتتى ، فهاهي أطراف إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ تدخل دائرة الصراع بما يشير إلي هزيمة الإتفاق الذى في جوهره يحتاج إلى تقييم ومراجعة فى سياق هل ماتم هو إتفاق سلام أم تسوية سياسي و مسئولية كافة الأطراف مدنيين و عسكريين ممن قادوا ملف التفاوض من جانب الحكومة الإنتقالية بالإضافة إلي كافة من ساهموا فى الحالة بأشكال مختلفة فالحالة ليست قاصرة على ما يجرى فى أقاليم دارفور بل مجمل ما ظل يحدث و على وجه الخصوص التراجع السياسي الراهن .